إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أضراره مسّت الأطفال وآثاره "مأساوية" .. "الكوفيد" فكّك الأسر وضرب التحصيل المعرفي..

 

  • الاكتئاب.. اضطرابات سلوكية.. وتقلص "السن الذهني".. بعض من مخلفات كورونا

تونس - الصباح

مازال "شبح "جائحة كورونا يخيم على حياة التونسيين حيث تسبب الفيروس في ترك مخلفات سلبية على الأسر التونسية من ناحية الدخل والاستهلاك، خاصة على الفئات الأشد فقرا.

ولم يتوقف وباء كورونا عند المستوى الطبي في علاقة بالعدوى وآثار التلاقيح وغيرها من الأبعاد الصحية إذ تتواصل المعركة مع الجائحة في مستويات أخرى حيث تؤكد التجربة أن للكوفيد آثارا "مأساوية" سواء على العائلة التونسية وأساسا الأطفال رغم أنهم الأقل عرضة للعدوى لكن في علاقة بتفاصيل حياتهم النفسية وأساسا بتحصيلهم العلمي كان الأثر كبيرا وسلبيا عموما إذ نذكر انه خلال إغلاق المدارس والمرور بمرحلة الحجر الصحي ورغم مساهمة ذلك بشكل مهم في احتواء الوباء وانتشار العدوى لكن هذا لا ينفي تبعاته على الصحة النفسية أولا للطفل الذي تغيرت سلوكاته بعد فرض الحجر الصحي والتباعد الجسدي والاجتماعي حيث أصبح الأبناء يشعرون بالضغط وسيطرة المشاعر السلبية كالحزن والتمرد والإحباط.

ملف من إعداد جهاد الكلبوسي

 

الحجر وتقلص "السن الذهني" للأطفال

الأخصائية النفسية بوزارة المرأة ليندا بن سعد أكدت وجود تأثيرات للحجر الصحي على الصحة النفسية للأطفال باعتبار وضعهم الخاص، خاصة وأنهم في مرحلة استكشاف للعالم وفي حاجة الى بناء علاقات وتكوين صداقات لكن الحجر الصحي قلص من عالمهم فجأة وفرض عليهم التواجد في مساحات مغلقة لذلك كانت هناك آثار خلفها الحجر الصحي من بينها تسجيل العديد من حالات تأخر الكلام لدى عديد الأطفال الى جانب الاضطرابات السلوكية وتأخر النمو الذهني لدى البعض منهم خاصة الأطفال في عمر الثلاث سنوات.

وتطرقت الأخصائية النفسية في حديثها لـ"الصباح" عن أثار تخمة استعمال الهواتف الذكية واللوحات الرقمية على الأطفال حيث أصبحت هذه الأجهزة تشغل حيزا مهما في حياة أبنائنا، إذ يقضي معظم الأطفال على اختلاف أعمارهم ساعات طويلة أمام الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية. وفي الوقت الذي تلعب فيه هذه الأجهزة عبر التطبيقات التعليمية دورًا جيدًا في تنمية بعض مهارتهم، إلا أن التأثير السلبي الذي يتركه إدمان الأجهزة الإلكترونية للأطفال، أدى الى اضطرابات سلوكية كفرط تعلق الأطفال بالوالدين واضطرابات النوم وتعرض البعض منهم الى نوبات هستيريا لأن لهذه الأجهزة قدرة خارقة على التنويم المغناطيسي.

اضطرابات نفسية وأعراض اكتئاب

وتؤكد نتائج دراسة ألمانية أن جائحة كورونا تسببت في ظهور اضطرابات نفسية لدى الأطفال، وغيّرت أزمة كورونا حياتهم اليومية بشكل اشتد فيه الشعور بالخوف والقلق لديهم، حسبما أعلن عنه خبراء.

وعبّر باحثون عن مخاوفهم من تزايد أعراض الاكتئاب والاضطرابات النفسية الجسدية لدى الأطفال بسبب مخلفات كوفيد.

كما كشفت نتائج دراسة علمية أنه قبل أزمة كورونا كان اثنان فقط من أصل كل عشرة أطفال معرضين لخطر الإصابة بأمراض نفسية، وبسبب كورونا وصل العدد الى ثلاثة من أصل كل عشرة أطفال، نقلا عن الموقع الإخباري الألماني "شتوتغرتر ناخغيشتن".

ويشار إلى أن منظمة الصحة العالمية قد اهتمت مبكرا بالتعامل مع آثار الحجر الصحي على الأطفال، وخصصت على موقعها في شبكة الإنترنت صفحة جديدة لتقديم النصائح والإرشادات ممكنة الاستخدام من طرف الأهل مع أطفالهم خلال فترة الحجر الصحي. وتستمر المنظمة بتحديث تلك النصائح بشكل مستمر وتفاعلي من خلال تقنيات الفيديو بشكل خاص.

الجائحة "تقود إلى موجة من المشاكل العقلية والعصبية"

وقد خلص باحثون إلى أن ثلث المتعافين من فيروس كورونا، عانوا بعد شفائهم من اضطرابات نفسية وعقلية، مما يثير مخاوف أكثر بخصوص الآثار السلبية التي يتركها فيروس كورونا حتى بعد الشفاء منه.

كما تفيد دراسة علمية حول آثار ومخلفات كوفيد النفسية أن واحدا، من كل ثلاثة متعافين من الفيروس، عانى من اضطرابات في الدماغ أو اضطرابات نفسية في غضون ستة أشهر، وذلك في دراسة شملت أكثر من 230 ألف مريض معظمهم أمريكيون، مما يشير إلى أن الجائحة قد تقود إلى موجة من المشاكل العقلية والعصبية.

وقال الباحثون الذين أجروا التحليل إنه لم يتضح كيف يرتبط الفيروس بمشكلات نفسية مثل القلق والاكتئاب، لكن هذين العرضين من أكثر الاضطرابات شيوعا ضمن 14 وضعوها قيد البحث. وأضافوا أن حالات السكتة الدماغية والخرف وغيرها من الاضطرابات العصبية كانت أكثر ندرة في مرحلة ما بعد كوفيد-19، لكنها لا تزال قائمة خاصة بين من أصيبوا بالمرض في صورته الشديدة.

وأكد  "ماكس تاكيت" الطبيب النفسي بجامعة "أوكسفورد" والذي شارك في قيادة العمل البحثي ان النتائج تشير إلى أن أمراض الدماغ والاضطرابات النفسية أكثر شيوعا بعد كوفيد-19 منها بعد الإنفلونزا أو أمراض الجهاز التنفسي الأخرى، وأضاف أن الدراسة لم تتمكن من تحديد الآليات البيولوجية أو النفسية المفضية إلى ذلك، لكن ثمة حاجة لبحث عاجل لتحديد الآليات تلك بهدف الوقاية منها أو معالجته".

وبلغت نسبة من أصيبوا بالقلق من المتعافين من كورونا 17 في المائة، في حين وصلت نسبة من عانوا اضطرابات مزاجية 14 في المائة، مما يجعلهما أكثر الاضطرابات شيوعا في مرحلة ما بعد كوفيد-19

 

ضرب "المناعة" التعليمية..

بعد استئناف الدروس ورفع الحجر الصحي شهد جل التلاميذ صعوبة في التأقلم مع العودة المدرسية بعد أشهر من العزلة بسبب الحجر الصحي لان مناعة الأطفال النفسية ضعيفة بطبيعتها والطفل يبني شخصيته من الاختلاط الاجتماعي ومن علاقته بمعلمه وزميلة أي أن هناك فضاءات تساهم في بناء وعيه المجتمعي والمدرسة احد هذه الفضاءات.

كما عاش جيل الحجر الصحي فترة إقصاء دون أن يفهم ما يحصل له من متغيرات كبرى في حياته بكل تفاصيلها خاصة وان العائلة والأولياء لم يجدوا وقتا ليستعدوا لهذه المرحلة كما لم تتم إحاطتهم علميا وبيداغوجيا وتدريبهم على آليات جديدة يحتاجها الطفل لتأهيله للحياة خلال فترة انتشار الفيروس وحتى بعد تجاوز مرحلة تفشي الوباء.

