إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من بناء الدولة إلى التوظيف الحزبي: مؤسسة الوالي.. بين التهميش والمحاصصة

تونس- الصباح

رغم دورها المحوري في بناء الدولة التونسية الحديثة بعد الاستقلال، ومساهمتها في تحقيق التنمية الجهوية، إلا أن مؤسسة الوالي كانت دائما وفي جل العهود والأنظمة التي عرفتها البلاد منذ الاستقلال، في مرمى التوظيف الحزبي من السلطة المركزية، وأداة من أدوات السيطرة والحكم، وضحية التجاذبات السياسية، ومطمعا وغنيمة يتسابق إليها الجميع من مراكز النفوذ الحزبي والمالي والاقتصادي، ومن القوى المقربة من بلاط الحاكم، ومن دوائر صنع القرار..

كان من المفترض أن تكون الخطة الإدارية السامية- المستوحاة من النظام الإداري الفرنسي- بمنأى عن أي ضغوطات أو توظيف واستغلال، محايدة تماما عن العمل السياسي والحزبي، محل ثقة عالية من قبل جميع الفاعلين السياسيين في البلاد، لا تقبل التشكيك أو الطعن، ولا تخضع للمساومة والابتزاز، إلا لسلطة القانون، مجندة فقط لخدمة الدولة والمواطن، والسهر على تنفيذ مخططات وسياسات التنمية الجهوية التي تضعها السلطة التنفيذية (المنتخبة).

لكن المتأمل للتاريخ التونسي وخاصة لفترات الحكم التي مرت بها البلاد وإرهاصاتها المختلفة، بدءا بالزعيم الحبيب بورقيبة، مرورا بفترة حكم الرئيس الأسبق بن علي، ثم بفترة الانتقال الديمقراطي بعد سنة 2011، إلى اليوم.. يلاحظ، كيف أن خطة الوالي خضعت إلى المساومات السياسية، وكانت التسميات فيها تتم في الأغلب تحت غطاء سياسي وحزبي، لا ارتكاز لها إلا لقاعدة الولاء وشرط الطاعة على حساب الكفاءة والقيادة والقدرة على التغيير والتطوير، مثل غيرها من المناصب العليا في الدولة.

ورغم الصلاحيات الواسعة التي منحها له القانون المنظم لمهامه، إلا أن معظمها لم يخرج عن نطاق النظري وظل غير مطبق، وقد يحصل أن يخضع الوالي لرقابة السلطة المركزية، ينتظر تعليماتها ويأتمر بأوامرها، أو هو غير قادر على ممارسة صلاحياته واتخاذ قرارات في الوقت المناسب، بحكم ضعف شخصيته أو نقص تجربته في العمل الإداري، وربما يقع ضحية تأثيرات قوى فاعلة في جهته وضغوطات الشارع والمستجدات اليومية في الجهة التي يشرف عليها..

بعد 2011، ظل موقع الوالي محل أخذ ورد وشد وجذب، تنازعته ثلاث توجهات، بين من كان يريد تحميلها وزر كل مظالم الحكم والفساد الذي استشرى في أجهزة الدولة، وتحجيم دوره والتحكم فيه تلبية لأهداف إيديولوجية وحزبية ضيقة على حساب التنمية الحقيقية، وبين توجه يرغب في إعادة بناء الخطة على قواعد وضوابط قانونية وإدارية جديدة، متناغمة مع مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد، وبين توجه ثالث طالب بإلغاء منصب الوالي وحذف الخطة نهائيا من الهيكل الإداري للدولة.

لم تتم الإشارة إلى الوالي في دستور 2014، كما غيبّ عن دستور جويلية 2022، وفشلت محاولات تطوير القانون الأساسي لسلك المعتمدين والولاة، وظل مرتكزا على مضمون أمر عليّ وقع عليه آخر باي حكم المملكة التونسية، في 21 جوان 1956، قبل أن يتم تنقيحه في بعض المناسبات دون مس بجوهره الأصلي، مثل قانون عدد52 لسنة 1975 المؤرخ في 13 جوان 1975، في فترة عرفت بالعصر الذهبي للولاة، وأيضا عند صدور الأمر 457 لسنة 1980 الذي تضمن تفويض أعضاء الحكومة سلاطتهم للولاة..

تراجعت المكانة الاعتبارية للوالي وهيبته بالتوازي مع تراجع شامل لهيبة الدولة. كما وجد بعض الولاة أنفسهم في وضعيات صعبة وهشة في ظل اتهامات لهم بالتقصير وبعدم الكفاءة والعجز عن حل الملفات الصعبة في جهاتهم.. ولم تعد خطة الوالي تستهوي أصحاب الكفاءات خاصة ممن لهم تجارب ثرية في العمل الإداري.

بعد انتخابات 2014، عاد الحديث عن دور الوالي بقوة، وتحديدا عند وضع مجلة الجماعات المحلية، كما تم إعادة الاعتبار لدوره وموقعه بعد إرجاع صلاحياته المسلوبة بعد 14 جانفي 2011، وإعادة العمل بتفويض صلاحيات بعض الوزراء للولاة عبر إصدار منشور 19 سبتمبر 2014 خلال فترة النصف الأول من عهدة حكم الرئيس الأسبق الباجي قائد السبسي..

هذا الوضع المريح لمكانة الوالي لم يدم طويلا، إذ سرعان عادت التجاذبات السياسية والصراع على الحكم وعلى مراكز النفوذ في الدولة، مع تغير الرؤية ونظام الحكم والسياسة المتعبة بتغير الحكومات المتعاقبة، وارتبط المنصب ومن يشغله بمن يمسك فعليا بقيادة الحكم، فكان الوالي يسمى بعد تسمية الحكومة ويعزل أو يرحل ويستقيل بمجرد رحيل الحكومة أو سقوطها.. وزاد الوضع غموضا بعد بروز هناّت النظام السياسي المعتمد في دستور 2014 الذي صنفه بعض خبراء القانون الدستوري بـ"الهجين" فلا هو برلماني، ولا هو برئاسي..

وظل الأمر على حاله بعد انتخابات 2019، أي خضوع مؤسسة الوالي إلى مراكز النفوذ في الدولة التي تتنازع على السلطة وصلاحيات الحكم، والموزعة بين القصبة ممثلة في رئاسة الحكومة، وقرطاج ممثلة في رئاسة الجمهورية، وباردو ممثلة في البرلمان وتحديدا الأغلبية البرلمانية المتحالفة..

وبعد 25 جويلية 2021 خضع المنصب مباشرة إلى السلطة المركزية ممثلة في رئيس الجمهورية الذي يمسك وما يزال بدفة السلطة ويملك قرار التعيين والعزل للولاة دون الاعتماد على مقاييس واضحة للتسميات التي يقوم بها أو تبرير للولاة المعزولين. علما أن أكبر حركة لتعيين الولاة تمت بأمر رئاسي مؤرخ في 29 جوان 2022 وشملت 13 واليا، سبقها بأشهر تعيين ولاة جدد ببعض الولايات مثل بنزرت، وبن عروس، وتونس..

إعداد: رفيق بن عبد الله

 

د. عبد اللطيف الحناشي (أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة التونسية): هكذا كان يتم اختيار الولاة وتأهيلهم بعد الاستقلال

 

اعتبر أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية الدكتور عبد اللطيف الحنّاشي، أن منصب الوالي في تونس ضارب في القدم وكان له دورا محوريا قبل الاستقلال وبعده. وقال أنه ورغم أن بعض الولاة تعاونوا مع الإدارة العسكرية للاستعمار الفرنسي، إلا أن الزعيم الحبيب بورقيبة لم يتخل عنهم مباشرة بعد نيل الاستقلال لعدة اعتبارات منها ندرة الإطارات الكفأة في ذلك الوقت وذلك على غرار الهادي المبروك (قايد قابس).

كان بورقيبة، حسب الحنّاشي، يهتم كثيرا بهذا المنصب وغالبا ما يختار بنفسه الولاة باعتبار أنهم ممثلين له في والولاية التي يشرفون عليها كما كان الاجتماع السنوي بهم فرصة مجددة للتفاعل معهم، وبيّن أن بورقيبة كان يستعين بنوعين من الولاة فجر الاستقلال، فإما أن يكونوا من بين المناضلين في الحزب الحر الدستوري، وكان أغلبهم ينتمون إلى منطقة الساحل والعاصمة على اعتبار أن نسبة التمدرس كانت عالية في تلك المنطقة، عكس بقية الولايات (دون صفاقس التي كان عدد الولاة منها محدودا) أو أن يكونوا مستقلين ومن غير المنتمين للحزب، شرط أن يكونوا من غير المعارضين لنظام الحكم. وقد تم العمل وفق هذه الصيغة حتى فترة الوزير الأول الأسبق الهادي نويرة حتى سنة 1978.

وبعد سنة 1979، تطور المستوى الدراسي والعلمي للولاة المنتدبين حيث أصبح معظمهم من بين المتحصلين إما على شهادات الباكالوريا، أو الشهادات الجامعية والمنتمين لجهات مختلفة من البلاد..

وأبرز أن تنقيح الأمر العليّ المؤرخ في 21 جوان 1956، ساهم في توسيع صلاحيات سلك الولاة ومساعديهم من معتمدين وعمد، وتطوير مسارهم المهني والإداري، بحيث كان معظم من تولوا منصب وزير أو والي، شغلوا قبل ذلك خطط معتمدين في عدة جهات أو كتاب عامين لإحدى الولايات ثم تدرجوا في تحمل المسؤوليات الإدارية وحتى الحزبية، واكتسبوا خبرة في إدارة الشأن العام.. من بينهم الوالي الأسبق عبد الرحيم الزواري (قابس ثم نابل)، والوزير الأول الأسبق الهادي البكوش الذي شغل في بداية مسيرته واليا (بنزرت، صفاقس، قابس)، والشاذلي النفاتي الذي شغل خطة معتمد ثم وال على القيروان ثم باجة، ثم وزير للداخلية أواخر 1988، فوزيرا للعدل ثم الشؤون الاجتماعية في عهد الرئيس الأسبق بن علي.. كما أن العديد من الوزراء مرّوا بوظيفة وال في اغلب العهود.

أما عن التخصصات المهنية والدراسية للولاة، فقد انتمى معظمهم إما إلى سلك التعليم أو كانوا رجال قانون (محامين وعدد من الزيتونيين في بداية الاستقلال..)، وحتى في صورة تعذر مرور الوالي المقترح على شغل منصب معتمد، فإنه كان يخضع إلى دورات تكوينية بالمدرسة القومية للإدارة لتأهيله للعمل الإداري الجديد..

ولاحظ الحنّاشي، أن بعض الولاة تخرجوا من المدرسة الزيتونية (جامع الزيتونة) على غرار الوالي الأسبق عمر شاشية (والي للقيروان بعد الاستقلال، ثم واليا على سوسة ونابل).

وعن طريقة اختيار الولاة، أبرز أنها لم تتغير كثيرا بين عهدي بورقيبة وبن علي، غير أن التجاذبات السياسية والصراع داخل أجنحة الحزب الحاكم وتأثير الحاشية المقربة من رئيس الجمهورية وعائلته، ساهمت خلال العهدين، وخاصة خلال فترة ضعف نظام الحكم في التأثير سلبا على التعيينات في المناصب العليا للدولة مثل الولاة، وفي طريقة اختيارهم، وكم من وال عُزل أو استبعد، بحكم طبيعة علاقته بأعضاء الحكومة، والسلطة التنفيذية، أو مع المقربين، والحاشية على غرار ما كان يحدث في كواليس الحكم خلال فترة وسيلة بورقية التي كان لها دورا أساسيا في نقلة الولاة وتعيينهم بعد مرض بورقيبة خاصة بعد إحداث ولايات جديدة.

وخلص أستاذ التاريخ المعاصر إلى أن طريقة اختيار الولاة وتعيينهم في بعض الفترات لم تخل من المحسوبية التي كانت هي الأساس مقابل تراجع التعويل على عنصر الكفاءة والقدرة على إدارة الشأن العام..

بعد سنة 2011، وبعد محاولة محتشمة لتعيين ولاة مستقلين بعد 2011 لفترة قصيرة لم تتجاوز بعض أشهر، وشملت عددا محدودا جدا من مراكز الولايات، إلا أنه سرعان ما تغيرت مواصفات الاختيار ولم تأخذ بعين الاعتبار عناصر التجربة والكفاءة، عند تعيين الولاة وممثلي الدولة، بل طغى الانتماء الحزبي والسياسي وكان هو الأساس خلال فترة ما يعرف بحكم "الترويكا"، وزمن حكم المرحوم الباجي قايد السبسي الذي شهد هيمنة المحاصصة الحزبية في تعيينات المناصب الحساسة للدولة، وأصبح الأمر بمثابة تقاسم الغنيمة والسلطة بين المهيمنين سياسيا والمتحالفين في الحكم خاصة إثر انتخابات 2011 وانتخابات 2014.

