إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الفنان المسرحي فتحي العكاري لـ"الصباح": مسرح البيت " وثيقة تاريخية" للجامعيين والنقاد.. بلغة وشفرة مغايرتين

تونس -الصباح

لعل أهم ما يميز الفنان عامة، إلى جانب ثقافته الواسعة وتبحره في دائرة تخصصه، هو ذلك الشغف الذي يتملكه للتغيير والبحث عن مقاربات خاصة من شأنها أن تغير المسارات وأن تحدث ضجة أوجدلا حول ما هو سائد ومجتر..

وفتحي العكاري المسرحي والجامعي والباحث يعد من بين هؤلاء الذين كرسوا حياتهم من أجل الفن وتصور نظريات .. يسعى دائما أن يكون متلونا وألا يكرر نفسه في مختلف أعماله الفنية..

 ولئن بدت أدواره في الدراما التلفزية او السينما أدورا ثانوية فقد تميزت بالتماهي والانصهار داخل الشخصيات...

ولايخفى عن المنتمين الى الأوساط الفنية أن أرسطو وبراشت عمودا المسرح كانا بالنسبة إليه مصدر إلهام في بحوثه ومشاريعه الفنية لينشئ مختبر الممثل الباحث ومسرح "الكاووس" كأول تجربة في العالم العربي بالتعاون مع وجوه مسرحية على غرار مريم العكاري وسامي النصري.. مشروع كان وراء تأليف "بيداغوجيا الخلق المسرحي" بمشاركة مختصين وباحثين  في الانتربولوجيا وعلم الاجتماع  وغيرهم.

لهذا كان أب الفنون بالنسبة لفتحي العكاري غير مقيد بأبجديات العمل المسرحي بل نافذة لسبل التغيير وعمق الطرح..

"الصباح" كان لها لقاء مع الفنان فتحي العكاري للحديث عن مشاريعه الفنية، وعن حال الفن الرابع والفنون الأخرى في تونس فكان الحوار التالي:

حوار: وليد عبداللاوي

*على غرار العديد من الأعمال الدرامية أو الأفلام السينمائية، نالت مشاركتك بدور ثانوي في "سفاح نابل" استحسان الكثيرين، لكن متابعي فتحي العكاري جعلهم في تساؤل دائم : لماذا لا نراه في أدوار بطولة؟

- بداية وقبل الإجابة عن السؤال أود التفاعل إزاء فحوى ومعنى التساؤل.. إذ ورد فيه لفظ "دور" و"ثانوي" وهنا أود أن أؤكد اني لا أؤدي دورا أو وظيفة بل أكون.. أتجسد ولا أُجسد شخصية أخرى ألعب فيها لعبة الآن وهنا.. أول مرة في كل مرة..ثم إن القيمة الفنية لا تقاس بالمنطوق اللفظي والوجود الزمني ولا بماهو سائد من حيث منهجية التقييم أو النقد الفني، شخصيا لا أتبناها..

أدرك جيدا أن العديد من المتابعين لأعمالي يرون ان الأدوار التي تقمصتها عامة لا تعكس القيمة الفنية.. حتى الذاكرة الشعبية تحتفظ بنفس الانطباع تقريبا.. علما وان لي حيزا كبيرا من الزمن أستغله قدر المستطاع في التأليف والمطالعة والورشات المسرحية وأحاول جاهدا أن أكون حاضرا للمشاركة في أي عمل فني مهما كان صنفه..

سؤالكم يحيل كذلك إلى شخصية فتحي العكاري مقارنة ببقية الممثلين، إذ يراه البعض مهمشا أو هامشيا.. وهنا أقول : نعم كنت مهمشا واخترت أن أصبح هامشيا واردت أن اغير مركز الاهتمام من مركز الحركة إلى نقطة وجودي انا، ليجد الآخر مداخل  فتتعدل نقاط الهوامش وتخلق حلقات وتصبح مراكز اهتمام للهامشيين أو للأقليات الفكرية الذين لهم الحق في الوجود.. ثم إني لو أردت أن أكون موجودا في أغلب الاعمال الدرامية والسينمائية وجعلت شخصي ضرورة لاهل القرار في انتقاء الادوار لفعلت.. كما أن وجودي بالنسبة للبعض يعد أمرا مقلقا ومخطرا من حيث نوعية التفكير والطرح..

