أثبتت بعض المعطيات والمؤشرات أن المشهد السياسي والحزبي في تونس متحرك وحافظ على نسق تطوره الذي عرفه في فترات مختلفة من العشرية الماضية، من حيث الأرقام المحددة لعدد الأحزاب السياسية الحاصلة على ترخيص أو تأشيرة من مصالح إدارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان برئاسة الجمهورية أو المطالب المقدمة في الغرض ولم يتم بعد الحسم فيها. ليصبح العدد الجملي للأحزاب في حدود 240 حزبا سياسيا، بعد انضمام أجسام حزبية جديدة إلى المشهد السياسي خلال سنة 2022، بعضها أعلن مساندته لمسار 25 جويلية وانخرط بشكل عملي في ما تضمنه من روزنامة وبرامج، والبعض الآخر اختار الالتحاق بصف المعارضة. فيما اختارت تنظيمات وأحزاب وحركات سياسية "فتية" أخرى رسم خط متفرد عن البقية عبر التفكير والتباحث للتأسيس لمسار سياسي يقطع مع ما هو متعارف عليه والتأهب والاستعداد لفرض نسقه ضمن ما يراه مستقبل تونس السياسي. وسبق أن أكد مصدر عليم حول هذه المسألة لـ"الصباح" أن الفترة التي تراوحت بين الاستفتاء وموعد الانتخابات التشريعية شهدت تقديم عدد كبير من المطالب للحصول على تأشيرة أحزاب وحركات ومنظمات سياسية.
ونذكر من بين هذه الأحزاب والحركات الناشئة في الحقل السياسي مؤخرا، "حراك 25 جويلية أو حركة شباب تونس الوطني" الذي يرأسه ثامر بديدة، وشارك في الانتخابات التشريعية الأخيرة وتحصل في الدور الأول على عشرة مقاعد في البرلمان إضافة إلى 82 مترشحا للدور الثاني، إضافة إلى حزب "صوت الجمهورية" الذي يرأسه علي الحفصي والذي شارك بدوره في الاستحقاق الانتخابي وضمن الفوز بمقعد في البرلمان وترشح 7 من أبنائه إلى الدور الثاني، فضلا عن حزبي "الجمهورية الثالثة" الذي ترأسه ألفة الحامدي و"العمل والإنجاز" الذي يتولى أمانته العامة عبد اللطيف المكي القيادي السابق في حركة النهضة واختار الحزبان صفوف المعارضة.
كما سجلت نفس السنة تأسيس حزب "تونس تجمعنا" برئاسة الخبير الاقتصادي خميس خياطية و"تقدّم" الذي يرأسه المؤرخ والناشط السياسي عادل اللطيفي و"عازمون" برئاسة عياشي زمال، القيادي السابق في "تحيا تونس" و"الراية الوطنية" الذي تأسس نهاية سنة 2021 برئاسة مبروك كورشيد وهو قيادي مستقيل من "تحيا تونس". فيما سجلت نفس السنة المنقضية حل حزب "الوطن" الذي كان يرأسه محمد جغام وذلك بعد صدور قرار في الغرض من المحكمة الابتدائية في مارس الماضي يقضي بحل هذا الحزب.
ولم يتوقف الأمر على الأحزاب والحركات بل شهدت نفس المرحلة بعث تنظيمات وجبهات أخرى عديدة شكلت بدورها "منصات" وروافد سياسية استقطبت أعدادا كبيرة من الناشطين في الحقل السياسي والمجتمع المدني وأيضا العمل النقابي، نظرا لما عرفته أغلب مكونات المشهد الحزبي في تونس ما بعد ثورة 2011 من انفجار "حزبي" فتح الأبواب على مصراعيها للتجريب السياسي. وساهم عدم وجود قوانين تنظيم الحياة السياسية وتمنع السياحة الحزبية أو البرلمانية في حدوث تفجيرات وانقسامات في أغلب الأحزاب والحركات السياسية التي عرفتها بلادنا، ليتحول عدد من القياديين داخل تلك الأحزاب إلى رؤساء وأمناء عامين في أجسام سياسية جديدة. بل دخلت إلى المشهد أيضا تنظيمات سياسية جديدة، كانت في تركيبتها وتوجهاتها و"فلسفتها" أقرب إلى إعادة تشكل وتنظيم للوضع السياسي الذي عرفته تونس ما بعد 25 جويلية 2021 في محاولة لكسر حالة "الجمود الحزبي" من ناحية وبحثا عن سبل تنظيمية وجبهوية كفيلة بكسر الحاجز الذي وضعه رئيس الجمهورية أمام المشهد السياسي بعد أن قاربت سياسته على "إذابة" أغلب مكونات هذا الحقل السياسي على غرار حركة "مواطنون ضد الانقلاب" و"جبهة الخلاص" و"لينتصر الشعب" التي ضمت مجموعة من السياسيين والناشطين المدنيين والحقوقيين والنقابيين السابقين بالاتحاد العام التونسي للشغل و"منتدى الجمهورية" الذي يشرف عليه عادل الخبثاني وغيرها من التنظيمات والمنتديات والهياكل الأخرى التي تصب في خانة إعادة الهيكلة والتنظيم السياسي.
