إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

هل تملك الدولة حلولا واستراتيجية للهجرة غير الشرعية ؟

بقلم: نوفل سلامة(*)

*ما وجب الإفصاح عنه بكل صراحة ومن دون مساحيق هو أن الحل الجماعي لهذه الأزمة المجتمعية غير متوفر اليوم

الأمر الذي لا يختلف فيه اثنان وبات اليوم حقيقة ثابتة أن الهجرة غير النظامية أو التسلل إلى السواحل الإيطالية خلسة وبطريقة غير شرعية أو الهجرة غير القانونية التي تقع بواسطة ما بات يسمى في الخطاب الشارعي بقوارب الموت أو " الحرقة " إلى بلد الطليان قد أضحت اليوم تمثل نزيفا حادا للعنصر البشري وخطرا محققا على سلامة الكثير من الشباب الحارق وخطورة الظاهرة تتجسد أكثر في تمددها وتوسعها وانتشارها السريع في المجال الجغرافي والمكاني وانفتاحها على شرائح أخرى من الشعب لم تكن تستوعبها الظاهرة من قبل مع دخول عنصر المرأة والأطفال القصر والعائلات حتى باتت هذه الظاهرة اليوم حقيقة واضحة ويكفي للتأكد من هذه التطورات التي تعرفها ظاهرة الحرقة أن نورد آخر الأرقام والإحصائيات الرسمية التي أوردها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حيث بلغ عدد المهاجرين التونسيين غير النظاميين الواصلين إلى ايطاليا منذ بداية سنة 2022 إلى غاية يوم الأربعاء 18 نوفمبر الفارط 17295 مهاجرا من بينهم 3430 من القصر وهذه النسبة التي سجلت هذه السنة هي الأكبر مقارنة بالأربع سنوات الماضية حيث سجلت سنة 2020 حوالي 11212 مهاجرا وسنة 2021 14342 مهاجرا أما عدد القاصرين المغادرين التراب التونسي عبر قوارب الموت فقد بلغ في سنة 2020 1607 قاصر وفي سنة 2021 2492 قاصر مقابل 3430 خلال السنة الحالية . وبخصوص عدد الضحايا والمفقودين الذين تم الإلقاء بهم في البحر للتخفيف من حمولة القارب أو ألقوا هم بأنفسهم بعد أن شارف القارب عن الغرق فقد وصل خلال السنة الحالية والى حدود شهر سبتمبر المنقضي 544 شخصا من جنسيات مختلفة في حين سجل شهر ماي الماضي أعلى حصيلة للمفقودين الذين بلغ عددهم 123 ضحية.

هذه هي الأرقام الرسمية المقدمة من الجانب التونسي وهي أرقام على أهميتها فإنها لا تعكس حقيقة ظاهرة الحرقة حيث أن هناك شكوكا حول صحتها وتغطيتها لكامل عدد الحارقين في علاقة بوجود حارقين آخرين لم يقع التفطن إليهم وكانوا خارج عملية الضبط والإحصاء خاصة وأن هذه الأرقام قد وفرتها منظمات المجتمع المدني و الجهات التي تشتغل على الظاهرة وفي مقدمتهم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لذلك فإنه من المفيد التعرف على المعطيات التي يقدمها الجانب الإيطالي الذي تتحدث أرقامه عن تسلل حوالي تسعين ألف مهاجر وصلوا إلى السواحل الإيطالية منذ بداية سنة 2022 ، العدد الأكبر منهم قادمين من مصر وليبيا وبنغلاديش وتونس وأن تونس تأتي في المرتبة الثانية بعد مصر حيث وصل حسب المعطيات الإيطالية قرابة 19113 تونسي بطريقة غير شرعية الى حدود شهر نوفمبر 2022 في حين أن الأرقام التونسية تتحدث عن 17295 مهاجرا تونسيا.