أعود للب الموضوع لأستشهد برأي روماني يقول: "القيمة لا تعد وتقاس أو تقيم بعدد الأيام".. بين المحبوب والمستباح وبين جميع التضادات أجد نفسي..

بالنسبة لدوري في فيلم "سفاح نابل" وخاصة خلال مواجهة ابني إثر اغتيال أمني وتلك النظرات المتبادلة الغريبة، واستبطان تاريخ الشذوذ والذبح والقتل واستحضار السجون التي تمثل بلدا بكل فئاته الاجتماعية.. في ذلك الدور كنت سعيدا بارتجالي تلك الابتسامة.. وأعتقد أنه ستتاح لي العديد من الفرص الاخرى في أعمال فنية مغايرة..

* بعد متابعتك "سفاح نابل" كيف لك أن تقيم الفيلم وهل ترى أن السينما التونسية في أحسن أحوالها ؟

-ما لاحظته منذ 2011 أن فئة السينمائيين هي من أثمرت المبادرات لأنها تتمتع بمميزات التأهيل وتتميز بالكفاءات الفنية والتقنية التي كانت كفيلة بأن تجعل أعمالا سينمائية لصيقة عضويا بالشعب التونسي أضفت نوعا من الجمالية التي أفرزت جيلا جديدا واعدا على غرار علاء الدين سليم، عبد الحميد بوشناق، لسعد الوسلاتي، كريم بالرحومة.. ساهموا في اختراق الموجود بأعمالهم والبحث عن بدائل فنية أرجو أن تلقى ترويجا يعكس قيمتها على المستوى المحلي والعربي..

ويبدو ان السينما التونسية حاليا في فترة نمو إذ هناك بذرات جديدة و"فاح" جديد عند السينمائيين كذلك الموسيقيين من خلال مواكبتهم لأهم الاحداث.. المسرحيون ولسوء الحظ وعدة اعتبارات فشلنا في الانتماء عضويا لهذا الشعب ولحرب المبادئ والقيم التي نعيش والظروف والحواس وما إلى ذلك، وهنا أتحدث عن أغلبية المسرحيين، ما يجعلني أبحث عن لغة جديدة وفن مسرحي جديد بعد ارسطو وبراشت ولهذا بادرت بمسرحية حديثة "مقاطع" ومسرحية أخرى بصدد تحضيرها..

*ماذا عن تجربتك الجديدة في "المسرح المنزلي"؟

-هنا أريد أن أذكر الى انه في بداية الثمانينات رفضت الرقابة آنذاك عرض "خرفلي عيشك" لفتحي العكاري وعز الدين قنون في ساحة الحمراء في إطار المسرح العضوي، بمشاركة بشرى الأدغم وسعاد بن سليمان.. حينها ارتأيت إلى أن أكمل دراساتي المعمقة في فرنسا ثم أدمجت فكرة "المسرح في البيت" للضرورة التاريخية خاصة بعد صنصرة الرقابة في تونس.. واكتشفت أنّ العديد من المسرحيين سبقوني في هذه التجربة على غرار الفرنسي "انجل" .. علما واني حاولت فيما بعد أن أخلق جمالية أخرى لمسرح البيت..

في باريس جهزت حقيبة تحمل أدوات إضاءة وتنقلت بين العديد من المنازل وتمكنت من عرض عشرة عروض مع درس المقاطع والاماكن التي سيقوم عليها العمل إن كان في شرفة المنزل أو في قاعة من القاعات أو في الحديقة.. لكن من المؤسف بل من الخبث أو الهزل السياسي أني تقدمت بمطلب إلى وزارة الثقافة بينت فيه أني أدمجت "مسرح البيت" في أطروحة البحث وطلبت الدعم كي أستطيع أن أتنقل وأن أطور فكرة "المسرح البديل".. فما راعني إلا واتهمت مؤخرا من طرف لجنة المراقبة بالإخلال بالقيم والمبادئ.. سنة بعد قرار اللجنة تحصلت على خمسة آلاف دينار وهنا يتبين أن أهل القرار فيما يخص المنح والدعم ينسبون ويغيرون المواقف كما يشاؤون..