ولاحظ الحنّاشي أنه وبعد 25 جويلية 2021، وبعد مسك رئيس الجمهورية قيس سعيد بزمام الأمور في السلطة، أصبحت العلاقات الاجتماعية والسياسية ودرجة الولاء لمسار 25 جويلية، والقرب من دوائر صنع القرار هي العنصر المحدد والمؤثر في تعيين الولاة، ولم يعد مقياس الكفاءة بالضرورة هو المحدد الأساسي في اختيارهم إلا جزئيا..

وخلص إلى أن سلك الولاة لم يخرج طيلة العشرية الماضية من دائرة الصراع والتجاذبات السياسية على السلطة بل كانوا في عدة حالات حطبا لها، كما لاحظ أن في السنين الأخيرة ظهرت حالة من عزوف الكفاءات الإدارية والعلمية والسياسية عن القبول بتولي مناصب عليا وسامية في الدولة نتيجة لضعف السلطة المركزية وفقدان هيبة الدولة..وتهميش دور الوالي وتحجميه، حتى من قبل تلك السلطة ما أدى أيضا الى عزوف البعض ممّن يُعرض عليهم هذه الوظيفة، إضافة الى تحاشي البعض ردة فعل الشارع خاصة بعد حالة الانفلات الذي عرفته البلاد الذي أدى إلى كثرة الاحتجاجات بالجهات التي طالب القائمون عليها بإقالة الوالي.

في المقابل، لم يُخف الحنّاشي كيف أن بعض الولاة تورطوا في ملفات فساد في بعض الفترات من تاريخ الدولة، واستغل البعض حالة الانفلات العام التي عرفتها البلاد فقاموا بالعديد من التجاوزات..

أسماء تدرجت في المناصب

في ما يلي أسماء بعض من تدرجوا في تولي مناصب معتمد، ثم، كاتب عام ولاية، ثم  وال، ثم الوزارة، في عهدي بورقيبة وبن علي:

أحمد الزاوش

الشاذلي النفاتي

الناصر الغربي

الهادي البكوش

الهادي المبروك

حسيب بن عمار

رافع دخيل

رضا لحول

رفيق بالحاج قاسم

زكريا بن مصطفى

عباس محسن

عبد الرحيم الزواري

عبد الله الكعبي

عبد الملك العريف

علي الشاوش

عمر شاشية

فؤاد المبزع

محمد جغام

منجي الكعلي

منصور السخيري

نور الدين حشاد

محمد ضيفي (خبير في الحوكمة المحلية): خطة الوالي تتأرجح بين الاستقلالية والولاء.. ومستقبلها يشوبه الغموض

 

يقول محمد ضيفي الخبير في الحوكمة المحلية، أن الوالي هي أقدم خطة موجودة في التنظيم الإداري التونسي إذ يرجع إحداثها إلى العهد الحفصي (1237-1574) وهي خطة تتغير المهام الموكولة إليها عبر الزمن، وكذلك التسمية (والي، عامل، محافظ، أمير..)، وقبل 1956 كانت تُطلق عليه في المملكة تسمية "عامل" وكانت مهامه تتمثل في جمع الجباية والحفاظ على ولاء السكان للنظام الحاكم.

حين صدر الأمر العلي المؤرخ في 21 جوان 1956 المتعلق بالتنظيم الإداري لتراب الجمهورية والمنظم لخطة الوالي ومهامه، وهو الأمر الذي لا يزال ساري المفعول إلى اليوم، تم التخلي عن 37 عاملا في 37 عمالة وكذلك الكواهي والخلفاء الراجعين لهم بالنظر، وتم إحداث خطة الوالي بعد تقسيم المملكة الى 14 ولاية على رأس كل ولاية والٍ عوض العامل، بالإضافة الى خطة بالإدارة المركزية. كما عوّض "الخليفة" بالمعتمد و"الكاهية" بالكاتب العام للولاية.

أصبح الوالي المؤتمن على سلطة الدولة وممثل الحكومة في الجهة والمسؤول عن تنفيذ البرامج الوطنية للتنمية على المستوى الجهوي، في شتى المجالات، كما يُنشّط ويُنسّق ويراقب المصالح الجهوية للوزارات، ويمكن له وحده الالتجاء الى القوة العامة كلما اقتضت الظروف الاستثنائية ذلك بعد الترخيص له مسبقا، وباعتباره سلطة لا محورية ممثلة للسلطة المركزية، فانه يترأس كل اللجان الجهوية التي تهم مختلف مصالح الدولة.

ووفقا للضيفي، عرفت هذه الخطة منذ إحداثها سنة 1956 عدة مراحل يمكن اختصارها فيما يلي:

  • 1956-1964: بناء الدولة الحديثة واستكمال سيادتها وتونسة أجهزتها وتحصين وحدتها في خضم مخلفات النزاع  البورقيبي اليوسفي وكذلك مقاومة مظاهر التخلف والعروشية في إطار تقسيم ترابي جديد يتجاوز الحدود العروشية ونفوذ بعض القبائل.
  • 1964 - 1970 : خضوع السلك للحزب الحاكم بعد مؤتمر الحزب في بنزرت سنة 1964وانخراط السلك  في تطبيق الاشتراكية و تعميم التعاضد والذي لعب فيه الولاة  دورا محوريا  ومن جرّاء ذلك حوكم وسجن  بعضهم  مع احمد بن صالح بعد فشل التجربة.
  • 1970 - 1989 : بعد فشل سياسة التعاضد وبعد " وقفة التأمل " تم تطوير أداء السلك وتغيير مناهج التعيين  والتخفيف من هيمنة الحزب في اطار الانفتاح والمراجعات التي تمت بعد أزمة 1969 وما ترتب عنها من مراجعات  سياسية واقتصادية.
  • 1989 -: 2010 التركيز علي العمل التنموي الجهوي والمحلي بعد مراجعة دور المجالس الجهوية وإصدار قانونها الأساسي الجديد يتولى بموجبه الوالي  بالإضافة الى مهامه كممثل للدولة على رأس الولاية يتولى أيضا رئاسة المجلس الجهوي باعتباره جماعة محلية تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلال المالي. وهكذا تنامي الدور السياسي للوالي كممثل لسلطة مركزية قوية مهيمنة على الحياة السياسية هيمنة مطلقة ورئيس جماعة محلية بصلاحيات  أوسع من جهة أخرى.

خلال هذه المرحلة صدر الأمر عدد 457 لسنة 1989، الذي بمقتضاه تم تفويض عديد الوزراء لصلاحياتهم لفائدة الولاة، وبذلك توسعت صلاحياته وسلطته على كل الهياكل  الراجعة بالنظر للدولة في دائرته الترابية بما في ذلك على الجماعات المحلية أي البلديات التي كانت تخضع لمراقبته المسبقة.

  • 2010- 2022 : تهميش دور الوالي: بعد 2011 تعرّضت مؤسسة الوالي إلى مضايقات واحتجاجات من قبل المواطنين وكذلك من قبل المنظمات باعتباره كان يمثل سلطة مركزية مستبدة، وأصبح التعيين لا يتم بالولاء لحزب واحد كما كان الشأن سابقا، بل بالولاءات السياسة للشركاء في الحكم بعد التخلي علي قدماء السلك، وباتت هذه الخطة تخضع لتسميات في إطار الترضيات الحزبية واقتسام المناصب بين الأحزاب الحاكمة، وبذلك أصبحت محل تجاذبات مما ترتب عنه عدم استقرارها وتهميشها وتقليص نفوذها ونفوذ المعتمدين والعمد الراجعين له بالنظر.

مباشرة بعد انتخابات 2014، عاد الحديث عن دور الوالي بقوة، وتحديدا عند صياغة مجلة الجماعات المحلية ومناقشتها، والتي بموجبها تم إسناد مهام وصلاحيات واسعة للولاة في إطار الرقابة اللاحقة للجماعات المحلية.

فبمقتضى هذه المجلة يمكن للوزير المكلف بالجماعات المحلية، وبناء على تقرير معلل من الوالي إيقاف مجلس بلدي عن النشاط، وللوالي صلاحية تكليف الكاتب العام للبلدية بتسيير البلدية في صورة حل المجلس البلدي، كما يمكنه أن يحل محل رئيس البلدية، في صورة تقاعسه عن أداء واجباته كما تم خلال سنة 2014 التراجع عن إلحاق الإدارة العامة للشؤون الجهوية المعنية بالولاة برئاسة الحكومة وإرجاع الإشراف عليها الى وزارة الداخلية كما كان عليه الأمر قبل 2011.

كما صدر منشور من رئاسة الحكومة تم بموجبه إلغاء كل المناشير السابقة التي سحبت صلاحيات الولاة وقلصت دورهم بعد 2011، وأعادت تفعيل الأمر المتعلق بتفويض صلاحيات الوزراء إلى الولاة من جديد وسحب إشراف رئاسة الحكومة، على هذا السلك وهي مسألة في غاية الأهمية حيث ساهمت في رد الاعتبار لخطة الوالي بعد تهميشها والتلاعب بها والزج بها في متاهات التجاذبات السياسية.

وبعد 25 جويلية 2021، وانطلاق مسار سياسي جديد، تمت إزاحة عديد الولاة، وعيّن مكانهم آخرون مقربون من رئيس الجمهورية، وربما يتبنون مشروعه السياسي. وبذلك ما يزال الغموض يشوب مستقبل هذه الخطة وتأرجحها بين الاستقلالية والولاء.

والحال انه من المفترض أن تكون الخطة محايدة تماما عن العمل السياسي في إطار حياد الإدارة واستقلالها عن الأحزاب وفقا للقوانين المرعية. كما بات من الضروري العمل على تحيين الأمر العلي المؤرخ في 21 جوان 1956، الذي تجاوزه الزمن. وذلك لإخراج هذه الخطة من الضغوطات الحزبية والتهميش والتي أصبحت من جراء ذلك لا تستهوي الكفاءات وذوي الخبرة لإشغالها وتحمّل وزرها.

ويرى ضيفي، ضرورة الإسراع بانتخاب المجالس الجهوية كجماعة محلية على غرار المجالس البلدية حتى يقع فصل الولاية عن المجلس الجهوي  ليتفرغ الوالي كممثل للسلطة المركزية، لمهامه الإدارية والسياسية والأمنية والرقابية وتوكل مهام التنمية لمجالس جهوية منتخبة تسهر على دفع التنمية وتسيير مختلف الخدمات والتجهيزات العمومية ودعم مختلف الأنشطة وفقا لخيارات يحددها المواطنون بأنفسهم، ليبقى دور هذا الأخير في علاقة مع هذه الجماعات المحلية منحصرا فقط في الرقابة اللاحقة والتدخل عند الاقتضاء عبر القضاء الإداري أو المالي عند حصول أي تجاوز وذلك في تناغم وتكامل بين السّلط في إطار وحدة الدولة.

هذا التناغم بين الوالي والسلطة المحلية مهتز اليوم، حيث ان إيغال بعض رؤساء البلديات في الاستقلالية وممارستهم للتدبير الحر بصفة مطلقة انطلاقا من قناعات سياسية أحيانا ووفقا لتوجهات الأحزاب التي رشحتهم اصطدم مع توجس الولاة من هذا السلوك مما دفعهم لاتخاذ قرارات دون اللجوء للقضاء خلافا للترتيب الجاري بها العمل وهذا  يتنافى  ومبدأ استقلالية الجماعات المحلية. وقد حصل سوء التفاهم هذا في مناسبات كثيرة منها ما حدث في القصرين، قابس، بنزرت، تونس، بن عروس، زغوان، الخ..

أمر علي يحدد مهام الوالي

ينص أمر علي مؤرخ في 21 جوان 1956 يتعلق بالتنظيم الإداري لتراب الجمهورية

الباب الثاني - الإطارات العليا للإدارة الجهوية واختصاصاته

 

القسم الأول: أحكام عامة

الفصل 6 - يدير شؤون المناطق الإدارية المشار إليها بالباب الأول سلك من الموظفين يتركب من الولاة والمعتمدين الأول والكتاب العامين والمعتمدين ويساعدهم بالمناطق الترابية العمد.

الفصل 7 (جديد) - نقح بمقتضى القانون عدد 83 لسنة 1980 المؤرخ في 3 ديسمبر 1980 - يساعد الوالي بمركز الولاية معتمد أول وكاتب عام ومعتمدون يضبط عددهم بأمر وسلك من موظفي الدولة[2].