وهو ما فسره البعض بأن ذلك يعد نتيجة لأزمة "الزعامتية" التي تعيشها أغلب الأحزاب "الكلاسيكية" مقابل طموح الجيل الجديد من السياسيين لدخول وضمان موقع في دائرة الضوء داخل الحقل السياسي، فضلا عن حالة "الجمود" التي ميزت عمل ونشاط أغلب الأحزاب "القديمة" ونفش الشيء تقريبا بالنسبة للأحزاب الحديثة التي تأسست بعد 2011 والتي كانت أرضية خصبة لتغذية الحقل السياسي، بعد أن نجح بعض قيادات هذه الأحزاب في تأسيس مشاريع سياسية جديدة. إذ تؤكد أغلب القراءات والمتابعين على أن نسبة كبيرة من الأحزاب والحركات السياسية الناشئة، نشأ أصحابها وتغذوا داخل عائلات سياسية أخرى على غرار "نداء تونس" و"الحزب الجمهوري" و"حركة الديمقراطيين الاشتراكيين" و"حركة النهضة" و"حزب العمال" و"المؤتمر من أجل الجمهورية ليأتي بعدها أحزاب أخرى من قبيل "تحيا تونس" ومشروع تونس" و"المبادرة" و"آفاق تونس" و"قلب تونس" وغيرها من الأحزاب التي انبثقت عنها هياكل وأجسام سياسية جديدة تحت أسماء مختلفة. ورغم تعدد واختلاف مشارب وتوجهات أغلب المكونات السياسية التي أضيفت إلى قائمة الأحزاب في تونس في تونس ما بعد 25 جويلية 2021 إلى غاية اليوم، إلا أن القاسم المشترك الذي يجمع أغلبها إن لم يكن كلها هو عدم خضوعها منذ بدايتها لأي إيديولوجيا أو خط محدد لمنهجها السياسي.
لتؤكد بذلك هذه "المؤسسات" السياسية الجديدة أن المشهد السياسي في تونس لن يذعن لتمشي وسياسة رئيس الجمهورية قيس سعيد المبني على "تحييد" الأحزاب السياسية بجميع أطيافها وتوجهاتها، ووضع مسافة تفصلها عن الجهات الرسمية، بشكل اعتبره بعض المتابعين ناجعا في "تقزيم" الأحزاب خاصة أن القانون الانتخابي الجديد بما تضمنه من شروط وقوانين مغايرة للسابق، ويقوم على الاقتراع على الأفراد وتغييب الأحزاب لعب دوره في تأكيد هذه السياسية.
