عبرت عديد الجهات عن استنكارها لخطاب الكراهية والتكفير الذي عاد من جديد تزامنا مع الاستعداد لاستقبال سنة إدارية جديدة وما يشكله ذلك من خطر وتهديد للحريات الفردية والدولة المدنية، خاصة بعد أن انخراط بعض الأئمة في هذا الخطاب، فضلا عن تجند بعض الصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي "لشيطنة" وتحريم الاحتفال بمثل هذه المناسبة. وأبرز مثال على ذلك ما أورده المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة، الذي يرأسه منير الشرفي في بيانه الأخير وما تضمنته، وفق نفس المرصد، خطبة إمام ألقاها يوم الجمعة الماضي بجامع "التقوى" بمدينة عقارب من ولاية صفاقس وتمّ نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، يُشبّه فيها مقهى في المنطقة يؤُمّها شبّان من فتيان وفتيات بـ"جحر الضب المُظلم" ناعتا إيّاها بـ"مستنقع الرذيلة لما فيها من تشبّه بأتباع اليهود والنصارى وتقليد لأخلاقهم الذميمة"، مُؤكّدا أن هذه المقاهي "مُختلطة والعياذ بالله". كما تضمنت الخطبة أن "الورود والحلويات في فترة الميلاد حرام، إذ لا يجوز الاحتفال بالسنة الميلاديّة لأن الله لم يأمر بذلك"، مُهدّدا بأن "المُتشبّهين بالكفار سينالهم عذاب الكفار". فبقدر ما وجده هذا الخطاب من استهجان ورفض، لاقى القبول والترحيب من قبل عدد كبير من المجتمع التونسي الذي سانده نفس الموقف والقراءة، وهو ما شكل "صدمة" لدى البعض خاصة أمام الانفتاح المسجل على الثقافات والأديان السماوية المختلفة ودور التطور التكنولوجي في تقريب الثقافات وبسط الخصوصيات الحضارية والثقافية للمجتمعات في العالم على نحو يكرس مسألة الاختلاف ويدفع كل جهة للتشبث بخصوصياتها والتمتع، لكن دون نفي للآخر تحت نوازع إيديولوجية أو عرقية أو ثقافية.
كما تناقلت شبكات التواصل الاجتماعي جدلا وتباينا في المواقف حول الاحتفال بذكرى ميلاد المسيح أو النبي عيسى مثل ما ورد ذكره في القرآن، الذي احتفل به "الكاثوليك" يوم 25 ديسمبر فيما تحتفل معظم الكنائس الأرثوذكسية بالمناسبة ذاتها في 7 جانفي، وتحتفل الكنائس الأرمنية به في 6 جانفي، إضافة إلى استنكار ورفض البعض للاحتفال برأس السنة الميلادية والاكتفاء في الأمر بالاحتفال برأس السنة الهجرية، على اعتبار أن ذلك ليس له أي صلة بديننا الإسلامي الحنيف، واستهجان البعض لتبادل التهاني بالعام الجديد أو المشاركة في السهرات الاحتفالية التي تنتظم بهذه المناسبة. ليكشف هذا الجدل مدى انتشار الرؤى والمواقف المتحجرة في مجتمعنا وما تشكله من خطر على مسألة الحريات بشكل عام على نحو يدفع إلى تكريس ثقافة الانغلاق ورفض الآخر المختلف.
فتكررت العبارات التي تصف الاحتفال بالسنة الميلادية أو ميلاد المسيح بـ"المحرمة" والتي تتنافى مع الدين الإسلامي لدى البعض، فتحولت بعض الصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي إلى فضاءات للإفتاء و"إنارة" سبيل الحائرين وتأييد مواقف بعض الرافضين للمشاركة في الاحتفال بمثل هذه المناسبات التي يرون أنها "دخيلة" وصنفها البعض الآخر في خانة "المحرم" و"المنكر"، الأمر الذي يدفع الجهات الرسمية والمجتمع المدني إلى إيلاء مثل هذه الظواهر "الصادمة" والخطيرة الاهتمام اللازم لاسيما في هذه المرحلة التي يروم فيها الجميع القطع مع الفكر الظلامي والممارسات الإرهابية بما تشكله من خطر على الحياة الخاصة والعامة للأفراد والممتلكات، فضلا عن توق الجميع إلى تكريس ثقافة الانفتاح لكن مع المحافظة على الخصوصية والهوية التونسية.
علما أن عديد المؤسسات ذات المنحى التجاري والاقتصادي على غرار محلات صنع الحلويات وتجار اللحوم البيضاء والأسماك النزل والفضاءات السياحية تراهن على هذه المناسبة التي تخصص لها استعدادات وبرامج تنافسية استثنائية لأهداف ربحية.