إلا أنه يمكن بالإضافة تسمية معتمدين أولي اثنين ومعتمدين اثنين بمركز ولاية تونس.

كما يساعد الوالي معتمد بكل معتمدية ترابية أو عمدة بكل منطقة ترابية.

القسم الثاني: مشمولات الـوالي

الفصل 8 - الوالي هو المؤتمن على سلطة الدولة وممثل الحكومة بدائرة ولايته وهو إداريا تحت سلطة وزير الداخلية.

الفصل 9 - الوالي مسؤول عن تنفيذ السياسة القومية للتنمية على الصعيد الجهوي، وبهذه الصفة يدرس ويقترح على الحكومة الوسائل الكفيلة بتحقيق النهضة الاقتصادية الاجتماعية لدائرة ولايته.

الفصل 10 - الوالي بوصفه ممثل الحكومة له سلطة على موظفي وأعوان المصالح الدولية المباشرين بدائرة ولايته. وبهذا الاعتبار:

  • يسهر على تنفيذ القوانين والتراتيب والقرارات الحكومية.
  • يتولى تحت سلطة الوزراء الذين يهمهم الأمر تنشيط وتنسيق ومراقبة المصالح الجهوية الراجعة بالنظر للإدارات المدنية التابعة للدولة.
  • يباشر سلطة الإشراف والمراقبة الإدارية على الجماعات العمومية المحلية كما يسهر على مصالح الدولة لدى الشركات والدواوين والمؤسسات التي تتمتع بإعانة الدولة ماليا والتي يوجد مقرها الاجتماعي بدائرة ولايته، وينبغي أن يحاط علما بنشاطاتها بصفة دورية.

الفصل 11 - يباشر الوالي تحت سلطة وزير الداخلية إدارة الشؤون العامة للولاية ويسهر على المحافظة على الأمن العام بها.

الفصل 12 - يمكن للوالي وحده وبعد الترخيص مسبقا من الحكومة الالتجاء إلى القوة المسلحة كلما اقتضت ذلك الظروف الاستثنائية.

الفصل 13 - يفوض أعضاء الحكومة إلى الوالي في كل جهة بعض سلطاتهم ويضبط نوع وحدود كل تفويض بأمر.

الفصل 14 (جديد) - نقح بالقانون عدد 62 لسنة 1989 المؤرخ في 23 جوان 1989 - للوالي أن يفوض حق الإمضاء بالنيابة إلى المعتمد الأول والى الكاتب العام للولاية والى المعتمدين وإلى رؤساء دوائر الولاية بالنسبة للسلطات المفوضة له من وزير الداخلية.

للوالي أن يفوض حق الإمضاء بالنيابة إلى رؤساء المصالح الخارجية الراجعة بالنظر إلى الإدارات المدنية التابعة إلى الدولة والمؤسسات العمومية كل في حدود اختصاصها وذلك بالنسبة للسلطات المفوضة له من أعضاء الحكومة.

الفصل 15 (جديد) - نقح بالقانون عدد 62 لسنة 1989 المؤرخ في 23 جوان 1989 - للوالي أن يفوض كل مشمولاته أو جانبا منها إلى رؤساء المصالح الخارجية الراجعة بالنظر إلى الإدارات المدنية التابعة للدولة والمؤسسات العمومية وذلك قصد تنفيذ البرامج القومية التي قد تكون الوزارات المعنية تولت وضع الاعتمادات اللازمة لإنجازها تحت تصرفه.

الفصل 16 (جديد) - نقح بالقانون عدد 62 لسنة 1989 المؤرخ في 23 جوان 1989 - لا تنطبق أحكام الفصلين 13 و 14 (جديد) من هذا القانون على:

  • المشمولات التي هي من خصائص وزارة العدل.
  • المشمولات التي هي من خصائص وزارة الدفاع الوطني.
  • المشمولات التي هي من خصائص وزارة التخطيط والمالية المالية إلا فيما يتعلق بأملاك الدولة والشؤون الإدارية للوزارة.
  • المشمولات المتعلقة بالبيداغوجية والتي هي من خصائص الوزارات التي تتبعها مؤسسات تربية أو تعليم أو تكوين.

الفصل 17 - يتولى الوالي رئاسة مجلس الولاية بدائرة ولايته.

الفصل 18 - يرأس وجوبا الوالي أو من يمثله جميع اللجان الجهوية التي تهم مختلف مصالح الدولة.

الفصل 19 - على رؤساء المصالح الخارجية وكذلك مسؤولي المؤسسات والهياكل العمومية وشبه العمومية أن يحيطوا الوالي علما بكل المسائل التي هي من مشمولاتهم والتي يمكن أن تكتسي أهمية خاصة بالجهة.

وينبغي على هاته المصالح أن تحيل على الوالي نسخة من المراسلات الهامة الموجهة إلى الإدارات المركزية التي هي مطالبة بدورها بإتباع نفس الطريقة فيما يخص مراسلاتها مع مصالحها الخارجية.

وعلى هذا الأساس فإن برامج العمل وتقارير التنفيذ وكذلك تقارير التفقد تحال وجوبا على الوالي.

الفصل 20 - يقع إعلام الوالي مسبقا بحركات النقل والتعويض التي تجرى في صفوف رؤساء المصالح الجهوية التابعة للدولة وفي كل سنة يوجه الوالي مباشرة إلى الوزراء المعنيين ملحوظة عامة حول نشاط رؤساء مصالحهم الجهوية في ميدان عملهم وتحفظ هاته الوثيقة بملف كل واحد منهم.

الفصل 21 - يمكن للوالي بدائرة ولايته وفي نطاق التشريع الجاري به العمل أن يتخذ قرارات ترتيبية في ميدان الشرطة الإدارية.

ألغي الباب الثاني من الأمر المؤرخ في 21 جوان 1956 المتعلق بالتنظيم الإداري لتراب الجمهورية وعوض بموجب القانون عدد 52 لسنة 1975 المؤرخ في 13 جوان 1975.

 

تأجير الولاة وامتيازاتهم

يعود آخر مرجع قانوني يضبط تأجير الولاة، إلى الأمر عدد 769 لسنة 2020 مؤرخ في 18 سبتمبر 2020.

منح الأمر سلك الولاة أجرا وامتيازات تعادل ما هو مُخوّل لأعضاء الحكومة(وزراء وكتّاب دولة)، وارتقى الأجر الخام للوالي 5380 دينارا خام أي حوالي 3500 دينار صافي أي بزيادة تتجاوز الألف دينار مقارنة بالأجر السابق. وبهذا يغدو أجر الوالي بين الأجر الصافي للوزير ( 4200 دينار) والأجر الصافي لكاتب دولة (3250 دينارا).

وبمقتضى الأمر، يمكن للولاة الذين يتمتعون في إداراتهم الأصلية بتأجير جملي صافي يفوق تأجير الولاة أن يحافظوا على أجورهم الأصلية. وتدفع الدولة المساهمات في نظام التقاعد والحيطة الاجتماعية ورأس المال عند الوفاة. ويتمتّع الوالي بمنحة تنقّل قيمتها 50 دينارا لليوم.

وتعادل امتيازات الوالي الامتيازات المخوّلة للوزير وتتجاوز امتيازات كاتب الدولة، وتتمثل في المنزل الوظيفي وتأثيثه ومصاريف إصلاحه.

ويحصل الوالي على منحة سكن قدرها 500 دينار في صورة عدم حصوله على سكن وظيفي مع تكفّل الدولة بمصاريف الكهرباء والغاز والماء والهاتف في حدود سقف يُضبط بقرار من رئيس الحكومة.

ويوضع على ذمة  الوالي عونان يكلّفان بشؤون المسكن إضافة الى سيارتين وسائقين و500 لتر وقود.

وخلافا لما كان معمولا به سابقا وهو انتهاء العمل بالامتيازات والأجر حال إنهاء المهام، أصبح الوالي يتمتع بالأجر والامتيازات على غرار الوزير مدّة ثلاثة أشهر مهما كانت المدة المقضّاة في خطة وال.

أول مجموعة من الولاة تم تعيينهم عند إحداث السلك، وإحداث 15 ولاية، بعد إلغاء 35 قيادة، وإلغاء سلك الخلفاوة (الخليفة).

 

عبد القادر اللباوي (رئيس الإتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة): تعيين الولاة وإعفاؤهم لم يخرج عن قاعدة المحاصصات الحزبية والترضيات والولاءات

 

قال عبد القادر اللباوي رئيس الإتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة أن التجاذبات السياسية ومنطق الغنيمة، التي سادت البلاد خلال العشرية الأخيرة، كانت من بين أسباب عدم الاستقرار السياسي وبالتالي تسارع وتيرة تعيين الولاة وإعفائهم رغم المحاولات المحتشمة لتوفير بعض الاستقرار لمؤسسة الوالي. وليتسنى الارتقاء بها كسلطة لامحورية وبالولاية كإدارة جهوية، دعا اللباوي إلى ضرورة أن ينصبّ الاهتمام على تكريس الشفافية وضمان تكافؤ الفرص في التعيين، وضبط معايير موضوعية وشفافة للحصول على مناصب المسؤولية، ووضع نظام فعال لتقييم أداء الولاة والمعتمدين والموظفين الموضوعين تحت إمرتهم، وإقامة نظام جديد للمكافأة يأخذ بعين الاعتبار نتائج تقييم الأداء بناء على معايير الكفاءة والاستحقاق والجدارة والمردودية، دون الاقتصار على شرط الأقدمية أو الاستكانة لقاعدة الولاء والمحسوبية..

في ما يلي نص الحوار:

*كيف تقيم الأداء الوظيفي لمؤسسة الوالي وتأقلمه مع التأثيرات السياسية والقانونية التي عرفتها البلاد منذ الاستقلال؟

مثّلت مؤسسة الوالي على مدى أكثر من نصف قرن تكريسا قويا للسلطة المركزية للدولة في الجهات، حيث يعتبر الوالي منذ صدور الأمر العلي المؤرخ في 21 جوان 1956 المتعلق بالتنظيم الإداري لتراب الجمهورية، التجسيد الأول، إن لم نقل الأوحد، للسلطة اللامحورية للدولة في جهته.

وتدعمت سلطات الوالي تصاعديا بعد التنقيحات التي طالت الأمر المذكور، بدءا بالقانون عدد 17 لسنة 1969 المؤرخ في 27 مارس 1969 مرورا بالقانون عدد 52 لسنة 1975 المؤرخ في 13 جوان 1975 الذي أقرّ مشمولات واسعة للوالي وخاصة بالفصول 8 و9 و10 التي جعلت منه المؤتمن على سلطة الدولة وممثل الحكومة بدائرة ولايته والمسؤول عن تنفيذ السياسة الوطنية للتنمية بالجهة، وله أن يقترح على الحكومة الوسائل الكفيلة بتحقيق النهضة الاقتصادية الاجتماعية وأن يمارس سلطة على موظفي وأعوان المصالح الدولية المباشرين بدائرة ولايته. دون أن نغفل التنقيحات التي كرّست نفس التوجّه والمتمثلة أساسا في:

-   القانون عدد 35 لسنة 1980 المؤرخ في 28 ماي 1980

-   القانون عدد 83 لسنة 1980 المؤرخ في 3 ديسمبر 1980

-   القانون عدد 62 لسنة 1989 المؤرخ في 23 جوان 1989

-   القانون عدد 47 لسنة 1990 المؤرخ في 23 أفريل 1990

-   القانون عدد 87 لسنة 2000 المؤرخ في 13 جويلية 2000.

ونتيجة لذلك، عرفت مؤسسة الوالي، استقرارا ساعد على إحكام الدولة بسط نفوذها في الجهات وتمرير خياراتها التنموية والاجتماعية بشكل سلس مكّن من تأمين التعليم والصحة لأغلب فئات الشعب وإحلال الأمن على كامل التراب الوطني، حيث يباشر الوالي إدارة الشؤون العامة للولاية ويسهر على المحافظة على الأمن العام بها ويمكن له وحده وبترخيص مسبق من الحكومة، الالتجاء إلى القوات المسلحة كلما اقتضت الضرورة.

هذا الاستقرار، يمكن أن نستشفه بوضوح من خلال معدّل المدة التي يقضيها الوالي على رأس نفس الولاية طيلة العقود الأربع الممتدة بين 1966 و2006، والتي تقدر بحوالي أربعين سنة، تم خلالها وعلى مدى مختلف الحكومات المتعاقبة تعيين حوالي 340 واليا، بمعدل 14 واليا لكل ولاية، أخذا بعين الاعتبار الولايات التي تم إحداثها بصفة متأخرة نسبيا.