فجل الأحزاب السياسية التي التحقت بالمشهد العام حديثا تعد امتدادا للسابق ليس بسبب أن جل قيادييها ومؤسسيها هم قياديون سابقون في أحزاب وحركات سياسية أخرى أو أنهم من رموز المشهد السياسي ومكونات منظومة الحكم في العشرية الماضية بل أيضا لأنها كلها تتقاطع تقريبا في نفس المنهج هو أن ظروف نشأتها تنحصر حول هدف واحد وأوحد لا خيار آخر بعده وهو الصراع على السلطة ومواقع القرار وليس مثلما هو متعارف عليه في "أدبيات" العمل السياسي والحزبي بالعمل والتسابق من أجل كسب ود وحصد مواقع أكبر لدى الشعب وفي مستوى القواعد الشعبية، وهو العامل الذي يجعل مثل هذه المكونات تكون "هشة" وسهلة الانفجار والاندثار.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
أثبتت بعض المعطيات والمؤشرات أن المشهد السياسي والحزبي في تونس متحرك وحافظ على نسق تطوره الذي عرفه في فترات مختلفة من العشرية الماضية، من حيث الأرقام المحددة لعدد الأحزاب السياسية الحاصلة على ترخيص أو تأشيرة من مصالح إدارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان برئاسة الجمهورية أو المطالب المقدمة في الغرض ولم يتم بعد الحسم فيها. ليصبح العدد الجملي للأحزاب في حدود 240 حزبا سياسيا، بعد انضمام أجسام حزبية جديدة إلى المشهد السياسي خلال سنة 2022، بعضها أعلن مساندته لمسار 25 جويلية وانخرط بشكل عملي في ما تضمنه من روزنامة وبرامج، والبعض الآخر اختار الالتحاق بصف المعارضة. فيما اختارت تنظيمات وأحزاب وحركات سياسية "فتية" أخرى رسم خط متفرد عن البقية عبر التفكير والتباحث للتأسيس لمسار سياسي يقطع مع ما هو متعارف عليه والتأهب والاستعداد لفرض نسقه ضمن ما يراه مستقبل تونس السياسي. وسبق أن أكد مصدر عليم حول هذه المسألة لـ"الصباح" أن الفترة التي تراوحت بين الاستفتاء وموعد الانتخابات التشريعية شهدت تقديم عدد كبير من المطالب للحصول على تأشيرة أحزاب وحركات ومنظمات سياسية.
ونذكر من بين هذه الأحزاب والحركات الناشئة في الحقل السياسي مؤخرا، "حراك 25 جويلية أو حركة شباب تونس الوطني" الذي يرأسه ثامر بديدة، وشارك في الانتخابات التشريعية الأخيرة وتحصل في الدور الأول على عشرة مقاعد في البرلمان إضافة إلى 82 مترشحا للدور الثاني، إضافة إلى حزب "صوت الجمهورية" الذي يرأسه علي الحفصي والذي شارك بدوره في الاستحقاق الانتخابي وضمن الفوز بمقعد في البرلمان وترشح 7 من أبنائه إلى الدور الثاني، فضلا عن حزبي "الجمهورية الثالثة" الذي ترأسه ألفة الحامدي و"العمل والإنجاز" الذي يتولى أمانته العامة عبد اللطيف المكي القيادي السابق في حركة النهضة واختار الحزبان صفوف المعارضة.
كما سجلت نفس السنة تأسيس حزب "تونس تجمعنا" برئاسة الخبير الاقتصادي خميس خياطية و"تقدّم" الذي يرأسه المؤرخ والناشط السياسي عادل اللطيفي و"عازمون" برئاسة عياشي زمال، القيادي السابق في "تحيا تونس" و"الراية الوطنية" الذي تأسس نهاية سنة 2021 برئاسة مبروك كورشيد وهو قيادي مستقيل من "تحيا تونس". فيما سجلت نفس السنة المنقضية حل حزب "الوطن" الذي كان يرأسه محمد جغام وذلك بعد صدور قرار في الغرض من المحكمة الابتدائية في مارس الماضي يقضي بحل هذا الحزب.
ولم يتوقف الأمر على الأحزاب والحركات بل شهدت نفس المرحلة بعث تنظيمات وجبهات أخرى عديدة شكلت بدورها "منصات" وروافد سياسية استقطبت أعدادا كبيرة من الناشطين في الحقل السياسي والمجتمع المدني وأيضا العمل النقابي، نظرا لما عرفته أغلب مكونات المشهد الحزبي في تونس ما بعد ثورة 2011 من انفجار "حزبي" فتح الأبواب على مصراعيها للتجريب السياسي. وساهم عدم وجود قوانين تنظيم الحياة السياسية وتمنع السياحة الحزبية أو البرلمانية في حدوث تفجيرات وانقسامات في أغلب الأحزاب والحركات السياسية التي عرفتها بلادنا، ليتحول عدد من القياديين داخل تلك الأحزاب إلى رؤساء وأمناء عامين في أجسام سياسية جديدة. بل دخلت إلى المشهد أيضا تنظيمات سياسية جديدة، كانت في تركيبتها وتوجهاتها و"فلسفتها" أقرب إلى إعادة تشكل وتنظيم للوضع السياسي الذي عرفته تونس ما بعد 25 جويلية 2021 في محاولة لكسر حالة "الجمود الحزبي" من ناحية وبحثا عن سبل تنظيمية وجبهوية كفيلة بكسر الحاجز الذي وضعه رئيس الجمهورية أمام المشهد السياسي بعد أن قاربت سياسته على "إذابة" أغلب مكونات هذا الحقل السياسي على غرار حركة "مواطنون ضد الانقلاب" و"جبهة الخلاص" و"لينتصر الشعب" التي ضمت مجموعة من السياسيين والناشطين المدنيين والحقوقيين والنقابيين السابقين بالاتحاد العام التونسي للشغل و"منتدى الجمهورية" الذي يشرف عليه عادل الخبثاني وغيرها من التنظيمات والمنتديات والهياكل الأخرى التي تصب في خانة إعادة الهيكلة والتنظيم السياسي.