الجديد في رصد الظاهرة ومتابعتها وما كشفت عنها الأرقام سواء من الجانب التونسي أو الايطالي أن ظاهرة الحرقة هي ظاهرة معقدة ومركبة ومتداخلة ومتشابكة وتعرف تمددا في الجغرافيا وانتشارا في نوعية الفئات المشاركة في عملية الحرقة حيث نجد أن ظاهرة الحرقة تكثر في السواحل التونسية من جهة سوسة ، مهدية ، المنستير ، جرجيس ، قرقنة ، صفاقس ، نابل ، قليبية وبنزرت لكن اللافت في الأمر أنه إلى جانب هذه المدن الساحلية فإن مدينة القيروان وهي من المناطق الداخلية غير الساحلية قد تأثرت هي الأخرى بظاهرة الحرقة غير النظامية حيث اشتهرت هذه المدينة بتهميش كبير وعرفت خلال كامل فترة الاستقلال وتكوين الدولة الوطنية النسيان والإقصاء ومعاقبة الدولة لها لأسباب تاريخية وهي اليوم من أفقر الجهات وتعرف حالة تعثر في توفر الخدمات وتعرف ارتفاعا كبيرا في نسبة الرسوب المدرسي والانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة وارتفاع في نسبة البطالة والعاطلين عن العمل وهي من الجهات الاكثر تناولا للكحول وتعاطي المخدرات والولاية التي تعرف ارتفاعا في حالات الانتحار وإلي جانب هذا الانكسار الاجتماعي بدأت تعرف القيروان ظاهرة هجرة أبنائها بطريقة غير شرعية بحثا عن واقع أفضل واعترافا مفقودا وحضورا من طرف الدولة بعد أن تحولت الدولة الوطنية إلى دولة طاردة لأبنائها ومتنكرة لهم وعاجزة عن احتضان التائهين منهم والحالمين بواقع أفضل وعاجزة عن توفير الحلول للمتعثرين منهم .

واليوم وبعد أن تأكدت حقيقة الهجرة غير الشرعية في كونها تعبر في العمق عن فشل كبير في السياسات الحكومية وفي منوال التنمية الذي لم يعد قادرا على استيعاب أحلام الشعب وأمانيهم وبعد أن تحولت " الحرقة " إلى أزمة مجتمع حادة في معاييره ونماذج إرشاده ورموزه المؤثرة وأزمة أخرى في ضعف خطاب نخبته السياسية الذي لم يعد قادرا على الاقناع وعلى احتواء الأزمات وهو يعبر عن فشل الدولة في تقديم عروض جالبة للاطمئنان على المستقبل وبعد أن تحولت هذه الظاهرة إلى متنفس للضغوطات الاجتماعية التي تمارس على الحكومة وتنفيس عن العجز السياسي لمن يحكم وتخفيف العبء الاجتماعي عن الدولة العاجزة عن احتضان أبنائها ومرافقتهم وتخليها عن لعب دورها الاجتماعي .. بعد أن تأكد من خلال الفشل في إدارة ملف الحرقة أن الدولة قد تحولت إلى دولة طاردة لأبنائها فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل تمتلك الدولة حلولا لإيقاف نزيف الهجرة غير النظامية ؟ وهل تتوفر الدولة على استراتيجية للتعامل مع هذا الملف الخطير ؟

في الحقيقة فإن الذي وجب قوله والإفصاح عنه بكل صراحة ومن دون مساحيق هو أن الحل الجماعي لهذه الأزمة المجتمعية غير متوفر اليوم ولن يكون من خلال حل توجده الدولة فالأمر الثابت اليوم والذي أفصح عنه المختصون أنه بلغة الأرقام فإن الحل لن يكون عند الدولة ومن خلال نمط الاقتصاد المتبع ولن يكون من خلال منوال التنمية الحالي غير الجالب لحلول البطالة ولن يكون في الخيارات والسياسات المتبعة التي أظهرت فشلها . فالاقتصاد التونسي الحالي بالصورة التي هو عليها لا يمكن أن يخلق الثروة وبالتالي لا يمكن أن يخلق مواطن شغل بالقدر المطلوب ولا يمكن أن يكون حلا للبطالة .

اليوم هناك اعتراف من أعلى مستوى في الدولة بأن الدولة التونسية عاجزة عن تحقيق أحلام الشباب في توفير عمل لائق في بلادهم واعتراف بأن الدولة غير قادرة عن احتضان المتخرجين من الجامعات وهي لا تتوفر على حل نهائي للحرقة . في اجتماع له يوم 26 أكتوبر المنصرم مع وزير الداخلية والمدير العام للأمن الوطني قال رئيس الدولة " لا يمكن إيجاد حلول حقيقية لظاهرة الحرقة على المستوى الوطني كما أن الحلول المحلية لهذه الظاهرة غير متوفرة اليوم داعيا إلى ضرورة إيجاد تعاون دولي لمواجهة تزايد وتيرة الهجرة غير النظامية " بما يعني أن الحل لن يكون تونسيا ومن خلال الدولة التونسية وإنما الحل متوفر عند الدول الأوروبية وهنا يأتي الحديث عن الاستراتيجية التي أعدتها هذه الدول و ناقشها ممثلوها مؤخرا وهي تتألف من 20 نقطة أهم ما جاء فيها :