غير أن هذا الاستقرار، لم يكن دون سلبيات، إذ لم تتمكن مؤسسة الوالي من ضمان التوازن الجهوي وتكريس العدالة الاجتماعية والاقتصادية بين الجهات والفئات. حيث تفاوتت نسب البطالة من حوالي 38% في الجهات الأقل حظا في التنمية إلى حوالي 12% في الجهات الساحلية والعاصمة. ونفس الشأن بخصوص نسبة الفقر المدقع التي بلغت خلال نفس الفترة حوالي 16% في الجهات الأقل حظا مقابل 2.9% فقط في الجهات الساحلية والعاصمة. أما نسبة الفقر متعدد الأبعاد فقد شهدت تفاوتا أكثر حدة إذ بلغت حوالي 32% في الجهات الأقل حظا مقابل 7.8% فقط في الجهات الساحلية والعاصمة.

كل هذه الظروف إضافة لعدة عوامل إقليمية ودولية، أدت إلى حدوث التغيير "الثوري" الحاسم في تونس. فهل أنتجت "الثورة" آثارا عميقة وجذرية وإيجابية على واقع التنمية والتوازن الجهوي؟

*هل لمستم تغيرات جذرية في دور الوالي بعد ثورة 2011 وخلال فترة الانتقال الديمقراطي؟

تكفي قراءة سريعة لعدد التسميات على رأس الولايات بين 2011 و2021 بأن تبوح بالإجابة عن السؤال، وهي إجابة مخيّبة لآمال عريضة طالما علقها المتطلعون إلى غد أفضل على الثورة !

تم خلال العشرية الأخيرة تعيين أكثر من 360 واليا، بمعدل 15 واليا لكل ولاية على مدى عشر سنوات فقط! ما يعني أنه في صورة تواصل وتيرة التعيينات على قاعدة المحاصصات الحزبية والترضيات والولاءات الشخصية لثلاثين سنة أخرى، حتى تستقيم المقارنة، فسيكون لدينا 60 واليا على كل ولاية في أفق 2050 !

لا يختلف عاقلان في أن التجاذبات السياسية ومنطق الغنيمة، التي سادت البلاد خلال العشرية الأخيرة، كانت من الأسباب الرئيسية لعدم الاستقرار السياسي وبالتالي تسارع وتيرة تعيين وإعفاء الولاة رغم المحاولات المحتشمة لتوفير بعض الاستقرار وذلك بدعوة أعضاء الحكومة سنة 2014 إلى تفويض بعض صلاحياتهم للولاة من خلال منشور رئيس الحكومة عدد 23 لسنة 2014 المؤرخ في 19 سبتمبر 2014 والمتعلق بصلاحيات الوالي، الذي تضمن أنه لوحظ مبادرة بعض الوزارات خلال الفترة اللاحقة لـ 14 جانفي 2011 بإصدار مناشير سحبت بمقتضاها بعض الصلاحيات التي سبق تفويضها إلى الولاة بمقتضى الأمر عدد 457 لسنة 1989.

كما تمت الإشارة ضمن نفس المنشور إلى أن بعض الوزارات لم تلتزم بمقتضيات القانون عدد 52 لسنة 1975 خاصة فيما يتعلق بـإعلام الوالي مسبقا بحركات النقل والتعويض المتعلقة برؤساء المصالح الجهوية التابعة للدولة والإحالة الوجوبية على الوالي لبرامج العمل وتقارير التنفيذ والتفقد والمراسلات الهامة الموجهة من قبل الإدارات المركزية إلى مصالحها الخارجية..

لا يتطلب نص المنشور ولهجته مجهودا خرافيا للوقوف على حقيقة تعامل السياسيين وأعضاء الحكومة بعد 2011 مع مؤسسة الوالي والجهة وما تتطلبه من حرص على إرساء دعائم التنمية العادلة والمتوازنة. يقر المنشور وجود تعاط غنائمي وغير مسؤول مع الجهات، رغم كل ما تم التشدق به من شعارات تنادي بالتمييز الإيجابي للجهات والفئات المهمشة.

*كيف يمكن تطوير مؤسسة الوالي وجعلها منسجمة مع قيم الحياد والنزاهة ودعم التنمية في الجهات، وكيف يمكن تحصينها من أي توظيف أو تهميش؟

للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نحرص على تشخيص واقع مؤسسة الوالي كسلطة لامحورية ذات صلاحيات، ومؤسسة الولاية كهيكل إداري جهوي وموظفين. وللقيام بالتشخيص المطلوب ينبغي المزاوجة بين المناهج الحديثة المعتمدة في مختلف مباحث علوم الاجتماع والاقتصاد وأساليب الإدارة والتنظيم والتخطيط والتقويم، وبين المعطيات المستقاة مباشرة على أرض الواقع.

وفي هذا السياق تولى الإتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة، القيام بدراسات ميدانية حول أداء ومردودية المسؤولين والأعوان العموميين بالجهات/الولايات على امتداد 2012 -2021، أفضت إلى نتائج، منها:

يتسم واقع الإدارات الجهوية في تونس اليوم، بما فيها الولايات، بنوع من العطالة الناجمة عن التباعد المتنامي، من ناحية أولى، بين الصلاحيات والمشمولات مثلما تضمنتها النصوص وبين الممارسات والأفعال على أرض الواقع. ومن ناحية ثانية، بين أهداف التنمية الجهوية المرسومة على مستوى النصوص والمخططات التنموية والموازين الاقتصادية (عادة ما تكون أهدافا غير دقيقة وغير قابلة للقياس) وبين النتائج المسجلة على مستوى أداء المرافق العمومية الجهوية. فمن المنظور الاقتصادي، هناك أربعة أسباب تؤدي إلى قصور الإدارات العمومية الجهوية وعلى رأسها الولاة، لمجرّد أنها تعتمد صيغا ومسارات تقليدية بالية في إدارة الشأن العام الجهوي. وتتلخص أسباب القصور أو ضعف الأداء في:

-   الفصل بين تكاليف الخدمة العمومية على الصعيد الجهوي والموارد العمومية المفوضة أو المحالة للجهات بسبب صعوبة تحديد التكلفة الحقيقية بدقة. فالهياكل الجهوية التي تسدي الخدمات العمومية لا تكترث لمعرفة حقيقة تكاليفها نظرا لغياب الحاجة لذلك في ظل موازين عمومية تقليدية ترصد اعتمادات لتمويل تصرف عمومي جهوي حسب الوسائل لا حسب الأهداف أو حسب النتائج.

-   افتقار الإدارة الجهوية إلى مقاييس موضوعية للأداء، والاستعاضة عنها بمقاييس داخلية مضلّلة تقوم على الوسائل وليست لها بالضرورة علاقة بمصلحة الجهة فضلا عن غياب التقييم الدوري للسياسات العمومية الجهوية، هذا إن وجدت !

-   غياب المساواة في التوزيع الفعلي للسلطة والامتيازات، حيث يتمتع السياسيون على المستوى المركزي، دون غيرهم بمساحة مناورة لا مبرر لها،

-   استخدام سياسات وتكريس مسارات ومسالك تقوم على التجربة والخطأ بصورة لا يمكن أن تؤدي إلا إلى نتائج سلبية تقع في النهاية على المواطنين والمؤسسات وتحول دون تنمية الاستثمارات ودفع عجلة التنمية الجهوية.

وبالنظر إلى هذه الأسباب يتضح أن مجالات التغيير في إدارة الشأن العام الجهوي ليست مجرد مراجعة قوانين ونظم، بل تتعدى ذلك لتكون مسارا مرتبطا بمجموعة من القيم والمبادئ والأسس العلمية. فإصلاح التصرف العمومي جهويا هو جزء من مشروع أوسع وأشمل يقوم على تجسيد عملي لقيم ومفاهيم التصرف الرشيد بشكل يؤدي إلى تحقيق التوازن بين الفعالية التي تتطلبها العملية الاقتصادية جهويا ووطنيا وبين العدالة الاجتماعية التي تسعى إلى تحقيقها "نظرية الحكم الرشيد".

فكل إصلاح يقوم على أساسين على الأقل:

- أساس أوّل نابع من رؤيا تقوم على ضبط أهداف إستراتيجية للمسار الإصلاحي،

- أساس ثان يرتكز على الاستئناس بالتجارب والمسارات الشبيهة مع مراعاة الخصوصيات الوطنية في كافة أبعادها وسياقاتها (الكندية، الأمريكية، الاسكندينافية، الألمانية..)

وكي يتسنى الارتقاء بمؤسسة الوالي، لابد أن ينصب الاهتمام على تكريس الشفافية وضمان تكافؤ الفرص في التوظيف والتعيين. كما يتعيّن ضبط آليات ومعايير موضوعية وشفافة للحصول على مناصب المسؤولية.

ويتعيّن وضع نظام فعال لتقييم أداء الولاة والمعتمدين والموظفين الموضوعين تحت إمرتهم كفيل بتقدير مردوديتهم الحقيقية، بالإضافة إلى إقامة نظام جديد للمكافأة يأخذ بعين الاعتبار نتائج تقييم الأداء بناء على معايير الكفاءة والاستحقاق والجدارة والمردودية، دون الاقتصار على شرط الأقدمية أو الاستكانة لقاعدة الولاء والمحسوبية. الذي أثبتت الممارسة قصورهما في الارتقاء بالأداء والمردودية. وفي هذا الإطار يقترح تركيز مقاربة جديدة لهيكلة النظام الأساسي للولاة، تتضمن تعريفات وضوابط مرجعية وبطاقات وصفية للوظائف والكفاءات تعد اللبنة الأساسية لإرساء آليات التسيير التوقّعي للوظائف والكفاءات في إطار تصنيف مرجعي موحد يضبط بدقة خصائص وسلطات ومشمولات الوالي كسلطة جهوية/لامحورية وعلاقتها بالدائرة السياسية والضمانات التي تحيط بكل ذلك.

لذا، يقترح وضع نظام لتسيير الأداء المؤسسي للوالي/الولاية على أساس الضوابط الآتية:

- ترسيخ الثقافة المؤسسية لدى الولاة والمعتمدين وموظفي الولايات تقوم على المهنية والنزاهة والشفافية،

-   وضع آلية قياس الأداء المؤسسي وتقييم مستوى المساهمة في الارتقاء بمردودية المرافق العمومية على أساس الأهداف والبرامج الجهوية ووفقاً للمعايير والمقاييس المتعارف عليها عالمياً.

-    وضع قواعد ومعايير داعمة لبيئة العمل المؤسسي التي تشجع الأداء المتميز بما يسهم في رفع مستوى المعرفة والكفاءة والإنتاجية لدى الولاة والموظفين العاملين معهم أو تحت إشرافهم أو رقابتهم،

-    تحديد فترات المراقبة والتقييم ورفع التقارير للجهات الحكومية بشأن مطابقة معايير الأداء المؤسسي للوالي مع اتخاذ الإجراءات المناسبة لتطوير الخدمات ورفع الإنتاجية وفقاً لتلك التقارير. يتم كل ذلك على قاعدة المرجعيات والضوابط التالية:

-    تحديد القدرات الأساسية التي يتم على أساسها قياس أداء الوالي مع مراعاة توافق واتساق القدرات مع مستوى المهام التي يقوم بها الموظفون الموضوعون تحت إمرته والأهداف المطلوب منهم تحقيقها، مع التحديد الدقيق لآليات ومدد التقييم حسب طبيعة الوظائف ونوعيتها.

-    تطوير معايير الأداء الوظيفي ومناقشة مستوى الأداء المتوقع للموظفين الجهويين ومتابعتهم حسب الأهداف المحددة للإنجاز وفق الخطة السنوية المقررة على مستوى الجهة/الولاية.

-    تحديد جوانب تطوير الأداء الوظيفي ووضع خطة لهذا التطوير إلى جانب تحديد أوجه الدعم الإيجابي الذي يتعين تقديمه للموظف الجهوي للارتقاء بمستوى أدائه في إطار برنامج زمني محدد.

-    تكون نتائج تقييم الأداء أساسا موضوعياً لاتخاذ القرارات الإدارية المتعلقة بتكوين الموظفين بالولايات والإدارات الجهوية وتطوير كفاءاتهم ومن ثمة ترقيتهم وتحفيزهم،

- إعادة تنظيم المصالح العمومية الجهوية، بما في ذلك إدارة الولاية بتجميع الخدمات والنشاطات المتماثلة وإزالة الازدواج وتقليص عدد الأجهزة الإدارية

- وضع منظومة قانونية تحفيزية للوظيفة العمومية الجهوية على أساس معايير وشروط لا يمكن بدونها الانتساب لهذه الفئة من الوظائف.

