* الحساب الجاري للخزينة العامة للبلاد التونسية في حالة تذبذب دائمة!
* أزمة مالية حرجة ومخاوف من عدم القدرة على تامين أجور الموظفين في آجالها!
تونس- الصباح
تراجع رصيد الحساب الجاري للخزينة العامة للبلاد التونسية، أمس الأول، الى مستويات مقلقة، تؤشر الى مرحلة صعبة في إدارة الدولة لنفقاتها، خصوصا وانه هوى الى مستويات توصف بالحرجة، حيث بلغ بتاريخ 25 نوفمبر 2022، ما يقارب 273 مليون دينار، في الوقت الذي تنتظر فيه تونس تسلمها للجزء الأول من القرض المتفق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي، والذي يتوقع من خلاله حصول تونس على قرابة 500 مليون دولار كدفعة أولى من إجمالي 1.9 مليار دولار، للخروج ظرفيا من أزمة مالية خانقة، تعصف بالبلاد في الفترة الأخيرة، بالتوازي مع ركود اقتصادي عالمي كبير، وبلوغ التضخم الى أعلى مستوياته في تونس.
وشهد رصيد الحساب الجاري للخزينة العامة للبلاد تونسية، أسوأ فتراته مع نهاية سنة 2021، حيث بلغت قيمة الموارد المالية في آخر شهر من العام الماضي 577.4 مليون دينار، بعد أن انتهى خلال نفس الفترة من سنة 2020 في حدود 3.2 مليار دينار، وهذا الانخفاض مرده سداد تونس لديونها الخارجية والتي انطلقت منذ عام 2021، وتواصلت بوتيرة أعلى في 2022، علما وأن رصيد الحساب الجاري للخزينة العامة، سجل في فترات متقطعة ارتفاعا قياسيا ليتجاوز 2.6 مليار دينار.
وسجل رصيد الخزينة العامة للبلاد التونسية بتاريخ 4 أكتوبر 2021، ارتفاعا هو الأول من نوعه خلال هذا العام، ليبلغ 2313 مليون دينار، بعد أن وصل الى مستويات مفزعة موفى جوان 2021، ليبلغ 180 مليون دينار، وارتفع الى حدود 867 مليون دينار موفى جويلية 2021، وكان المبلغ المتبقي في الخزينة العامة آنذاك لا يمكن من إدارة نفقات الدولة وخلاص أجور الموظفين.
فترة مالية حرجة
ولا تقل هذه الفترة عن سابقتها، حيث تجد الدولة التونسية نفسها في الفترة الحالية، عاجزة عن إدارة نفقاتها المتنامية، بالإضافة الى تسديد أجور الموظفين في آجالها، ويعكس بلوغ رصيد الخزينة العامة للبلاد التونسية، الى حاجز 273 مليون دينار، مدى صعوبة الأزمة المالية الحالية، حيث يعول المسؤولون في الدولة على قرض صندوق النقد الدولي لإدارة النفقات، وأيضا سداد جزء من الديون، خلال سنة 2023، والتي توصف بسنة صعبة اقتصاديا وماليا على تونس رغم المؤشرات الايجابية المتوقعة بخصوص ارتفاع معدل النمو لتونس، مع موفى العام القادم.
ومنذ إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد عن تعيين رئيسة الحكومة نجلاء بودن، سجل مؤشر الخزينة العامة للبلاد التونسية ارتفاعا قياسيا ليبلغ 2313 مليون دينار وهو مبلغ كاف لخلاص أجور الموظفين في آجالها، فضلا عن إدارة نفقات الدولة المتنامية، وذلك تزامنا مع ارتفاع نسق استخلاص الضرائب لفائدة الدولة للإيفاء بالتزامات سداد تونس لديونها للما تبقى من العام.
وسجل رصيد خزينة الدولة لدى البنك المركزي، تراجعا ليبلغ 867 مليون دينار مع موفى أوت الماضي، بعد أن بلغ 1306 مليون دينار نهاية سنة 2019، وهدد هذا التراجع، إدارة نفقات عدة قطاعات حساسة في الدولة، بسبب استنزاف كافة الموارد المالية، بالإضافة الى عدم قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها المالية الداخلية، ويعود جزء من هذه التراكمات الى سوء الحوكمة والتسيير، وأيضا الى مخلفات الأزمة الصحية التي مرت بها البلاد منذ ظهور جائحة كوفيد-19 في مارس من سنة 2020.