إن ابتعاد الطفل لمدة ستة أشهر عن الدائرة المجتمعية التي تتغذى منها شخصيته وسلوكاته وذاكرته وخياله أدى الى ظهور عديد التأثيرات على مستوى جهاز المناعة النفسي للطفل لأنه بطبعه ليس لديه آليات الدفاع اللازمة لمواجهة المخاوف من كورونا وتداعياتها.

وعن تداعيات كوفيد على التحصيل التعليمي والمعرفي للتلميذ تحدث مختصون في الشأن التربوي لـ"الصباح":

 

*بشرى الطيب المولهي رئيسة جمعية "تلامذتنا" لـ"الصباح": كورونا لم تكن سببا في تقلص التحصيل المعرفي للتلميذ لكن آثارها كانت نفسية واجتماعية

p4n5.jpg

بشرى الطيب المولهي رئيسة جمعية "تلامذتنا" من الذين عاينوا ميدانيا تأثر عديد التلاميذ بمخلفات كورونا وفي حديثها لـ"الصباح"، تقول رئيسة جمعية تلامذتنا ان "كورونا ذلك الشبح أو الضيف الثقيل الذي فرض نفسه على العائلة التونسية دون سابق إنذار، ففرض عليها نواميس وقوانين غيرت نمط عيشه وأربكت نفسيته لكن لو وضعنا تحت مجهرنا ذلك الكائن الضعيف المسلط عليه كل أمر وهو التلميذ وكيف كانت تأثير هذه الجائحة عليه ولو بعد مغادرتها تدريجيا لبلدنا".

وتضيف المولهي "عايشنا في "جمعية تلامذتنا" ما لحق بعدة تلاميذ من أضرار نفسية بسبب كورونا سواء بسبب إصابة التلميذ بصفة مباشرة أو أحد أقاربه فكان هاجس الخوف من الموت يثير نوعا من الهلع إضافة الى نظرة الأتراب في القسم لزميلهم بعد عودتهم من مدة الحجر الصحي لما لمسناه من نفور وتنمر وكأنه قام بجريمة شنعاء، كما لا ننسى فترات الحجر الصحي ما صاحبها من توتر الولي وللتلميذ أمام الانغلاق في مكان واحد وطويل الوقت والروتين القاتل الذي تعيشه العائلة جعل العنف بين الأخوة يتضاعف وحتى بين الأبوين والأبناء وهو ما جعل حالات العنف الأسري تتضاعف".

وتستبعد المولهي أن تكون كورونا سببا في تقليص معرفي أو نقص علمي لدى التلميذ لان النقص المعرفي كائن في التلميذ التونسي منذ مراحل دراسته الأولى، بل إن الدراسة عن طريق الأفواج والتقليص من البرامج جعل للتلميذ المتوسط فرصة للتدارك وجعل لكل التلاميذ متسعا من الوقت للمراجعة وهو ما يطلبه العديد من المربين والتلاميذ الى يومنا هذا وهو الرجوع الى نظام الأفواج، وهنا أيضا لا ننسى أن كورونا وفرضها لتوقيت اجتماعي معين كحظر التجول والحجر الصحي جعل من العائلة التونسية تتدارك الفجوة في علاقاتها فاقترب الأب والأم من الأبناء، واكتشف العديد من الأولياء، مهارات مدفونة عند أبنائهم.

 

رضا الزهروني رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ لـ"الصباح": كورونا تسببت في انقطاع 109 آلاف تلميذ خلال السنة الدراسية 2021-2022

p4_n6.jpg

يقول رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ رضا الزهروني لـ"الصباح" انه "لا مجال لان نتساءل إن كانت هناك تأثيرات سلبية لجائحة كوفيد على كل المجتمعات العالمية وخاصة منها المتّصل بأداء المنظومات التربوية وبسلوك التلاميذ، ومدرستنا لن تكون استثناء، فبالعودة إلى الإجراءات التي تم اعتمادها على امتداد سنتين دراسيتين متتاليتين والمتمثلة في حرمان أبنائنا وبناتنا من مزاولة دراسة الثلاثية الأخيرة من السنة الدراسية 2019 -2020 واعتماد نظام الأفواج خلال السنة الدراسية التي تلتها أي 2020-2021، خسرت المنظومة زمنا مدرسيا يضاهي سنة دراسية كاملة أو أكثر من دون الأخذ بعين الاعتبار التشويش المعنوي الحاصل للمتعلمين ولأوليائهم وللإطار التربوي أيضا، ومن جهة أخرى اجبر التلاميذ على العيش خارج الأجواء المدرسية".

ويضيف الزهروني "يستحيل في كلّ الأحوال تدارك هذه الخسارة الرهيبة في الزمن المدرسي حتى وان كان أداء المنظومة التربوية متميزا، فما بالك بالمدرسة التونسية والتي تعيش أسوأ حالاتها منذ عديد السنوات، هذا بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على سلوك التلاميذ داخل البيت وخارجه خاصة في ما يتعلق بعلاقتهم بالمدرسة وبرفاقهم وبمربيهم وبكيفية تفاعلهم مع الحضور والتركيز، فقراءة موضوعية للمؤشرات المعلنة تؤكد هذا الاستنتاج مثل ارتفاع عدد المنقطعين عن الدراسة بنسبة 50 بالمائة والمرور من 70 ألف منقطع خلال السنة الدراسية 2020-2021 إلى 109 الاف منقطع خلال السنة الدراسية 2021-2022 وتدعيم الفوارق خاصة فيما يتعلق بنسب النجاح في الامتحانات الوطنية بين العائلات والجهات المحظوظة والعائلات والجهات المعوزة وتنامي ظاهرة العنف المدرسي خاصة فيما يتعلق بدرجة خطورته.

 

سليم قاسم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم لـ"الصباح": كورونا كشفت حجم الدّمار الذي لحق بمنظومتنا التّربويّة

p5n4.jpg

سليم قاسم خبير تربوي لدى المنظمات الدولية شخص مخلفات الكوفيد على المنظومة التربوية والمدرسة العمومية التي تعاني مسبقا هشاشة على مستوى المناهج التعليمية حيث أكد في تصريحه لـ"الصباح" قائلا "لنكن صريحين ولنسمّ الأشياء بأسمائها، لقد كانت أزمة كورونا وما تلاها مناسبة أليمة كشفت حجم الدّمار الذي لحق بمنظومتنا التّربويّة، وفضحت ما باتت عليه هذه المنظومة من هشاشة بسبب عجز القائمين عليها، لقد سقطت ورقة التّوت وتأكّدنا أنّنا لسنا أمام منظومة ولكنّنا نركب جميعا سفينة بلا ربّان ولا بوصلة، تتقاذفها الأمواج وتحملها الرّياح حيثما شاءت".

ويضيف قاسم "إنّ كلّ ما فعله مسئولونا أثناء الجائحة هو أنّهم أغلقوا المدارس وأرسلوا الأطفال إلى بيوتهم أو إلى الشّوارع دون أدنى خطّة ودون أيّ مشروع، لقد اكتفوا فقط بغلق المدارس وبقوا ينتظرون مرور الجائحة، وحين مرّت عادوا ففتحوها وكأنّ شيئا لم يكن لدلك علينا أن نبحث مطوّلا عبر العالم، وفي قائمة الدّول الأشدّ تخلّفا، لنجد مثل هذا السلوك، فجميع الوزارات التي تحترم نفسها وتحترم منظوريها كانت لها خطّة عمل أثناء الأزمة وخطة للتّعافي بعد مرورها، أمّا وزارتنا فقد كانت خطّتها الوحيدة هي إغلاق المدارس دون اقتراح أيّ بديل، ثم إعادة فتحها ليتردّد عليها التّلميذ يوما بيوم، مع تخفيف في البرامج تمّ إعداده في ثلاثة أيّام، وكانت الغاية من هذا كلّه فقط إنقاذ السّنة الدّراسيّة الذي لا يعني في أذهان مسؤولينا شيئا آخر غير إجراء امتحانات نهاية السّنة والخروج بنسب النّاجحين إلى الإعلام."

