تونس – الصباح
شغورات بالجملة وفي عديد المناصب والوظائف الحساسة هذه الحالة لم تعد استثنائية لأنها تتواصل لأشهر وأحيانا لسنوات مثلما تشهده البعثات الدبلوماسية في عديد الدول من شغور على مستوى رئاسة البعثة.. حيث تشير آخر الأرقام إلى أن الشغورات الموجودة على مستوى السفراء والقناصل تتجاوز 30 شغورا على غرار سفارات الصيّن وتركيا وقطر وإيطاليا.
وقد أكد إبراهيم الرزقي كاتب عام نقابة السلك الديبلوماسي في تصريحات سابقة وجود شغورات في حوالي 33 مركزا ديبلوماسيا وقنصليا بالخارج منذ سنة 2021 مبينا أن الشغورات تتوزع بين 21 سفارة و12 بين قنصلية عامة وقنصلية.
ولا يقتصر الشغور على المستوى الدبلوماسي لتصيب العدوى المؤسسات العمومية مثل المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية والأرصاد الجوية ومؤسسة التلفزة التونسية ومؤسسة الإذاعة الوطنية، إضافة إلى الشغورات في الحكومة والتي شملت كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج المكلفة بالتعاون الدولي، حسب ما جاء في آخر بيان لمنظمة "أنا يقظ" الصادر بتاريخ يوم 25 جانفي الجاري.
وفي تعليقه على الموضوع أشار مهدي عبد الجواد الناشط السياسي إلى أن هناك العديد من السفارات دون سفراء وكذلك قنصليات دون قناصل فضلا عن مراكز دبلوماسية أخرى، بعضها في دول مهمة مثل الصين وإيطاليا وفرنسا وكندا، في وقت أن وزير خارجيتنا غائب، وتونس لأول مرة تخسر كل مواقعها في المنظمات الدولية، إضافة لذلك عشرات الشركات الدولية تغادر البلاد ولم تعد تونس بلدا جاذبا للاستثمار وهذا يعكس عجز الدبلوماسية التونسية على القيام بدورها.
وأضاف عبد الجواد أن مصالح التونسيين بالخارج تضررت وكل يوم أخبار مؤلمة مثل المرأة التي توفيت رأس السنة في مركز إيقاف ببلجيكا، وفضيحة التخدير التي يتعرض لها المهاجرون في ايطاليا، كما أن مصالح تونس الخارجية مهددة، وتونس لا صوت لها في ما يجري في المنطقة من لقاءات واتفاقيات ليس آخرها اعتبار رئيسة حكومة ايطاليا الجزائر قاعدة الاستثمار الأوروبي في إفريقيا.
ولايات بلا ولاة.. ومناصب إدارية شاغرة
وعلى مستوى داخلي قال عبد الجواد انه تم تسجيل أكثر عديد الشغورات في منصب الوالي في أكثر من ولاية في هذه الظروف الصعبة ما أدى إلى تعطل مصالح المواطنين، وهذا يعكس إهمال للصالح العام، ومخطئ من يعتبر أن السياسة ليست جملا وإنشاء وبحثا على المجاز، بل السياسة هي خدمة الناس وقضاء حوائجهم، واليوم السيد الرئيس "يُهمل" تماما خدمة التونسيين ولا يهتم بغير تكريس مشروعه وترسيخ دعائم الحكم.
وتشهد ولاية قابس فراغا إداريا حيث يوجد بالجهة شغور على مستوى العديد من المناصب الأساسية للعمل الجهوي. وتفتقد الولاية إلى معتمد أول وتشكو شغورا على مستوى الكتابة العامة بعد أن تمت نقلة كل من معتمدها الأول وكاتبتها العامة السابقين إلى ولاية باجة.
كما أعلنت رئاسة الجمهورية، في 6 جانفي 2023، أن الرئيس التونسي قيس سعيّد قرر إقالة ووالي صفاقس فاخر الفخفاخ، دون ذكر الأسباب.
وأشار عبد الجواد إلى أن عشرات المناصب الإدارية والمعتمدين والعمد شاغرة وهذا أمر غير مقبول ولو أن عدم التعيين أحيانا أفضل، لأن الرئيس فشل في اختيارات من يعيّنهم. من رؤساء حكومات إلى مستشارين إلى وزراء إلى ولاة إلى مديرين.
