بقلم : الحبيب الذوادي (*)
*الجميع ينتظر الجانب البراغماتي في سياسية بلادنا ومدى نجاعتها في تحقيق الاستثمار الناجح
لقد أولت تونس على الدوام المشروع الفرانكفوني اهتماما موصولا حيث مثلت الفرانكوفونية إطارا ملائما لإثراء الموروث الثقافي والحضاري لها ، وأداة ناجعة لتعميق علاقاتها السياسية و الاقتصادية و الثقافية ... مع مختلف الدول بهذا الفضاء، فبمبادرة من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة ، ونظيره السنغالي ليو بولد سيدارسنغور، والنيجيري خماني دوري ، إضافة إلى أمير كمبوديا نورودوم سيهانوك بتاريخ 20/03/1970 تم اشاء هذا الفضاء الفرانكفوني الذي أصبح يطلق عليه اليوم المنظمة الدولية للفرانكفونية بداية من سنة 2007 ، وقد ضمت المنظمة خلال سنة 2014 ثمانون دولة منها 57 عضوا و23 مراقبا ، ثم بدأت تتوسع لتشمل التعاون السلمي ، والديمقراطية والتنمية المستدامة والاقتصاد والتقنيات الجديدة ... فارتفع العدد إلى 88 دولة منها 54 عضوا و7 منتسبين و27 مراقبا ويتواجد مقر اليوم بباريس إضافة إلى 6 مكاتب إقليمية ويشمل الفضاء الفرانكفوني اليوم 321 مليونا ناطقا باللغة الفرنسية، ويتوقع أن يتضاعف عددهم بنهاية 2050 بفضل انتشار اللغة الفرنسية في القارة الأفريقية .
جزيرة جربة استضافت خلال يومي 19 و20 نوفمبر 2022 الأشغال الرسمية للدورة 18 للقمة الفرانكفونية التي تزامنت مع الاحتفال بالذكرى الخمسين لإنشاء المنظمة بمشاركة حوالي 90 وفدا رسميا ، وأكثر من 30 من كبار القادة بين رؤساء وحكومات ووزراء خارجية وأمنا عامين لمنظمات دولية وشخصيات سياسية بارزة.... ولقد تصدر جدول أعمال دورة جربة ، تعزيز التعاون الاقتصادي بالفضاء الفرانكفوني إلى جانب مسائل أخرى مثل ، سبل دعم التنمية والأمن الغذائي والطاقي في المنظمة الفرانكفونية ، فضلا عن مناقشة قضايا متصلة بحقوق الإنسان والديمقراطية، والتعددية الحزبية والسياسية.... ولقد انتظمت عدة فعاليات دولية على هامش هذه، منها المنتدى الاقتصادي تحت عنوان " الاتصال و الرقمنة محركين أساسيين للتنمية"
ولقد سبق الافتتاح الرسمي للقمة انعقاد أشغال الدورة 43 للمجلس الوزاري الذي يمثل 85 دولة عضوا في المنظمة الفرانكفونية ، وشارك فيه أكثر من 20 وزير خارجية ووزير مكلف بالفرانكفونية ، إضافة لممثلي كل الدول الأعضاء في المنظمة لتناول عدد من القضايا التي تشغل الدول المنضوية بهذا الفضاء الفرانكفوني التشغيل والتنمية والشباب ، ومسائل سياسية و عدة تهديدات تواجه الفضاء الفرانكفوني ، إضافة إلى الاجتماع الوزاري الذي تطرق للتقريرين الأدبي والمالي، وإعداد ميزانية 2023 للمنظمة ، واستيراتجيتها للفترة 2023-2030 ، وبحث طلبات انضمام دول جديدة لقائمة الدول الأعضاء بالقمة وقد ترأس الدورة 43 للمجلس الوزاري ،وزير الخارجية التونسي، وعدد من ممثلي المنظمة، ووزراء خارجية الدول الأعضاء .
وعلى اثر استلام تونس للقمة الفرانكفونية في دورتها 18 أكد رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد أن اختيار تنظيم القمة الفرانكفونية بجزيرة جربة ليس اعتباطيا بل هو ثمرة عمل جماعي و متواصل وبإرادة صلبة لتنظيمها في أحسن الظروف وإنجاحها ، مثمنا ما عبرت عليه الوفود الحاضرة بأن انعقادها يعتبر مؤشرا لما تحظى به تونس من ثقة في مختلف فضاءات انتمائها عبر العالم ، فرغم كل العراقيل أكد للجميع أن تونس بقيت محترمة لالتزاماتها الدولية بتسخيرها الطاقات البشرية ولضمان كافة مقومات النجاح لإشغالها ولفعالياتها الموازية بعد انطلاق إعدادها بشكل مبكر، وملفتا النظر في الآن نفسه أن اختيار الرقمنة كعنصر تضامن وتنمية بين الدول لم يأت اعتباطيا بل تم وضعه شعارا لقمة تونس بالنظر الى التغييرات الكبرى التي يعرفها العالم اليوم .