الإشكال الآن هو نفسه، مسرحية "مقاطع" التي تندرج ضمن "مسرح البيت" لم تدعم من وزارة الثقافة.. واتمنى ان تقتني لجنة الشراءات أعمالا تعرض في المسارح أو في المنازل على حد سواء وسنطالب توفير أماكن بديلة للعروض ولم لا مسرح بفضاءات عمومية في مراحل متقدمة مثل الاماكن الأثرية، الجبال ، الصحراء..كما سنسعى الى أن يكون المسرح في المنزل بلغة أخرى وشفرة أخرى وعبارة عن وثيقة تاريخية ووثيقة للجامعيين والدارسين والنقاد ..

*ونحن نتحدث عن الفن الرابع..تونس الآن دون مسرح وطني..هل من تفسير لهذا القرار؟!

-للأسف المسرح اليوم دون مؤسسة وطنية.. وإن كان موجودا في مراكز الفنون الدرامية كوظيفة وطنية فإن غياب تسمية مدير للمسرح الوطني وتأجيله الى الآن يرجع بالأساس لاقترانه بوظيفة سياسية ومن ثمة يجب الاحتياط والتحري حسب المواصفات الموجودة في القانون وحسب الانتماءات والتموقعات السياسية.. وأعتقد أنه من العيب أن فعالية المسرح الوطني تظل غائبة أكثر من سنتين، غياب من حيث التكوين والإنتاج والتوزيع وإشعاعه داخل البلاد وخارجه.. وهنا أستغل الفرصة للمطالبة بالإسراع لتعيين مدير لأن أهمية الزمن لا حدود لها لا سيما أنه كنا باستطاعتنا إنتاج ثلة من الأعمال المسرحية وبالتالي تحافظ الساحة الفنية على الحراك الفكري..

وإن كانت الثقافة مسألة ثانوية بالنسبة لأهل القرار الذين يتهربون من المسؤولية فإننا نعيدهم الى رشدهم ونذكرهم ونقول لهم : الثقافة والفن مسألة حياتية وحيوية للمواطن والمجتمع ولتاريخ الشعب..فكفاكم خبثا وتجاهلا..

*لو تحدثنا عن دورك في المسلسل التاريخي "معاوية" ؟

- أعتقد أن السعودية مولت المشروع بما يكفي ويزيد.. اطلعت على دوري وكان دور أبي ذر الغفاري وشخصيا لأول مرة أخوض مثل هكذا تجارب في المسلسلات التاريخية..ابو ذر الغفاري الذي يحمل فكرا مختلفا عن معاوية، وفي اطلاع على السيناريو هناك جملة وردت في النص أتبناها بكليتها وأجد فيها ضالتي "يمشي وحده، يعيش وحده ويموت وحده ".. ثلاثية تنطبق مع ذاتي لكن لسائل أن يسأل كيف ستكون طريقة المشي؟.... وأعتقد أن مسلسل "معاوية" سيثير جدلا واسعا على المستوى الفكري والسياسي والثقافي وأحتفظ مؤقتا بأسباب الجدل..

*هل أنهيتم "المؤلف الجماعي" ؟

- فكرة "المؤلف الجماعي" بدأت مع تأسيس المسرح البديل سنة 2011 ثم سنة 2019 بعد تقييمي للمجتمع الفني وخاصة المسرحي والتأكد من أن 80% من الطلبة تخرجوا من الجامعة حيث قررت تأسيس مفهوم الممثل الجامعي، الممثل الباحث واسسنا مختبرا للممثل الباحث وعملنا على مسرحية أسميناها "حالة طوارئ" وقمنا باستدعاء نقاد وجامعيين ليسلموا لنا مقالات علمية ثم موقع واب (أغلق فيما بعد لأسباب متعددة ) ثم فيديوهات بيداغوجية على مواقع التواصل الاجتماعي لأن لنا إيمان بدمقرطة المعرفة.. وأتمنى أن يصدر المؤلف الجماعي وهو على وشك الانتهاء في شهر مارس المقبل وتحديدا في اليوم العالمي للمسرح لاني أعتقد أن عمليات التحسيس إزاء التفكير في نظريات مسرحية أصبحت هامة جدا لا في ما ننتجه والمسرح والمتفرج وعلاقة المسرح بالوزارة وما إلى ذلك من امور بدت لي الآن سخيفة، اكل عليها الدهر وشرب..