من بناء الدولة إلى التوظيف الحزبي:  مؤسسة الوالي.. بين التهميش والمحاصصة

تونس- الصباح

رغم دورها المحوري في بناء الدولة التونسية الحديثة بعد الاستقلال، ومساهمتها في تحقيق التنمية الجهوية، إلا أن مؤسسة الوالي كانت دائما وفي جل العهود والأنظمة التي عرفتها البلاد منذ الاستقلال، في مرمى التوظيف الحزبي من السلطة المركزية، وأداة من أدوات السيطرة والحكم، وضحية التجاذبات السياسية، ومطمعا وغنيمة يتسابق إليها الجميع من مراكز النفوذ الحزبي والمالي والاقتصادي، ومن القوى المقربة من بلاط الحاكم، ومن دوائر صنع القرار..

كان من المفترض أن تكون الخطة الإدارية السامية- المستوحاة من النظام الإداري الفرنسي- بمنأى عن أي ضغوطات أو توظيف واستغلال، محايدة تماما عن العمل السياسي والحزبي، محل ثقة عالية من قبل جميع الفاعلين السياسيين في البلاد، لا تقبل التشكيك أو الطعن، ولا تخضع للمساومة والابتزاز، إلا لسلطة القانون، مجندة فقط لخدمة الدولة والمواطن، والسهر على تنفيذ مخططات وسياسات التنمية الجهوية التي تضعها السلطة التنفيذية (المنتخبة).

لكن المتأمل للتاريخ التونسي وخاصة لفترات الحكم التي مرت بها البلاد وإرهاصاتها المختلفة، بدءا بالزعيم الحبيب بورقيبة، مرورا بفترة حكم الرئيس الأسبق بن علي، ثم بفترة الانتقال الديمقراطي بعد سنة 2011، إلى اليوم.. يلاحظ، كيف أن خطة الوالي خضعت إلى المساومات السياسية، وكانت التسميات فيها تتم في الأغلب تحت غطاء سياسي وحزبي، لا ارتكاز لها إلا لقاعدة الولاء وشرط الطاعة على حساب الكفاءة والقيادة والقدرة على التغيير والتطوير، مثل غيرها من المناصب العليا في الدولة.

ورغم الصلاحيات الواسعة التي منحها له القانون المنظم لمهامه، إلا أن معظمها لم يخرج عن نطاق النظري وظل غير مطبق، وقد يحصل أن يخضع الوالي لرقابة السلطة المركزية، ينتظر تعليماتها ويأتمر بأوامرها، أو هو غير قادر على ممارسة صلاحياته واتخاذ قرارات في الوقت المناسب، بحكم ضعف شخصيته أو نقص تجربته في العمل الإداري، وربما يقع ضحية تأثيرات قوى فاعلة في جهته وضغوطات الشارع والمستجدات اليومية في الجهة التي يشرف عليها..

بعد 2011، ظل موقع الوالي محل أخذ ورد وشد وجذب، تنازعته ثلاث توجهات، بين من كان يريد تحميلها وزر كل مظالم الحكم والفساد الذي استشرى في أجهزة الدولة، وتحجيم دوره والتحكم فيه تلبية لأهداف إيديولوجية وحزبية ضيقة على حساب التنمية الحقيقية، وبين توجه يرغب في إعادة بناء الخطة على قواعد وضوابط قانونية وإدارية جديدة، متناغمة مع مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد، وبين توجه ثالث طالب بإلغاء منصب الوالي وحذف الخطة نهائيا من الهيكل الإداري للدولة.

لم تتم الإشارة إلى الوالي في دستور 2014، كما غيبّ عن دستور جويلية 2022، وفشلت محاولات تطوير القانون الأساسي لسلك المعتمدين والولاة، وظل مرتكزا على مضمون أمر عليّ وقع عليه آخر باي حكم المملكة التونسية، في 21 جوان 1956، قبل أن يتم تنقيحه في بعض المناسبات دون مس بجوهره الأصلي، مثل قانون عدد52 لسنة 1975 المؤرخ في 13 جوان 1975، في فترة عرفت بالعصر الذهبي للولاة، وأيضا عند صدور الأمر 457 لسنة 1980 الذي تضمن تفويض أعضاء الحكومة سلاطتهم للولاة..

تراجعت المكانة الاعتبارية للوالي وهيبته بالتوازي مع تراجع شامل لهيبة الدولة. كما وجد بعض الولاة أنفسهم في وضعيات صعبة وهشة في ظل اتهامات لهم بالتقصير وبعدم الكفاءة والعجز عن حل الملفات الصعبة في جهاتهم.. ولم تعد خطة الوالي تستهوي أصحاب الكفاءات خاصة ممن لهم تجارب ثرية في العمل الإداري.

بعد انتخابات 2014، عاد الحديث عن دور الوالي بقوة، وتحديدا عند وضع مجلة الجماعات المحلية، كما تم إعادة الاعتبار لدوره وموقعه بعد إرجاع صلاحياته المسلوبة بعد 14 جانفي 2011، وإعادة العمل بتفويض صلاحيات بعض الوزراء للولاة عبر إصدار منشور 19 سبتمبر 2014 خلال فترة النصف الأول من عهدة حكم الرئيس الأسبق الباجي قائد السبسي..

هذا الوضع المريح لمكانة الوالي لم يدم طويلا، إذ سرعان عادت التجاذبات السياسية والصراع على الحكم وعلى مراكز النفوذ في الدولة، مع تغير الرؤية ونظام الحكم والسياسة المتعبة بتغير الحكومات المتعاقبة، وارتبط المنصب ومن يشغله بمن يمسك فعليا بقيادة الحكم، فكان الوالي يسمى بعد تسمية الحكومة ويعزل أو يرحل ويستقيل بمجرد رحيل الحكومة أو سقوطها.. وزاد الوضع غموضا بعد بروز هناّت النظام السياسي المعتمد في دستور 2014 الذي صنفه بعض خبراء القانون الدستوري بـ"الهجين" فلا هو برلماني، ولا هو برئاسي..

وظل الأمر على حاله بعد انتخابات 2019، أي خضوع مؤسسة الوالي إلى مراكز النفوذ في الدولة التي تتنازع على السلطة وصلاحيات الحكم، والموزعة بين القصبة ممثلة في رئاسة الحكومة، وقرطاج ممثلة في رئاسة الجمهورية، وباردو ممثلة في البرلمان وتحديدا الأغلبية البرلمانية المتحالفة..

وبعد 25 جويلية 2021 خضع المنصب مباشرة إلى السلطة المركزية ممثلة في رئيس الجمهورية الذي يمسك وما يزال بدفة السلطة ويملك قرار التعيين والعزل للولاة دون الاعتماد على مقاييس واضحة للتسميات التي يقوم بها أو تبرير للولاة المعزولين. علما أن أكبر حركة لتعيين الولاة تمت بأمر رئاسي مؤرخ في 29 جوان 2022 وشملت 13 واليا، سبقها بأشهر تعيين ولاة جدد ببعض الولايات مثل بنزرت، وبن عروس، وتونس..

إعداد: رفيق بن عبد الله

 

د. عبد اللطيف الحناشي (أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة التونسية): هكذا كان يتم اختيار الولاة وتأهيلهم بعد الاستقلال

 

اعتبر أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية الدكتور عبد اللطيف الحنّاشي، أن منصب الوالي في تونس ضارب في القدم وكان له دورا محوريا قبل الاستقلال وبعده. وقال أنه ورغم أن بعض الولاة تعاونوا مع الإدارة العسكرية للاستعمار الفرنسي، إلا أن الزعيم الحبيب بورقيبة لم يتخل عنهم مباشرة بعد نيل الاستقلال لعدة اعتبارات منها ندرة الإطارات الكفأة في ذلك الوقت وذلك على غرار الهادي المبروك (قايد قابس).

كان بورقيبة، حسب الحنّاشي، يهتم كثيرا بهذا المنصب وغالبا ما يختار بنفسه الولاة باعتبار أنهم ممثلين له في والولاية التي يشرفون عليها كما كان الاجتماع السنوي بهم فرصة مجددة للتفاعل معهم، وبيّن أن بورقيبة كان يستعين بنوعين من الولاة فجر الاستقلال، فإما أن يكونوا من بين المناضلين في الحزب الحر الدستوري، وكان أغلبهم ينتمون إلى منطقة الساحل والعاصمة على اعتبار أن نسبة التمدرس كانت عالية في تلك المنطقة، عكس بقية الولايات (دون صفاقس التي كان عدد الولاة منها محدودا) أو أن يكونوا مستقلين ومن غير المنتمين للحزب، شرط أن يكونوا من غير المعارضين لنظام الحكم. وقد تم العمل وفق هذه الصيغة حتى فترة الوزير الأول الأسبق الهادي نويرة حتى سنة 1978.

وبعد سنة 1979، تطور المستوى الدراسي والعلمي للولاة المنتدبين حيث أصبح معظمهم من بين المتحصلين إما على شهادات الباكالوريا، أو الشهادات الجامعية والمنتمين لجهات مختلفة من البلاد..

وأبرز أن تنقيح الأمر العليّ المؤرخ في 21 جوان 1956، ساهم في توسيع صلاحيات سلك الولاة ومساعديهم من معتمدين وعمد، وتطوير مسارهم المهني والإداري، بحيث كان معظم من تولوا منصب وزير أو والي، شغلوا قبل ذلك خطط معتمدين في عدة جهات أو كتاب عامين لإحدى الولايات ثم تدرجوا في تحمل المسؤوليات الإدارية وحتى الحزبية، واكتسبوا خبرة في إدارة الشأن العام.. من بينهم الوالي الأسبق عبد الرحيم الزواري (قابس ثم نابل)، والوزير الأول الأسبق الهادي البكوش الذي شغل في بداية مسيرته واليا (بنزرت، صفاقس، قابس)، والشاذلي النفاتي الذي شغل خطة معتمد ثم وال على القيروان ثم باجة، ثم وزير للداخلية أواخر 1988، فوزيرا للعدل ثم الشؤون الاجتماعية في عهد الرئيس الأسبق بن علي.. كما أن العديد من الوزراء مرّوا بوظيفة وال في اغلب العهود.

أما عن التخصصات المهنية والدراسية للولاة، فقد انتمى معظمهم إما إلى سلك التعليم أو كانوا رجال قانون (محامين وعدد من الزيتونيين في بداية الاستقلال..)، وحتى في صورة تعذر مرور الوالي المقترح على شغل منصب معتمد، فإنه كان يخضع إلى دورات تكوينية بالمدرسة القومية للإدارة لتأهيله للعمل الإداري الجديد..

ولاحظ الحنّاشي، أن بعض الولاة تخرجوا من المدرسة الزيتونية (جامع الزيتونة) على غرار الوالي الأسبق عمر شاشية (والي للقيروان بعد الاستقلال، ثم واليا على سوسة ونابل).

وعن طريقة اختيار الولاة، أبرز أنها لم تتغير كثيرا بين عهدي بورقيبة وبن علي، غير أن التجاذبات السياسية والصراع داخل أجنحة الحزب الحاكم وتأثير الحاشية المقربة من رئيس الجمهورية وعائلته، ساهمت خلال العهدين، وخاصة خلال فترة ضعف نظام الحكم في التأثير سلبا على التعيينات في المناصب العليا للدولة مثل الولاة، وفي طريقة اختيارهم، وكم من وال عُزل أو استبعد، بحكم طبيعة علاقته بأعضاء الحكومة، والسلطة التنفيذية، أو مع المقربين، والحاشية على غرار ما كان يحدث في كواليس الحكم خلال فترة وسيلة بورقية التي كان لها دورا أساسيا في نقلة الولاة وتعيينهم بعد مرض بورقيبة خاصة بعد إحداث ولايات جديدة.

وخلص أستاذ التاريخ المعاصر إلى أن طريقة اختيار الولاة وتعيينهم في بعض الفترات لم تخل من المحسوبية التي كانت هي الأساس مقابل تراجع التعويل على عنصر الكفاءة والقدرة على إدارة الشأن العام..

بعد سنة 2011، وبعد محاولة محتشمة لتعيين ولاة مستقلين بعد 2011 لفترة قصيرة لم تتجاوز بعض أشهر، وشملت عددا محدودا جدا من مراكز الولايات، إلا أنه سرعان ما تغيرت مواصفات الاختيار ولم تأخذ بعين الاعتبار عناصر التجربة والكفاءة، عند تعيين الولاة وممثلي الدولة، بل طغى الانتماء الحزبي والسياسي وكان هو الأساس خلال فترة ما يعرف بحكم "الترويكا"، وزمن حكم المرحوم الباجي قايد السبسي الذي شهد هيمنة المحاصصة الحزبية في تعيينات المناصب الحساسة للدولة، وأصبح الأمر بمثابة تقاسم الغنيمة والسلطة بين المهيمنين سياسيا والمتحالفين في الحكم خاصة إثر انتخابات 2011 وانتخابات 2014.

