إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

"غسالة النوادر ...مرة اخرى على القناة الوطنية 1: هل جفت الينابيع وتبلدت القرائح وتكلست؟

تونس – الصباح

اعمال مسرحية كثيرة جيدة اقتنت القناة الوطنية 1 حق بثها ولكنها للأسف لم تحسن التصرف فيها، ذلك انها سجلت ولم تحافظ على الكثير منها وهناك من بين المسرحيات التي سجلتها في مناسبات ثقافية كثيرة خاصة بالمسرح دون ان تعود لها او تعرضها للمشاهد في حين ركزت على مسرحيات اخرى وأضرت بها لكثرة ما عرضتها وأهدرت قيمتها وقيمة مبدعيها بسبب الاستغلال غير المدروس وهنا لا نقصد انتاجاتها الدرامية التلفزيونية لأنها تبقى حرة في كيفية التصرف فيها بل نقصد مجهود الآخرين مسرحيات رموز وقامات المسرح التونسي التي تم تسجيلها وعرضت على المشاهدين على اساس عقد بين مؤسسة التلفزة التونسية وأصحاب تلك الاعمال المسرحية . طبعا عندما عرضت تلك الابداعات المسرحية على الاركاح التونسية في الكاف وقفصة والعاصمة في نهايات سبعينيات القرن الماضي وخاصة ثمانينياته – اي في اوج عطاء المسرحيين وتألق المسرح التونسي بصفة عامة وسعيهم لرفع الراية التونسية وافتكاك موقع لها في سماء الابداع العربي والدولي وكذلك في بدايات التسعينات- كان حلم اصحابها ومبدعيها ان تسجلها التلفزة وتعرضها لأكبر عدد ممكن من التونسيين.

وهكذا وباتفاق مع مبدعي المسرح واهم رجالاته وحسب عقود سجلت القناة التلفزية الاولى عددا كبيرا من المسرحيات وهي اليوم تقتات منها وتعيش بها بطريقة عشوائية تقريبا منذ سنة 2011 حيث يقع استغلال مسرحيات مثل "عمار بوالزور" و"حمة الجريدي" و"الجراد "و"غسالة النوادر" و"القلاع امبر" و"الماريشال " وبدرجة اقل "فاميليا" و"كلام الليل " لملء الفراغات وتأثيث السهرات الباهتة وضمان الحضور بها في المناسبات الثقافية الكبرى مثل ايام قرطاج المسرحية او أسابيع المسرح.

ويبدو انه لا حول ولا قوة لأصحاب هذه الاعمال المسرحية الناجحة والتي عبرت الزمن واستشرفت مستقبل تونس وحفظت تاريخها وعاداتها وتقاليدها وتراثها وأرّخت لحقب زمانية متحركة ومثلت حجر الاساس للكثير من التغييرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد التونسية حيث ان هؤلاء و لفرط السعادة بإمضاء عقود التسجيل والعرض لم ينتبهوا الى شرط مدة الاستغلال وعدد مرات العروض في الشهر او في السنة او على مدى الازمان القادمة كما انهم لم يتوقعوا ان تصبح اعمالهم مادة لملء فراغات وسد شغورات وذر الرماد على العيون.

نعم كانت منعرجا حاسما ولكن ... رائعة "غسالة النوادر" التي تمت اعادة بثها في سهرة الاحد مرة اخرى بمناسبة الدورة 23 من ايام قرطاج المسرحية التي تلتئم هذه الايام وستتواصل الى غاية يوم 10 ديسمبر الحالي تبقى من اهم الاعمال المسرحية التونسية حيث مثلت منعرجا حاسما في تاريخنا المسرحي من حيث كتابة النص ومن حيث وقوف جليلة بكار على الركح وطريقة تمثيلها لدورها ونطقها لنصها حيث اصبحت مثلا اعلى لأغلب ممثلات تونس تقلدنها وتقتدين بها .. و"غسالة النوادر "مسرحية من انتاج المسرح الجديد سنة 1980 ومن ابداعات جليلة بكار و محمد ادريس و فاضل الجزيري و الحبيب المسروقي ولعه من غير المفيد او الضروري ان نذكر بان احداثها تدور في يوم وحيد امطاره غزيرة جدا تتدفق خلاله المياه التي قد تسبب الفياضانات وتعلن عن بداية الخريف نسميها " غسالة النوادر" وتغسل الكثير من ادران الصيف وتنفض عن الارض والمباني الاتربة والغبار أي انها تعلن الانتقال من حالة الى اخرى ولكن بقوة طوفانية تدحرج الزوائد وكل ما لم يكن ملتصقا بالأرض بقوة ...

