فاروق بوعسكر: حرية الإعلام مكفولة.. والمطلوب تجنب ارتكاب جرائم انتخابية
تونس: الصباح
لمراقبة أنشطة الحملة الانتخابية التشريعية التي انطلقت يوم 25 نوفمبر الجاري للتواصل إلى يوم 15 ديسمبر المقبل ركزت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ثلاث وحدات لرصد وسائل الاتصال السمعي البصري، ومواقع وحسابات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية، وذلك بعد أن كانت قد أقدمت الأسبوع الماضي على إصدار القرار الترتيبي عدد 31 لسنة 2022 المؤرّخ في 18 نوفمبر 2022 المتعلّق بتنقيح وإتمام القرار عدد 8 لسنة 2018 المؤرّخ في 20 فيفري 2018 المتعلّق بضبط القواعد والشروط التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيّد بها خلال الحملة الانتخابيّة وحملة الاستفتاء.. إذ أنها أصدرت هذا القرار بصفة أحادية وليس بالشراكة مع الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري كما كان يحدث في مختلف المحطات الانتخابية منذ سنة 2014.
وبصرف النظر عن الخلاف بين الهيئتين، تسبب هذا القرار في إرباك الإعلاميين وبعث في نفوس أصحاب المؤسسات الإعلامية الخوف من السيف المسلط على رقابهم لأنه نص في أحد فصوله على أن الهيئة تتولى إشعار النيابة العموميّة بكلّ المحاضر والشكايات المتعلّقة بشبهة ارتكاب جرائم انتخابيّة من قِبل وسائل الإعلام بمختلِف أصنافها، ففي هذه الصورة سيكون لتدخل النيابة العمومية لمجرد وجود شبهة وقعا كبيرا على الصحفيين وسيتسبب في تداعيات خطيرة على مؤسساتهم الإعلامية التي يتمثل رصيدها الوحيد في ثقة المواطن فيها سواء كان هذا الأخير قارئا أو مستمعا أو مشاهدا أو مستشهرا، وبالتالي فإن هذا الإجراء سيؤدي بالضرورة إلى التضييق على حرية الإعلام.
ولكن في المقابل أكد فاروق بوعسكر رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في التصريح الذي أدلى به إلى وسائل الإعلام مساء أول أمس الجمعة بالمقر الذي تحتضنه وحدات الرصد بالعاصمة أن حرية الإعلام مكفولة، وبين أنه يجب على الصحفيين تجنب ارتكاب جرائم انتخابية. وردا على الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري التي عبرت عن رفضها للقرار الترتيبي للهيئة وقامت بالطعن فيه لدى المحكمة الإدارية، قال إن هيئة الانتخابات تحترم القانون وهي لا تسطو على صلاحية أي طرف آخر داخل الدولة ولكن في حالة الضرورة فإنها لا تبقى مكتوفة الأيدي إذا كانت هناك جهة أخرى أخلت بواجباتها القانونية ورفضت الإمضاء على قرار مشترك كما حصل في السابق منذ انتخابات 2014.
وأضاف بوعسكر أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لديها الإمكانيات لبعث خلية رصد وتجهيزها بالإمكانيات البشرية واللوجستية اللازمة وفسر أن تركيز وحدة جديدة لرصد الحملة الانتخابية في وسائل الاتصال السمعي البصري إجراء أملته الضرورة بعد تعذر إصدار القرار المشترك المنصوص عليه بالفصل 67 من القانون الانتخابي رغم محاولات الهيئـــة المتكررة لإصداره في آجال معقولــــة.