وفي سياق حديثه عن الأموال التي صرفت في التعليم الرقمي طرح الخبير في الشأن التربوي متسائلا "أين ذهبت مئات المليارات التي أنفقت على التّعليم الرّقميّ خلال العقدين الأخيرين، أين ذهبت كلّ هذه التّمويلات وماذا فعلنا بها ولماذا لم نر لها أثرا أثناء الجائحة؟ لقد اختبأ مسؤولونا خلف شعارات برّاقة من قبيل تكافؤ الفرص رافعين مقولة، بما أنّنا لا نستطيع أن ندرّس الجميع باعتماد التّكنولوجيّات الرّقميّة فإنّنا لن ندرّس أيّ أحد، والواقع أنّهم كانوا عاجزين فعليّا عن تدريس أيّ كان.

ويعتبر قاسم ان" العشرات من دول العالم تتحدّث عن الفاقد التّعليميّ أي عن الكفايات التي كان من المفروض أن يكتسبها أبناؤها ولكنّهم لم يكتسبوها بسبب الجائحة، وعن آليّات قياس هذا الفاقد وعن إجراءات التّعافي، دون أن ننسى المرافقة النّفسيّة للمتعلّمين قبل الجائحة وبعدها، والعمل الاتّصاليّ والأدلّة المتكاملة التي كانت توزّع على كافّة الأطراف المعنيّة.. فما الذي قدّمنا لمدرستنا ولأبنائنا من كلّ هذا؟"

كما يؤكد محدثنا "أن تلميذ البكالوريا اليوم، هو ذلك التّلميذ الذي فتح عينيه على فوضى ما بعد 2011 التي خلّفها الطّرد العشوائيّ لمئات المديرين، وهو الذي درس لدى معلّمين وأساتذة تم انتدابهم عشوائيّا، وهو الذي عاصر الإضرابات المفتوحة التي تستمرّ لأسابيع، وهو الذي نجح آليّا ذات سنة حين خرجت الأمور عن السّيطرة، وهو الذي لزم بيته لأسابيع طويلة بفعل جائحة كورونا دون أيّ بديل تعليميّ، وهو الذي درس يوما بيوم نصف برنامج، فهل اهتمّ أحد بقياس أثر هذه الحصيلة الكارثيّة على نفسيّته وعلى مكتسباته؟ إنّ عشرات الآلاف من التّلاميذ سوف يجتازون هذه السّنة امتحان باكالوريا وهم في أفضل الحالات في مستوى السّنة الثّانية ثانوي، فأيّ جيل نحن بصدد إعداده؟ ومن سيدفع فاتورة ما حدث؟ وهل يعلم أحد قيمة هذه الفاتورة؟'

وتطرق قاسم الى الدراسة الصادرة عن منظّمة الأمم المتّحدة للتّربية والعلم والثّقافة هذه السّنة حول استجابات الدّول في أنحاء العالم لاضطرابات التّعليم بفعل جائحة كورونا، وقد كانت تونس غائبة عنها، فهل حاولنا على الأقلّ أن نستفيد من عشرات المعايير والمؤشّرات التي اعتمدتها هذه الدّراسة لنقيس وضعنا بأنفسنا؟ هل اطّلعنا على الدّروس التي استخلصتها الدّول المشاركة؟ وما هي الدّروس التي استخلصتها منظومتنا التّربويّة؟ وكيف سيكون أداؤها لو عاشت ظروفا مشابهة من جديد؟

ويؤكد "إنّنا لا نملك غير السؤال والحيرة أمام واقع بتنا لا نجيد قراءته لفرط ما بلغه من سرياليّة، ونحن نخشى صراحة أن تكون منظومتنا التّربويّة في شكلها الحاليّ قد بلغت نقطة اللاّعودة، بعد أن انغلقت نهائيّا على ذاتها، وأمعنت في الهروب إلى الأمام، وجعلت كلّ أمل في الإصلاح من داخلها مستحيلا. لذلك فإنّنا ندعو من هذا المنبر إلى مبادرة مدنيّة لإنقاذ المدرسة التّونسيّة، ويقيننا أنّ بلادنا لا تزال تزخر بالكفاءات والطّاقات المخلصة المستعدّة لبذل الوقت والجهد اللاّزمين للنّجاح في هذه المهمّة المصيريّة."

وفي علاقة بالآثار السيوسولوجية للجائحة أثبتت الأبحاث والدراسات ان الجائحة كانت سببا مباشرا في تفكك عديد الأسر وارتفاع منسوب العنف بالرغم من ان فترة الحجر الصحي كانت فرصة لترميم المخزون العلائقي للعائلة.

 

د. مهدي مبروك الباحث في علم الاجتماع لـ"الصباح": لجائحة كورونا امتدادها.. والتفكك الأسري الأثر الأكثر وقعا

p5n5.jpg

قال مهدي مبروك الأكاديمي والباحث في علم الاجتماعي انه بعد أن دفعنا أرواحا بشرية وما خلفته الجائحة من أمراض أصبحت تلاحق العديد من التونسيين قد نكون نسبيا تجاوزنا جائحة كورونا على المستوى الطبي لكن ما إن بدأت غيوم الجائحة تتراجع حتى ظهر مصطلح طبي يفيد أن للكوفيد ما بعدها أي أن لها أعراض قد تتوصل مدة طويلة وهي تشمل الجسد والأعصاب الخ.. ولا يعلم الأطباء أين تنتهي تحديدا فهذه الجائحة لا سابق لها ومنها نستخلص الدروس  غير أن المتأكد أن مئات آلاف البشر سيظلون يعانون من تلك الأعراض حتى ولو اختفى الفيروس نهائيا وبدت عليهم علامات الصحة والعافية.

وأضاف بان ما هو مؤكد، الحاجة الى انتظار طويل حتى نكتشف هذه الآثار ومنها الاجتماعية والنفسية التي مازالت مخيمة على ضحايا هذه الجائحة سواء من أصيب وتعافى أو من محيط هؤلاء خصوصا إذا كان لهم ضحايا توفوا أو أصيبوا بإعاقات خطيرة.

آثار مختلفة

وفي نفس السياق قال مبروك لا يمكن أن ننكر ان حياة البعض من هؤلاء انقلبت رأسا على عقب، تيتم البعض وترمل البعض الآخر وتبددت كل الأشياء الجميلة التي كانوا بها قد أثثوا حياتهم قبل الخطر الداهم. يمكن عموما ان نرصد الثأر التالية:

-التفكك الأسري: وهو ليس مجرد احتمال بل كان حقيقة تثبتها الإحصائيات في جل البلدان وان بدرجات مختلفة، من العنف الذي بلغ مستويات قياسية خصوصا الموجه ضد الأطفال والنساء والعجز، لقد اشارت المنظمة العالمية للصحة في دراستها العددية ان هؤلاء يمثلون الشرائح الأكثر هشاشة  في مواجهة الجائحة.

-الانهيار النفسي والقلق والاكتئاب وهي حالات غدت ترافقنا في حياتنا اليومية داخل الأوساط العائلية والمدرسية والمهنية، رائحة الموت والأجساد المعتلة لا زالت تلاحقنا، لم تشف ذاكرتنا المكلومة من هذا الوباء، لا زال الإطار الصحي: الطبي وشبه الطبي يعاني من كوابيس مرعبة. وهو الذي مر باختبارات قاسية واجه فيها الموت عاريا إلا بقلب رحيم.

-البطالة والإفلاس الذي ضرب أوساط مهنية واسعة نتيجة الشلل الاقتصادي الذي أنهك عدة قطاعات والأمر ليس مجرد حالة ركود نمو (قطاع السياحة، الخدمات ـ التمدرس...) بل هو له تبعات أخرى وتأثيرات نفسية وذهنية وعاطفية وحتى مهنية قد يستحيل تداركه خصوصا في  مجتمعاتنا الفقيرة التي لم تحسن بعد الخروج من ما بعد كوفيد بل أقامت فيه.

وختم بقوله لا يمكن ان نتوهم أننا خرجنا من الجائحة  بل لا زلنا على تخومها ومن الضروري لرسامي السياسات العمومية الانتباه الى هذه الأزمة ومرافقة الناس من الخروج بأقل الأضرار منه.