لقد تمت المصادقة في 20/11/2022 على "إعلان جربة " للقمة الفرانكفونية من بين ما تضمنه الإعلان حلول من أجل الخروج من الأزمات ، وتدعيم السلم داخل الفضاء الفرانكفوني، كما تضمن البيان الاستراتيجي للفرانكفونية خلال الفترة الممتدة بين سنوات 2023/2030 .... وقد أعربت تونس في شخص رئيس الجمهورية بعد مصادقتها على هذا على هذا الإعلان عن سعادتها بما انه سيوجه مختلف التحركات والمشاريع التي ستعتمدها المنظمة خلال السنوات المقبلة ، ومؤكدا من جانب اخر نجاح القمة على كل المستويات وتعلق تونس بالمبادئ المشتركة للديمقراطية والحرية والمواطنة ومشددا قناعته التامة بالتزام دول الفضاء الفرانكفوني بمخرجات فعلية تستجيب لتطلعات الشعوب والنساء والشباب لمستقبل أفضل لذا فلا بد لتحقيق أهداف المنظمة وفق نظرنا العمل خلال الأربعة سنوات القادمة على مزيد تعزيز حضور اللغة الفرنسية على "الويب" من خلال زيادة قابلية الاكتشاف للمحتوى الرقمي باللغة الفرنسية ،وإعطاء الأولوية لصناعة الثقافة الفرانكفونية نظرا لتأثيرها في تعزيز اللغة الفرنسية في العالم ، أما على الصعيد السياسي فيتعين العمل على أجهزة المنظمة النظر في حالات تسوية الصراع بين دول العالم الناطقة بالفرنسية ، الى جانب دعم نساء صاحبات المشاريع الصغرى والمتوسطة والمرأة الريفية .
وبعد أن أسدل الستارعلى كامل أنشطة النسخة 18 للقمة الفرانكفونية بحربة يوم 22/11/2022 التي انطلقت فعالياتها بصفة رسمية منذ 19/11/2022 والتي تضمن برنامجها عدة أنشطة وملتقيات وتظاهرات متنوعة تزامنت مع عدة مناسبات دولية أخرى هامة انتظمت في سياق متصل بالقمة على غرار اجتماع مجلس وزراء البلدان الأعضاء في المنظمة الفرانكفونية في دورته 43 إضافة إلى المنتدى الاقتصادي الفرانكفوني الرابع ...تتجه الأنظار اليوم للثمار التي يجب أن تجنيها بلادنا ما بعد هذا الحدث العالمي ، فبقطع النظر عن الاتفاقيات ومذكرات التعاون ، والشراكة التي تم إبرامها على هامش هذه القمة التي سجلت حضور وفود رفيعة المستوى ،جمع بين رؤساء بلدان ،ورؤساء حكومات ،ووزراء وممثلي بلدان ومنظمات ناطقة باللغة الفرنسية ، فان الجميع ينتظر إلى الجانب البراغماتي في سياسية بلادنا ومدى نجاعتها في تحقيق الاستثمار الناجح خصوصا أمام ما حظيت به القمة من اهتمام ومتابعة دولية جعلت من بلادنا حينها عاصمة عالمية للفرانكفونية على امتداد أكثر من أسبوع لا سيما بعد النجاح التنظيمي الباهر على جميع المستويات وفق ما تم تداوله وتناقلته وسائل إعلام وجهات مشاركة وطنية ودولية.
فالأسباب عديدة اليوم والتي لابد أن تدفع الجهات الرسمية للمراهنة على ما تحقق من هذه القمة من مكاسب لتونس بعد الحضور الدولي ، فهي بدون شك صورة بلد يمتلك عديد الخاصيات والإمكانيات والمؤهلات والمؤشرات والعوامل التي ترشحه ليدخل في شراكات وبرامج تعاون ، واستثمار مع عديد البلدان من قبل ما تتوفر عليه بلادنا من مكاسب طبيعية وبشرية ومناخية ... مما يجعل منها أرضية استثمارية تكون قبلة للاستثمار الأجنبي في ظل ما يعرفه عالمنا اليوم من تغيرات وظهور تحالفات جيوستراتيجية جديدة وإعادة تشكل وتشبك دولي جديد لذا فالوضع والضرورة اليوم تحتم على تونس وفي ظرف وجيز تجاوز الصعوبات ، ولا يتسنى ذلك إلا بضبط سياسة خارجية هادفة تعمل على تكريس الايجابي الذي تحقق في القمة الفرانكفونية بجربة في سياستها الخارجية والاقتصادية والثقافية خصوصا بما يخدم أهداف تونس ويسهل لها الخروج من هذه المرحلة الصعبة من خلال إقرار عديد الإصلاحات وعديد التوجهات ومن أهمها مزيد تحقيق الاستقرار السياسي الاجتماعي والاقتصادي، وفي هذا الصدد لا بد لها إعادة النظر في التوجهات الاقتصادية والسياسات القطاعية ، وتطوير مناخ الأعمار وتحقيق التوازنات الكبرى المطلوبة ، ومن ثم فان الاتفاقيات الحاصلة خلال القمة والمتمثلة في طرح وتناول محاور التشغيل والتنمية.... ومسائل سياسية أخرى تهدد الفضاء الفرانكفوني هي بالأساس مشغل الواقع التونسي في هذه المرحلة تحديدا ، وبالتالي فان تحقيق تعافي الاقتصاد الوطني والاستجابة لجانب من مطالب التونسيين الاجتماعية بالأساس، وحلحلة الوضع الاجتماعي كلها ممكنة التحقيق ، إذا ما نجحت الدولة في تحويل ايجابيات هذه القمة إلى مكاسب وبرامج عملية واسعة الأهداف والرؤى بما يتناقض مع مراهنة المعارضة التونسية اليوم من خلال موجة التخويف والتشكيك لتوسيع الضغوط المفروضة على بلادنا لدى عديد الجهات الخارجية .
*باحث وناشط في الحقل الجمعياتي بمدينة بنزرت
