تواترت مع نهاية سنة 2022 وحلول سنة2023 المواعيد والقمم الاقليمية و الدولية في عالم محكوم بالتحولات المتسارعة ولعبة المصالح الاستراتيجية التي لا مكان فيها لمن اختار التقوقع والانعزال وانتظار ما ستؤول اليه الاحداث... قمم ولقاءات تأتي على وقع سنتين من الشلل الذي انهك اقتصاديات العالم بسبب جائحة كوفيد وتداعياتها الخطيرة على العالم و لكن ايضا على وقع حرب ليست اقل خطورة من الكوفيد وهي الحرب الروسية في اوكرانيا وما فرضته في طياتها من حروب اقتصادية وحروب الطاقة وحروب الغذاء والدواء ...
-القمم وحدها لا تغير الاوضاع
ولو أننا حاولنا احصاء القمم التي عاش على وقعها العالم في الفترة الاخيرة لوجدنا ان القائمة اكبر من أن تحصى ولكن بين أهمها واثقلها يمكن الاشارة الى قمة مجموعة العشرين في اندونيسا و قمة مجموعة السبع وقمتي تيكاد والفرانكفونية في تونس والقمة الاوروبية والقمة العربية بالجزائر و قمة المناخ في شرم الشيخ والقمة الثلاثية الصينية العربية الصينية الخليجية و الصينية السعودية والقمة الافروالامريكية التي تعقد اليوم في واشنطن بحضور خمس واربعين من القادة الافارقة بعد استبعاد خمس دول وهي غينيا ومالي وبوركينا فاصو وايريتريا وليس من الواضح ان كان الفيتو على السودان سيرفع بعد توقيع الاتفاق لعودة السلطة الى المدنيين.. يغيب ايضا عن القمة رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامابوزا الذي يواجه مشاكل معقدة في بلاده وسط اتهامات بالفساد و دعوات للاطاحة به.. طبعا دون أن ننسى القمة الاستثنائية وهي قمة كأس العالم لكرة القدم وما أفرزته من مفاجآت مع احتضان بلد عربي لأول مرة لهذا الحدث الرياضي الذي اكتسى طابعا سياسيا وديبلوماسيا وثقافيا ..
القمة التي تتجه اليها الانظار اليوم ستكون بدورها قمة سياسية واقتصادية وحقوقية، هي القمة التي تأتي بعد أيام فقط على القمة الصينية العربية وهي تعكس توجه ادارة بايدن للعودة الى القارة الافريقية ومواصلة ما كان الرئيس اوباما ذو الاصول الكينية بدأه عندما اعلن تنظيم اول قمة افريقية أمريكية منذ 2014. المهم أن القمة الراهنة تعقد بعد ثماني سنوات عن تلك المبادرة وهي تعقد في توقيت يحمل في طياته اكثر من اشارة لاكثر من طرف عن أهمية القارة الافريقية في حسابات القوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية الكبرى التي تتنافس على الفوز بثقة القارة الافريقية التي ينظر اليها الخبراء والمحللون على أنها السوق المستقبلية الواعدة لاكثر من مليار ونصف بحلول سنة 2050 بحلول أقل من ثلاثة عقود وفيما تتوفر مختلف أنواع ومصادر الطاقة والمعادن الثمينة التي لم يتم الاستثمار فيها بعد، فضلا على أن افريقيا تظل سوقا مربحة لمختلف مصالح السلاح الروسية والاوروبية والتركية التي تجد طريقها الى افريقيا ...
الرئيس قيس سعيد يسجل حضوره في القمة الافريقية الامريكية لاول مرة و ذلك بعد ايام فقط على القمة العربية الصينية ولا شك أن تونس التي تجمعها علاقات على امتداد مائتي سنة مع امريكا تحتاج في هذه المرحلة لحضور ديبلوماسي وخطاب سياسي لافت لتعزيز ما يفترض ان تكون عليه علاقات تونس مع الادارة الامريكية بزعامة الديمقراطيين وتجاوز الكثير من العثرات التي رافقت هذه العلاقات منذ 25 جويلية... تونس اليوم في حاجة للدفاع عن مصالح شعبها وتطلعاتها نحو شراكات استراتيجية للخروج من ازماتها المتعددة في هذه المرحلة المعقدة مع تعدد الازمات و الاستحقاقات ...