 

المختص في علم الاجتماع طارق بلحاج محمد لـ"لصباح": جيل كورونا أشبه بـ"الجيل الضائع".. جيل منبت وتائه

 p5n7.jpg

حسب المختص في علم الاجتماع طارق بلحاج محمد فان ما تسببت فيه أزمة كورونا من مشاكل اقتصادية واجتماعية وعلائقية في الأسرة التونسية لا تزال مخلفاتها وتداعياتها إلى حد الآن، فضعف الموارد الاقتصادية وفقدان مواطن الشغل ومصادر الدخل وإجراءات الحجر الصحي لمدة طويلة في فضاءات منزلية غير مهيأة لذلك ألقى بظلاله على العلاقات داخل الأسرة في اتجاه مزيد من التوتر والصدام والعدوانية.

وذكر بأنه عندما كان الأولياء منشغلين في التعامل مع أزمتهم الاقتصادية وكانت الدولة ومؤسساتها منشغلة بإدارة الأزمة، ترك جيل برمته يواجه هذه الأزمة منفردا دون تاطير أو حصانة أو مرافقه.

وقال بلحاج محمد لقد تحدث المؤرخون في الماضي عن الجيل الذي عايش الحرب العالمية الثانية ووصفوه بـ"الجيل الضائع " ومن الأكيد أننا في المستقبل سنتحدث عن الجيل الذي عايش أزمة كورونا لمدة سنوات بأنه جيل ضائع رغما عنه. نظرا للظروف الاستثنائية التي مر بها. وقد أكدت الدراسات العالمية أن الأطفال والشباب هم الأكثر تأثرا بالجائحة حيث تزايدت لديهم أعراض الاكتئاب والاضطرابات السلوكية والنفسية وأن الأطفال المنحدرين من أصول اجتماعية فقيرة ومحدودة الدخل هم أكثر الشرائح تضررا.  ويكفي في تونس ان نلقي نظرة على التقارير الرسمية التي تصدرها وزارة الصحة ووزارة التربية ووزارة المرأة لنلاحظ الحجم المهول لزيارة العيادات النفسية للأطفال والمراهقين ونسبة ارتفاع منسوب العنف والجريمة عندهم وكافة أشكال السلوكيات المحفوفة بالمخاطر على غرار الإدمان واستهلاك المخدرات والكحول والمواد المسكرة والتدخين والإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأضاف بان الحجر الصحي أدى إلى غلق المدارس عديد المرات لمدد متفاوتة مما أدى إلى تراجع الاستمرارية في التحصيل العلمي حيث شابت هذه السنوات الدراسية الكثير من الانقطاعات مما اثر على التحصيل العلمي للمتمدرسين من مختلف الأعمار ولدى جيل كامل من الأطفال والشباب والمراهقين وستظهر نتائج ذلك في السنوات والعقود القادمة حيث يعتبر الجيل الحالي من أقل الأجيال تمتعا بجودة الخدمات المدرسية والتعليمية وأقل الأجيال تحصيلا علميا ومعرفيا.

كما أشار الى أن الانقطاعات المتكررة لأيام الدراسة وإجراءات الحجر الصحي دفعت بجيل برمته ليكون حبيس الحواسيب والهواتف الذكية سواء للتواصل فيما بينهم أو اللعب لمدة ساعات طويلة في اليوم على حساب ايام الدراسة والتواصل الأسري مع بقية أفراد العائلة وهذا ما أثر وسيؤثر على توازنهم النفسي والاجتماعي في الحاضر والمستقبل حيث تعودوا على العيش في عالم موازي ويجدون صعوبة في عيش حياة اجتماعية عادية.

وفي نفس السياق قال المختص في علم الاجتماع إننا إزاء جيل منبت وتائه على مستوى التحصيل الدراسي والعلمي وعلى مستوى التوازن النفسي والاجتماعي في ظل استقالة عائلية ومؤسساتية تركت هذا الجيل يواجه قدره منفردا بدون رعاية أو مرافقة أو إحاطة وهو ما يمثل قنبلة اجتماعية موقوتة يمكن أن تنفجر في اي وقت في وجه المجتمع والدولة.

 

المختص في علم اجتماع الأسرة منصف المحواشي لـ"الصباح": كوفيد كان فرصة لترميم المخزون العلائقي للعائلة

من وجهة نظر منصف المحواشي أستاذ جامعي مختص في علم اجتماع الأسرة فان في تجربة تعايش العائلات التونسية مع جائحة كوفيد لا يمكن الحديث عن تجربة واحدة لان كل أسرة عاشت تجربتها بطريقة مختلفة عن الأخرى وفي العادة تكون مثل هذه الظواهر دافعا لتعزيز وتقوية العلاقات والتضامن حتى في حال وجود بعض الخلافات فالأمور تصبح مختلفة في مواجهة حالة الموت مثل ما حصل بعد انتشار فيروس الكوفيد.

وأضاف بأنه طيلة أكثر من سنتين ونصف وأمام مشاهدة جحافل وأخبار الموتى وحالة من الذعر دفعت بكل شخص الى طرح أسئلة وجودية دفعت العائلة التونسية الى أن تتعهد بمخزونها العلائقي بالترميم والتقوية.

وفي نفس السياق اعتبر المحواشي ان الزمن العائلي أصبح محدود في الحياة الحديثة لذلك احدث الكوفيد ديناميكية خاصة من العلاقات كما ان مواجهة كورونا كشف عن فجوة رقمية لان استعمال الأجهزة الذكية كان ظاهرة شبابية.

وحسب محدثنا فان هذه الظاهرة أعطت فرصة للعائلة لاكتشاف نفسها من جديد وإعادة توزيع الادوار داخلها ووضعتها امام تجربة جديدة لذلك ما حصل يجب ان يكون عبرة للجميع سواء الاسرة او مؤسسات الدولة والحكومات نفسها للتعهد بالنظام الصحي وكيفية حماية الانسان.

وفي جانب اخر استبعد المحواشي ان يكون للكوفيد دور مباشر  في ارتفاع نسبي في اعداد الطلاق في تونس مشيرا الى انه لا يوجد ارقام او دراسات علمية حول هذا الموضوع.

اما بالنسبة للتحصيل المدرسي فان تجربة التعليم عن بعد كانت لسد الفراغ ولم تعوض الدراسة المباشرة الحية لان الدرس هو علاقة انسانية وتربوية يقل وجودها في العلم عن بعد.

 

ماهر حنين الباحث في علم الاجتماع وعضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ"الصباح": العائلة التونسية عاشت حياة "مجهرية " خلال الكوفيد

p5n8.jpg

وصف الباحث في علم الاجتماع ماهر حنين ما عاشته العائلة التونسية زمن الكوفيد بالحياة "المجهرية" لما شهدته من تفكك وتقلص تقاليد التواصل وانعدام الروابط الاجتماعية مما انعكس سلبا على التونسي عموما.

وتحدث الباحث في علم الاجتماع لـ"الصباح" عن دراسته "الهوامش في زمن الكوفيد" التي ركز من خلالها على المهمشين في المجتمع التونسي وأشكال تفاعلهم مع جائحة كورونا، وقد عكست جائحة كورونا هشاشة المجتمع التونسي وبينت حقيقة ارتفاع معدلات الفقر.

وطرح الباحث في علم الاجتماع جملة من الأسئلة في بحثه، كيف عاش مجتمع الهامش والهشاشة في تونس هذا المنعطف؟ كيف تمثّل الازمة وتداعياتها؟ هل كان يمتلك وسائل التوقي والحماية اللازمة المادية والمعنوية؟ وماهي تطلعاته المستقبلية وهو لا يزال ينتظر منذ عشر سنوات بعد الثورة حقيقة التغيير في حياته اليومية؟

وتكشف الدراسة ما كان مسكوتا عنه في تونس أو ما يصفه الباحث "القاعدة الاجتماعية التي كشف عنها فيروس كورونا الحجاب وزعزع توازنها الهش اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا، وهي تمثل 700 الف عاطل عن العمل و285 الف عائلة معوزة و70 الف عامل حضيرة و622 الف عائلة ذات دخل محدود و380 الف متقاعد تقل جرايته عن الاجر الأدنى المضمون بالإضافة الى 70 بالمائة من اليد العاملة الفلاحية وهي نسبة العاملات في هذا القطاع.