ولكن الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري أشارت في البيان الذي أصدرته الأسبوع الماضي إلى أنها كانت أول من نبه إلى خطورة عدم التواصل بين الهيئتين والتأخير في مناقشة القرار المشترك، باعتبار الانعكاسات الجوهرية لتغيير النظام الانتخابي، من نظام اقتراع على القائمات إلى اقتراع على الأشخاص، على قواعد التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية، ومقابل ما أبدته الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري من حرص على تأمين تغطية إعلامية تحترم المعايير القانونية والمهنية، ارتأت هيئة الانتخابات تأجيل النقاش بتعلّة انتظار انتهاء تقديم الترشحات. وجاء في نفس البيان أن التواصل مع هيئة الانتخابات استعصى منذ أن بادرت في 2 نوفمبر 2022 بتنظيم عملية تسجيل حصص التعبير المباشر مع مؤسسة التلفزة التونسية دون الرجوع للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري التي علمت بذلك عبر وسائل الإعلام والحال أن التعبير المباشر يشكّل جزءًا لا يتجزأ من القرار المشترك واعتبرت أن المراسلات لهيئة الانتخابات واللاحقة لهذا التاريخ تندرج ضمن سياسة تضليلية لا تليق بمؤسسات الدولة التي يتوجب عليها التحلّي بمسؤولية أكبر في التعامل مع مثل هذه القضايا ترسيخا لقيم التشاركية وضمانا لشفافية الحملة الانتخابية، خاصة أمام الوضع الصعب الذي تمر به البلاد. وفسرت الهيكا أن الهدف من وضع قواعد التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية هو إرساء دعائم الثقافة الديمقراطية وترسيخ قيمها من خلال تأمين الحضور الإعلامي لجميع الحساسيات الفكرية والسياسية التي تمارس أنشطتها في إطار القانون وقررت اللجوء إلى القضاء اعتبارا لما يُمثله قرار هيئة الانتخابات من خطر على صفاء المسار الانتخابي وشفافيته ونزاهته وما يشكله من انعكاسات سلبية على مستقبل حرية التعبير والصحافة في تونس.
هروب إلى الأمام
بتركيزها لوحدات الرصد وتكليفها برصد تغطية أنشطة الحملة فرضت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سياسة الأمر الواقع، إذ أنها لم تبد تجاوبا مع الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري ومع الموقف الذي عبرت عنه النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في بيانها الأخير حول القرار الترتيبي عدد 31 بل خيرت مواصلة الهروب إلى الأمام. فنقابة الصحفيين اعتبرت أن هيئة الانتخابات بالقرار عدد 31 صادرت ولاية الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري على وسائل الإعلام السمعية والبصرية خلال تغطية الانتخابات التشريعية بحجة أن لها الولاية الكاملة على المسار الانتخابي. وعبرت النقابة عن رفضها التام لذلك القرار المتسرع والمزاجي واعتبرت أن القرار المذكور فيه انحراف بالسلطة وخرق للمرسوم 116 المحدث للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، وتعتبر أنه حتى في صورة غياب قرار مشترك فان الولاية العامة على وسائل الإعلام ترجع للهايكا وتظل نافذة بنفاذ المرسوم عدد 116 والقانون الانتخابي وكراسات الشروط في تعديل المضامين السمعية والبصرية في كل سياقاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والانتخابية طبقا للمبادئ العامة المنظمة لها .
ولعل أهم شيء نبهت إليه نقابة الصحفيين هو أن قرار هيئة الانتخابات يشكل خطرا على حرية الإعلام وحق الناخبات والناخبين في مشهد إعلامي تعددي لأنه أتاح إمكانية ممارسة حق الرد في حالات الشتم في حين أن ممارسة هذا الحق تقتصر على حالات الثلب حتى يتمكن المعني بالأمر من تصحيح الادعاءات المنسوبة إليه دون أن يمتد الأمر إلى الشتم لأنه لا يُقبل الرد على عبارات الاحتقار والسب لكن قرار هيئة الانتخابات سمح بذلك، وحسب نقابة الصحفيين فإن الهيكا هي التي تملك الولاية العامة على التغطية السمعية البصرية للانتخابات نظرا لأن عملية رصد الحملة الانتخابية عبر وسائل الإعلام السمعية البصرية تحتاج إلى تجهيزات تقنية معقدة وموارد بشرية ذات كفاءة عالية ومنهجيات وقع الاشتغال عليها مطولا حتى تتمكن من رصد التعددية على المستوى الكيفي والكمي وهو ما تفتقر له هيئة الانتخابات.
وفي انتظار قرار المحكمة الإدارية بشأن الطعن الذي رفعته الهيئة العليا للاتصال السمعي وبالبصري في القرار عدد 31 ستخضع وسائل الإعلام طيلة الحملة إلى أحكام هذا القرار حتى وإن رأى الهيكل النقابي للصحفيين أنه مشوب وغير قابل للتطبيق.
