بقلم:هشام الحاجي
*كانت العلاقة الملتبسة مع رجال الأعمال أحد أسباب انهيار نظام الرئيس بن علي
حملت هذه الأسطر لأشهر في ذهني لأن عوامل ذاتية كانت تمثل عامل كبح لشهادة لا يمكن إلا أن تتنزل في سياق جماعي وهو ما يفرض ، بكل تأكيد، الاحترام الشديد لكل العوامل الموضوعية. العامل الذاتي يتمثل في أن صداقة عميقة تربطني بالمنصف خماخم وهو ما يضعني في ما يشير إليه عالم الاجتماع الفرنسي " بيار بورديو" ضمن المراوحة الممكنة بين " تذييت الموضوعي" و"موضعة الذاتي".
لا شك أن العوامل الموضوعية هي التي ينبغي أن تكون لها الكلمة العليا في هذا المقال الذي يتنزل ضمن رغبة في المساهمة في التطرق لتاريخ المبادرين الاقتصاديين وخلاق الثروة من زاوية إبراز سير ذاتية لمن يمكن اعتبارهم بناة. وهذه المقاربة تشمل عددا هاما من المبادرين الاقتصاديين و تدفع في اتجاه إعادة كتابة تاريخ عالم المال والأعمال في تونس خاصة وأن عددا كبيرا من الكتابات تحركه الاعتبارات الأيديولوجية وتجعله يقع في فخ المقاربات التبسيطية التي غالبا ما تؤدي إلى ما نحن فيه حاليا من " شيطنة آلية " لرجال الأعمال بداعي أنهم كانوا أدوات طيعة في أيادي النظام السابق.
كانت العلاقة الملتبسة مع رجال الأعمال أحد أسباب انهيار نظام الرئيس بن علي. ذلك أن الحلقة المقربة من الرئيس الأسبق اعتقدت أن إخضاع رجال الأعمال هو أحد شروط الاحتفاظ بالسلطة السياسية. هذا الاعتقاد تعكس سلبيا على الاستثمار وهو ما عمق من مظاهر أزمة منوال التنمية المتبع وخلق أيضا حالة من الممانعة والرفض صلب عالم المال والأعمال. امتلك المنصف خماخم الشجاعة للتعبير عن رفضه للسياسات المتبعة وكانت مواقفه معلومة زمن الرئيس زين العابدين بن علي، رحمه الله، ولكنه ترفع بعد 14 جانفي 2011 عن تحويل ما لقيه من تضييق وممارسات لا تخلو من تنكيل إلى "أصل تجاري" يتموقع بفضله في خارطة الثورة والثوريين.
لا أريد أن أكشف بعض ما لقيه المنصف خماخم من تصرفات من بعض ممثلي السلطة المركزية والجهوية لأن ذلك أمر يعنيه وقد يمس من جوانب أخرى أهم وأكثر قدرة على إفادة الجميع حاضرا ولاحقا. كانت رؤية جديدة للتنمية هي التي تحرك المنصف خماخم وهي رؤية شاملة لا علاقة لها بالمنطق الجهوي المتكلس الذي كان يحرك بعض "مستشاري" الرئيس زين العابدين بن علي والذي جعلهم يعتبرون أن المنصف خماخم يلعب على وتر الانتماء الجهوي ويسعى لما كانوا يسمونه محاربة الساحل. العكس صحيح وما نبه إليه المنصف خماخم قبل وقوعه نعيش وقعه السلبي الآن بعد أن أصبحت منطقة الساحل المجال الذي تتكدس فيه كل سلبيات التنمية اللامتكافئة من هجرة داخلية واستنزاف الموارد.
اعتبر المنصف خماخم، وهو محق، أن تهميش صفاقس له تداعيات على التوازنات الاجتماعية في كامل تونس لأن هذا التهميش سيؤدي إلى خلق تفكك في الاقتصاد التونسي بين الشمال والجنوب.
ولم يكن المنصف خماخم مجرد رجل أعمال يبحث عن مراكمة المال بل كان يؤمن بأهمية الاستماع إلى الخبراء والاساتذة الجامعيين وقد أنجز في هذا الإطار عدة دراسات يمكن الاستفادة منها لأنها تقدم أفكارا لمشاريع يمكن أن تخلق القيمة المضافة ويمكن أن نذكر هنا إنشاء منطقة حرة في ميناء صفاقس شبيهة بمنطقة جبل علي في الإمارات العربية المتحدة.
هذا المشروع يمكن أن يوفر في حيز زمني قصير موارد مالية هامة وأن يساهم في تحريك عدة قطاعات ومردوديته تعود بالفائدة على الاقتصاد التونسي. و يعتبر المنصف خماخم من أول رجال الأعمال التونسيين الذين استثمروا في الثقافة ودعموها وتكفي الإشارة هنا إلى أيام سيدي منصور السينمائية التي تحولت إلى موعد استقطب أبرز نجوم السينما التونسية و العربية وهذا أيضا ما يحسب له تماما كما يحسب له وقوفه لعقود إلى جانب الجمعية الرياضية التي تسكن وجدانه وهي النادي الرياضي الصفاقسي. لا أريد الإطالة في هذه النقطة حتى لا يعتبر احباء هذه الجمعية العريقة أني أتطفل عليهم ولكن الأكيد أن التاريخ يحتاج أحيانا لبعض الوقت حتى تتضح عدة أشياء.
لا شك أن أمثال المنصف خماخم موجودون وأنه من الضروري أن نتطرق إلى ملامح من مسيرتهم لأنه لا يمكن لأي مجتمع أن يتطور دون صناع الثروة وبناة الاقتصاد ولأن النظام السياسي الذي يتناسى ذلك ويسعى إلى الضغط غير القانوني عليهم يحكم على نفسه بالانحسار والانهيار علاوة على أنه من المهم أن نحتفي بكل من عمل لفائدة تونس في حياته.
اعلامي وبرلماني سابق