بعد 100 عام من المسرح وبعد الخوض في الحياة المدنية والفنية والسياسية أصبحت أحاور جذعين جبابرة وهما أرسطو وبراشت.. أشعر بانه بيننا "نور القمر" في الصمت والسكينة والفرح وفي الفراغ الركحي أيضا.. من فراغ الورقة إلى فراغ الركح... وما نراه في العالم بعد براشت من موقع سياسة وفكر نظرية الكاووس، ترذيل الفوضى "théorie de Cao"المتضمنة "  la théorie papillon.."وبما أن ارسطو وبراشت لم يكونا على علم مسبق بالثورة التكنولوجية تبنيت فكرهما واردت إنتاج مسرح "الكاووس" وهو مسرح غير دارج في العالم.. نظرية "الكاووس" التي تفعل الآن في"الاستروفيزيك"astrophysique ثم في العلوم الإنسانية.. بحثي الآن يتعلق بجمالية مسرح الكاووس وهذا مضمن في مقالي بالكتاب (المؤلف الجماعي) .. نوعية الممثل الباحث والممثل الانتحاري ثم المنهج الذي ابتكرته وأسميته "البيتيقا" اي أخلاقيات الحياة.. مساهمة في التحريض والتعبئة عسى أن أحبب الناس في التفكير في الممثل الخالق..

وببساطة انا في لذة هذه الرغبة، في إيجاد هذا المسرح الذي يفوق الهوية التونسية العربية كفنان يتقدم إلى جهله ولا إلى علمه ومعرفته وما حييت ستكون لي الحياة فرصة استثنائية احياها وأتمتع بها ليكون الموت استحقاقا لي..

الفنان المسرحي فتحي العكاري لـ"الصباح":  مسرح البيت " وثيقة تاريخية" للجامعيين والنقاد.. بلغة وشفرة مغايرتين

تونس -الصباح

لعل أهم ما يميز الفنان عامة، إلى جانب ثقافته الواسعة وتبحره في دائرة تخصصه، هو ذلك الشغف الذي يتملكه للتغيير والبحث عن مقاربات خاصة من شأنها أن تغير المسارات وأن تحدث ضجة أوجدلا حول ما هو سائد ومجتر..

وفتحي العكاري المسرحي والجامعي والباحث يعد من بين هؤلاء الذين كرسوا حياتهم من أجل الفن وتصور نظريات .. يسعى دائما أن يكون متلونا وألا يكرر نفسه في مختلف أعماله الفنية..

 ولئن بدت أدواره في الدراما التلفزية او السينما أدورا ثانوية فقد تميزت بالتماهي والانصهار داخل الشخصيات...

ولايخفى عن المنتمين الى الأوساط الفنية أن أرسطو وبراشت عمودا المسرح كانا بالنسبة إليه مصدر إلهام في بحوثه ومشاريعه الفنية لينشئ مختبر الممثل الباحث ومسرح "الكاووس" كأول تجربة في العالم العربي بالتعاون مع وجوه مسرحية على غرار مريم العكاري وسامي النصري.. مشروع كان وراء تأليف "بيداغوجيا الخلق المسرحي" بمشاركة مختصين وباحثين  في الانتربولوجيا وعلم الاجتماع  وغيرهم.

لهذا كان أب الفنون بالنسبة لفتحي العكاري غير مقيد بأبجديات العمل المسرحي بل نافذة لسبل التغيير وعمق الطرح..