أضراره مسّت الأطفال وآثاره "مأساوية" ..  "الكوفيد" فكّك الأسر وضرب التحصيل المعرفي..

 

  • الاكتئاب.. اضطرابات سلوكية.. وتقلص "السن الذهني".. بعض من مخلفات كورونا

تونس - الصباح

مازال "شبح "جائحة كورونا يخيم على حياة التونسيين حيث تسبب الفيروس في ترك مخلفات سلبية على الأسر التونسية من ناحية الدخل والاستهلاك، خاصة على الفئات الأشد فقرا.

ولم يتوقف وباء كورونا عند المستوى الطبي في علاقة بالعدوى وآثار التلاقيح وغيرها من الأبعاد الصحية إذ تتواصل المعركة مع الجائحة في مستويات أخرى حيث تؤكد التجربة أن للكوفيد آثارا "مأساوية" سواء على العائلة التونسية وأساسا الأطفال رغم أنهم الأقل عرضة للعدوى لكن في علاقة بتفاصيل حياتهم النفسية وأساسا بتحصيلهم العلمي كان الأثر كبيرا وسلبيا عموما إذ نذكر انه خلال إغلاق المدارس والمرور بمرحلة الحجر الصحي ورغم مساهمة ذلك بشكل مهم في احتواء الوباء وانتشار العدوى لكن هذا لا ينفي تبعاته على الصحة النفسية أولا للطفل الذي تغيرت سلوكاته بعد فرض الحجر الصحي والتباعد الجسدي والاجتماعي حيث أصبح الأبناء يشعرون بالضغط وسيطرة المشاعر السلبية كالحزن والتمرد والإحباط.

ملف من إعداد جهاد الكلبوسي

 

الحجر وتقلص "السن الذهني" للأطفال

الأخصائية النفسية بوزارة المرأة ليندا بن سعد أكدت وجود تأثيرات للحجر الصحي على الصحة النفسية للأطفال باعتبار وضعهم الخاص، خاصة وأنهم في مرحلة استكشاف للعالم وفي حاجة الى بناء علاقات وتكوين صداقات لكن الحجر الصحي قلص من عالمهم فجأة وفرض عليهم التواجد في مساحات مغلقة لذلك كانت هناك آثار خلفها الحجر الصحي من بينها تسجيل العديد من حالات تأخر الكلام لدى عديد الأطفال الى جانب الاضطرابات السلوكية وتأخر النمو الذهني لدى البعض منهم خاصة الأطفال في عمر الثلاث سنوات.

وتطرقت الأخصائية النفسية في حديثها لـ"الصباح" عن أثار تخمة استعمال الهواتف الذكية واللوحات الرقمية على الأطفال حيث أصبحت هذه الأجهزة تشغل حيزا مهما في حياة أبنائنا، إذ يقضي معظم الأطفال على اختلاف أعمارهم ساعات طويلة أمام الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية. وفي الوقت الذي تلعب فيه هذه الأجهزة عبر التطبيقات التعليمية دورًا جيدًا في تنمية بعض مهارتهم، إلا أن التأثير السلبي الذي يتركه إدمان الأجهزة الإلكترونية للأطفال، أدى الى اضطرابات سلوكية كفرط تعلق الأطفال بالوالدين واضطرابات النوم وتعرض البعض منهم الى نوبات هستيريا لأن لهذه الأجهزة قدرة خارقة على التنويم المغناطيسي.

اضطرابات نفسية وأعراض اكتئاب

وتؤكد نتائج دراسة ألمانية أن جائحة كورونا تسببت في ظهور اضطرابات نفسية لدى الأطفال، وغيّرت أزمة كورونا حياتهم اليومية بشكل اشتد فيه الشعور بالخوف والقلق لديهم، حسبما أعلن عنه خبراء.

وعبّر باحثون عن مخاوفهم من تزايد أعراض الاكتئاب والاضطرابات النفسية الجسدية لدى الأطفال بسبب مخلفات كوفيد.

كما كشفت نتائج دراسة علمية أنه قبل أزمة كورونا كان اثنان فقط من أصل كل عشرة أطفال معرضين لخطر الإصابة بأمراض نفسية، وبسبب كورونا وصل العدد الى ثلاثة من أصل كل عشرة أطفال، نقلا عن الموقع الإخباري الألماني "شتوتغرتر ناخغيشتن".

ويشار إلى أن منظمة الصحة العالمية قد اهتمت مبكرا بالتعامل مع آثار الحجر الصحي على الأطفال، وخصصت على موقعها في شبكة الإنترنت صفحة جديدة لتقديم النصائح والإرشادات ممكنة الاستخدام من طرف الأهل مع أطفالهم خلال فترة الحجر الصحي. وتستمر المنظمة بتحديث تلك النصائح بشكل مستمر وتفاعلي من خلال تقنيات الفيديو بشكل خاص.

الجائحة "تقود إلى موجة من المشاكل العقلية والعصبية"

وقد خلص باحثون إلى أن ثلث المتعافين من فيروس كورونا، عانوا بعد شفائهم من اضطرابات نفسية وعقلية، مما يثير مخاوف أكثر بخصوص الآثار السلبية التي يتركها فيروس كورونا حتى بعد الشفاء منه.

كما تفيد دراسة علمية حول آثار ومخلفات كوفيد النفسية أن واحدا، من كل ثلاثة متعافين من الفيروس، عانى من اضطرابات في الدماغ أو اضطرابات نفسية في غضون ستة أشهر، وذلك في دراسة شملت أكثر من 230 ألف مريض معظمهم أمريكيون، مما يشير إلى أن الجائحة قد تقود إلى موجة من المشاكل العقلية والعصبية.

وقال الباحثون الذين أجروا التحليل إنه لم يتضح كيف يرتبط الفيروس بمشكلات نفسية مثل القلق والاكتئاب، لكن هذين العرضين من أكثر الاضطرابات شيوعا ضمن 14 وضعوها قيد البحث. وأضافوا أن حالات السكتة الدماغية والخرف وغيرها من الاضطرابات العصبية كانت أكثر ندرة في مرحلة ما بعد كوفيد-19، لكنها لا تزال قائمة خاصة بين من أصيبوا بالمرض في صورته الشديدة.

وأكد  "ماكس تاكيت" الطبيب النفسي بجامعة "أوكسفورد" والذي شارك في قيادة العمل البحثي ان النتائج تشير إلى أن أمراض الدماغ والاضطرابات النفسية أكثر شيوعا بعد كوفيد-19 منها بعد الإنفلونزا أو أمراض الجهاز التنفسي الأخرى، وأضاف أن الدراسة لم تتمكن من تحديد الآليات البيولوجية أو النفسية المفضية إلى ذلك، لكن ثمة حاجة لبحث عاجل لتحديد الآليات تلك بهدف الوقاية منها أو معالجته".

وبلغت نسبة من أصيبوا بالقلق من المتعافين من كورونا 17 في المائة، في حين وصلت نسبة من عانوا اضطرابات مزاجية 14 في المائة، مما يجعلهما أكثر الاضطرابات شيوعا في مرحلة ما بعد كوفيد-19

 

ضرب "المناعة" التعليمية..

بعد استئناف الدروس ورفع الحجر الصحي شهد جل التلاميذ صعوبة في التأقلم مع العودة المدرسية بعد أشهر من العزلة بسبب الحجر الصحي لان مناعة الأطفال النفسية ضعيفة بطبيعتها والطفل يبني شخصيته من الاختلاط الاجتماعي ومن علاقته بمعلمه وزميلة أي أن هناك فضاءات تساهم في بناء وعيه المجتمعي والمدرسة احد هذه الفضاءات.

كما عاش جيل الحجر الصحي فترة إقصاء دون أن يفهم ما يحصل له من متغيرات كبرى في حياته بكل تفاصيلها خاصة وان العائلة والأولياء لم يجدوا وقتا ليستعدوا لهذه المرحلة كما لم تتم إحاطتهم علميا وبيداغوجيا وتدريبهم على آليات جديدة يحتاجها الطفل لتأهيله للحياة خلال فترة انتشار الفيروس وحتى بعد تجاوز مرحلة تفشي الوباء.