تكليف خبراء في الرصد
وفي المقابل جاء في بلاغ نشرته الهيئة على صفحتها الرسمية حول الزيارة التي أداها فاروق بوعسكر رئيس الهيئة مساء الجمعة لوحدات الرصد أن الإدارة التنفيذية للهيئة تفاعلت بسرعـة مع الوضعية التي أملاها إصدار القرار عدد 31 وتولت بعث وحدة جديدة تشرف عليها خبرات إعلامية واتصالية من هيئة الانتخابات وخارجها، وحسب نفس البلاغ فإن هذه الخبرات اعتادت منذ سنة 2011 على رصد الحملات الانتخابية في وسائل الإعلام بمختلف أصنافها وكذلك رصد الحملات الانتخابية في الفضاء الإلكتروني.
وللتذكير فإن وسائل الإعلام العمومية منها والخاصة والسمعية منها والبصرية والورقية منها والرقمية تخضع للمبادئ الحملة الانتخابية التي تضمنها الفصل 52 من القانون وهي التزام الحياد بما يعنيه من تعامل بموضوعية ونزاهة مع كافة المترشحين وعدم الانحياز إلى أي مترشح أو تعطيل الحملة الانتخابية لأي مترشح وتجنب ما من شأنه أن يؤثر على إرادة الناخب، وعليها أيضا احترام مبدإ المساواة وضمان تكافؤ الفرص بين المترشحين، واحترام الحرمة الجسدية للمترشحين والناخبين وأعراضهم وكرامتهم، وعدم المساس بحرمة الحياة الخاصة للمترشحين ومعطياتهم الشخصية، وعدم بثّ ونشر الدعوات إلى الكراهيّة والعنف والتعصّب والتمييز على أسس الدين أو العرق أو الفئة أو العائلة.
وإضافة إلى ذلك فإن وسائل الإعلام ملزمة طيلة الحملة باحترام مقتضيات حماية الأمن العام والدفاع الوطني وعليها احترام قواعد وأخلاقيات المهنة الصحفية، وتجنب ما من شأنه تضليل الناخبين أو توجيه إرادتهم وهي ملزمة عند اختيار مقتطفات من بيانات وتصريحات المترشحين بعدم تحريف معناها العام، أو أن تقوم بإعادة تركيبها أو الاقتطاع من محتواها بما يمس من مضمونها الأصلي أو يؤدي إلى تحميله مضمونا مغايرا وعليها أن تعمل خلال الحملة الانتخابية على منع ظهور كل من ترشح للانتخابات من المنشطين ومحرري الأخبار ومقدمي البرامج والصحفيين والمسؤولين التابعين لها في غير المساحات أو البرامج المخصصة للمترشحين وعليها أن تعمل على عدم تكليف أعوانها الذين يباشرون مهاما تحريرية والذين ترشحوا أو أعلنوا ترشحهم للانتخابات، بمهام لها علاقة بالتغطية الإعلامية للحملة الانتخابية.
ويتعين على وسائل الإعلام عدم تخصيص رقم هاتف مجاني أو موزع صوتي أو مركز نداء لفائدة مترشح وفي حال مخالفتها تسلط عليها خطية مالية قدرها 3 آلاف دينار. كما يحجر عليها القيام بالإشهار السياسي خلال الفترة الانتخابية باستثناء الإعلانات الإشهارية المسموح بها للصحف الحزبية وفي صورة المخالفة تسلط عليها خطية مالية من 5 آلاف إلى 10 آلاف دينار ويترتب عن مخالفة تحجير جميع أشكال الدعاية خلال فترة الصمت الانتخابي تسليط خطية مالية من 3 آلاف دينار إلى 20 ألف دينار بينما يترتب عن مخالفة تحجير بث ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات والاستفتاء والدراسات والتعاليق الصحفية المتعلقة بها خلال الحملة وخلال فترة الصمت الانتخابي تسليط خطية مالية من 20 ألف دينار إلى 50 ألف دينار.