ولاحظ الحنّاشي أنه وبعد 25 جويلية 2021، وبعد مسك رئيس الجمهورية قيس سعيد بزمام الأمور في السلطة، أصبحت العلاقات الاجتماعية والسياسية ودرجة الولاء لمسار 25 جويلية، والقرب من دوائر صنع القرار هي العنصر المحدد والمؤثر في تعيين الولاة، ولم يعد مقياس الكفاءة بالضرورة هو المحدد الأساسي في اختيارهم إلا جزئيا..

وخلص إلى أن سلك الولاة لم يخرج طيلة العشرية الماضية من دائرة الصراع والتجاذبات السياسية على السلطة بل كانوا في عدة حالات حطبا لها، كما لاحظ أن في السنين الأخيرة ظهرت حالة من عزوف الكفاءات الإدارية والعلمية والسياسية عن القبول بتولي مناصب عليا وسامية في الدولة نتيجة لضعف السلطة المركزية وفقدان هيبة الدولة..وتهميش دور الوالي وتحجميه، حتى من قبل تلك السلطة ما أدى أيضا الى عزوف البعض ممّن يُعرض عليهم هذه الوظيفة، إضافة الى تحاشي البعض ردة فعل الشارع خاصة بعد حالة الانفلات الذي عرفته البلاد الذي أدى إلى كثرة الاحتجاجات بالجهات التي طالب القائمون عليها بإقالة الوالي.

في المقابل، لم يُخف الحنّاشي كيف أن بعض الولاة تورطوا في ملفات فساد في بعض الفترات من تاريخ الدولة، واستغل البعض حالة الانفلات العام التي عرفتها البلاد فقاموا بالعديد من التجاوزات..

أسماء تدرجت في المناصب

في ما يلي أسماء بعض من تدرجوا في تولي مناصب معتمد، ثم، كاتب عام ولاية، ثم  وال، ثم الوزارة، في عهدي بورقيبة وبن علي:

أحمد الزاوش

الشاذلي النفاتي

الناصر الغربي

الهادي البكوش

الهادي المبروك

حسيب بن عمار

رافع دخيل

رضا لحول

رفيق بالحاج قاسم

زكريا بن مصطفى

عباس محسن

عبد الرحيم الزواري

عبد الله الكعبي

عبد الملك العريف

علي الشاوش

عمر شاشية

فؤاد المبزع

محمد جغام

منجي الكعلي

منصور السخيري

نور الدين حشاد

محمد ضيفي (خبير في الحوكمة المحلية): خطة الوالي تتأرجح بين الاستقلالية والولاء.. ومستقبلها يشوبه الغموض

 

يقول محمد ضيفي الخبير في الحوكمة المحلية، أن الوالي هي أقدم خطة موجودة في التنظيم الإداري التونسي إذ يرجع إحداثها إلى العهد الحفصي (1237-1574) وهي خطة تتغير المهام الموكولة إليها عبر الزمن، وكذلك التسمية (والي، عامل، محافظ، أمير..)، وقبل 1956 كانت تُطلق عليه في المملكة تسمية "عامل" وكانت مهامه تتمثل في جمع الجباية والحفاظ على ولاء السكان للنظام الحاكم.

حين صدر الأمر العلي المؤرخ في 21 جوان 1956 المتعلق بالتنظيم الإداري لتراب الجمهورية والمنظم لخطة الوالي ومهامه، وهو الأمر الذي لا يزال ساري المفعول إلى اليوم، تم التخلي عن 37 عاملا في 37 عمالة وكذلك الكواهي والخلفاء الراجعين لهم بالنظر، وتم إحداث خطة الوالي بعد تقسيم المملكة الى 14 ولاية على رأس كل ولاية والٍ عوض العامل، بالإضافة الى خطة بالإدارة المركزية. كما عوّض "الخليفة" بالمعتمد و"الكاهية" بالكاتب العام للولاية.

أصبح الوالي المؤتمن على سلطة الدولة وممثل الحكومة في الجهة والمسؤول عن تنفيذ البرامج الوطنية للتنمية على المستوى الجهوي، في شتى المجالات، كما يُنشّط ويُنسّق ويراقب المصالح الجهوية للوزارات، ويمكن له وحده الالتجاء الى القوة العامة كلما اقتضت الظروف الاستثنائية ذلك بعد الترخيص له مسبقا، وباعتباره سلطة لا محورية ممثلة للسلطة المركزية، فانه يترأس كل اللجان الجهوية التي تهم مختلف مصالح الدولة.

ووفقا للضيفي، عرفت هذه الخطة منذ إحداثها سنة 1956 عدة مراحل يمكن اختصارها فيما يلي:

  • 1956-1964: بناء الدولة الحديثة واستكمال سيادتها وتونسة أجهزتها وتحصين وحدتها في خضم مخلفات النزاع  البورقيبي اليوسفي وكذلك مقاومة مظاهر التخلف والعروشية في إطار تقسيم ترابي جديد يتجاوز الحدود العروشية ونفوذ بعض القبائل.
  • 1964 - 1970 : خضوع السلك للحزب الحاكم بعد مؤتمر الحزب في بنزرت سنة 1964وانخراط السلك  في تطبيق الاشتراكية و تعميم التعاضد والذي لعب فيه الولاة  دورا محوريا  ومن جرّاء ذلك حوكم وسجن  بعضهم  مع احمد بن صالح بعد فشل التجربة.
  • 1970 - 1989 : بعد فشل سياسة التعاضد وبعد " وقفة التأمل " تم تطوير أداء السلك وتغيير مناهج التعيين  والتخفيف من هيمنة الحزب في اطار الانفتاح والمراجعات التي تمت بعد أزمة 1969 وما ترتب عنها من مراجعات  سياسية واقتصادية.
  • 1989 -: 2010 التركيز علي العمل التنموي الجهوي والمحلي بعد مراجعة دور المجالس الجهوية وإصدار قانونها الأساسي الجديد يتولى بموجبه الوالي  بالإضافة الى مهامه كممثل للدولة على رأس الولاية يتولى أيضا رئاسة المجلس الجهوي باعتباره جماعة محلية تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلال المالي. وهكذا تنامي الدور السياسي للوالي كممثل لسلطة مركزية قوية مهيمنة على الحياة السياسية هيمنة مطلقة ورئيس جماعة محلية بصلاحيات  أوسع من جهة أخرى.

خلال هذه المرحلة صدر الأمر عدد 457 لسنة 1989، الذي بمقتضاه تم تفويض عديد الوزراء لصلاحياتهم لفائدة الولاة، وبذلك توسعت صلاحياته وسلطته على كل الهياكل  الراجعة بالنظر للدولة في دائرته الترابية بما في ذلك على الجماعات المحلية أي البلديات التي كانت تخضع لمراقبته المسبقة.

  • 2010- 2022 : تهميش دور الوالي: بعد 2011 تعرّضت مؤسسة الوالي إلى مضايقات واحتجاجات من قبل المواطنين وكذلك من قبل المنظمات باعتباره كان يمثل سلطة مركزية مستبدة، وأصبح التعيين لا يتم بالولاء لحزب واحد كما كان الشأن سابقا، بل بالولاءات السياسة للشركاء في الحكم بعد التخلي علي قدماء السلك، وباتت هذه الخطة تخضع لتسميات في إطار الترضيات الحزبية واقتسام المناصب بين الأحزاب الحاكمة، وبذلك أصبحت محل تجاذبات مما ترتب عنه عدم استقرارها وتهميشها وتقليص نفوذها ونفوذ المعتمدين والعمد الراجعين له بالنظر.

مباشرة بعد انتخابات 2014، عاد الحديث عن دور الوالي بقوة، وتحديدا عند صياغة مجلة الجماعات المحلية ومناقشتها، والتي بموجبها تم إسناد مهام وصلاحيات واسعة للولاة في إطار الرقابة اللاحقة للجماعات المحلية.

فبمقتضى هذه المجلة يمكن للوزير المكلف بالجماعات المحلية، وبناء على تقرير معلل من الوالي إيقاف مجلس بلدي عن النشاط، وللوالي صلاحية تكليف الكاتب العام للبلدية بتسيير البلدية في صورة حل المجلس البلدي، كما يمكنه أن يحل محل رئيس البلدية، في صورة تقاعسه عن أداء واجباته كما تم خلال سنة 2014 التراجع عن إلحاق الإدارة العامة للشؤون الجهوية المعنية بالولاة برئاسة الحكومة وإرجاع الإشراف عليها الى وزارة الداخلية كما كان عليه الأمر قبل 2011.

كما صدر منشور من رئاسة الحكومة تم بموجبه إلغاء كل المناشير السابقة التي سحبت صلاحيات الولاة وقلصت دورهم بعد 2011، وأعادت تفعيل الأمر المتعلق بتفويض صلاحيات الوزراء إلى الولاة من جديد وسحب إشراف رئاسة الحكومة، على هذا السلك وهي مسألة في غاية الأهمية حيث ساهمت في رد الاعتبار لخطة الوالي بعد تهميشها والتلاعب بها والزج بها في متاهات التجاذبات السياسية.

وبعد 25 جويلية 2021، وانطلاق مسار سياسي جديد، تمت إزاحة عديد الولاة، وعيّن مكانهم آخرون مقربون من رئيس الجمهورية، وربما يتبنون مشروعه السياسي. وبذلك ما يزال الغموض يشوب مستقبل هذه الخطة وتأرجحها بين الاستقلالية والولاء.

والحال انه من المفترض أن تكون الخطة محايدة تماما عن العمل السياسي في إطار حياد الإدارة واستقلالها عن الأحزاب وفقا للقوانين المرعية. كما بات من الضروري العمل على تحيين الأمر العلي المؤرخ في 21 جوان 1956، الذي تجاوزه الزمن. وذلك لإخراج هذه الخطة من الضغوطات الحزبية والتهميش والتي أصبحت من جراء ذلك لا تستهوي الكفاءات وذوي الخبرة لإشغالها وتحمّل وزرها.

ويرى ضيفي، ضرورة الإسراع بانتخاب المجالس الجهوية كجماعة محلية على غرار المجالس البلدية حتى يقع فصل الولاية عن المجلس الجهوي  ليتفرغ الوالي كممثل للسلطة المركزية، لمهامه الإدارية والسياسية والأمنية والرقابية وتوكل مهام التنمية لمجالس جهوية منتخبة تسهر على دفع التنمية وتسيير مختلف الخدمات والتجهيزات العمومية ودعم مختلف الأنشطة وفقا لخيارات يحددها المواطنون بأنفسهم، ليبقى دور هذا الأخير في علاقة مع هذه الجماعات المحلية منحصرا فقط في الرقابة اللاحقة والتدخل عند الاقتضاء عبر القضاء الإداري أو المالي عند حصول أي تجاوز وذلك في تناغم وتكامل بين السّلط في إطار وحدة الدولة.

هذا التناغم بين الوالي والسلطة المحلية مهتز اليوم، حيث ان إيغال بعض رؤساء البلديات في الاستقلالية وممارستهم للتدبير الحر بصفة مطلقة انطلاقا من قناعات سياسية أحيانا ووفقا لتوجهات الأحزاب التي رشحتهم اصطدم مع توجس الولاة من هذا السلوك مما دفعهم لاتخاذ قرارات دون اللجوء للقضاء خلافا للترتيب الجاري بها العمل وهذا  يتنافى  ومبدأ استقلالية الجماعات المحلية. وقد حصل سوء التفاهم هذا في مناسبات كثيرة منها ما حدث في القصرين، قابس، بنزرت، تونس، بن عروس، زغوان، الخ..

أمر علي يحدد مهام الوالي

ينص أمر علي مؤرخ في 21 جوان 1956 يتعلق بالتنظيم الإداري لتراب الجمهورية

الباب الثاني - الإطارات العليا للإدارة الجهوية واختصاصاته

 

القسم الأول: أحكام عامة

الفصل 6 - يدير شؤون المناطق الإدارية المشار إليها بالباب الأول سلك من الموظفين يتركب من الولاة والمعتمدين الأول والكتاب العامين والمعتمدين ويساعدهم بالمناطق الترابية العمد.

الفصل 7 (جديد) - نقح بمقتضى القانون عدد 83 لسنة 1980 المؤرخ في 3 ديسمبر 1980 - يساعد الوالي بمركز الولاية معتمد أول وكاتب عام ومعتمدون يضبط عددهم بأمر وسلك من موظفي الدولة[2].

