*إنّ ما حصل لم تكن انطلاقته من رحم الشعب ولا من عمق الجماهير
بقلم: مصدّق الشّريف
يمكن القول إنّ التّونسيّين والتّونسيّات اهتمّوا بما سيجدّ يوم 14 جانفي 2023. وقد حبست أنفاسهم نظرا إلى ما تعيشه البلاد من احتقان اجتماعيّ وسياسيّ غير مسبوق منذ شهور لاسيما مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على المقدرة الشرائيّة لجميع النّاس.
تحدّثت وسائل الإعلام كلّها قبل أسبوع من تاريخ 14 جانفي وأكثر عن استعداد المعارضة والمنظمات الوطنية للاحتفال بهذا اليوم. وتنوعت برامج مختلف الأطراف لإحياء ذكرى 14 جانفي 2011. كلّ غنّى على ليلاه. هناك من طالب بتنحية رئيس الجمهورية قيس سعيّد. وهناك من أكّد ضرورة إيقاف مهزلة الانتخابات التشريعية وإبطال دورتها الثانية المقرّرة ليوم 29 جانفي 2023 على حدّ تعبيره. أما بعضهم الآخر فقد نادى بإنجاح المبادرة الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي يقودها الاتّحاد العامّ التونسيّ للشّغل بمشاركة الرّابطة التّونسية للدّفاع عن حقوق الإنسان وعمادة المحامين.
وفعلا خرجت الأطياف السياسيّة كلّها على الملأ بما فيها التي غابت عن السّاحة السياسيّة مدّة طويلة ولم تكن في الحسبان (حزب التّحرير). وخرجت المنظّمتان الوطنيّتان تتقدّمهما نقابة الصحافيين التونسيّين.
وإن أخذنا بعين الاعتبار العدد الهائل لمعارضي رئيس الجمهوريّة ومشروعه السياسيّ والاقتصاديّ خاصّة بعد صدور قانون المالية الجديد لسنة 2023، فإنّ الجماهير التي خرجت يوم 14 جانفي 2023 لم تكن غفيرة ولم يكن عددها متناسبا مع ما سمعنا عنه من تحضيرات تطلّبت أياما عديدة.
ثم ماذا كانت النتيجة؟هل تغيّر المشهد السياسي كما وعدوا؟ هل زُلزلت الأرض تحت أقدام الرئيس وحكومته؟ هل صار له في هذا اليوم مثل ما صار للرّئيس بن علي يوم 14 جانفي 2011 أو حتّى ما يشبهه؟ ولماذا خمدت الشّعارات وخطابات التّحريض والتّجييش والوعد والوعيد منذ ظهر ذلك اليوم؟
في اعتقادنا أنّ الإجابة عن هذه التّساؤلات سهلة. إنّ الشّارع السياسيّ الذي قاده أصحاب الملابس الفخمة وربطات العنق والخطابات الفوقيّة لم يتمكن من استقطاب الشارع الاجتماعيّ رغم كلّ المحاولات.
إنّ ما حصل كان من الأصل مصطنعا مفبركا. لم تكن انطلاقته من رحم الشعب ولا من عمق الجماهير. وإنّ الشارع الاجتماعيّ قد رغب عن هؤلاء بعد أن جرّبهم وفضح الكرسيّ حقيقة أمرهم. وقد أتتنا الأخبار من الكواليس مفيدة أنّ معركة الزّعامة قائمة اليوم على أشدها فيما يُسمى جبهة الخلاص.
لم يستجب الشارع الاجتماعيّ لأنه أدرك أن المعركة الحاليّة لا تعنيه في شيء. وشهد له التاريخ بأنّ معركته الحقيقيّة كانت من 17 ديسمبر 2010 وصولا إلى 14 جانفي 2011. فخرج من أجلها على بكرة أبيه بصفة متواصلة مطّردة. ملأ الشّوارع والسّاحات وهتف عاليا حتى بحّت الحناجر. لقد راهن التّونسيّون على الانتصار. وقدّموا الشهداء والجرحى من أبنائهم في سبيل ذلك.
يوم 14 جانفي 2023، فشل المعارضون والمنظّمتان الوطنيّتان في تعبئة الشّوارع والسّاحات فكان الشّارع السياسيّ في الضفة والشارع الاجتماعيّ في ضفّة أخرى.
عمد بعضهم إلى تحريك بعض الجهات في اللّيالي السابقة ليوم 14 جانفي باستغلال الأطفال والمراهقين ودفعهم لإشعال فتيل الاحتجاجات بإشعال العجلات المطّاطيّة في الطّرقات ورمي الحجارة والزجاجات الحارقة على مراكز الأمن ورجالها وسياراتهم. ولكن انكشف القناع وخابت مساعي المحرّضين. غرّروا بأبناء البؤساء والمضطهدين والمحرومين في حين أنّ أبناءهم في النّعيم يرفلون وخارج البلاد يواصلون دراساتهم الجامعيّة وبحوثهم العلمية.
لم ينضمّ الشّارع الاجتماعي إلى قيادة منظمة حشّاد ولن ينضمّ إليها لأنه غير راض عمّا حصل داخلها من تجاوزات لا سيما بعد "تعديل" نظامها الداخلي والانقلاب على الفصل العشرين منه والإعلان عن عديد الإضرابات العشوائية التي كانت غايتها سياسيّة بشكل واضح. هذه العوامل كلّها جعلت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل تفقد الكثير من مصداقيتها حتّى انفض الكثيرون من حولها.
إنّ عزيمة الشعوب لا تقهر. ولن يكون مصير التّونسيّين والتّونسيّات غير النّصر المبين ولو بعد حين. ولكن ليس لذلك أن يتحقّق إلاّ بإرادتهم الخالصة الصّادقة في نصرة تونس وعزتها وسيادتها.