ونجحت تونس في الفترة الأخيرة من إدارة نفقاتها المتنامية، وتمكنت خلال شهري جويلية وأوت الماضيين من إنفاق 2 مليار دينار لتوفير المنتجات الأساسية من مواد غذائية والمواد خام، منها 660 مليون دينار للوقود، و1.2 مليار دينار لفائدة المنتجات الغذائية الأساسية. وتبعا لما ورد في نتائج تنفيذ الميزانية، فقد سجل الإنفاق الاستثماري انخفاضا بنسبة 6٪ ، ليبلغ 2.25 مليار دينار، في حين ارتفعت النفقات لرواتب الخدمة المدنية من 5٪ إلى 14 مليار دينار، بينها مصاريف إدارية، والتي ارتفعت 4٪ لتبلغ 831 مليون دينار، كما سجلت مصاريف الدعم ارتفاعا بنسبة 10٪ لتبلغ 2.8 مليار دينار.
عجز عن توفير نفقات الدولة
وحسب تقرير صادر عن وزارة المالية، اطلعت عليه "الصباح"، فإن كتلة الأجور لما تبقى من العام متوفرة في خزينة الدولة، إلا أن هناك إشكالا يرافق الخزينة العامة للدولة منذ العام الفارط والمتمثل في نفقات الدولة التي بدأت تشهد صعوبات مع منتصف العام الحالي، بالإضافة الى تراجع نفقات الاستثمار الى مستويات متدنية للغاية، أجبرت الدولة على تعليق العشرات من المشاريع في أغلب ولايات الجمهورية. وبين سداد الدين الداخلي والخارجي ودفع رواتب الموظفين والمصاريف الأخرى، ستحتاج الدولة إلى أكثر من 19 مليار دينار، أي 4.5 مليار دينار شهرياً، بنهاية العام وذلك وفق الميزانية العامة للدولة لسنة 2022، وباحتساب المعدل الشهري للإيرادات والضرائب (المباشرة وغير المباشرة) فإن الدولة قادرة على تأمين 2.4 مليار دينار في المتوسط شهريا وهو مبلغ غير كاف لتأمين احتياجات البلاد المالية والإيفاء بالتزاماتها المالية الداخلية والخارجية لما تبقى من العام.
وشهدت أجور الموظفين في تونس خلال أشهر جوان وجويلية وأوت من سنة 2021 تأخيرا في الخلاص، مرده تزامن هذه الفترة مع مواعيد سداد قرضين من العملة الصعبة بقيمة جملية بلغت 2809.8 مليون دينار، الأمر الذي اثر نسبيا على السيولة النقدية بالبلاد، وتبلغ قيمة أجور الموظفين في تونس شهريا حوالي 1660 مليون دينار شهريا، كما تبلغ قيمة كتلة الأجور بالنسبة للوظيفة العمومية 20 مليار دينار، أي بنسبة تقارب 38 بالمائة من إجمالي الميزانية (52.6 مليار دينار).
وبين إجبارية خلاص الديون الداخلية والخارجية ودفع رواتب الموظفين ومصاريف أخرى فان تونس مطالبة الى موفى العام الجاري بسد ثغرة مالية تجاوزت 22 مليار دينار بمعدل يتجاوز 4.4 مليار دينار شهريا مقابل تحصيل ضرائب مباشرة وغير مباشرة في حدود 2.4 مليار دينار، ووضعت هذه الضغوطات المالية العمومية والبنك المركزي في وضعية حرجة منذ شهر أوت الماضي، وذلك من اجل تأمين السيولة النقدية في المقام الأول وسداد رواتب الموظفين في المقام الثاني، علما وان حساب الخزينة العامة للبلاد التونسية يشهد تذبذبا على مستوى النفقات من شهر الى آخر، ويعد التذبذب الأخير مقلقا، خصوصا وان اتفاق صندوق النقد الدولي مازال يرافقه الكثير من الغموض حول العديد من النقاط المتعلقة باستجابة تونس الى شروطه الصارمة حول التحكم في كتلة الأجور وتسريح الموظفين وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية أو التفويت فيها لفائدة القطاع الخاص.
وحسب الميزانية التعديلية لعام 2021 التي أصدرتها وزارة المالية التونسية مؤخرا، عن آخر الأرقام الرسمية لعدد الموظفين العامين في البلاد، فقد ارتفع عددهم اليوم ليبلغ 661 ألفاً و703 موظفا موزعين على مختلف الوزارات، بمصالحها المركزية والجهوية وبالمؤسسات الحكومية. وبلغت كتلة أجور الموظفين 20.3 مليار دينار (7.2 مليار دولار) أي ما يعادل حوالي 40 في المائة من إجمالي الميزانية العامة لتونس.