"الصباح" كان لها لقاء مع الفنان فتحي العكاري للحديث عن مشاريعه الفنية، وعن حال الفن الرابع والفنون الأخرى في تونس فكان الحوار التالي:

حوار: وليد عبداللاوي

*على غرار العديد من الأعمال الدرامية أو الأفلام السينمائية، نالت مشاركتك بدور ثانوي في "سفاح نابل" استحسان الكثيرين، لكن متابعي فتحي العكاري جعلهم في تساؤل دائم : لماذا لا نراه في أدوار بطولة؟

- بداية وقبل الإجابة عن السؤال أود التفاعل إزاء فحوى ومعنى التساؤل.. إذ ورد فيه لفظ "دور" و"ثانوي" وهنا أود أن أؤكد اني لا أؤدي دورا أو وظيفة بل أكون.. أتجسد ولا أُجسد شخصية أخرى ألعب فيها لعبة الآن وهنا.. أول مرة في كل مرة..ثم إن القيمة الفنية لا تقاس بالمنطوق اللفظي والوجود الزمني ولا بماهو سائد من حيث منهجية التقييم أو النقد الفني، شخصيا لا أتبناها..

أدرك جيدا أن العديد من المتابعين لأعمالي يرون ان الأدوار التي تقمصتها عامة لا تعكس القيمة الفنية.. حتى الذاكرة الشعبية تحتفظ بنفس الانطباع تقريبا.. علما وان لي حيزا كبيرا من الزمن أستغله قدر المستطاع في التأليف والمطالعة والورشات المسرحية وأحاول جاهدا أن أكون حاضرا للمشاركة في أي عمل فني مهما كان صنفه..

سؤالكم يحيل كذلك إلى شخصية فتحي العكاري مقارنة ببقية الممثلين، إذ يراه البعض مهمشا أو هامشيا.. وهنا أقول : نعم كنت مهمشا واخترت أن أصبح هامشيا واردت أن اغير مركز الاهتمام من مركز الحركة إلى نقطة وجودي انا، ليجد الآخر مداخل  فتتعدل نقاط الهوامش وتخلق حلقات وتصبح مراكز اهتمام للهامشيين أو للأقليات الفكرية الذين لهم الحق في الوجود.. ثم إني لو أردت أن أكون موجودا في أغلب الاعمال الدرامية والسينمائية وجعلت شخصي ضرورة لاهل القرار في انتقاء الادوار لفعلت.. كما أن وجودي بالنسبة للبعض يعد أمرا مقلقا ومخطرا من حيث نوعية التفكير والطرح..

أعود للب الموضوع لأستشهد برأي روماني يقول: "القيمة لا تعد وتقاس أو تقيم بعدد الأيام".. بين المحبوب والمستباح وبين جميع التضادات أجد نفسي..

بالنسبة لدوري في فيلم "سفاح نابل" وخاصة خلال مواجهة ابني إثر اغتيال أمني وتلك النظرات المتبادلة الغريبة، واستبطان تاريخ الشذوذ والذبح والقتل واستحضار السجون التي تمثل بلدا بكل فئاته الاجتماعية.. في ذلك الدور كنت سعيدا بارتجالي تلك الابتسامة.. وأعتقد أنه ستتاح لي العديد من الفرص الاخرى في أعمال فنية مغايرة..

* بعد متابعتك "سفاح نابل" كيف لك أن تقيم الفيلم وهل ترى أن السينما التونسية في أحسن أحوالها ؟

-ما لاحظته منذ 2011 أن فئة السينمائيين هي من أثمرت المبادرات لأنها تتمتع بمميزات التأهيل وتتميز بالكفاءات الفنية والتقنية التي كانت كفيلة بأن تجعل أعمالا سينمائية لصيقة عضويا بالشعب التونسي أضفت نوعا من الجمالية التي أفرزت جيلا جديدا واعدا على غرار علاء الدين سليم، عبد الحميد بوشناق، لسعد الوسلاتي، كريم بالرحومة.. ساهموا في اختراق الموجود بأعمالهم والبحث عن بدائل فنية أرجو أن تلقى ترويجا يعكس قيمتها على المستوى المحلي والعربي..

