تونس-الصباح
كثيرون يؤكدون أن البلاد في مفترق طرق، وآخرون يتحدثون عن ركود سياسي وتوازن الضعف في وقت تتعمق فيه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. وحتى مبادرات الإنقاذ التي تطلق من هنا وهناك لا يبدو أي طرف منها قادر على تغيير المعادلة أو فرض إرادته على الجميع ودفعهم للجلوس على طاولة الحوار.
أمام هذا المشهد المتأزم مع تنامي المخاوف من تمترس كل طرف وراء موقفه والدفع رويدا رويدا باتجاه تغذية تنازع الشرعيات بين رئيس الجمهورية ومعارضيه في ظل واقع اجتماعي محتقن ووضع إقليمي ودولي متحرك، عاد الحديث من جديد عن أهمية الوساطات في تقريب وجهات النظر. وضرورة تحرك العقلاء في هذا الوطن للدفع لتغليب المصلحة العليا للبلاد ولم لا التفكير من جديد في مسألة المصالحة الوطنية الشاملة التي لم تر النور للأسف في وقت يصر البعض أن لا خلاص لتونس إلا بمصالحة حقيقية تخرج البلاد من دائرة التطاحن السياسوي والإيديولوجي وتضعها على سكة المنجز الاقتصادي الذي يطالب به التونسيون وينتظرونه منذ 10 سنوات.
صوت العقل
هذا البحث عن صوت العقل والحكمة المفقودة من الجميع اليوم دفع البعض إلى التقاط تصريح محمد الناصر رئيس البرلمان السابق، أول أمس إلى إحدى الإذاعات على هامش الذكرى الثلاثين لوفاة الهادي نيورة، كمؤشر ربما لإمكانية اضطلاع الرجل أو غيره بوساطة لتقريب وجهات النظر وتمهيد الطريق لقبول مبادرة إنقاذ يرحب بها الجميع.
وقد أكد محمد الناصر أن "الأزمة التي نعيشها حاليا هي سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية، وهناك جانب يرى أن الحلول لهذه الأزمة يكون بتغيير كامل بالرجوع إلى ما كنا عليه قبل 25 جويلية، وهناك جانب آخر يرى أن مسار 25 جويلية يجب أن يتواصل"، مضيفا أن "مبادرة الاتحاد ممتازة، '' أحييه عليها'' والاتحاد منظمة لها بعد وطني وسياسي وساهمت سابقا في الحركة الوطنية وفي تحقيق الاستقلال وتحرير البلاد وبناء الدولة".
ويعتبر المرحبون بتصريح محمد الناصر أن الشخصيات الوطنية المشهود لها بالحكمة والنزاهة والحياد يجب أن تضطلع بدورها في القيام بوساطات لتقريب وجهات النظر بين الرئيس والمنظمات الوطنية التي تعتزم طرح مبادرتها عليه وبين بقية الأطراف المعنية بشكل أو بآخر بالحوار والجلوس حول خيار إنقاذ حقيقي للبلاد.
ثم أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن هذا الخيار لحلحة الأزمة حيث عمد سابقا الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي إلى التباحث قصد تشكيل لجنة حكماء للخروج من الأزمة السياسية حينها في 2016.
أزمة ثقة
غير أن السؤال المطروح اليوم، وفي ظل أزمة الثقة المتواصلة والمتفاقمة بين الأطراف السياسية فيما بينها وبين الشارع وعموم الطبقة السياسية وفي ظل واقع "التصحر" الذي عاد ليلقي بظلاله على المشهد العام في البلاد مع شبه اختفاء وانحصار لكل أصوات العقل والحكمة ولخطابات التعقل والرصانة والمصلحة العليا والمصالحة الشاملة، من تبقى من الشخصيات الوطنية الوازنة والمحايدة القادرة على لعب هذا الدور المنشود؟ وهل يسمح واقع توازن الضعف اليوم لأصوات العقل أو للوساطات بلعب دور ما؟ وهل بإمكان رئيس الجمهورية تغيير وجهة نظره والاستماع إلى وساطات أو مقترحات وهو الذي دأب على المضي في خياراته إلى النهاية؟
دون تشاؤم ولكن بنظرة واقعية بحتة لا توجد اليوم مؤشرات على إمكانية نجاح المبادرات والوساطات وهو أمر مطروح ويثير مخاوف الكثيرين بشأن مآل الأوضاع في البلاد مستقبلا في وقت أصبح البعض يستحضر مناخات أزمات مماثلة مرت بها البلاد وأدت إلى مواجهة ما .
فقد أكد الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، أمس خلال إحياء الذكرى 45 لأحداث 26 جانفي 1978، بخصوص المبادرة التي يعدّها اتحاد الشغل "للإنقاذ"، رفقة 3 منظمات أخرى، أنّ اتحاد الشغل "لم يتلق أي تفاعل بأي شكل من أي جهة رسمية، لكن كل الأصوات المناصرة للرئيس تعتبر أن دعوات الحوار جريمة أو مجرّد إنقاذ لحركة النهضة"، مشددًا على أنّ شرعية الصندوق يجب أن تفرز نسبة محترمة لا تقل عن 25 أو 30%، وأنّ الانتخابات القادمة لن تحل المشكل، لأنها بُنيت على قانون انتخابي غير منطقي وغير واقعي وغير عقلاني، سينتج برلمانًا مشتتًا"، وفقه.
مخاطر حقيقية
وتابع الطاهري أنّ "الأزمة الحالية في تونس تستدعي القيام بنضالات وتحركات في العديد من الجهات، وهي تقريبًا نفس العوامل الموضوعية التي توفرت في أزمة 1978، يُضاف إليها عمق الأزمة الاقتصادية في تونس الآن، وخطاب سياسي محرّض ضد المنظمة، فيه تهييج وتجييش للشارع، ومحاولة إظهار الاتحاد على أنه عدو للوطن"، وفق تصريحه.
من جهته اعتبر الناشط السياسي ورئيس منتدى آفاق جديدة، عبد الحميد الجلاصي، في تصريح إذاعي أمس أنّ "قيس سعيّد لم يجنح إلى الحوار، وقدر من التشاركية بإمكانها تجاوز الأخطاء والمعضلات التي يُقرّ بها الجميع ليتضح بعد مدّة طويلة أنّ عامّة التونسيين بعد أن نفروا من الطبقة السياسية التي كانت فاعلة قبل 25 جويلية بصدد النفور من رئيس الجمهورية قيس سعيّد، ممّا أدى إلى حالة من الفراغ القيادي في البلد وغياب الأفق في ظلّ عدم إيجادهم لما كان يأملون فيه من تحسين معيشتهم ليلتحق قيس سعيّد بقائمة الطبقة السياسية التي تبيع كلاما ولا تفعل شيئا على الأرض".
وأفاد عبد الحميد الجلاصي بأنّ البلاد "تعيش حاليا وضعية توازن عجز في ظلّ عدم قدرة رئيس الجمهورية قيس سعيّد على حلّ مشاكل المواطنين ولا بإمكان المعارضة السياسية تشكيل بديل تستعيد به ثقة الجماهير".
م.ي