- الاتفاق على أن تستقبل فرنسا وألمانيا حوالي 8000 مهاجر سنويا وهو ما يعبر عنه بالاستقبال الطوعي أي فتح الحدود للمهاجرين الذين تحتاجهم أوروبا في مهن معينة لا تتوفر على يد عاملة.

- دعم تونس ومصر وليبيا بآليات لمنع الهجرة غير النظامية ودعم إدارة الهجرة في بلدان المنشأ وتعزيز نطاق البحث والإنقاذ بما يعني المزيد من ضبط الحدود أمنيا لمنع كل تسلل غير قانوني

- تفعيل برامج إقليمية لمحاربة الشبكات المنظمة التي تعمل في تسهيل عمليات الهجرة وكل الشبكات التي تسهل تهريب البشر .

- الترحيل القسري لكل مهاجر قادم إلى السواحل الأوروبية بطريق غير شرعي وغير متفق عليه.

الرؤية الأوروبية رصدت حوالي 100 مليار أورو لدول إفريقيا بغاية منع الهجرة غير الشرعية من أجل إبقاء المهاجرين بأوطانهم الاصلية من خلال دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد أن اتضح أن هذه الاسباب هي العوامل الاكثر تأثيرا في الهجرة ومن خلال ضخ الأموال لبعث مشاريع تنموية واستثمارات من أجل خلق مواطن شغل يحتاجها المهاجر ويبحث عنها وتوفيرها في بلدانهم يقلص من فكرة اللجوء إلى الهجرة . فالحل حسب الأوربيين لن يكون في العبور إلى الحدود الأوروبية وإنما في بقاء المهاجرين في أوطانهم الأصلية التي عليها أن تتحمل عبء أبنائها ومحمول عليها لوحدها حل مشاكلهم .

 

 

 

هل تملك الدولة حلولا واستراتيجية للهجرة غير الشرعية ؟

بقلم: نوفل سلامة(*)

*ما وجب الإفصاح عنه بكل صراحة ومن دون مساحيق هو أن الحل الجماعي لهذه الأزمة المجتمعية غير متوفر اليوم

الأمر الذي لا يختلف فيه اثنان وبات اليوم حقيقة ثابتة أن الهجرة غير النظامية أو التسلل إلى السواحل الإيطالية خلسة وبطريقة غير شرعية أو الهجرة غير القانونية التي تقع بواسطة ما بات يسمى في الخطاب الشارعي بقوارب الموت أو " الحرقة " إلى بلد الطليان قد أضحت اليوم تمثل نزيفا حادا للعنصر البشري وخطرا محققا على سلامة الكثير من الشباب الحارق وخطورة الظاهرة تتجسد أكثر في تمددها وتوسعها وانتشارها السريع في المجال الجغرافي والمكاني وانفتاحها على شرائح أخرى من الشعب لم تكن تستوعبها الظاهرة من قبل مع دخول عنصر المرأة والأطفال القصر والعائلات حتى باتت هذه الظاهرة اليوم حقيقة واضحة ويكفي للتأكد من هذه التطورات التي تعرفها ظاهرة الحرقة أن نورد آخر الأرقام والإحصائيات الرسمية التي أوردها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حيث بلغ عدد المهاجرين التونسيين غير النظاميين الواصلين إلى ايطاليا منذ بداية سنة 2022 إلى غاية يوم الأربعاء 18 نوفمبر الفارط 17295 مهاجرا من بينهم 3430 من القصر وهذه النسبة التي سجلت هذه السنة هي الأكبر مقارنة بالأربع سنوات الماضية حيث سجلت سنة 2020 حوالي 11212 مهاجرا وسنة 2021 14342 مهاجرا أما عدد القاصرين المغادرين التراب التونسي عبر قوارب الموت فقد بلغ في سنة 2020 1607 قاصر وفي سنة 2021 2492 قاصر مقابل 3430 خلال السنة الحالية . وبخصوص عدد الضحايا والمفقودين الذين تم الإلقاء بهم في البحر للتخفيف من حمولة القارب أو ألقوا هم بأنفسهم بعد أن شارف القارب عن الغرق فقد وصل خلال السنة الحالية والى حدود شهر سبتمبر المنقضي 544 شخصا من جنسيات مختلفة في حين سجل شهر ماي الماضي أعلى حصيلة للمفقودين الذين بلغ عددهم 123 ضحية.