سعيدة بوهلال
فاروق بوعسكر: حرية الإعلام مكفولة.. والمطلوب تجنب ارتكاب جرائم انتخابية
تونس: الصباح
لمراقبة أنشطة الحملة الانتخابية التشريعية التي انطلقت يوم 25 نوفمبر الجاري للتواصل إلى يوم 15 ديسمبر المقبل ركزت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ثلاث وحدات لرصد وسائل الاتصال السمعي البصري، ومواقع وحسابات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية، وذلك بعد أن كانت قد أقدمت الأسبوع الماضي على إصدار القرار الترتيبي عدد 31 لسنة 2022 المؤرّخ في 18 نوفمبر 2022 المتعلّق بتنقيح وإتمام القرار عدد 8 لسنة 2018 المؤرّخ في 20 فيفري 2018 المتعلّق بضبط القواعد والشروط التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيّد بها خلال الحملة الانتخابيّة وحملة الاستفتاء.. إذ أنها أصدرت هذا القرار بصفة أحادية وليس بالشراكة مع الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري كما كان يحدث في مختلف المحطات الانتخابية منذ سنة 2014.
وبصرف النظر عن الخلاف بين الهيئتين، تسبب هذا القرار في إرباك الإعلاميين وبعث في نفوس أصحاب المؤسسات الإعلامية الخوف من السيف المسلط على رقابهم لأنه نص في أحد فصوله على أن الهيئة تتولى إشعار النيابة العموميّة بكلّ المحاضر والشكايات المتعلّقة بشبهة ارتكاب جرائم انتخابيّة من قِبل وسائل الإعلام بمختلِف أصنافها، ففي هذه الصورة سيكون لتدخل النيابة العمومية لمجرد وجود شبهة وقعا كبيرا على الصحفيين وسيتسبب في تداعيات خطيرة على مؤسساتهم الإعلامية التي يتمثل رصيدها الوحيد في ثقة المواطن فيها سواء كان هذا الأخير قارئا أو مستمعا أو مشاهدا أو مستشهرا، وبالتالي فإن هذا الإجراء سيؤدي بالضرورة إلى التضييق على حرية الإعلام.
ولكن في المقابل أكد فاروق بوعسكر رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في التصريح الذي أدلى به إلى وسائل الإعلام مساء أول أمس الجمعة بالمقر الذي تحتضنه وحدات الرصد بالعاصمة أن حرية الإعلام مكفولة، وبين أنه يجب على الصحفيين تجنب ارتكاب جرائم انتخابية. وردا على الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري التي عبرت عن رفضها للقرار الترتيبي للهيئة وقامت بالطعن فيه لدى المحكمة الإدارية، قال إن هيئة الانتخابات تحترم القانون وهي لا تسطو على صلاحية أي طرف آخر داخل الدولة ولكن في حالة الضرورة فإنها لا تبقى مكتوفة الأيدي إذا كانت هناك جهة أخرى أخلت بواجباتها القانونية ورفضت الإمضاء على قرار مشترك كما حصل في السابق منذ انتخابات 2014.
وأضاف بوعسكر أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لديها الإمكانيات لبعث خلية رصد وتجهيزها بالإمكانيات البشرية واللوجستية اللازمة وفسر أن تركيز وحدة جديدة لرصد الحملة الانتخابية في وسائل الاتصال السمعي البصري إجراء أملته الضرورة بعد تعذر إصدار القرار المشترك المنصوص عليه بالفصل 67 من القانون الانتخابي رغم محاولات الهيئـــة المتكررة لإصداره في آجال معقولــــة.
ولكن الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري أشارت في البيان الذي أصدرته الأسبوع الماضي إلى أنها كانت أول من نبه إلى خطورة عدم التواصل بين الهيئتين والتأخير في مناقشة القرار المشترك، باعتبار الانعكاسات الجوهرية لتغيير النظام الانتخابي، من نظام اقتراع على القائمات إلى اقتراع على الأشخاص، على قواعد التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية، ومقابل ما أبدته الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري من حرص على تأمين تغطية إعلامية تحترم المعايير القانونية والمهنية، ارتأت هيئة الانتخابات تأجيل النقاش بتعلّة انتظار انتهاء تقديم الترشحات. وجاء في نفس البيان أن التواصل مع هيئة الانتخابات استعصى منذ أن بادرت في 2 نوفمبر 2022 بتنظيم عملية تسجيل حصص التعبير المباشر مع مؤسسة التلفزة التونسية دون الرجوع للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري التي علمت بذلك عبر وسائل الإعلام والحال أن التعبير المباشر يشكّل جزءًا لا يتجزأ من القرار المشترك واعتبرت أن المراسلات لهيئة الانتخابات واللاحقة لهذا التاريخ تندرج ضمن سياسة تضليلية لا تليق بمؤسسات الدولة التي يتوجب عليها التحلّي بمسؤولية أكبر في التعامل مع مثل هذه القضايا ترسيخا لقيم التشاركية وضمانا لشفافية الحملة الانتخابية، خاصة أمام الوضع الصعب الذي تمر به البلاد. وفسرت الهيكا أن الهدف من وضع قواعد التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية هو إرساء دعائم الثقافة الديمقراطية وترسيخ قيمها من خلال تأمين الحضور الإعلامي لجميع الحساسيات الفكرية والسياسية التي تمارس أنشطتها في إطار القانون وقررت اللجوء إلى القضاء اعتبارا لما يُمثله قرار هيئة الانتخابات من خطر على صفاء المسار الانتخابي وشفافيته ونزاهته وما يشكله من انعكاسات سلبية على مستقبل حرية التعبير والصحافة في تونس.