-الاتحاد الافريقي عضو دائم في مجموعة العشرين
لقد استبق الرئيس بايدن قمة مجموعة العشرين باعلان دعمه ضم الاتحاد الافريقي الى مجموعة العشرين في توجه لتنشيط العلاقات مع إفريقيا على وقع التنافس الحاصل مع اوروبا المستعمر السابق للقارة و روسيا و الصين واسرائيل واليابان وايران وتركيا كل بطريقته وديبلوماسيته ما ظهر منها و ما خفي ...
الرئيس الامريكي جو بايدن و من خلال بيان البيت الابيض كشف أنه "يتطلع إلى استضافة قادة من جميع أنحاء القارة الأفريقية وأن هذه القمة تظهر كذلك التزام الولايات المتحدة الدائم تجاه إفريقيا وتؤكد أهمية العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا."كما كشف بايدن عن تطلعه للعمل مع الحكومات الأفريقية والمجتمع المدني والقطاع الخاص ومجتمعات الشتات والمغتربين في جميع أنحاء الولايات المتحدة لمواصلة تعزيز الرؤية المشتركة لمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا" وهذا تقريبا يظل بيان الاستهلاك الاعلامي و الخطاب المطلوب ترويجه لهذه القمة التي تكتسي اهمية في تحديد حاضر ومستقبل العلاقات بين امريكا و افريقيا التي باتت تحظى باهتمام مؤسسات التفكير الامريكي التي تنظر الى اهمية التحولات الحاصلة في افريقيا التي لم تعد قارة الانقلابات العسكرية فقط او قارة المجاعات و الحروب العرقية بل ان دولا مثل رواندا وبوراندي خبرت لعقود اسوأ حرب عرقية باتت اليوم اقتصاديات صاعدة الى جانب ما تشهده افريقيا الوسطى وجنوب افريقيا من تحولات اقتصادية و تجارية . وليس سرا ايضا ان واشنطن لا تنظر بعين الرضى الى تنفذ الجماعات المسلحة في منطقة الساحل و الصحراء و الى عودة تنظيم داعش الارهابي لبحث موطئ قدم له في افريقيا ...
ليس سرا ان القمة تنعقد وسط تحديات متعددة تواجه القارة الافريقية ، في مقدمتها انعدام الامن الغذائي و المخاوف من امتداد المجاعات والإرهاب في أنحاء البلدان الأفريقية و تفاقم التهديدات الارهابية الى جانب تداعيات تغيير المناخ...
يقول كبير مستشاري مجلس الأمن القومي الأمريكي لقمة القادة الأمريكية الأفريقية دانا بانكس ونائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية روبرت سكوت" إن القمة ستسلط الضوء على كيفية تعزيز الولايات المتحدة والدول الإفريقية لشراكاتهم. وتطوير أولوياتهم المشتركة و ستعكس الاستراتيجية الأمريكية تجاه إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مما يشدد بالفعل على أهمية المنطقة, القمة تأتي بعد أشهر فقط من زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكين الى جنوب إفريقيا في أوت الماضي حيث كشف أن هناك أربعة أهداف رئيسية في إفريقيا في مقدمتها الانفتاح على المجتمعات، تقديم المكاسب الديمقراطية والأمنية، و المساعدة على التعافي من الجائحة والفرص الاقتصادية، ودعم الحفاظ على المناخ والتكيف مع المناخ والانتقال العادل للطاقة.و هو ما يعني أن الملفات التي ستكون مطروحة خلال القمة من الملفات الاقتصادية و الاستثمار في القارة السمراء الى الحوكمة الرشيدة و ملف الحقوق و الحريات و الديموقراطية و هي الملفات التي لا تطرحها القوى المنافسة لامريكا في افريقيا و التي تعتبر أنه لا وجود لنموذج ديموقراطي في العالم و أن من حق الدول اختيار النظام الذي تريده و هو موقف روسيا و الصين و قد تجلى ذلك في البيان الختامي للقمة العربية الصينية الذي شدد على هذه التوجهات التي لا تريد الدول الافريقية و العربية التعرض لها .
-ايكواس تقرر إنشاء قوة إقليمية لمواجهة المسلحين
و ربما يكون من المهم الاشارة الى اتفاق قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ايكواس) في أبوجا إنشاء قوة إقليمية، هدفها التدخل ليس ضد المسلحين و كذلك في حال وقوع انقلابات أيضا، كتلك التي شهدتها المنطقة في العامين الأخيرين و ذلك على خلفية عجز الجيوش الوطنية في احتواء توسع انتشار المقاتلين..