إلا أنه يمكن بالإضافة تسمية معتمدين أولي اثنين ومعتمدين اثنين بمركز ولاية تونس.

كما يساعد الوالي معتمد بكل معتمدية ترابية أو عمدة بكل منطقة ترابية.

القسم الثاني: مشمولات الـوالي

الفصل 8 - الوالي هو المؤتمن على سلطة الدولة وممثل الحكومة بدائرة ولايته وهو إداريا تحت سلطة وزير الداخلية.

الفصل 9 - الوالي مسؤول عن تنفيذ السياسة القومية للتنمية على الصعيد الجهوي، وبهذه الصفة يدرس ويقترح على الحكومة الوسائل الكفيلة بتحقيق النهضة الاقتصادية الاجتماعية لدائرة ولايته.

الفصل 10 - الوالي بوصفه ممثل الحكومة له سلطة على موظفي وأعوان المصالح الدولية المباشرين بدائرة ولايته. وبهذا الاعتبار:

  • يسهر على تنفيذ القوانين والتراتيب والقرارات الحكومية.
  • يتولى تحت سلطة الوزراء الذين يهمهم الأمر تنشيط وتنسيق ومراقبة المصالح الجهوية الراجعة بالنظر للإدارات المدنية التابعة للدولة.
  • يباشر سلطة الإشراف والمراقبة الإدارية على الجماعات العمومية المحلية كما يسهر على مصالح الدولة لدى الشركات والدواوين والمؤسسات التي تتمتع بإعانة الدولة ماليا والتي يوجد مقرها الاجتماعي بدائرة ولايته، وينبغي أن يحاط علما بنشاطاتها بصفة دورية.

الفصل 11 - يباشر الوالي تحت سلطة وزير الداخلية إدارة الشؤون العامة للولاية ويسهر على المحافظة على الأمن العام بها.

الفصل 12 - يمكن للوالي وحده وبعد الترخيص مسبقا من الحكومة الالتجاء إلى القوة المسلحة كلما اقتضت ذلك الظروف الاستثنائية.

الفصل 13 - يفوض أعضاء الحكومة إلى الوالي في كل جهة بعض سلطاتهم ويضبط نوع وحدود كل تفويض بأمر.

الفصل 14 (جديد) - نقح بالقانون عدد 62 لسنة 1989 المؤرخ في 23 جوان 1989 - للوالي أن يفوض حق الإمضاء بالنيابة إلى المعتمد الأول والى الكاتب العام للولاية والى المعتمدين وإلى رؤساء دوائر الولاية بالنسبة للسلطات المفوضة له من وزير الداخلية.

للوالي أن يفوض حق الإمضاء بالنيابة إلى رؤساء المصالح الخارجية الراجعة بالنظر إلى الإدارات المدنية التابعة إلى الدولة والمؤسسات العمومية كل في حدود اختصاصها وذلك بالنسبة للسلطات المفوضة له من أعضاء الحكومة.

الفصل 15 (جديد) - نقح بالقانون عدد 62 لسنة 1989 المؤرخ في 23 جوان 1989 - للوالي أن يفوض كل مشمولاته أو جانبا منها إلى رؤساء المصالح الخارجية الراجعة بالنظر إلى الإدارات المدنية التابعة للدولة والمؤسسات العمومية وذلك قصد تنفيذ البرامج القومية التي قد تكون الوزارات المعنية تولت وضع الاعتمادات اللازمة لإنجازها تحت تصرفه.

الفصل 16 (جديد) - نقح بالقانون عدد 62 لسنة 1989 المؤرخ في 23 جوان 1989 - لا تنطبق أحكام الفصلين 13 و 14 (جديد) من هذا القانون على:

  • المشمولات التي هي من خصائص وزارة العدل.
  • المشمولات التي هي من خصائص وزارة الدفاع الوطني.
  • المشمولات التي هي من خصائص وزارة التخطيط والمالية المالية إلا فيما يتعلق بأملاك الدولة والشؤون الإدارية للوزارة.
  • المشمولات المتعلقة بالبيداغوجية والتي هي من خصائص الوزارات التي تتبعها مؤسسات تربية أو تعليم أو تكوين.

الفصل 17 - يتولى الوالي رئاسة مجلس الولاية بدائرة ولايته.

الفصل 18 - يرأس وجوبا الوالي أو من يمثله جميع اللجان الجهوية التي تهم مختلف مصالح الدولة.

الفصل 19 - على رؤساء المصالح الخارجية وكذلك مسؤولي المؤسسات والهياكل العمومية وشبه العمومية أن يحيطوا الوالي علما بكل المسائل التي هي من مشمولاتهم والتي يمكن أن تكتسي أهمية خاصة بالجهة.

وينبغي على هاته المصالح أن تحيل على الوالي نسخة من المراسلات الهامة الموجهة إلى الإدارات المركزية التي هي مطالبة بدورها بإتباع نفس الطريقة فيما يخص مراسلاتها مع مصالحها الخارجية.

وعلى هذا الأساس فإن برامج العمل وتقارير التنفيذ وكذلك تقارير التفقد تحال وجوبا على الوالي.

الفصل 20 - يقع إعلام الوالي مسبقا بحركات النقل والتعويض التي تجرى في صفوف رؤساء المصالح الجهوية التابعة للدولة وفي كل سنة يوجه الوالي مباشرة إلى الوزراء المعنيين ملحوظة عامة حول نشاط رؤساء مصالحهم الجهوية في ميدان عملهم وتحفظ هاته الوثيقة بملف كل واحد منهم.

الفصل 21 - يمكن للوالي بدائرة ولايته وفي نطاق التشريع الجاري به العمل أن يتخذ قرارات ترتيبية في ميدان الشرطة الإدارية.

ألغي الباب الثاني من الأمر المؤرخ في 21 جوان 1956 المتعلق بالتنظيم الإداري لتراب الجمهورية وعوض بموجب القانون عدد 52 لسنة 1975 المؤرخ في 13 جوان 1975.

 

تأجير الولاة وامتيازاتهم

يعود آخر مرجع قانوني يضبط تأجير الولاة، إلى الأمر عدد 769 لسنة 2020 مؤرخ في 18 سبتمبر 2020.

منح الأمر سلك الولاة أجرا وامتيازات تعادل ما هو مُخوّل لأعضاء الحكومة(وزراء وكتّاب دولة)، وارتقى الأجر الخام للوالي 5380 دينارا خام أي حوالي 3500 دينار صافي أي بزيادة تتجاوز الألف دينار مقارنة بالأجر السابق. وبهذا يغدو أجر الوالي بين الأجر الصافي للوزير ( 4200 دينار) والأجر الصافي لكاتب دولة (3250 دينارا).

وبمقتضى الأمر، يمكن للولاة الذين يتمتعون في إداراتهم الأصلية بتأجير جملي صافي يفوق تأجير الولاة أن يحافظوا على أجورهم الأصلية. وتدفع الدولة المساهمات في نظام التقاعد والحيطة الاجتماعية ورأس المال عند الوفاة. ويتمتّع الوالي بمنحة تنقّل قيمتها 50 دينارا لليوم.

وتعادل امتيازات الوالي الامتيازات المخوّلة للوزير وتتجاوز امتيازات كاتب الدولة، وتتمثل في المنزل الوظيفي وتأثيثه ومصاريف إصلاحه.

ويحصل الوالي على منحة سكن قدرها 500 دينار في صورة عدم حصوله على سكن وظيفي مع تكفّل الدولة بمصاريف الكهرباء والغاز والماء والهاتف في حدود سقف يُضبط بقرار من رئيس الحكومة.

ويوضع على ذمة  الوالي عونان يكلّفان بشؤون المسكن إضافة الى سيارتين وسائقين و500 لتر وقود.

وخلافا لما كان معمولا به سابقا وهو انتهاء العمل بالامتيازات والأجر حال إنهاء المهام، أصبح الوالي يتمتع بالأجر والامتيازات على غرار الوزير مدّة ثلاثة أشهر مهما كانت المدة المقضّاة في خطة وال.

أول مجموعة من الولاة تم تعيينهم عند إحداث السلك، وإحداث 15 ولاية، بعد إلغاء 35 قيادة، وإلغاء سلك الخلفاوة (الخليفة).

 

عبد القادر اللباوي (رئيس الإتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة): تعيين الولاة وإعفاؤهم لم يخرج عن قاعدة المحاصصات الحزبية والترضيات والولاءات

 

قال عبد القادر اللباوي رئيس الإتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة أن التجاذبات السياسية ومنطق الغنيمة، التي سادت البلاد خلال العشرية الأخيرة، كانت من بين أسباب عدم الاستقرار السياسي وبالتالي تسارع وتيرة تعيين الولاة وإعفائهم رغم المحاولات المحتشمة لتوفير بعض الاستقرار لمؤسسة الوالي. وليتسنى الارتقاء بها كسلطة لامحورية وبالولاية كإدارة جهوية، دعا اللباوي إلى ضرورة أن ينصبّ الاهتمام على تكريس الشفافية وضمان تكافؤ الفرص في التعيين، وضبط معايير موضوعية وشفافة للحصول على مناصب المسؤولية، ووضع نظام فعال لتقييم أداء الولاة والمعتمدين والموظفين الموضوعين تحت إمرتهم، وإقامة نظام جديد للمكافأة يأخذ بعين الاعتبار نتائج تقييم الأداء بناء على معايير الكفاءة والاستحقاق والجدارة والمردودية، دون الاقتصار على شرط الأقدمية أو الاستكانة لقاعدة الولاء والمحسوبية..

في ما يلي نص الحوار:

*كيف تقيم الأداء الوظيفي لمؤسسة الوالي وتأقلمه مع التأثيرات السياسية والقانونية التي عرفتها البلاد منذ الاستقلال؟

مثّلت مؤسسة الوالي على مدى أكثر من نصف قرن تكريسا قويا للسلطة المركزية للدولة في الجهات، حيث يعتبر الوالي منذ صدور الأمر العلي المؤرخ في 21 جوان 1956 المتعلق بالتنظيم الإداري لتراب الجمهورية، التجسيد الأول، إن لم نقل الأوحد، للسلطة اللامحورية للدولة في جهته.

وتدعمت سلطات الوالي تصاعديا بعد التنقيحات التي طالت الأمر المذكور، بدءا بالقانون عدد 17 لسنة 1969 المؤرخ في 27 مارس 1969 مرورا بالقانون عدد 52 لسنة 1975 المؤرخ في 13 جوان 1975 الذي أقرّ مشمولات واسعة للوالي وخاصة بالفصول 8 و9 و10 التي جعلت منه المؤتمن على سلطة الدولة وممثل الحكومة بدائرة ولايته والمسؤول عن تنفيذ السياسة الوطنية للتنمية بالجهة، وله أن يقترح على الحكومة الوسائل الكفيلة بتحقيق النهضة الاقتصادية الاجتماعية وأن يمارس سلطة على موظفي وأعوان المصالح الدولية المباشرين بدائرة ولايته. دون أن نغفل التنقيحات التي كرّست نفس التوجّه والمتمثلة أساسا في:

-   القانون عدد 35 لسنة 1980 المؤرخ في 28 ماي 1980

-   القانون عدد 83 لسنة 1980 المؤرخ في 3 ديسمبر 1980

-   القانون عدد 62 لسنة 1989 المؤرخ في 23 جوان 1989

-   القانون عدد 47 لسنة 1990 المؤرخ في 23 أفريل 1990

-   القانون عدد 87 لسنة 2000 المؤرخ في 13 جويلية 2000.

ونتيجة لذلك، عرفت مؤسسة الوالي، استقرارا ساعد على إحكام الدولة بسط نفوذها في الجهات وتمرير خياراتها التنموية والاجتماعية بشكل سلس مكّن من تأمين التعليم والصحة لأغلب فئات الشعب وإحلال الأمن على كامل التراب الوطني، حيث يباشر الوالي إدارة الشؤون العامة للولاية ويسهر على المحافظة على الأمن العام بها ويمكن له وحده وبترخيص مسبق من الحكومة، الالتجاء إلى القوات المسلحة كلما اقتضت الضرورة.

هذا الاستقرار، يمكن أن نستشفه بوضوح من خلال معدّل المدة التي يقضيها الوالي على رأس نفس الولاية طيلة العقود الأربع الممتدة بين 1966 و2006، والتي تقدر بحوالي أربعين سنة، تم خلالها وعلى مدى مختلف الحكومات المتعاقبة تعيين حوالي 340 واليا، بمعدل 14 واليا لكل ولاية، أخذا بعين الاعتبار الولايات التي تم إحداثها بصفة متأخرة نسبيا.