هذه هي الأرقام الرسمية المقدمة من الجانب التونسي وهي أرقام على أهميتها فإنها لا تعكس حقيقة ظاهرة الحرقة حيث أن هناك شكوكا حول صحتها وتغطيتها لكامل عدد الحارقين في علاقة بوجود حارقين آخرين لم يقع التفطن إليهم وكانوا خارج عملية الضبط والإحصاء خاصة وأن هذه الأرقام قد وفرتها منظمات المجتمع المدني و الجهات التي تشتغل على الظاهرة وفي مقدمتهم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لذلك فإنه من المفيد التعرف على المعطيات التي يقدمها الجانب الإيطالي الذي تتحدث أرقامه عن تسلل حوالي تسعين ألف مهاجر وصلوا إلى السواحل الإيطالية منذ بداية سنة 2022 ، العدد الأكبر منهم قادمين من مصر وليبيا وبنغلاديش وتونس وأن تونس تأتي في المرتبة الثانية بعد مصر حيث وصل حسب المعطيات الإيطالية قرابة 19113 تونسي بطريقة غير شرعية الى حدود شهر نوفمبر 2022 في حين أن الأرقام التونسية تتحدث عن 17295 مهاجرا تونسيا.

الجديد في رصد الظاهرة ومتابعتها وما كشفت عنها الأرقام سواء من الجانب التونسي أو الايطالي أن ظاهرة الحرقة هي ظاهرة معقدة ومركبة ومتداخلة ومتشابكة وتعرف تمددا في الجغرافيا وانتشارا في نوعية الفئات المشاركة في عملية الحرقة حيث نجد أن ظاهرة الحرقة تكثر في السواحل التونسية من جهة سوسة ، مهدية ، المنستير ، جرجيس ، قرقنة ، صفاقس ، نابل ، قليبية وبنزرت لكن اللافت في الأمر أنه إلى جانب هذه المدن الساحلية فإن مدينة القيروان وهي من المناطق الداخلية غير الساحلية قد تأثرت هي الأخرى بظاهرة الحرقة غير النظامية حيث اشتهرت هذه المدينة بتهميش كبير وعرفت خلال كامل فترة الاستقلال وتكوين الدولة الوطنية النسيان والإقصاء ومعاقبة الدولة لها لأسباب تاريخية وهي اليوم من أفقر الجهات وتعرف حالة تعثر في توفر الخدمات وتعرف ارتفاعا كبيرا في نسبة الرسوب المدرسي والانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة وارتفاع في نسبة البطالة والعاطلين عن العمل وهي من الجهات الاكثر تناولا للكحول وتعاطي المخدرات والولاية التي تعرف ارتفاعا في حالات الانتحار وإلي جانب هذا الانكسار الاجتماعي بدأت تعرف القيروان ظاهرة هجرة أبنائها بطريقة غير شرعية بحثا عن واقع أفضل واعترافا مفقودا وحضورا من طرف الدولة بعد أن تحولت الدولة الوطنية إلى دولة طاردة لأبنائها ومتنكرة لهم وعاجزة عن احتضان التائهين منهم والحالمين بواقع أفضل وعاجزة عن توفير الحلول للمتعثرين منهم .

واليوم وبعد أن تأكدت حقيقة الهجرة غير الشرعية في كونها تعبر في العمق عن فشل كبير في السياسات الحكومية وفي منوال التنمية الذي لم يعد قادرا على استيعاب أحلام الشعب وأمانيهم وبعد أن تحولت " الحرقة " إلى أزمة مجتمع حادة في معاييره ونماذج إرشاده ورموزه المؤثرة وأزمة أخرى في ضعف خطاب نخبته السياسية الذي لم يعد قادرا على الاقناع وعلى احتواء الأزمات وهو يعبر عن فشل الدولة في تقديم عروض جالبة للاطمئنان على المستقبل وبعد أن تحولت هذه الظاهرة إلى متنفس للضغوطات الاجتماعية التي تمارس على الحكومة وتنفيس عن العجز السياسي لمن يحكم وتخفيف العبء الاجتماعي عن الدولة العاجزة عن احتضان أبنائها ومرافقتهم وتخليها عن لعب دورها الاجتماعي .. بعد أن تأكد من خلال الفشل في إدارة ملف الحرقة أن الدولة قد تحولت إلى دولة طاردة لأبنائها فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل تمتلك الدولة حلولا لإيقاف نزيف الهجرة غير النظامية ؟ وهل تتوفر الدولة على استراتيجية للتعامل مع هذا الملف الخطير ؟