وذكر عبد الجواد بان هناك من يرفض تحمل المسؤولية في منظومة قيس سعيد، لان منسوب الثقة التي كانت لدى الرئيس تضاءلت بدليل نسب المشاركة في العمليات الانتخابية الأخيرة، كما أن صوت المعارضة صار قويا، لذلك فإن الكثيرين يفكرون ألف مرة قبل القبول بمنصب في منظومة حكم لا يعرف مدى بقائها ولا مستقبلها.
وكانت منظمة "أنا يقظ" أصدرت الأربعاء الفارط بيانا تحدثت من خلاله عن أنّ الشغورات التي تتزايد يوما بعد يوم من شأنها إرباك عمل الدولة وتدعيم سياسة التملص من المسؤولية والإفلات من العقاب.
وتساءلت المنظمة في بلاغها "هل أنّ خلق الشغورات بصفة اعتباطية وانتهاج سياسة التكليف بالتسيير هل سببها انعدام الكفاءات أم غياب الولاءات أو تجنب التورط في نظام حكم فاشل يميل بشكل متدرج إلى التسلط والانفراد بالسلطة"؟
كما تطرقت "أنا يقظ" إلى مرور سنة كاملة على “استقالة أو إقالة” مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة ليبقى بذلك هذا المنصب شاغرا مع غياب بوادر لسدّ هذا الشغور رغم أهميّة هذا المنصب، إضافة إلى شغور بقية المؤسسات التابعة لرئاسة الجمهورية مثل منصب رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان منذ شهر أكتوبر 2021 ومنصب الموفق الإداري منذ 18 جانفي 2022.
ولاحظت "أنا يقظ" أنّ هذا التراخي أو العجز عن سدّ الشغورات يتجاوز القصر الرئاسي بكثير، ليشمل السّلطتين التنفيذية والقضائية وحتى تمثيلية الدوّلة التونسية بالخارج، فبعض الولايات تشهد منذ أشهر غيابا لمنصب الوالي بعد إنهاء مهامهم من قبل رئيس الجمهورية على غرار الكاف وباجة وأخيرا صفاقس رغم أنّ قرار إنهاء مهام هذا الأخير لم يصدر بالرّائد الرسمي بعد، كما أصاب الشغور عديد الهيئات مثل هيئة مكافحة الفساد الذي لا يزال مصير موظفيها وأعوانها غامضاً إلى حد الآن".
تعيينات غير موفقة..
من جانبه اعتبر زهير المغزاوي أمين عام حركة الشعب أن تونس فيها العديد من الكفاءات التي يمكن استغلالها لكن لرئيس الدولة الماسك بزمام الأمور قام بعديد التعيينات غير الموفقة سواء على مستوى الولاة وحتى الوزراء.
وقال المغزاوي "من غير المعقول تواصل الشغور في عديد المناصب الحساسة في الدولة خاصة على مستوى السفراء في العديد من الدول الأوروبية والإفريقية وحتى على مستوى القصر الرئاسي فتقريبا كل الوظائف باتت شاغرة وكذلك على مستوى الحكومة حيث لا يوجد إلى حد الآن من هو مكلف بالتواصل مع الإعلاميين والصحفيين وذلك من ينسق العمل بين الأحزاب والمنظمات الوطنية ورئاسة الجمهورية هذا بالإضافة إلى الشغور على مستوى خطة رئيس الديوان".
حالة فراغ.. وتعطل مصالح الدولة والتونسيين
وعلق الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي على حالة الفراغ التي تفشت في عديد المناسب والوظائف العليا في الدولة واصفا الوضع "بالكارثي" واعتبر أن غياب رئيس بعثة دبلوماسية يؤدي إلى تعطل مصالح اقتصادية ومصالح التونسيين بالخارج.
وأشار العبيدي إلى أن دولة مثل ألمانيا التي يمثل مستوى التعاون بينها وبين تونس مهم جدا إلى حد الآن لا يوجد سفير تونسي بها لأكثر من سنة، وهذا مشكل على مستوى الخارجية التونسية التي يجب أن يكون لها دور هام وتعلم رئيس الدولة بتداعيات مثل هذه الشغورات على المستوى الاقتصادي والسياسي وحتى الثقافي على بلدنا.
وذكر العبيدي بان عديد الدول التي لا يوجد بها سفير تونسي يعاني فيها التونسيون على مستوى انتهاك حقوقهم مثل صربيا وايطاليا، مضيفا "أن السياسة قبل كل شيء حنكة وخبرة لكن للأسف إلى حد الآن الرئيس لا يعرف كيف يخاطب شعبه".
جهاد الكلبوسي