إن ابتعاد الطفل لمدة ستة أشهر عن الدائرة المجتمعية التي تتغذى منها شخصيته وسلوكاته وذاكرته وخياله أدى الى ظهور عديد التأثيرات على مستوى جهاز المناعة النفسي للطفل لأنه بطبعه ليس لديه آليات الدفاع اللازمة لمواجهة المخاوف من كورونا وتداعياتها.

وعن تداعيات كوفيد على التحصيل التعليمي والمعرفي للتلميذ تحدث مختصون في الشأن التربوي لـ"الصباح":

 

*بشرى الطيب المولهي رئيسة جمعية "تلامذتنا" لـ"الصباح": كورونا لم تكن سببا في تقلص التحصيل المعرفي للتلميذ لكن آثارها كانت نفسية واجتماعية

p4n5.jpg

بشرى الطيب المولهي رئيسة جمعية "تلامذتنا" من الذين عاينوا ميدانيا تأثر عديد التلاميذ بمخلفات كورونا وفي حديثها لـ"الصباح"، تقول رئيسة جمعية تلامذتنا ان "كورونا ذلك الشبح أو الضيف الثقيل الذي فرض نفسه على العائلة التونسية دون سابق إنذار، ففرض عليها نواميس وقوانين غيرت نمط عيشه وأربكت نفسيته لكن لو وضعنا تحت مجهرنا ذلك الكائن الضعيف المسلط عليه كل أمر وهو التلميذ وكيف كانت تأثير هذه الجائحة عليه ولو بعد مغادرتها تدريجيا لبلدنا".

وتضيف المولهي "عايشنا في "جمعية تلامذتنا" ما لحق بعدة تلاميذ من أضرار نفسية بسبب كورونا سواء بسبب إصابة التلميذ بصفة مباشرة أو أحد أقاربه فكان هاجس الخوف من الموت يثير نوعا من الهلع إضافة الى نظرة الأتراب في القسم لزميلهم بعد عودتهم من مدة الحجر الصحي لما لمسناه من نفور وتنمر وكأنه قام بجريمة شنعاء، كما لا ننسى فترات الحجر الصحي ما صاحبها من توتر الولي وللتلميذ أمام الانغلاق في مكان واحد وطويل الوقت والروتين القاتل الذي تعيشه العائلة جعل العنف بين الأخوة يتضاعف وحتى بين الأبوين والأبناء وهو ما جعل حالات العنف الأسري تتضاعف".

وتستبعد المولهي أن تكون كورونا سببا في تقليص معرفي أو نقص علمي لدى التلميذ لان النقص المعرفي كائن في التلميذ التونسي منذ مراحل دراسته الأولى، بل إن الدراسة عن طريق الأفواج والتقليص من البرامج جعل للتلميذ المتوسط فرصة للتدارك وجعل لكل التلاميذ متسعا من الوقت للمراجعة وهو ما يطلبه العديد من المربين والتلاميذ الى يومنا هذا وهو الرجوع الى نظام الأفواج، وهنا أيضا لا ننسى أن كورونا وفرضها لتوقيت اجتماعي معين كحظر التجول والحجر الصحي جعل من العائلة التونسية تتدارك الفجوة في علاقاتها فاقترب الأب والأم من الأبناء، واكتشف العديد من الأولياء، مهارات مدفونة عند أبنائهم.

 

رضا الزهروني رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ لـ"الصباح": كورونا تسببت في انقطاع 109 آلاف تلميذ خلال السنة الدراسية 2021-2022

p4_n6.jpg

يقول رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ رضا الزهروني لـ"الصباح" انه "لا مجال لان نتساءل إن كانت هناك تأثيرات سلبية لجائحة كوفيد على كل المجتمعات العالمية وخاصة منها المتّصل بأداء المنظومات التربوية وبسلوك التلاميذ، ومدرستنا لن تكون استثناء، فبالعودة إلى الإجراءات التي تم اعتمادها على امتداد سنتين دراسيتين متتاليتين والمتمثلة في حرمان أبنائنا وبناتنا من مزاولة دراسة الثلاثية الأخيرة من السنة الدراسية 2019 -2020 واعتماد نظام الأفواج خلال السنة الدراسية التي تلتها أي 2020-2021، خسرت المنظومة زمنا مدرسيا يضاهي سنة دراسية كاملة أو أكثر من دون الأخذ بعين الاعتبار التشويش المعنوي الحاصل للمتعلمين ولأوليائهم وللإطار التربوي أيضا، ومن جهة أخرى اجبر التلاميذ على العيش خارج الأجواء المدرسية".

ويضيف الزهروني "يستحيل في كلّ الأحوال تدارك هذه الخسارة الرهيبة في الزمن المدرسي حتى وان كان أداء المنظومة التربوية متميزا، فما بالك بالمدرسة التونسية والتي تعيش أسوأ حالاتها منذ عديد السنوات، هذا بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على سلوك التلاميذ داخل البيت وخارجه خاصة في ما يتعلق بعلاقتهم بالمدرسة وبرفاقهم وبمربيهم وبكيفية تفاعلهم مع الحضور والتركيز، فقراءة موضوعية للمؤشرات المعلنة تؤكد هذا الاستنتاج مثل ارتفاع عدد المنقطعين عن الدراسة بنسبة 50 بالمائة والمرور من 70 ألف منقطع خلال السنة الدراسية 2020-2021 إلى 109 الاف منقطع خلال السنة الدراسية 2021-2022 وتدعيم الفوارق خاصة فيما يتعلق بنسب النجاح في الامتحانات الوطنية بين العائلات والجهات المحظوظة والعائلات والجهات المعوزة وتنامي ظاهرة العنف المدرسي خاصة فيما يتعلق بدرجة خطورته.

 

سليم قاسم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم لـ"الصباح": كورونا كشفت حجم الدّمار الذي لحق بمنظومتنا التّربويّة

p5n4.jpg

سليم قاسم خبير تربوي لدى المنظمات الدولية شخص مخلفات الكوفيد على المنظومة التربوية والمدرسة العمومية التي تعاني مسبقا هشاشة على مستوى المناهج التعليمية حيث أكد في تصريحه لـ"الصباح" قائلا "لنكن صريحين ولنسمّ الأشياء بأسمائها، لقد كانت أزمة كورونا وما تلاها مناسبة أليمة كشفت حجم الدّمار الذي لحق بمنظومتنا التّربويّة، وفضحت ما باتت عليه هذه المنظومة من هشاشة بسبب عجز القائمين عليها، لقد سقطت ورقة التّوت وتأكّدنا أنّنا لسنا أمام منظومة ولكنّنا نركب جميعا سفينة بلا ربّان ولا بوصلة، تتقاذفها الأمواج وتحملها الرّياح حيثما شاءت".

ويضيف قاسم "إنّ كلّ ما فعله مسئولونا أثناء الجائحة هو أنّهم أغلقوا المدارس وأرسلوا الأطفال إلى بيوتهم أو إلى الشّوارع دون أدنى خطّة ودون أيّ مشروع، لقد اكتفوا فقط بغلق المدارس وبقوا ينتظرون مرور الجائحة، وحين مرّت عادوا ففتحوها وكأنّ شيئا لم يكن لدلك علينا أن نبحث مطوّلا عبر العالم، وفي قائمة الدّول الأشدّ تخلّفا، لنجد مثل هذا السلوك، فجميع الوزارات التي تحترم نفسها وتحترم منظوريها كانت لها خطّة عمل أثناء الأزمة وخطة للتّعافي بعد مرورها، أمّا وزارتنا فقد كانت خطّتها الوحيدة هي إغلاق المدارس دون اقتراح أيّ بديل، ثم إعادة فتحها ليتردّد عليها التّلميذ يوما بيوم، مع تخفيف في البرامج تمّ إعداده في ثلاثة أيّام، وكانت الغاية من هذا كلّه فقط إنقاذ السّنة الدّراسيّة الذي لا يعني في أذهان مسؤولينا شيئا آخر غير إجراء امتحانات نهاية السّنة والخروج بنسب النّاجحين إلى الإعلام."