ومازال ملف ارتفاع عدد الموظفين الحكوميين الكبير في تونس يدفع بصراعات سياسية واقتصادية ونقابية، علما وانه حسب القاعدة الاقتصادية فإنه عندما ترتفع نسبة الميزانية من الناتج المحلي الخام، فهذا دليل على أن الاقتصاد يعيش على وقع أزمة خانقة، وسجلت الميزانية في تونس، ارتفاعا من 7 مليارات دولار في عام 2010 إلى 19.4 مليار دولار في عام 2021، وهو ارتفاع تزامن مع زيادة هائلة في كتلة الأجور التي وصلت الى حدود 40 في المائة من الميزانية العامة.
تخوفات من تواصل أزمة الأجور
ولمح، مؤخرا، عدد من خبراء الاقتصاد لـ"الصباح"، عن تخوفهم من عدم قدرة تونس على مواصلة تأمين خلاص أجور الموظفين بداية من السنة القادمة بسبب الصعوبات التي تعرفها البلاد في تعبئة الموارد المالية الضرورية في ظل انسداد الآفاق السياسية والمالية، حيث سجلت تونس في الفترة القليلة الماضية، صعوبة في الخروج الى الأسواق المالية الدولية لتوفير الموارد المالية لسنة 2022 ، خصوصا وأن أي اتفاق مع هذه المؤسسات، رهين ما ستؤول إليه نتائج المفاوضات الأخيرة مع صندوق النقد الدولي.
وتضاعفت كتلة الأجور أكثر من ثلاث مرات مقارنة بسنة 2010 إذ لم تتجاوز ستة مليار دينار سنة 2010، لتبلغ اليوم أكثر من 20 مليار دينار، فيما تحملت الميزانية العامة للدولة وحدها، وزر الضغط الاجتماعي، من خلال فتح باب الانتدابات بشكل عشوائي في القطاع العام لتفادي مزيد من الاحتقان الاجتماعي، كما تحملت تداعيات اتفاقيات الزيادة في الأجور مع الاتحاد العام التونسي للشغل، من دون أن يقابل ذلك نمو اقتصادي، قادر على امتصاص أزمة زيادة العاطلين عن العمل، وهو ما أثر بشكل لافت على ميزانية الدولة للسنة الحالية، وأيضا للسنوات القادمة.
سفيان المهداوي
* الحساب الجاري للخزينة العامة للبلاد التونسية في حالة تذبذب دائمة!
* أزمة مالية حرجة ومخاوف من عدم القدرة على تامين أجور الموظفين في آجالها!
تونس- الصباح
تراجع رصيد الحساب الجاري للخزينة العامة للبلاد التونسية، أمس الأول، الى مستويات مقلقة، تؤشر الى مرحلة صعبة في إدارة الدولة لنفقاتها، خصوصا وانه هوى الى مستويات توصف بالحرجة، حيث بلغ بتاريخ 25 نوفمبر 2022، ما يقارب 273 مليون دينار، في الوقت الذي تنتظر فيه تونس تسلمها للجزء الأول من القرض المتفق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي، والذي يتوقع من خلاله حصول تونس على قرابة 500 مليون دولار كدفعة أولى من إجمالي 1.9 مليار دولار، للخروج ظرفيا من أزمة مالية خانقة، تعصف بالبلاد في الفترة الأخيرة، بالتوازي مع ركود اقتصادي عالمي كبير، وبلوغ التضخم الى أعلى مستوياته في تونس.
وشهد رصيد الحساب الجاري للخزينة العامة للبلاد تونسية، أسوأ فتراته مع نهاية سنة 2021، حيث بلغت قيمة الموارد المالية في آخر شهر من العام الماضي 577.4 مليون دينار، بعد أن انتهى خلال نفس الفترة من سنة 2020 في حدود 3.2 مليار دينار، وهذا الانخفاض مرده سداد تونس لديونها الخارجية والتي انطلقت منذ عام 2021، وتواصلت بوتيرة أعلى في 2022، علما وأن رصيد الحساب الجاري للخزينة العامة، سجل في فترات متقطعة ارتفاعا قياسيا ليتجاوز 2.6 مليار دينار.
وسجل رصيد الخزينة العامة للبلاد التونسية بتاريخ 4 أكتوبر 2021، ارتفاعا هو الأول من نوعه خلال هذا العام، ليبلغ 2313 مليون دينار، بعد أن وصل الى مستويات مفزعة موفى جوان 2021، ليبلغ 180 مليون دينار، وارتفع الى حدود 867 مليون دينار موفى جويلية 2021، وكان المبلغ المتبقي في الخزينة العامة آنذاك لا يمكن من إدارة نفقات الدولة وخلاص أجور الموظفين.