ويبدو ان السينما التونسية حاليا في فترة نمو إذ هناك بذرات جديدة و"فاح" جديد عند السينمائيين كذلك الموسيقيين من خلال مواكبتهم لأهم الاحداث.. المسرحيون ولسوء الحظ وعدة اعتبارات فشلنا في الانتماء عضويا لهذا الشعب ولحرب المبادئ والقيم التي نعيش والظروف والحواس وما إلى ذلك، وهنا أتحدث عن أغلبية المسرحيين، ما يجعلني أبحث عن لغة جديدة وفن مسرحي جديد بعد ارسطو وبراشت ولهذا بادرت بمسرحية حديثة "مقاطع" ومسرحية أخرى بصدد تحضيرها..

*ماذا عن تجربتك الجديدة في "المسرح المنزلي"؟

-هنا أريد أن أذكر الى انه في بداية الثمانينات رفضت الرقابة آنذاك عرض "خرفلي عيشك" لفتحي العكاري وعز الدين قنون في ساحة الحمراء في إطار المسرح العضوي، بمشاركة بشرى الأدغم وسعاد بن سليمان.. حينها ارتأيت إلى أن أكمل دراساتي المعمقة في فرنسا ثم أدمجت فكرة "المسرح في البيت" للضرورة التاريخية خاصة بعد صنصرة الرقابة في تونس.. واكتشفت أنّ العديد من المسرحيين سبقوني في هذه التجربة على غرار الفرنسي "انجل" .. علما واني حاولت فيما بعد أن أخلق جمالية أخرى لمسرح البيت..

في باريس جهزت حقيبة تحمل أدوات إضاءة وتنقلت بين العديد من المنازل وتمكنت من عرض عشرة عروض مع درس المقاطع والاماكن التي سيقوم عليها العمل إن كان في شرفة المنزل أو في قاعة من القاعات أو في الحديقة.. لكن من المؤسف بل من الخبث أو الهزل السياسي أني تقدمت بمطلب إلى وزارة الثقافة بينت فيه أني أدمجت "مسرح البيت" في أطروحة البحث وطلبت الدعم كي أستطيع أن أتنقل وأن أطور فكرة "المسرح البديل".. فما راعني إلا واتهمت مؤخرا من طرف لجنة المراقبة بالإخلال بالقيم والمبادئ.. سنة بعد قرار اللجنة تحصلت على خمسة آلاف دينار وهنا يتبين أن أهل القرار فيما يخص المنح والدعم ينسبون ويغيرون المواقف كما يشاؤون..

الإشكال الآن هو نفسه، مسرحية "مقاطع" التي تندرج ضمن "مسرح البيت" لم تدعم من وزارة الثقافة.. واتمنى ان تقتني لجنة الشراءات أعمالا تعرض في المسارح أو في المنازل على حد سواء وسنطالب توفير أماكن بديلة للعروض ولم لا مسرح بفضاءات عمومية في مراحل متقدمة مثل الاماكن الأثرية، الجبال ، الصحراء..كما سنسعى الى أن يكون المسرح في المنزل بلغة أخرى وشفرة أخرى وعبارة عن وثيقة تاريخية ووثيقة للجامعيين والدارسين والنقاد ..

*ونحن نتحدث عن الفن الرابع..تونس الآن دون مسرح وطني..هل من تفسير لهذا القرار؟!

-للأسف المسرح اليوم دون مؤسسة وطنية.. وإن كان موجودا في مراكز الفنون الدرامية كوظيفة وطنية فإن غياب تسمية مدير للمسرح الوطني وتأجيله الى الآن يرجع بالأساس لاقترانه بوظيفة سياسية ومن ثمة يجب الاحتياط والتحري حسب المواصفات الموجودة في القانون وحسب الانتماءات والتموقعات السياسية.. وأعتقد أنه من العيب أن فعالية المسرح الوطني تظل غائبة أكثر من سنتين، غياب من حيث التكوين والإنتاج والتوزيع وإشعاعه داخل البلاد وخارجه.. وهنا أستغل الفرصة للمطالبة بالإسراع لتعيين مدير لأن أهمية الزمن لا حدود لها لا سيما أنه كنا باستطاعتنا إنتاج ثلة من الأعمال المسرحية وبالتالي تحافظ الساحة الفنية على الحراك الفكري..