وفي سياق حديثه عن الأموال التي صرفت في التعليم الرقمي طرح الخبير في الشأن التربوي متسائلا "أين ذهبت مئات المليارات التي أنفقت على التّعليم الرّقميّ خلال العقدين الأخيرين، أين ذهبت كلّ هذه التّمويلات وماذا فعلنا بها ولماذا لم نر لها أثرا أثناء الجائحة؟ لقد اختبأ مسؤولونا خلف شعارات برّاقة من قبيل تكافؤ الفرص رافعين مقولة، بما أنّنا لا نستطيع أن ندرّس الجميع باعتماد التّكنولوجيّات الرّقميّة فإنّنا لن ندرّس أيّ أحد، والواقع أنّهم كانوا عاجزين فعليّا عن تدريس أيّ كان.

ويعتبر قاسم ان" العشرات من دول العالم تتحدّث عن الفاقد التّعليميّ أي عن الكفايات التي كان من المفروض أن يكتسبها أبناؤها ولكنّهم لم يكتسبوها بسبب الجائحة، وعن آليّات قياس هذا الفاقد وعن إجراءات التّعافي، دون أن ننسى المرافقة النّفسيّة للمتعلّمين قبل الجائحة وبعدها، والعمل الاتّصاليّ والأدلّة المتكاملة التي كانت توزّع على كافّة الأطراف المعنيّة.. فما الذي قدّمنا لمدرستنا ولأبنائنا من كلّ هذا؟"

كما يؤكد محدثنا "أن تلميذ البكالوريا اليوم، هو ذلك التّلميذ الذي فتح عينيه على فوضى ما بعد 2011 التي خلّفها الطّرد العشوائيّ لمئات المديرين، وهو الذي درس لدى معلّمين وأساتذة تم انتدابهم عشوائيّا، وهو الذي عاصر الإضرابات المفتوحة التي تستمرّ لأسابيع، وهو الذي نجح آليّا ذات سنة حين خرجت الأمور عن السّيطرة، وهو الذي لزم بيته لأسابيع طويلة بفعل جائحة كورونا دون أيّ بديل تعليميّ، وهو الذي درس يوما بيوم نصف برنامج، فهل اهتمّ أحد بقياس أثر هذه الحصيلة الكارثيّة على نفسيّته وعلى مكتسباته؟ إنّ عشرات الآلاف من التّلاميذ سوف يجتازون هذه السّنة امتحان باكالوريا وهم في أفضل الحالات في مستوى السّنة الثّانية ثانوي، فأيّ جيل نحن بصدد إعداده؟ ومن سيدفع فاتورة ما حدث؟ وهل يعلم أحد قيمة هذه الفاتورة؟'

وتطرق قاسم الى الدراسة الصادرة عن منظّمة الأمم المتّحدة للتّربية والعلم والثّقافة هذه السّنة حول استجابات الدّول في أنحاء العالم لاضطرابات التّعليم بفعل جائحة كورونا، وقد كانت تونس غائبة عنها، فهل حاولنا على الأقلّ أن نستفيد من عشرات المعايير والمؤشّرات التي اعتمدتها هذه الدّراسة لنقيس وضعنا بأنفسنا؟ هل اطّلعنا على الدّروس التي استخلصتها الدّول المشاركة؟ وما هي الدّروس التي استخلصتها منظومتنا التّربويّة؟ وكيف سيكون أداؤها لو عاشت ظروفا مشابهة من جديد؟

ويؤكد "إنّنا لا نملك غير السؤال والحيرة أمام واقع بتنا لا نجيد قراءته لفرط ما بلغه من سرياليّة، ونحن نخشى صراحة أن تكون منظومتنا التّربويّة في شكلها الحاليّ قد بلغت نقطة اللاّعودة، بعد أن انغلقت نهائيّا على ذاتها، وأمعنت في الهروب إلى الأمام، وجعلت كلّ أمل في الإصلاح من داخلها مستحيلا. لذلك فإنّنا ندعو من هذا المنبر إلى مبادرة مدنيّة لإنقاذ المدرسة التّونسيّة، ويقيننا أنّ بلادنا لا تزال تزخر بالكفاءات والطّاقات المخلصة المستعدّة لبذل الوقت والجهد اللاّزمين للنّجاح في هذه المهمّة المصيريّة."

وفي علاقة بالآثار السيوسولوجية للجائحة أثبتت الأبحاث والدراسات ان الجائحة كانت سببا مباشرا في تفكك عديد الأسر وارتفاع منسوب العنف بالرغم من ان فترة الحجر الصحي كانت فرصة لترميم المخزون العلائقي للعائلة.

 

د. مهدي مبروك الباحث في علم الاجتماع لـ"الصباح": لجائحة كورونا امتدادها.. والتفكك الأسري الأثر الأكثر وقعا

p5n5.jpg

قال مهدي مبروك الأكاديمي والباحث في علم الاجتماعي انه بعد أن دفعنا أرواحا بشرية وما خلفته الجائحة من أمراض أصبحت تلاحق العديد من التونسيين قد نكون نسبيا تجاوزنا جائحة كورونا على المستوى الطبي لكن ما إن بدأت غيوم الجائحة تتراجع حتى ظهر مصطلح طبي يفيد أن للكوفيد ما بعدها أي أن لها أعراض قد تتوصل مدة طويلة وهي تشمل الجسد والأعصاب الخ.. ولا يعلم الأطباء أين تنتهي تحديدا فهذه الجائحة لا سابق لها ومنها نستخلص الدروس  غير أن المتأكد أن مئات آلاف البشر سيظلون يعانون من تلك الأعراض حتى ولو اختفى الفيروس نهائيا وبدت عليهم علامات الصحة والعافية.

وأضاف بان ما هو مؤكد، الحاجة الى انتظار طويل حتى نكتشف هذه الآثار ومنها الاجتماعية والنفسية التي مازالت مخيمة على ضحايا هذه الجائحة سواء من أصيب وتعافى أو من محيط هؤلاء خصوصا إذا كان لهم ضحايا توفوا أو أصيبوا بإعاقات خطيرة.

آثار مختلفة

وفي نفس السياق قال مبروك لا يمكن أن ننكر ان حياة البعض من هؤلاء انقلبت رأسا على عقب، تيتم البعض وترمل البعض الآخر وتبددت كل الأشياء الجميلة التي كانوا بها قد أثثوا حياتهم قبل الخطر الداهم. يمكن عموما ان نرصد الثأر التالية:

-التفكك الأسري: وهو ليس مجرد احتمال بل كان حقيقة تثبتها الإحصائيات في جل البلدان وان بدرجات مختلفة، من العنف الذي بلغ مستويات قياسية خصوصا الموجه ضد الأطفال والنساء والعجز، لقد اشارت المنظمة العالمية للصحة في دراستها العددية ان هؤلاء يمثلون الشرائح الأكثر هشاشة  في مواجهة الجائحة.

-الانهيار النفسي والقلق والاكتئاب وهي حالات غدت ترافقنا في حياتنا اليومية داخل الأوساط العائلية والمدرسية والمهنية، رائحة الموت والأجساد المعتلة لا زالت تلاحقنا، لم تشف ذاكرتنا المكلومة من هذا الوباء، لا زال الإطار الصحي: الطبي وشبه الطبي يعاني من كوابيس مرعبة. وهو الذي مر باختبارات قاسية واجه فيها الموت عاريا إلا بقلب رحيم.

-البطالة والإفلاس الذي ضرب أوساط مهنية واسعة نتيجة الشلل الاقتصادي الذي أنهك عدة قطاعات والأمر ليس مجرد حالة ركود نمو (قطاع السياحة، الخدمات ـ التمدرس...) بل هو له تبعات أخرى وتأثيرات نفسية وذهنية وعاطفية وحتى مهنية قد يستحيل تداركه خصوصا في  مجتمعاتنا الفقيرة التي لم تحسن بعد الخروج من ما بعد كوفيد بل أقامت فيه.

وختم بقوله لا يمكن ان نتوهم أننا خرجنا من الجائحة  بل لا زلنا على تخومها ومن الضروري لرسامي السياسات العمومية الانتباه الى هذه الأزمة ومرافقة الناس من الخروج بأقل الأضرار منه.