في الحقيقة فإن الذي وجب قوله والإفصاح عنه بكل صراحة ومن دون مساحيق هو أن الحل الجماعي لهذه الأزمة المجتمعية غير متوفر اليوم ولن يكون من خلال حل توجده الدولة فالأمر الثابت اليوم والذي أفصح عنه المختصون أنه بلغة الأرقام فإن الحل لن يكون عند الدولة ومن خلال نمط الاقتصاد المتبع ولن يكون من خلال منوال التنمية الحالي غير الجالب لحلول البطالة ولن يكون في الخيارات والسياسات المتبعة التي أظهرت فشلها . فالاقتصاد التونسي الحالي بالصورة التي هو عليها لا يمكن أن يخلق الثروة وبالتالي لا يمكن أن يخلق مواطن شغل بالقدر المطلوب ولا يمكن أن يكون حلا للبطالة .

اليوم هناك اعتراف من أعلى مستوى في الدولة بأن الدولة التونسية عاجزة عن تحقيق أحلام الشباب في توفير عمل لائق في بلادهم واعتراف بأن الدولة غير قادرة عن احتضان المتخرجين من الجامعات وهي لا تتوفر على حل نهائي للحرقة . في اجتماع له يوم 26 أكتوبر المنصرم مع وزير الداخلية والمدير العام للأمن الوطني قال رئيس الدولة " لا يمكن إيجاد حلول حقيقية لظاهرة الحرقة على المستوى الوطني كما أن الحلول المحلية لهذه الظاهرة غير متوفرة اليوم داعيا إلى ضرورة إيجاد تعاون دولي لمواجهة تزايد وتيرة الهجرة غير النظامية " بما يعني أن الحل لن يكون تونسيا ومن خلال الدولة التونسية وإنما الحل متوفر عند الدول الأوروبية وهنا يأتي الحديث عن الاستراتيجية التي أعدتها هذه الدول و ناقشها ممثلوها مؤخرا وهي تتألف من 20 نقطة أهم ما جاء فيها :

- الاتفاق على أن تستقبل فرنسا وألمانيا حوالي 8000 مهاجر سنويا وهو ما يعبر عنه بالاستقبال الطوعي أي فتح الحدود للمهاجرين الذين تحتاجهم أوروبا في مهن معينة لا تتوفر على يد عاملة.

- دعم تونس ومصر وليبيا بآليات لمنع الهجرة غير النظامية ودعم إدارة الهجرة في بلدان المنشأ وتعزيز نطاق البحث والإنقاذ بما يعني المزيد من ضبط الحدود أمنيا لمنع كل تسلل غير قانوني

- تفعيل برامج إقليمية لمحاربة الشبكات المنظمة التي تعمل في تسهيل عمليات الهجرة وكل الشبكات التي تسهل تهريب البشر .

- الترحيل القسري لكل مهاجر قادم إلى السواحل الأوروبية بطريق غير شرعي وغير متفق عليه.

الرؤية الأوروبية رصدت حوالي 100 مليار أورو لدول إفريقيا بغاية منع الهجرة غير الشرعية من أجل إبقاء المهاجرين بأوطانهم الاصلية من خلال دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد أن اتضح أن هذه الاسباب هي العوامل الاكثر تأثيرا في الهجرة ومن خلال ضخ الأموال لبعث مشاريع تنموية واستثمارات من أجل خلق مواطن شغل يحتاجها المهاجر ويبحث عنها وتوفيرها في بلدانهم يقلص من فكرة اللجوء إلى الهجرة . فالحل حسب الأوربيين لن يكون في العبور إلى الحدود الأوروبية وإنما في بقاء المهاجرين في أوطانهم الأصلية التي عليها أن تتحمل عبء أبنائها ومحمول عليها لوحدها حل مشاكلهم .