و كان رئيس مجموعة إيكواس عمر توراي اكد أن قادة المجموعة "قرروا إعادة ضبط البنية الامنية لدول غرب افريقيا موضحا أن الأمر يتعلق بتولي "أمننا الخاص" وليس فقط الاستعانة بأطراف خارجية...وهي أيضا مسألة قد تكون ضمن الملفات المطروحة خلال قمة واشنطن لتحديد ربما مسار المساعدات اللوجستية ولعسكرية والتدريبات و ربما يكون ل"لافريكوم" دوره في هذا الاتجاه لتشكيل قوة اقليمية تتدخل عند الضرورة خاصة بعد الانسحاب الفرنسي من منطقة الساحل و الصحراء ..ودول غرب افريقيا تواجه وضعا معقدا في مالي وبوركينا فاسو وغينيا، الدول الثلاث التي تولى فيها العسكريون السلطة بالقوة منذ 2020وقد تم تعليق عضوية هذه الدول في هيئات صنع القرار في إيكواس وهي بالتالي غير مدعوة للمشاركة في القمة الافريقية الامريكية...
تضييق فجوة الثقة مع إفريقيا يبقى كذلك أحد أهم الرهانات الامريكية على هذه القمة و هو في الحقيقة رهان معقد بالنظر الى المسافات الجغرافية التي تفصل بين القارتين و لكن بالنظر ايضا الى تراجع الدور الامريكي مقابل توسع و هيمنة الدور الصيني والاستثمارات الصينية في البنية التحتية و الصحة الى جانب الحضور الصيني اقتصاديا وثقافيا وتجاريا ...
من الواضح أن إدارة بايدن تأمل في إعادة الروح للعلاقات الأمريكية-الأفريقية، التي أصبحت تحتل مكانة هامشية في جدول أعمال الرئيس السابق دونالد ترامب.
كما أنه ليس خافيا أن ادارة بايدن تسعى الى احتواء التنين الصيني و سبق للبيت الابيض أن كشف أن التحدي الاكبر مستقبلا الصين و ليس روسيا. إذ أن حجم الوجود الروسي في أفريقيا لا يضاهى نظيره الصيني. والصين مستثمر كبير في تطوير البنية التحتية في أفريقيا، كما هو الحال في إثيوبيا وزامبيا وأنغولا لبناء الجسور والسكك الحديدية والملاعب الرياضية...الشريك التالي و هو الشريك الاسرائيلي في افريقيا الذي تمكن من تعزيز حضوره الديبلوماسي مع نحو ثلاثين بلدا افريقيا فلا يشغل واشنطن التي سعت الى تغلغل اسرائيل في القارة و تعزيز علاقاتها بدول افريقية كانت رافضة لمسار التطبيع..
كثيرة هي مجالات التعاون التي يمكن لامريكا ان تتجه اليها في افريقيا وتستثمر فيها لارساء الامن الغذائي والسلام في القارة ولكن ليس من الواضح ان كانت ادارة بايدن مستعدة للتعاطي مع افريقيا في اطار مشروع الشراكة والربح المشترك للجميع ...على واشنطن اذا ارادت ان تكون بديلا للنفوذ الصيني أن تأخذ بعين الاعتبار التحولات المجتمعية في افريقيا و تطلعات اجيال صاعدة لم تعرف غير الحروب و الصراعات والجوع وباتت لا تتردد في البحث عن فرصة للحياة على الضفة الاخرى للمتوسط مهما كان ثمن المغامرة ...
ستطوي القمة الأمريكية-الأفريقية الثانية محطاتها بعد ثلاثة ايام وسيبدأ بعد ذلك استكشاف مرحلة ما بعد القمة و ما سيكون عليه الاختبار عمليا على ارض الواقع فالشعوب لا تنظر الى خطاب مسؤوليها الخشبية في هذه القمة ولكنها تتطلع الى ما سيتحقق لها من مشاريع ومن فرص ومبادرات يمكن ان تغير حياتها او على الاقل تضمن واقعا افضل لأبنائها... سيكون من السابق لاوانه اعتبار ما اذا ستكون القمة الافريقية نقطة فاصلة في مسيرة التطورات الجيوستراتيجية العالمية والإقليمية بعد اندلاع الحرب الأوكرانية حيث تبقى كل السيناريوهات قائمة و لا احد ايا كان موقعه بامكانه قراءة المشهد ما بعد هذه الحرب التي لا احد يعرف ايضا متى تنتهي او كيف ستنتهي...صحيح العالم يتغير و لكن في أي اتجاه فهذه مسألة من الصعب التكهن بها ...