فترة مالية حرجة
ولا تقل هذه الفترة عن سابقتها، حيث تجد الدولة التونسية نفسها في الفترة الحالية، عاجزة عن إدارة نفقاتها المتنامية، بالإضافة الى تسديد أجور الموظفين في آجالها، ويعكس بلوغ رصيد الخزينة العامة للبلاد التونسية، الى حاجز 273 مليون دينار، مدى صعوبة الأزمة المالية الحالية، حيث يعول المسؤولون في الدولة على قرض صندوق النقد الدولي لإدارة النفقات، وأيضا سداد جزء من الديون، خلال سنة 2023، والتي توصف بسنة صعبة اقتصاديا وماليا على تونس رغم المؤشرات الايجابية المتوقعة بخصوص ارتفاع معدل النمو لتونس، مع موفى العام القادم.
ومنذ إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد عن تعيين رئيسة الحكومة نجلاء بودن، سجل مؤشر الخزينة العامة للبلاد التونسية ارتفاعا قياسيا ليبلغ 2313 مليون دينار وهو مبلغ كاف لخلاص أجور الموظفين في آجالها، فضلا عن إدارة نفقات الدولة المتنامية، وذلك تزامنا مع ارتفاع نسق استخلاص الضرائب لفائدة الدولة للإيفاء بالتزامات سداد تونس لديونها للما تبقى من العام.
وسجل رصيد خزينة الدولة لدى البنك المركزي، تراجعا ليبلغ 867 مليون دينار مع موفى أوت الماضي، بعد أن بلغ 1306 مليون دينار نهاية سنة 2019، وهدد هذا التراجع، إدارة نفقات عدة قطاعات حساسة في الدولة، بسبب استنزاف كافة الموارد المالية، بالإضافة الى عدم قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها المالية الداخلية، ويعود جزء من هذه التراكمات الى سوء الحوكمة والتسيير، وأيضا الى مخلفات الأزمة الصحية التي مرت بها البلاد منذ ظهور جائحة كوفيد-19 في مارس من سنة 2020.
ونجحت تونس في الفترة الأخيرة من إدارة نفقاتها المتنامية، وتمكنت خلال شهري جويلية وأوت الماضيين من إنفاق 2 مليار دينار لتوفير المنتجات الأساسية من مواد غذائية والمواد خام، منها 660 مليون دينار للوقود، و1.2 مليار دينار لفائدة المنتجات الغذائية الأساسية. وتبعا لما ورد في نتائج تنفيذ الميزانية، فقد سجل الإنفاق الاستثماري انخفاضا بنسبة 6٪ ، ليبلغ 2.25 مليار دينار، في حين ارتفعت النفقات لرواتب الخدمة المدنية من 5٪ إلى 14 مليار دينار، بينها مصاريف إدارية، والتي ارتفعت 4٪ لتبلغ 831 مليون دينار، كما سجلت مصاريف الدعم ارتفاعا بنسبة 10٪ لتبلغ 2.8 مليار دينار.
عجز عن توفير نفقات الدولة
وحسب تقرير صادر عن وزارة المالية، اطلعت عليه "الصباح"، فإن كتلة الأجور لما تبقى من العام متوفرة في خزينة الدولة، إلا أن هناك إشكالا يرافق الخزينة العامة للدولة منذ العام الفارط والمتمثل في نفقات الدولة التي بدأت تشهد صعوبات مع منتصف العام الحالي، بالإضافة الى تراجع نفقات الاستثمار الى مستويات متدنية للغاية، أجبرت الدولة على تعليق العشرات من المشاريع في أغلب ولايات الجمهورية. وبين سداد الدين الداخلي والخارجي ودفع رواتب الموظفين والمصاريف الأخرى، ستحتاج الدولة إلى أكثر من 19 مليار دينار، أي 4.5 مليار دينار شهرياً، بنهاية العام وذلك وفق الميزانية العامة للدولة لسنة 2022، وباحتساب المعدل الشهري للإيرادات والضرائب (المباشرة وغير المباشرة) فإن الدولة قادرة على تأمين 2.4 مليار دينار في المتوسط شهريا وهو مبلغ غير كاف لتأمين احتياجات البلاد المالية والإيفاء بالتزاماتها المالية الداخلية والخارجية لما تبقى من العام.