 

المختص في علم الاجتماع طارق بلحاج محمد لـ"لصباح": جيل كورونا أشبه بـ"الجيل الضائع".. جيل منبت وتائه

 p5n7.jpg

حسب المختص في علم الاجتماع طارق بلحاج محمد فان ما تسببت فيه أزمة كورونا من مشاكل اقتصادية واجتماعية وعلائقية في الأسرة التونسية لا تزال مخلفاتها وتداعياتها إلى حد الآن، فضعف الموارد الاقتصادية وفقدان مواطن الشغل ومصادر الدخل وإجراءات الحجر الصحي لمدة طويلة في فضاءات منزلية غير مهيأة لذلك ألقى بظلاله على العلاقات داخل الأسرة في اتجاه مزيد من التوتر والصدام والعدوانية.

وذكر بأنه عندما كان الأولياء منشغلين في التعامل مع أزمتهم الاقتصادية وكانت الدولة ومؤسساتها منشغلة بإدارة الأزمة، ترك جيل برمته يواجه هذه الأزمة منفردا دون تاطير أو حصانة أو مرافقه.

وقال بلحاج محمد لقد تحدث المؤرخون في الماضي عن الجيل الذي عايش الحرب العالمية الثانية ووصفوه بـ"الجيل الضائع " ومن الأكيد أننا في المستقبل سنتحدث عن الجيل الذي عايش أزمة كورونا لمدة سنوات بأنه جيل ضائع رغما عنه. نظرا للظروف الاستثنائية التي مر بها. وقد أكدت الدراسات العالمية أن الأطفال والشباب هم الأكثر تأثرا بالجائحة حيث تزايدت لديهم أعراض الاكتئاب والاضطرابات السلوكية والنفسية وأن الأطفال المنحدرين من أصول اجتماعية فقيرة ومحدودة الدخل هم أكثر الشرائح تضررا.  ويكفي في تونس ان نلقي نظرة على التقارير الرسمية التي تصدرها وزارة الصحة ووزارة التربية ووزارة المرأة لنلاحظ الحجم المهول لزيارة العيادات النفسية للأطفال والمراهقين ونسبة ارتفاع منسوب العنف والجريمة عندهم وكافة أشكال السلوكيات المحفوفة بالمخاطر على غرار الإدمان واستهلاك المخدرات والكحول والمواد المسكرة والتدخين والإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأضاف بان الحجر الصحي أدى إلى غلق المدارس عديد المرات لمدد متفاوتة مما أدى إلى تراجع الاستمرارية في التحصيل العلمي حيث شابت هذه السنوات الدراسية الكثير من الانقطاعات مما اثر على التحصيل العلمي للمتمدرسين من مختلف الأعمار ولدى جيل كامل من الأطفال والشباب والمراهقين وستظهر نتائج ذلك في السنوات والعقود القادمة حيث يعتبر الجيل الحالي من أقل الأجيال تمتعا بجودة الخدمات المدرسية والتعليمية وأقل الأجيال تحصيلا علميا ومعرفيا.

كما أشار الى أن الانقطاعات المتكررة لأيام الدراسة وإجراءات الحجر الصحي دفعت بجيل برمته ليكون حبيس الحواسيب والهواتف الذكية سواء للتواصل فيما بينهم أو اللعب لمدة ساعات طويلة في اليوم على حساب ايام الدراسة والتواصل الأسري مع بقية أفراد العائلة وهذا ما أثر وسيؤثر على توازنهم النفسي والاجتماعي في الحاضر والمستقبل حيث تعودوا على العيش في عالم موازي ويجدون صعوبة في عيش حياة اجتماعية عادية.

وفي نفس السياق قال المختص في علم الاجتماع إننا إزاء جيل منبت وتائه على مستوى التحصيل الدراسي والعلمي وعلى مستوى التوازن النفسي والاجتماعي في ظل استقالة عائلية ومؤسساتية تركت هذا الجيل يواجه قدره منفردا بدون رعاية أو مرافقة أو إحاطة وهو ما يمثل قنبلة اجتماعية موقوتة يمكن أن تنفجر في اي وقت في وجه المجتمع والدولة.

 

المختص في علم اجتماع الأسرة منصف المحواشي لـ"الصباح": كوفيد كان فرصة لترميم المخزون العلائقي للعائلة

من وجهة نظر منصف المحواشي أستاذ جامعي مختص في علم اجتماع الأسرة فان في تجربة تعايش العائلات التونسية مع جائحة كوفيد لا يمكن الحديث عن تجربة واحدة لان كل أسرة عاشت تجربتها بطريقة مختلفة عن الأخرى وفي العادة تكون مثل هذه الظواهر دافعا لتعزيز وتقوية العلاقات والتضامن حتى في حال وجود بعض الخلافات فالأمور تصبح مختلفة في مواجهة حالة الموت مثل ما حصل بعد انتشار فيروس الكوفيد.

وأضاف بأنه طيلة أكثر من سنتين ونصف وأمام مشاهدة جحافل وأخبار الموتى وحالة من الذعر دفعت بكل شخص الى طرح أسئلة وجودية دفعت العائلة التونسية الى أن تتعهد بمخزونها العلائقي بالترميم والتقوية.

وفي نفس السياق اعتبر المحواشي ان الزمن العائلي أصبح محدود في الحياة الحديثة لذلك احدث الكوفيد ديناميكية خاصة من العلاقات كما ان مواجهة كورونا كشف عن فجوة رقمية لان استعمال الأجهزة الذكية كان ظاهرة شبابية.

وحسب محدثنا فان هذه الظاهرة أعطت فرصة للعائلة لاكتشاف نفسها من جديد وإعادة توزيع الادوار داخلها ووضعتها امام تجربة جديدة لذلك ما حصل يجب ان يكون عبرة للجميع سواء الاسرة او مؤسسات الدولة والحكومات نفسها للتعهد بالنظام الصحي وكيفية حماية الانسان.

وفي جانب اخر استبعد المحواشي ان يكون للكوفيد دور مباشر  في ارتفاع نسبي في اعداد الطلاق في تونس مشيرا الى انه لا يوجد ارقام او دراسات علمية حول هذا الموضوع.

اما بالنسبة للتحصيل المدرسي فان تجربة التعليم عن بعد كانت لسد الفراغ ولم تعوض الدراسة المباشرة الحية لان الدرس هو علاقة انسانية وتربوية يقل وجودها في العلم عن بعد.

 

ماهر حنين الباحث في علم الاجتماع وعضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ"الصباح": العائلة التونسية عاشت حياة "مجهرية " خلال الكوفيد

p5n8.jpg

وصف الباحث في علم الاجتماع ماهر حنين ما عاشته العائلة التونسية زمن الكوفيد بالحياة "المجهرية" لما شهدته من تفكك وتقلص تقاليد التواصل وانعدام الروابط الاجتماعية مما انعكس سلبا على التونسي عموما.

وتحدث الباحث في علم الاجتماع لـ"الصباح" عن دراسته "الهوامش في زمن الكوفيد" التي ركز من خلالها على المهمشين في المجتمع التونسي وأشكال تفاعلهم مع جائحة كورونا، وقد عكست جائحة كورونا هشاشة المجتمع التونسي وبينت حقيقة ارتفاع معدلات الفقر.

وطرح الباحث في علم الاجتماع جملة من الأسئلة في بحثه، كيف عاش مجتمع الهامش والهشاشة في تونس هذا المنعطف؟ كيف تمثّل الازمة وتداعياتها؟ هل كان يمتلك وسائل التوقي والحماية اللازمة المادية والمعنوية؟ وماهي تطلعاته المستقبلية وهو لا يزال ينتظر منذ عشر سنوات بعد الثورة حقيقة التغيير في حياته اليومية؟

وتكشف الدراسة ما كان مسكوتا عنه في تونس أو ما يصفه الباحث "القاعدة الاجتماعية التي كشف عنها فيروس كورونا الحجاب وزعزع توازنها الهش اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا، وهي تمثل 700 الف عاطل عن العمل و285 الف عائلة معوزة و70 الف عامل حضيرة و622 الف عائلة ذات دخل محدود و380 الف متقاعد تقل جرايته عن الاجر الأدنى المضمون بالإضافة الى 70 بالمائة من اليد العاملة الفلاحية وهي نسبة العاملات في هذا القطاع.