اسيا العتروس
تونس الصباح
تواترت مع نهاية سنة 2022 وحلول سنة2023 المواعيد والقمم الاقليمية و الدولية في عالم محكوم بالتحولات المتسارعة ولعبة المصالح الاستراتيجية التي لا مكان فيها لمن اختار التقوقع والانعزال وانتظار ما ستؤول اليه الاحداث... قمم ولقاءات تأتي على وقع سنتين من الشلل الذي انهك اقتصاديات العالم بسبب جائحة كوفيد وتداعياتها الخطيرة على العالم و لكن ايضا على وقع حرب ليست اقل خطورة من الكوفيد وهي الحرب الروسية في اوكرانيا وما فرضته في طياتها من حروب اقتصادية وحروب الطاقة وحروب الغذاء والدواء ...
-القمم وحدها لا تغير الاوضاع
ولو أننا حاولنا احصاء القمم التي عاش على وقعها العالم في الفترة الاخيرة لوجدنا ان القائمة اكبر من أن تحصى ولكن بين أهمها واثقلها يمكن الاشارة الى قمة مجموعة العشرين في اندونيسا و قمة مجموعة السبع وقمتي تيكاد والفرانكفونية في تونس والقمة الاوروبية والقمة العربية بالجزائر و قمة المناخ في شرم الشيخ والقمة الثلاثية الصينية العربية الصينية الخليجية و الصينية السعودية والقمة الافروالامريكية التي تعقد اليوم في واشنطن بحضور خمس واربعين من القادة الافارقة بعد استبعاد خمس دول وهي غينيا ومالي وبوركينا فاصو وايريتريا وليس من الواضح ان كان الفيتو على السودان سيرفع بعد توقيع الاتفاق لعودة السلطة الى المدنيين.. يغيب ايضا عن القمة رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامابوزا الذي يواجه مشاكل معقدة في بلاده وسط اتهامات بالفساد و دعوات للاطاحة به.. طبعا دون أن ننسى القمة الاستثنائية وهي قمة كأس العالم لكرة القدم وما أفرزته من مفاجآت مع احتضان بلد عربي لأول مرة لهذا الحدث الرياضي الذي اكتسى طابعا سياسيا وديبلوماسيا وثقافيا ..
القمة التي تتجه اليها الانظار اليوم ستكون بدورها قمة سياسية واقتصادية وحقوقية، هي القمة التي تأتي بعد أيام فقط على القمة الصينية العربية وهي تعكس توجه ادارة بايدن للعودة الى القارة الافريقية ومواصلة ما كان الرئيس اوباما ذو الاصول الكينية بدأه عندما اعلن تنظيم اول قمة افريقية أمريكية منذ 2014. المهم أن القمة الراهنة تعقد بعد ثماني سنوات عن تلك المبادرة وهي تعقد في توقيت يحمل في طياته اكثر من اشارة لاكثر من طرف عن أهمية القارة الافريقية في حسابات القوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية الكبرى التي تتنافس على الفوز بثقة القارة الافريقية التي ينظر اليها الخبراء والمحللون على أنها السوق المستقبلية الواعدة لاكثر من مليار ونصف بحلول سنة 2050 بحلول أقل من ثلاثة عقود وفيما تتوفر مختلف أنواع ومصادر الطاقة والمعادن الثمينة التي لم يتم الاستثمار فيها بعد، فضلا على أن افريقيا تظل سوقا مربحة لمختلف مصالح السلاح الروسية والاوروبية والتركية التي تجد طريقها الى افريقيا ...
الرئيس قيس سعيد يسجل حضوره في القمة الافريقية الامريكية لاول مرة و ذلك بعد ايام فقط على القمة العربية الصينية ولا شك أن تونس التي تجمعها علاقات على امتداد مائتي سنة مع امريكا تحتاج في هذه المرحلة لحضور ديبلوماسي وخطاب سياسي لافت لتعزيز ما يفترض ان تكون عليه علاقات تونس مع الادارة الامريكية بزعامة الديمقراطيين وتجاوز الكثير من العثرات التي رافقت هذه العلاقات منذ 25 جويلية... تونس اليوم في حاجة للدفاع عن مصالح شعبها وتطلعاتها نحو شراكات استراتيجية للخروج من ازماتها المتعددة في هذه المرحلة المعقدة مع تعدد الازمات و الاستحقاقات ...
