يرويها: أبو بكر الصغير
إن الشعب دون سيادة ليس فقط شعبًا محرومًا من الحرية، بل هو شعب مهدد في وجوده. سيادة الشعب هي الدولة المجردة، إنها روح الوطن. السيادة تترجم الإرادة ولكن من الضروري التمييز بين التعبير عن هذه الإرادة من ترجمتها إلى أفعال. إن التعبير عن سيادة دولة ما يتم على مستوى قادة هذا البلد، ويتم توجيهه إلى قادة الدول الأخرى. تعتبر مفاهيم سيادة الدولة وسلطة الدولة مرادفات، لكن معناها المشترك المفترض مثير للجدل، لاسيما لأنه يأخذ طابعا قانونيا للبعض وطابعا واقعيا للبعض الآخر. فسيادة الدولة بمثابة قانون لما ستكون عليه سلطة الدولة في الواقع. ويمكن تصور السيادة كحق في الحق عندما تحدد السلطة حالة الدولة. هذا هو معنى التمييز بين سيادة الدولة والسلطة، تُفهم السيادة على أنها امتياز قانوني، مثل "المعيار الأساسي" في حين تُعتبر السلطة بيانات واقعية يمكن الوصول إليها تجريبيا، مما يعكس القوة والفعالية الحقيقية لعمل الدولة. إذا كانت السلطة في روح الدولة، فذلك لأنها ارتبطت منذ فترة طويلة بالسيادة.
لطالما رفع الفاعل السياسي الوطني وفي عديد المناسبات مسالة السيادة، حاسما، رافضا أيً شكل من أشكال التدخّل حتى لو صدر من قبل قوى عظمى حليفة في موضوع موصول بشان داخلي. بل اتّجه هذا الفاعل إلى اتهام الخصوم والمعارضين بالنيل من سيادة تونس واستقلال قرارها الوطني. اليوم وأكثر من وقت مضى، تغدو قضيّة السيادة على المحكّ، فالسيادة الوطنية ليست موقفا سياسيا مجرّدا بقدر ما هي كذلك فعل وممارسة ومنهج حكم.
فإذا كانت الأسلاك الحاملة للسلاح من مؤسسات الدولة كالأجهزة الأمنية والعسكرية لها مسؤولية حماية الأمن الداخلي ودحر المخاطر الخارجية، فانّ الأحزاب والمنظمات الوطنية موكول لها الدفاع عن المصلحة الوطنية ومؤازرة ودعم الدولة في بناء سيادتها والحفاظ عليها .
واجهت تونس خلال أيام مضت تحدّيين لسيادتها، الأول: ما اصطلح على وصفه اجتماع أوسلو الذي تمّ تنظيمه بدعوة من وزيرة الشؤون الخارجية النرويجية ومن رئيسة الكنفدرالية النرويجية للنقابات (LO) وكذلك من رئيس الكنفدرالية النرويجية للمؤسّسات (NHO) جمع فريقين حكومي ومن المنظمات الوطنية، تحديدا وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي ورئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سمير ماجول. التحدّي الثاني: تصريحات رئيسة الحكومة الإيطالية، جورجيا ملوني، خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعها مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، والتي قالت فيه إنهما: "ناقشا الوضع في تونس معًا وتوقعات السيناريوهات في هذا البلد (تونس)". اعتبرت عديد الجهات وفي تقدير موقف من هذه "الحادثة" تدخّلا في شأن تونسي - تونسي من قبل اقرب بلدين شقيق وصديق. لم نسمع لحدّ اليوم، موقفا من قبل وزارة الخارجية يضع كلّ هذه الأمور في سياقها السليم بما هو موصول بسيادة تونس التي لا يختلف اثنان أنها تعدّ العنوان الأساسي في المشروع الرئاسي الرّاهن. كلّ الخوف، أن نرى غدا عنوانا اسمه "ملفّ تونس" موضوع على طاولات عواصم القرار والقوى المؤثرة في الداخل الوطني!. لا توجد سعادة للإنسان أكثر من حرية موطنه، فالمرء لم يولد من أجل نفسه فقط بل كذلك من أجل وطن وهوية وانتماء، فنحن ننتمي إلى أوطاننا مثلما ننتمي إلى أمهاتنا .