هذه المسرحية ذات الألق والتوهج رغم مرور 43 سنة على انطلاق عرضها اول مرة تنال في ايامنا هذه "حظها"من سوء الاستغلال والإفراط في العرض دون ان يستفيد منها اصحابها بشيء يذكر ولعل الخسارة اكبر من الربح حيث يتم بكثرة العرض تسطيحها والتطبيع مع ما تعرضه من مشاكل الناس وهمومهم وتمييع ما تتضمنه من قضايا، فمن المؤسف ان يمر الفاضل الجزيري وجليلة بكار في التلفزة دون ان تعيرهما الاسرة اي اهتمام ودون ان يحفل افراد العائلة بمرورهما او بالنص الذي يسردانه وقد كان حدثا نستعد له ونتمناه. وهو ما حدث ايضا لمسرحية "الماريشال " ولأعمال مسرحية كثيرة اخرى عرضت على حساب مسرحيات اخرى لعلها اندثرت لكثرة ما مرت عليها السنوات دون ان ينفض عليها الغبار .

وفي انتظار ان تحظى مؤسسة التلفزة التونسية بمسؤول حقيقي وشجاع يعمل بجد ويدفع زملاءه الى العمل والإنتاج وحسن التعامل مع روائع الفن التونسي ومبدعيه نتمنى ان تواصل التلفزة الوطنية 1 تسجيل روائع المسرح التونسي والعربي والأجنبي ولا نعتقدها انها لن تجد من بين 82 عملا من الاعمال المسرحية التي ستعرض في الدورة الحالية (2022 ) مثلا ما يستحق العرض لاحقا لتخفف من الافراط في استعمال نسخ تلك المسرحيات وتنوع حضورها وتتذكر انها تتوجه لجمهور ذكي ويحب المسرح . كما نتمنى ان يتذكر بقية المسؤولين على التلفزة الوطنية ان دافعي الضرائب من حقهم مشاهدة انتاجات دعمتها وزارة الشؤون الثقافية ماديا ومعنويا ونالت الجوائز في تونس وفي المحافل الدولية وان يشاهدوا المسرحيات الجديدة الفائزة في مسابقات المهرجانات ، وان يساهموا كل من موقعه في المحافظة على الذاكرة الوطنية وعلى الارشيف المتلفز والأعمال القديمة قبل ان تفقد اصواتها وصورها وتشوبهم الشوائب التي لا يمكن اصلاحها. وكذلك في تسهيل حصول اصحاب الاعمال الابداعية التي تبث ويعاد بثها عشوائيا وكل العاملين فيها على حقوق الملكيّة الأدبية والفنيّة.

علياء بن نحيلة

 

 

 

 

 

 

"غسالة النوادر ...مرة اخرى  على القناة الوطنية 1: هل جفت الينابيع وتبلدت القرائح وتكلست؟

تونس – الصباح

اعمال مسرحية كثيرة جيدة اقتنت القناة الوطنية 1 حق بثها ولكنها للأسف لم تحسن التصرف فيها، ذلك انها سجلت ولم تحافظ على الكثير منها وهناك من بين المسرحيات التي سجلتها في مناسبات ثقافية كثيرة خاصة بالمسرح دون ان تعود لها او تعرضها للمشاهد في حين ركزت على مسرحيات اخرى وأضرت بها لكثرة ما عرضتها وأهدرت قيمتها وقيمة مبدعيها بسبب الاستغلال غير المدروس وهنا لا نقصد انتاجاتها الدرامية التلفزيونية لأنها تبقى حرة في كيفية التصرف فيها بل نقصد مجهود الآخرين مسرحيات رموز وقامات المسرح التونسي التي تم تسجيلها وعرضت على المشاهدين على اساس عقد بين مؤسسة التلفزة التونسية وأصحاب تلك الاعمال المسرحية . طبعا عندما عرضت تلك الابداعات المسرحية على الاركاح التونسية في الكاف وقفصة والعاصمة في نهايات سبعينيات القرن الماضي وخاصة ثمانينياته – اي في اوج عطاء المسرحيين وتألق المسرح التونسي بصفة عامة وسعيهم لرفع الراية التونسية وافتكاك موقع لها في سماء الابداع العربي والدولي وكذلك في بدايات التسعينات- كان حلم اصحابها ومبدعيها ان تسجلها التلفزة وتعرضها لأكبر عدد ممكن من التونسيين.

وهكذا وباتفاق مع مبدعي المسرح واهم رجالاته وحسب عقود سجلت القناة التلفزية الاولى عددا كبيرا من المسرحيات وهي اليوم تقتات منها وتعيش بها بطريقة عشوائية تقريبا منذ سنة 2011 حيث يقع استغلال مسرحيات مثل "عمار بوالزور" و"حمة الجريدي" و"الجراد "و"غسالة النوادر" و"القلاع امبر" و"الماريشال " وبدرجة اقل "فاميليا" و"كلام الليل " لملء الفراغات وتأثيث السهرات الباهتة وضمان الحضور بها في المناسبات الثقافية الكبرى مثل ايام قرطاج المسرحية او أسابيع المسرح.