ونددت عديد الجهات بمثل هذا الخطاب نظرا لما يحتويه من دعوة إلى كراهية المختلف، "ممّا يُجيز تعنيفه ومن رؤية مُتحجّرة تسعى إلى الحد من الحريات الفردية والحدّ من تفتّح شبابنا على الحضارة الإنسانية الكونية، ومن سعيه إلى مواكبة عصره"، وفق ما ورد في البيان الاستنكاري للمرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة، وذلك في إطار مُتابعته للخروقات والتجاوزات المُتّصلة بمبادئ الدولة المدنية الحديثة ولقيم الجمهورية وحقوق الإنسان، وهو يُطالب السلطات الرسمية بالتصدّي الحازم لهذا الخطاب المُتزمّت من أجل وقاية المجتمع من أسباب الكراهية والعنف والإرهاب، حفاظا على المبادئ الكونية للمدنية وحقوق الإنسان، خاصة أمام توق العدد الكبير من التونسيين للهجرة إلى ما وراء الضفة الشمالية للمتوسط.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
عبرت عديد الجهات عن استنكارها لخطاب الكراهية والتكفير الذي عاد من جديد تزامنا مع الاستعداد لاستقبال سنة إدارية جديدة وما يشكله ذلك من خطر وتهديد للحريات الفردية والدولة المدنية، خاصة بعد أن انخراط بعض الأئمة في هذا الخطاب، فضلا عن تجند بعض الصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي "لشيطنة" وتحريم الاحتفال بمثل هذه المناسبة. وأبرز مثال على ذلك ما أورده المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة، الذي يرأسه منير الشرفي في بيانه الأخير وما تضمنته، وفق نفس المرصد، خطبة إمام ألقاها يوم الجمعة الماضي بجامع "التقوى" بمدينة عقارب من ولاية صفاقس وتمّ نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، يُشبّه فيها مقهى في المنطقة يؤُمّها شبّان من فتيان وفتيات بـ"جحر الضب المُظلم" ناعتا إيّاها بـ"مستنقع الرذيلة لما فيها من تشبّه بأتباع اليهود والنصارى وتقليد لأخلاقهم الذميمة"، مُؤكّدا أن هذه المقاهي "مُختلطة والعياذ بالله". كما تضمنت الخطبة أن "الورود والحلويات في فترة الميلاد حرام، إذ لا يجوز الاحتفال بالسنة الميلاديّة لأن الله لم يأمر بذلك"، مُهدّدا بأن "المُتشبّهين بالكفار سينالهم عذاب الكفار". فبقدر ما وجده هذا الخطاب من استهجان ورفض، لاقى القبول والترحيب من قبل عدد كبير من المجتمع التونسي الذي سانده نفس الموقف والقراءة، وهو ما شكل "صدمة" لدى البعض خاصة أمام الانفتاح المسجل على الثقافات والأديان السماوية المختلفة ودور التطور التكنولوجي في تقريب الثقافات وبسط الخصوصيات الحضارية والثقافية للمجتمعات في العالم على نحو يكرس مسألة الاختلاف ويدفع كل جهة للتشبث بخصوصياتها والتمتع، لكن دون نفي للآخر تحت نوازع إيديولوجية أو عرقية أو ثقافية.
كما تناقلت شبكات التواصل الاجتماعي جدلا وتباينا في المواقف حول الاحتفال بذكرى ميلاد المسيح أو النبي عيسى مثل ما ورد ذكره في القرآن، الذي احتفل به "الكاثوليك" يوم 25 ديسمبر فيما تحتفل معظم الكنائس الأرثوذكسية بالمناسبة ذاتها في 7 جانفي، وتحتفل الكنائس الأرمنية به في 6 جانفي، إضافة إلى استنكار ورفض البعض للاحتفال برأس السنة الميلادية والاكتفاء في الأمر بالاحتفال برأس السنة الهجرية، على اعتبار أن ذلك ليس له أي صلة بديننا الإسلامي الحنيف، واستهجان البعض لتبادل التهاني بالعام الجديد أو المشاركة في السهرات الاحتفالية التي تنتظم بهذه المناسبة. ليكشف هذا الجدل مدى انتشار الرؤى والمواقف المتحجرة في مجتمعنا وما تشكله من خطر على مسألة الحريات بشكل عام على نحو يدفع إلى تكريس ثقافة الانغلاق ورفض الآخر المختلف.
فتكررت العبارات التي تصف الاحتفال بالسنة الميلادية أو ميلاد المسيح بـ"المحرمة" والتي تتنافى مع الدين الإسلامي لدى البعض، فتحولت بعض الصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي إلى فضاءات للإفتاء و"إنارة" سبيل الحائرين وتأييد مواقف بعض الرافضين للمشاركة في الاحتفال بمثل هذه المناسبات التي يرون أنها "دخيلة" وصنفها البعض الآخر في خانة "المحرم" و"المنكر"، الأمر الذي يدفع الجهات الرسمية والمجتمع المدني إلى إيلاء مثل هذه الظواهر "الصادمة" والخطيرة الاهتمام اللازم لاسيما في هذه المرحلة التي يروم فيها الجميع القطع مع الفكر الظلامي والممارسات الإرهابية بما تشكله من خطر على الحياة الخاصة والعامة للأفراد والممتلكات، فضلا عن توق الجميع إلى تكريس ثقافة الانفتاح لكن مع المحافظة على الخصوصية والهوية التونسية.
علما أن عديد المؤسسات ذات المنحى التجاري والاقتصادي على غرار محلات صنع الحلويات وتجار اللحوم البيضاء والأسماك النزل والفضاءات السياحية تراهن على هذه المناسبة التي تخصص لها استعدادات وبرامج تنافسية استثنائية لأهداف ربحية.
ونددت عديد الجهات بمثل هذا الخطاب نظرا لما يحتويه من دعوة إلى كراهية المختلف، "ممّا يُجيز تعنيفه ومن رؤية مُتحجّرة تسعى إلى الحد من الحريات الفردية والحدّ من تفتّح شبابنا على الحضارة الإنسانية الكونية، ومن سعيه إلى مواكبة عصره"، وفق ما ورد في البيان الاستنكاري للمرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة، وذلك في إطار مُتابعته للخروقات والتجاوزات المُتّصلة بمبادئ الدولة المدنية الحديثة ولقيم الجمهورية وحقوق الإنسان، وهو يُطالب السلطات الرسمية بالتصدّي الحازم لهذا الخطاب المُتزمّت من أجل وقاية المجتمع من أسباب الكراهية والعنف والإرهاب، حفاظا على المبادئ الكونية للمدنية وحقوق الإنسان، خاصة أمام توق العدد الكبير من التونسيين للهجرة إلى ما وراء الضفة الشمالية للمتوسط.