وشهدت أجور الموظفين في تونس خلال أشهر جوان وجويلية وأوت من سنة 2021 تأخيرا في الخلاص، مرده تزامن هذه الفترة مع مواعيد سداد قرضين من العملة الصعبة بقيمة جملية بلغت 2809.8 مليون دينار، الأمر الذي اثر نسبيا على السيولة النقدية بالبلاد، وتبلغ قيمة أجور الموظفين في تونس شهريا حوالي 1660 مليون دينار شهريا، كما تبلغ قيمة كتلة الأجور بالنسبة للوظيفة العمومية 20 مليار دينار، أي بنسبة تقارب 38 بالمائة من إجمالي الميزانية (52.6 مليار دينار).
وبين إجبارية خلاص الديون الداخلية والخارجية ودفع رواتب الموظفين ومصاريف أخرى فان تونس مطالبة الى موفى العام الجاري بسد ثغرة مالية تجاوزت 22 مليار دينار بمعدل يتجاوز 4.4 مليار دينار شهريا مقابل تحصيل ضرائب مباشرة وغير مباشرة في حدود 2.4 مليار دينار، ووضعت هذه الضغوطات المالية العمومية والبنك المركزي في وضعية حرجة منذ شهر أوت الماضي، وذلك من اجل تأمين السيولة النقدية في المقام الأول وسداد رواتب الموظفين في المقام الثاني، علما وان حساب الخزينة العامة للبلاد التونسية يشهد تذبذبا على مستوى النفقات من شهر الى آخر، ويعد التذبذب الأخير مقلقا، خصوصا وان اتفاق صندوق النقد الدولي مازال يرافقه الكثير من الغموض حول العديد من النقاط المتعلقة باستجابة تونس الى شروطه الصارمة حول التحكم في كتلة الأجور وتسريح الموظفين وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية أو التفويت فيها لفائدة القطاع الخاص.
وحسب الميزانية التعديلية لعام 2021 التي أصدرتها وزارة المالية التونسية مؤخرا، عن آخر الأرقام الرسمية لعدد الموظفين العامين في البلاد، فقد ارتفع عددهم اليوم ليبلغ 661 ألفاً و703 موظفا موزعين على مختلف الوزارات، بمصالحها المركزية والجهوية وبالمؤسسات الحكومية. وبلغت كتلة أجور الموظفين 20.3 مليار دينار (7.2 مليار دولار) أي ما يعادل حوالي 40 في المائة من إجمالي الميزانية العامة لتونس.
ومازال ملف ارتفاع عدد الموظفين الحكوميين الكبير في تونس يدفع بصراعات سياسية واقتصادية ونقابية، علما وانه حسب القاعدة الاقتصادية فإنه عندما ترتفع نسبة الميزانية من الناتج المحلي الخام، فهذا دليل على أن الاقتصاد يعيش على وقع أزمة خانقة، وسجلت الميزانية في تونس، ارتفاعا من 7 مليارات دولار في عام 2010 إلى 19.4 مليار دولار في عام 2021، وهو ارتفاع تزامن مع زيادة هائلة في كتلة الأجور التي وصلت الى حدود 40 في المائة من الميزانية العامة.
تخوفات من تواصل أزمة الأجور
ولمح، مؤخرا، عدد من خبراء الاقتصاد لـ"الصباح"، عن تخوفهم من عدم قدرة تونس على مواصلة تأمين خلاص أجور الموظفين بداية من السنة القادمة بسبب الصعوبات التي تعرفها البلاد في تعبئة الموارد المالية الضرورية في ظل انسداد الآفاق السياسية والمالية، حيث سجلت تونس في الفترة القليلة الماضية، صعوبة في الخروج الى الأسواق المالية الدولية لتوفير الموارد المالية لسنة 2022 ، خصوصا وأن أي اتفاق مع هذه المؤسسات، رهين ما ستؤول إليه نتائج المفاوضات الأخيرة مع صندوق النقد الدولي.
وتضاعفت كتلة الأجور أكثر من ثلاث مرات مقارنة بسنة 2010 إذ لم تتجاوز ستة مليار دينار سنة 2010، لتبلغ اليوم أكثر من 20 مليار دينار، فيما تحملت الميزانية العامة للدولة وحدها، وزر الضغط الاجتماعي، من خلال فتح باب الانتدابات بشكل عشوائي في القطاع العام لتفادي مزيد من الاحتقان الاجتماعي، كما تحملت تداعيات اتفاقيات الزيادة في الأجور مع الاتحاد العام التونسي للشغل، من دون أن يقابل ذلك نمو اقتصادي، قادر على امتصاص أزمة زيادة العاطلين عن العمل، وهو ما أثر بشكل لافت على ميزانية الدولة للسنة الحالية، وأيضا للسنوات القادمة.