-الاتحاد الافريقي عضو دائم في مجموعة العشرين
لقد استبق الرئيس بايدن قمة مجموعة العشرين باعلان دعمه ضم الاتحاد الافريقي الى مجموعة العشرين في توجه لتنشيط العلاقات مع إفريقيا على وقع التنافس الحاصل مع اوروبا المستعمر السابق للقارة و روسيا و الصين واسرائيل واليابان وايران وتركيا كل بطريقته وديبلوماسيته ما ظهر منها و ما خفي ...
الرئيس الامريكي جو بايدن و من خلال بيان البيت الابيض كشف أنه "يتطلع إلى استضافة قادة من جميع أنحاء القارة الأفريقية وأن هذه القمة تظهر كذلك التزام الولايات المتحدة الدائم تجاه إفريقيا وتؤكد أهمية العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا."كما كشف بايدن عن تطلعه للعمل مع الحكومات الأفريقية والمجتمع المدني والقطاع الخاص ومجتمعات الشتات والمغتربين في جميع أنحاء الولايات المتحدة لمواصلة تعزيز الرؤية المشتركة لمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا" وهذا تقريبا يظل بيان الاستهلاك الاعلامي و الخطاب المطلوب ترويجه لهذه القمة التي تكتسي اهمية في تحديد حاضر ومستقبل العلاقات بين امريكا و افريقيا التي باتت تحظى باهتمام مؤسسات التفكير الامريكي التي تنظر الى اهمية التحولات الحاصلة في افريقيا التي لم تعد قارة الانقلابات العسكرية فقط او قارة المجاعات و الحروب العرقية بل ان دولا مثل رواندا وبوراندي خبرت لعقود اسوأ حرب عرقية باتت اليوم اقتصاديات صاعدة الى جانب ما تشهده افريقيا الوسطى وجنوب افريقيا من تحولات اقتصادية و تجارية . وليس سرا ايضا ان واشنطن لا تنظر بعين الرضى الى تنفذ الجماعات المسلحة في منطقة الساحل و الصحراء و الى عودة تنظيم داعش الارهابي لبحث موطئ قدم له في افريقيا ...
ليس سرا ان القمة تنعقد وسط تحديات متعددة تواجه القارة الافريقية ، في مقدمتها انعدام الامن الغذائي و المخاوف من امتداد المجاعات والإرهاب في أنحاء البلدان الأفريقية و تفاقم التهديدات الارهابية الى جانب تداعيات تغيير المناخ...
يقول كبير مستشاري مجلس الأمن القومي الأمريكي لقمة القادة الأمريكية الأفريقية دانا بانكس ونائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية روبرت سكوت" إن القمة ستسلط الضوء على كيفية تعزيز الولايات المتحدة والدول الإفريقية لشراكاتهم. وتطوير أولوياتهم المشتركة و ستعكس الاستراتيجية الأمريكية تجاه إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مما يشدد بالفعل على أهمية المنطقة, القمة تأتي بعد أشهر فقط من زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكين الى جنوب إفريقيا في أوت الماضي حيث كشف أن هناك أربعة أهداف رئيسية في إفريقيا في مقدمتها الانفتاح على المجتمعات، تقديم المكاسب الديمقراطية والأمنية، و المساعدة على التعافي من الجائحة والفرص الاقتصادية، ودعم الحفاظ على المناخ والتكيف مع المناخ والانتقال العادل للطاقة.و هو ما يعني أن الملفات التي ستكون مطروحة خلال القمة من الملفات الاقتصادية و الاستثمار في القارة السمراء الى الحوكمة الرشيدة و ملف الحقوق و الحريات و الديموقراطية و هي الملفات التي لا تطرحها القوى المنافسة لامريكا في افريقيا و التي تعتبر أنه لا وجود لنموذج ديموقراطي في العالم و أن من حق الدول اختيار النظام الذي تريده و هو موقف روسيا و الصين و قد تجلى ذلك في البيان الختامي للقمة العربية الصينية الذي شدد على هذه التوجهات التي لا تريد الدول الافريقية و العربية التعرض لها .
-ايكواس تقرر إنشاء قوة إقليمية لمواجهة المسلحين
و ربما يكون من المهم الاشارة الى اتفاق قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ايكواس) في أبوجا إنشاء قوة إقليمية، هدفها التدخل ليس ضد المسلحين و كذلك في حال وقوع انقلابات أيضا، كتلك التي شهدتها المنطقة في العامين الأخيرين و ذلك على خلفية عجز الجيوش الوطنية في احتواء توسع انتشار المقاتلين..