غير أن هذا الاستقرار، لم يكن دون سلبيات، إذ لم تتمكن مؤسسة الوالي من ضمان التوازن الجهوي وتكريس العدالة الاجتماعية والاقتصادية بين الجهات والفئات. حيث تفاوتت نسب البطالة من حوالي 38% في الجهات الأقل حظا في التنمية إلى حوالي 12% في الجهات الساحلية والعاصمة. ونفس الشأن بخصوص نسبة الفقر المدقع التي بلغت خلال نفس الفترة حوالي 16% في الجهات الأقل حظا مقابل 2.9% فقط في الجهات الساحلية والعاصمة. أما نسبة الفقر متعدد الأبعاد فقد شهدت تفاوتا أكثر حدة إذ بلغت حوالي 32% في الجهات الأقل حظا مقابل 7.8% فقط في الجهات الساحلية والعاصمة.

كل هذه الظروف إضافة لعدة عوامل إقليمية ودولية، أدت إلى حدوث التغيير "الثوري" الحاسم في تونس. فهل أنتجت "الثورة" آثارا عميقة وجذرية وإيجابية على واقع التنمية والتوازن الجهوي؟

*هل لمستم تغيرات جذرية في دور الوالي بعد ثورة 2011 وخلال فترة الانتقال الديمقراطي؟

تكفي قراءة سريعة لعدد التسميات على رأس الولايات بين 2011 و2021 بأن تبوح بالإجابة عن السؤال، وهي إجابة مخيّبة لآمال عريضة طالما علقها المتطلعون إلى غد أفضل على الثورة !

تم خلال العشرية الأخيرة تعيين أكثر من 360 واليا، بمعدل 15 واليا لكل ولاية على مدى عشر سنوات فقط! ما يعني أنه في صورة تواصل وتيرة التعيينات على قاعدة المحاصصات الحزبية والترضيات والولاءات الشخصية لثلاثين سنة أخرى، حتى تستقيم المقارنة، فسيكون لدينا 60 واليا على كل ولاية في أفق 2050 !

لا يختلف عاقلان في أن التجاذبات السياسية ومنطق الغنيمة، التي سادت البلاد خلال العشرية الأخيرة، كانت من الأسباب الرئيسية لعدم الاستقرار السياسي وبالتالي تسارع وتيرة تعيين وإعفاء الولاة رغم المحاولات المحتشمة لتوفير بعض الاستقرار وذلك بدعوة أعضاء الحكومة سنة 2014 إلى تفويض بعض صلاحياتهم للولاة من خلال منشور رئيس الحكومة عدد 23 لسنة 2014 المؤرخ في 19 سبتمبر 2014 والمتعلق بصلاحيات الوالي، الذي تضمن أنه لوحظ مبادرة بعض الوزارات خلال الفترة اللاحقة لـ 14 جانفي 2011 بإصدار مناشير سحبت بمقتضاها بعض الصلاحيات التي سبق تفويضها إلى الولاة بمقتضى الأمر عدد 457 لسنة 1989.

كما تمت الإشارة ضمن نفس المنشور إلى أن بعض الوزارات لم تلتزم بمقتضيات القانون عدد 52 لسنة 1975 خاصة فيما يتعلق بـإعلام الوالي مسبقا بحركات النقل والتعويض المتعلقة برؤساء المصالح الجهوية التابعة للدولة والإحالة الوجوبية على الوالي لبرامج العمل وتقارير التنفيذ والتفقد والمراسلات الهامة الموجهة من قبل الإدارات المركزية إلى مصالحها الخارجية..

لا يتطلب نص المنشور ولهجته مجهودا خرافيا للوقوف على حقيقة تعامل السياسيين وأعضاء الحكومة بعد 2011 مع مؤسسة الوالي والجهة وما تتطلبه من حرص على إرساء دعائم التنمية العادلة والمتوازنة. يقر المنشور وجود تعاط غنائمي وغير مسؤول مع الجهات، رغم كل ما تم التشدق به من شعارات تنادي بالتمييز الإيجابي للجهات والفئات المهمشة.

*كيف يمكن تطوير مؤسسة الوالي وجعلها منسجمة مع قيم الحياد والنزاهة ودعم التنمية في الجهات، وكيف يمكن تحصينها من أي توظيف أو تهميش؟

للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نحرص على تشخيص واقع مؤسسة الوالي كسلطة لامحورية ذات صلاحيات، ومؤسسة الولاية كهيكل إداري جهوي وموظفين. وللقيام بالتشخيص المطلوب ينبغي المزاوجة بين المناهج الحديثة المعتمدة في مختلف مباحث علوم الاجتماع والاقتصاد وأساليب الإدارة والتنظيم والتخطيط والتقويم، وبين المعطيات المستقاة مباشرة على أرض الواقع.

وفي هذا السياق تولى الإتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة، القيام بدراسات ميدانية حول أداء ومردودية المسؤولين والأعوان العموميين بالجهات/الولايات على امتداد 2012 -2021، أفضت إلى نتائج، منها:

يتسم واقع الإدارات الجهوية في تونس اليوم، بما فيها الولايات، بنوع من العطالة الناجمة عن التباعد المتنامي، من ناحية أولى، بين الصلاحيات والمشمولات مثلما تضمنتها النصوص وبين الممارسات والأفعال على أرض الواقع. ومن ناحية ثانية، بين أهداف التنمية الجهوية المرسومة على مستوى النصوص والمخططات التنموية والموازين الاقتصادية (عادة ما تكون أهدافا غير دقيقة وغير قابلة للقياس) وبين النتائج المسجلة على مستوى أداء المرافق العمومية الجهوية. فمن المنظور الاقتصادي، هناك أربعة أسباب تؤدي إلى قصور الإدارات العمومية الجهوية وعلى رأسها الولاة، لمجرّد أنها تعتمد صيغا ومسارات تقليدية بالية في إدارة الشأن العام الجهوي. وتتلخص أسباب القصور أو ضعف الأداء في:

-   الفصل بين تكاليف الخدمة العمومية على الصعيد الجهوي والموارد العمومية المفوضة أو المحالة للجهات بسبب صعوبة تحديد التكلفة الحقيقية بدقة. فالهياكل الجهوية التي تسدي الخدمات العمومية لا تكترث لمعرفة حقيقة تكاليفها نظرا لغياب الحاجة لذلك في ظل موازين عمومية تقليدية ترصد اعتمادات لتمويل تصرف عمومي جهوي حسب الوسائل لا حسب الأهداف أو حسب النتائج.

-   افتقار الإدارة الجهوية إلى مقاييس موضوعية للأداء، والاستعاضة عنها بمقاييس داخلية مضلّلة تقوم على الوسائل وليست لها بالضرورة علاقة بمصلحة الجهة فضلا عن غياب التقييم الدوري للسياسات العمومية الجهوية، هذا إن وجدت !

-   غياب المساواة في التوزيع الفعلي للسلطة والامتيازات، حيث يتمتع السياسيون على المستوى المركزي، دون غيرهم بمساحة مناورة لا مبرر لها،

-   استخدام سياسات وتكريس مسارات ومسالك تقوم على التجربة والخطأ بصورة لا يمكن أن تؤدي إلا إلى نتائج سلبية تقع في النهاية على المواطنين والمؤسسات وتحول دون تنمية الاستثمارات ودفع عجلة التنمية الجهوية.

وبالنظر إلى هذه الأسباب يتضح أن مجالات التغيير في إدارة الشأن العام الجهوي ليست مجرد مراجعة قوانين ونظم، بل تتعدى ذلك لتكون مسارا مرتبطا بمجموعة من القيم والمبادئ والأسس العلمية. فإصلاح التصرف العمومي جهويا هو جزء من مشروع أوسع وأشمل يقوم على تجسيد عملي لقيم ومفاهيم التصرف الرشيد بشكل يؤدي إلى تحقيق التوازن بين الفعالية التي تتطلبها العملية الاقتصادية جهويا ووطنيا وبين العدالة الاجتماعية التي تسعى إلى تحقيقها "نظرية الحكم الرشيد".

فكل إصلاح يقوم على أساسين على الأقل:

- أساس أوّل نابع من رؤيا تقوم على ضبط أهداف إستراتيجية للمسار الإصلاحي،

- أساس ثان يرتكز على الاستئناس بالتجارب والمسارات الشبيهة مع مراعاة الخصوصيات الوطنية في كافة أبعادها وسياقاتها (الكندية، الأمريكية، الاسكندينافية، الألمانية..)

وكي يتسنى الارتقاء بمؤسسة الوالي، لابد أن ينصب الاهتمام على تكريس الشفافية وضمان تكافؤ الفرص في التوظيف والتعيين. كما يتعيّن ضبط آليات ومعايير موضوعية وشفافة للحصول على مناصب المسؤولية.

ويتعيّن وضع نظام فعال لتقييم أداء الولاة والمعتمدين والموظفين الموضوعين تحت إمرتهم كفيل بتقدير مردوديتهم الحقيقية، بالإضافة إلى إقامة نظام جديد للمكافأة يأخذ بعين الاعتبار نتائج تقييم الأداء بناء على معايير الكفاءة والاستحقاق والجدارة والمردودية، دون الاقتصار على شرط الأقدمية أو الاستكانة لقاعدة الولاء والمحسوبية. الذي أثبتت الممارسة قصورهما في الارتقاء بالأداء والمردودية. وفي هذا الإطار يقترح تركيز مقاربة جديدة لهيكلة النظام الأساسي للولاة، تتضمن تعريفات وضوابط مرجعية وبطاقات وصفية للوظائف والكفاءات تعد اللبنة الأساسية لإرساء آليات التسيير التوقّعي للوظائف والكفاءات في إطار تصنيف مرجعي موحد يضبط بدقة خصائص وسلطات ومشمولات الوالي كسلطة جهوية/لامحورية وعلاقتها بالدائرة السياسية والضمانات التي تحيط بكل ذلك.

لذا، يقترح وضع نظام لتسيير الأداء المؤسسي للوالي/الولاية على أساس الضوابط الآتية:

- ترسيخ الثقافة المؤسسية لدى الولاة والمعتمدين وموظفي الولايات تقوم على المهنية والنزاهة والشفافية،

-   وضع آلية قياس الأداء المؤسسي وتقييم مستوى المساهمة في الارتقاء بمردودية المرافق العمومية على أساس الأهداف والبرامج الجهوية ووفقاً للمعايير والمقاييس المتعارف عليها عالمياً.

-    وضع قواعد ومعايير داعمة لبيئة العمل المؤسسي التي تشجع الأداء المتميز بما يسهم في رفع مستوى المعرفة والكفاءة والإنتاجية لدى الولاة والموظفين العاملين معهم أو تحت إشرافهم أو رقابتهم،

-    تحديد فترات المراقبة والتقييم ورفع التقارير للجهات الحكومية بشأن مطابقة معايير الأداء المؤسسي للوالي مع اتخاذ الإجراءات المناسبة لتطوير الخدمات ورفع الإنتاجية وفقاً لتلك التقارير. يتم كل ذلك على قاعدة المرجعيات والضوابط التالية:

-    تحديد القدرات الأساسية التي يتم على أساسها قياس أداء الوالي مع مراعاة توافق واتساق القدرات مع مستوى المهام التي يقوم بها الموظفون الموضوعون تحت إمرته والأهداف المطلوب منهم تحقيقها، مع التحديد الدقيق لآليات ومدد التقييم حسب طبيعة الوظائف ونوعيتها.

-    تطوير معايير الأداء الوظيفي ومناقشة مستوى الأداء المتوقع للموظفين الجهويين ومتابعتهم حسب الأهداف المحددة للإنجاز وفق الخطة السنوية المقررة على مستوى الجهة/الولاية.

-    تحديد جوانب تطوير الأداء الوظيفي ووضع خطة لهذا التطوير إلى جانب تحديد أوجه الدعم الإيجابي الذي يتعين تقديمه للموظف الجهوي للارتقاء بمستوى أدائه في إطار برنامج زمني محدد.

-    تكون نتائج تقييم الأداء أساسا موضوعياً لاتخاذ القرارات الإدارية المتعلقة بتكوين الموظفين بالولايات والإدارات الجهوية وتطوير كفاءاتهم ومن ثمة ترقيتهم وتحفيزهم،

- إعادة تنظيم المصالح العمومية الجهوية، بما في ذلك إدارة الولاية بتجميع الخدمات والنشاطات المتماثلة وإزالة الازدواج وتقليص عدد الأجهزة الإدارية

- وضع منظومة قانونية تحفيزية للوظيفة العمومية الجهوية على أساس معايير وشروط لا يمكن بدونها الانتساب لهذه الفئة من الوظائف.