وهو ما فسره البعض بأن ذلك يعد نتيجة لأزمة "الزعامتية" التي تعيشها أغلب الأحزاب "الكلاسيكية" مقابل طموح الجيل الجديد من السياسيين لدخول وضمان موقع في دائرة الضوء داخل الحقل السياسي، فضلا عن حالة "الجمود" التي ميزت عمل ونشاط أغلب الأحزاب "القديمة" ونفش الشيء تقريبا بالنسبة للأحزاب الحديثة التي تأسست بعد 2011 والتي كانت أرضية خصبة لتغذية الحقل السياسي، بعد أن نجح بعض قيادات هذه الأحزاب في تأسيس مشاريع سياسية جديدة. إذ تؤكد أغلب القراءات والمتابعين على أن نسبة كبيرة من الأحزاب والحركات السياسية الناشئة، نشأ أصحابها وتغذوا داخل عائلات سياسية أخرى على غرار "نداء تونس" و"الحزب الجمهوري" و"حركة الديمقراطيين الاشتراكيين" و"حركة النهضة" و"حزب العمال" و"المؤتمر من أجل الجمهورية ليأتي بعدها أحزاب أخرى من قبيل "تحيا تونس" ومشروع تونس" و"المبادرة" و"آفاق تونس" و"قلب تونس" وغيرها من الأحزاب التي انبثقت عنها هياكل وأجسام سياسية جديدة تحت أسماء مختلفة. ورغم تعدد واختلاف مشارب وتوجهات أغلب المكونات السياسية التي أضيفت إلى قائمة الأحزاب في تونس في تونس ما بعد 25 جويلية 2021 إلى غاية اليوم، إلا أن القاسم المشترك الذي يجمع أغلبها إن لم يكن كلها هو عدم خضوعها منذ بدايتها لأي إيديولوجيا أو خط محدد لمنهجها السياسي.
لتؤكد بذلك هذه "المؤسسات" السياسية الجديدة أن المشهد السياسي في تونس لن يذعن لتمشي وسياسة رئيس الجمهورية قيس سعيد المبني على "تحييد" الأحزاب السياسية بجميع أطيافها وتوجهاتها، ووضع مسافة تفصلها عن الجهات الرسمية، بشكل اعتبره بعض المتابعين ناجعا في "تقزيم" الأحزاب خاصة أن القانون الانتخابي الجديد بما تضمنه من شروط وقوانين مغايرة للسابق، ويقوم على الاقتراع على الأفراد وتغييب الأحزاب لعب دوره في تأكيد هذه السياسية.
فجل الأحزاب السياسية التي التحقت بالمشهد العام حديثا تعد امتدادا للسابق ليس بسبب أن جل قيادييها ومؤسسيها هم قياديون سابقون في أحزاب وحركات سياسية أخرى أو أنهم من رموز المشهد السياسي ومكونات منظومة الحكم في العشرية الماضية بل أيضا لأنها كلها تتقاطع تقريبا في نفس المنهج هو أن ظروف نشأتها تنحصر حول هدف واحد وأوحد لا خيار آخر بعده وهو الصراع على السلطة ومواقع القرار وليس مثلما هو متعارف عليه في "أدبيات" العمل السياسي والحزبي بالعمل والتسابق من أجل كسب ود وحصد مواقع أكبر لدى الشعب وفي مستوى القواعد الشعبية، وهو العامل الذي يجعل مثل هذه المكونات تكون "هشة" وسهلة الانفجار والاندثار.