وإن كانت الثقافة مسألة ثانوية بالنسبة لأهل القرار الذين يتهربون من المسؤولية فإننا نعيدهم الى رشدهم ونذكرهم ونقول لهم : الثقافة والفن مسألة حياتية وحيوية للمواطن والمجتمع ولتاريخ الشعب..فكفاكم خبثا وتجاهلا..

*لو تحدثنا عن دورك في المسلسل التاريخي "معاوية" ؟

- أعتقد أن السعودية مولت المشروع بما يكفي ويزيد.. اطلعت على دوري وكان دور أبي ذر الغفاري وشخصيا لأول مرة أخوض مثل هكذا تجارب في المسلسلات التاريخية..ابو ذر الغفاري الذي يحمل فكرا مختلفا عن معاوية، وفي اطلاع على السيناريو هناك جملة وردت في النص أتبناها بكليتها وأجد فيها ضالتي "يمشي وحده، يعيش وحده ويموت وحده ".. ثلاثية تنطبق مع ذاتي لكن لسائل أن يسأل كيف ستكون طريقة المشي؟.... وأعتقد أن مسلسل "معاوية" سيثير جدلا واسعا على المستوى الفكري والسياسي والثقافي وأحتفظ مؤقتا بأسباب الجدل..

*هل أنهيتم "المؤلف الجماعي" ؟

- فكرة "المؤلف الجماعي" بدأت مع تأسيس المسرح البديل سنة 2011 ثم سنة 2019 بعد تقييمي للمجتمع الفني وخاصة المسرحي والتأكد من أن 80% من الطلبة تخرجوا من الجامعة حيث قررت تأسيس مفهوم الممثل الجامعي، الممثل الباحث واسسنا مختبرا للممثل الباحث وعملنا على مسرحية أسميناها "حالة طوارئ" وقمنا باستدعاء نقاد وجامعيين ليسلموا لنا مقالات علمية ثم موقع واب (أغلق فيما بعد لأسباب متعددة ) ثم فيديوهات بيداغوجية على مواقع التواصل الاجتماعي لأن لنا إيمان بدمقرطة المعرفة.. وأتمنى أن يصدر المؤلف الجماعي وهو على وشك الانتهاء في شهر مارس المقبل وتحديدا في اليوم العالمي للمسرح لاني أعتقد أن عمليات التحسيس إزاء التفكير في نظريات مسرحية أصبحت هامة جدا لا في ما ننتجه والمسرح والمتفرج وعلاقة المسرح بالوزارة وما إلى ذلك من امور بدت لي الآن سخيفة، اكل عليها الدهر وشرب..

بعد 100 عام من المسرح وبعد الخوض في الحياة المدنية والفنية والسياسية أصبحت أحاور جذعين جبابرة وهما أرسطو وبراشت.. أشعر بانه بيننا "نور القمر" في الصمت والسكينة والفرح وفي الفراغ الركحي أيضا.. من فراغ الورقة إلى فراغ الركح... وما نراه في العالم بعد براشت من موقع سياسة وفكر نظرية الكاووس، ترذيل الفوضى "théorie de Cao"المتضمنة "  la théorie papillon.."وبما أن ارسطو وبراشت لم يكونا على علم مسبق بالثورة التكنولوجية تبنيت فكرهما واردت إنتاج مسرح "الكاووس" وهو مسرح غير دارج في العالم.. نظرية "الكاووس" التي تفعل الآن في"الاستروفيزيك"astrophysique ثم في العلوم الإنسانية.. بحثي الآن يتعلق بجمالية مسرح الكاووس وهذا مضمن في مقالي بالكتاب (المؤلف الجماعي) .. نوعية الممثل الباحث والممثل الانتحاري ثم المنهج الذي ابتكرته وأسميته "البيتيقا" اي أخلاقيات الحياة.. مساهمة في التحريض والتعبئة عسى أن أحبب الناس في التفكير في الممثل الخالق..

وببساطة انا في لذة هذه الرغبة، في إيجاد هذا المسرح الذي يفوق الهوية التونسية العربية كفنان يتقدم إلى جهله ولا إلى علمه ومعرفته وما حييت ستكون لي الحياة فرصة استثنائية احياها وأتمتع بها ليكون الموت استحقاقا لي..