ويبدو انه لا حول ولا قوة لأصحاب هذه الاعمال المسرحية الناجحة والتي عبرت الزمن واستشرفت مستقبل تونس وحفظت تاريخها وعاداتها وتقاليدها وتراثها وأرّخت لحقب زمانية متحركة ومثلت حجر الاساس للكثير من التغييرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد التونسية حيث ان هؤلاء و لفرط السعادة بإمضاء عقود التسجيل والعرض لم ينتبهوا الى شرط مدة الاستغلال وعدد مرات العروض في الشهر او في السنة او على مدى الازمان القادمة كما انهم لم يتوقعوا ان تصبح اعمالهم مادة لملء فراغات وسد شغورات وذر الرماد على العيون.

نعم كانت منعرجا حاسما ولكن ... رائعة "غسالة النوادر" التي تمت اعادة بثها في سهرة الاحد مرة اخرى بمناسبة الدورة 23 من ايام قرطاج المسرحية التي تلتئم هذه الايام وستتواصل الى غاية يوم 10 ديسمبر الحالي تبقى من اهم الاعمال المسرحية التونسية حيث مثلت منعرجا حاسما في تاريخنا المسرحي من حيث كتابة النص ومن حيث وقوف جليلة بكار على الركح وطريقة تمثيلها لدورها ونطقها لنصها حيث اصبحت مثلا اعلى لأغلب ممثلات تونس تقلدنها وتقتدين بها .. و"غسالة النوادر "مسرحية من انتاج المسرح الجديد سنة 1980 ومن ابداعات جليلة بكار و محمد ادريس و فاضل الجزيري و الحبيب المسروقي ولعه من غير المفيد او الضروري ان نذكر بان احداثها تدور في يوم وحيد امطاره غزيرة جدا تتدفق خلاله المياه التي قد تسبب الفياضانات وتعلن عن بداية الخريف نسميها " غسالة النوادر" وتغسل الكثير من ادران الصيف وتنفض عن الارض والمباني الاتربة والغبار أي انها تعلن الانتقال من حالة الى اخرى ولكن بقوة طوفانية تدحرج الزوائد وكل ما لم يكن ملتصقا بالأرض بقوة ...

هذه المسرحية ذات الألق والتوهج رغم مرور 43 سنة على انطلاق عرضها اول مرة تنال في ايامنا هذه "حظها"من سوء الاستغلال والإفراط في العرض دون ان يستفيد منها اصحابها بشيء يذكر ولعل الخسارة اكبر من الربح حيث يتم بكثرة العرض تسطيحها والتطبيع مع ما تعرضه من مشاكل الناس وهمومهم وتمييع ما تتضمنه من قضايا، فمن المؤسف ان يمر الفاضل الجزيري وجليلة بكار في التلفزة دون ان تعيرهما الاسرة اي اهتمام ودون ان يحفل افراد العائلة بمرورهما او بالنص الذي يسردانه وقد كان حدثا نستعد له ونتمناه. وهو ما حدث ايضا لمسرحية "الماريشال " ولأعمال مسرحية كثيرة اخرى عرضت على حساب مسرحيات اخرى لعلها اندثرت لكثرة ما مرت عليها السنوات دون ان ينفض عليها الغبار .

وفي انتظار ان تحظى مؤسسة التلفزة التونسية بمسؤول حقيقي وشجاع يعمل بجد ويدفع زملاءه الى العمل والإنتاج وحسن التعامل مع روائع الفن التونسي ومبدعيه نتمنى ان تواصل التلفزة الوطنية 1 تسجيل روائع المسرح التونسي والعربي والأجنبي ولا نعتقدها انها لن تجد من بين 82 عملا من الاعمال المسرحية التي ستعرض في الدورة الحالية (2022 ) مثلا ما يستحق العرض لاحقا لتخفف من الافراط في استعمال نسخ تلك المسرحيات وتنوع حضورها وتتذكر انها تتوجه لجمهور ذكي ويحب المسرح . كما نتمنى ان يتذكر بقية المسؤولين على التلفزة الوطنية ان دافعي الضرائب من حقهم مشاهدة انتاجات دعمتها وزارة الشؤون الثقافية ماديا ومعنويا ونالت الجوائز في تونس وفي المحافل الدولية وان يشاهدوا المسرحيات الجديدة الفائزة في مسابقات المهرجانات ، وان يساهموا كل من موقعه في المحافظة على الذاكرة الوطنية وعلى الارشيف المتلفز والأعمال القديمة قبل ان تفقد اصواتها وصورها وتشوبهم الشوائب التي لا يمكن اصلاحها. وكذلك في تسهيل حصول اصحاب الاعمال الابداعية التي تبث ويعاد بثها عشوائيا وكل العاملين فيها على حقوق الملكيّة الأدبية والفنيّة.

علياء بن نحيلة