و كان رئيس مجموعة إيكواس عمر توراي اكد أن قادة المجموعة "قرروا إعادة ضبط البنية الامنية لدول غرب افريقيا موضحا أن الأمر يتعلق بتولي "أمننا الخاص" وليس فقط الاستعانة بأطراف خارجية...وهي أيضا مسألة قد تكون ضمن الملفات المطروحة خلال قمة واشنطن لتحديد ربما مسار المساعدات اللوجستية ولعسكرية والتدريبات و ربما يكون ل"لافريكوم" دوره في هذا الاتجاه لتشكيل قوة اقليمية تتدخل عند الضرورة خاصة بعد الانسحاب الفرنسي من منطقة الساحل و الصحراء ..ودول غرب افريقيا تواجه وضعا معقدا في مالي وبوركينا فاسو وغينيا، الدول الثلاث التي تولى فيها العسكريون السلطة بالقوة منذ 2020وقد تم تعليق عضوية هذه الدول في هيئات صنع القرار في إيكواس وهي بالتالي غير مدعوة للمشاركة في القمة الافريقية الامريكية...
تضييق فجوة الثقة مع إفريقيا يبقى كذلك أحد أهم الرهانات الامريكية على هذه القمة و هو في الحقيقة رهان معقد بالنظر الى المسافات الجغرافية التي تفصل بين القارتين و لكن بالنظر ايضا الى تراجع الدور الامريكي مقابل توسع و هيمنة الدور الصيني والاستثمارات الصينية في البنية التحتية و الصحة الى جانب الحضور الصيني اقتصاديا وثقافيا وتجاريا ...
من الواضح أن إدارة بايدن تأمل في إعادة الروح للعلاقات الأمريكية-الأفريقية، التي أصبحت تحتل مكانة هامشية في جدول أعمال الرئيس السابق دونالد ترامب.
كما أنه ليس خافيا أن ادارة بايدن تسعى الى احتواء التنين الصيني و سبق للبيت الابيض أن كشف أن التحدي الاكبر مستقبلا الصين و ليس روسيا. إذ أن حجم الوجود الروسي في أفريقيا لا يضاهى نظيره الصيني. والصين مستثمر كبير في تطوير البنية التحتية في أفريقيا، كما هو الحال في إثيوبيا وزامبيا وأنغولا لبناء الجسور والسكك الحديدية والملاعب الرياضية...الشريك التالي و هو الشريك الاسرائيلي في افريقيا الذي تمكن من تعزيز حضوره الديبلوماسي مع نحو ثلاثين بلدا افريقيا فلا يشغل واشنطن التي سعت الى تغلغل اسرائيل في القارة و تعزيز علاقاتها بدول افريقية كانت رافضة لمسار التطبيع..
كثيرة هي مجالات التعاون التي يمكن لامريكا ان تتجه اليها في افريقيا وتستثمر فيها لارساء الامن الغذائي والسلام في القارة ولكن ليس من الواضح ان كانت ادارة بايدن مستعدة للتعاطي مع افريقيا في اطار مشروع الشراكة والربح المشترك للجميع ...على واشنطن اذا ارادت ان تكون بديلا للنفوذ الصيني أن تأخذ بعين الاعتبار التحولات المجتمعية في افريقيا و تطلعات اجيال صاعدة لم تعرف غير الحروب و الصراعات والجوع وباتت لا تتردد في البحث عن فرصة للحياة على الضفة الاخرى للمتوسط مهما كان ثمن المغامرة ...
ستطوي القمة الأمريكية-الأفريقية الثانية محطاتها بعد ثلاثة ايام وسيبدأ بعد ذلك استكشاف مرحلة ما بعد القمة و ما سيكون عليه الاختبار عمليا على ارض الواقع فالشعوب لا تنظر الى خطاب مسؤوليها الخشبية في هذه القمة ولكنها تتطلع الى ما سيتحقق لها من مشاريع ومن فرص ومبادرات يمكن ان تغير حياتها او على الاقل تضمن واقعا افضل لأبنائها... سيكون من السابق لاوانه اعتبار ما اذا ستكون القمة الافريقية نقطة فاصلة في مسيرة التطورات الجيوستراتيجية العالمية والإقليمية بعد اندلاع الحرب الأوكرانية حيث تبقى كل السيناريوهات قائمة و لا احد ايا كان موقعه بامكانه قراءة المشهد ما بعد هذه الحرب التي لا احد يعرف ايضا متى تنتهي او كيف ستنتهي...صحيح العالم يتغير و لكن في أي اتجاه فهذه مسألة من الصعب التكهن بها ...