هروب إلى الأمام
بتركيزها لوحدات الرصد وتكليفها برصد تغطية أنشطة الحملة فرضت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سياسة الأمر الواقع، إذ أنها لم تبد تجاوبا مع الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري ومع الموقف الذي عبرت عنه النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في بيانها الأخير حول القرار الترتيبي عدد 31 بل خيرت مواصلة الهروب إلى الأمام. فنقابة الصحفيين اعتبرت أن هيئة الانتخابات بالقرار عدد 31 صادرت ولاية الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري على وسائل الإعلام السمعية والبصرية خلال تغطية الانتخابات التشريعية بحجة أن لها الولاية الكاملة على المسار الانتخابي. وعبرت النقابة عن رفضها التام لذلك القرار المتسرع والمزاجي واعتبرت أن القرار المذكور فيه انحراف بالسلطة وخرق للمرسوم 116 المحدث للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، وتعتبر أنه حتى في صورة غياب قرار مشترك فان الولاية العامة على وسائل الإعلام ترجع للهايكا وتظل نافذة بنفاذ المرسوم عدد 116 والقانون الانتخابي وكراسات الشروط في تعديل المضامين السمعية والبصرية في كل سياقاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والانتخابية طبقا للمبادئ العامة المنظمة لها .
ولعل أهم شيء نبهت إليه نقابة الصحفيين هو أن قرار هيئة الانتخابات يشكل خطرا على حرية الإعلام وحق الناخبات والناخبين في مشهد إعلامي تعددي لأنه أتاح إمكانية ممارسة حق الرد في حالات الشتم في حين أن ممارسة هذا الحق تقتصر على حالات الثلب حتى يتمكن المعني بالأمر من تصحيح الادعاءات المنسوبة إليه دون أن يمتد الأمر إلى الشتم لأنه لا يُقبل الرد على عبارات الاحتقار والسب لكن قرار هيئة الانتخابات سمح بذلك، وحسب نقابة الصحفيين فإن الهيكا هي التي تملك الولاية العامة على التغطية السمعية البصرية للانتخابات نظرا لأن عملية رصد الحملة الانتخابية عبر وسائل الإعلام السمعية البصرية تحتاج إلى تجهيزات تقنية معقدة وموارد بشرية ذات كفاءة عالية ومنهجيات وقع الاشتغال عليها مطولا حتى تتمكن من رصد التعددية على المستوى الكيفي والكمي وهو ما تفتقر له هيئة الانتخابات.
وفي انتظار قرار المحكمة الإدارية بشأن الطعن الذي رفعته الهيئة العليا للاتصال السمعي وبالبصري في القرار عدد 31 ستخضع وسائل الإعلام طيلة الحملة إلى أحكام هذا القرار حتى وإن رأى الهيكل النقابي للصحفيين أنه مشوب وغير قابل للتطبيق.
تكليف خبراء في الرصد
وفي المقابل جاء في بلاغ نشرته الهيئة على صفحتها الرسمية حول الزيارة التي أداها فاروق بوعسكر رئيس الهيئة مساء الجمعة لوحدات الرصد أن الإدارة التنفيذية للهيئة تفاعلت بسرعـة مع الوضعية التي أملاها إصدار القرار عدد 31 وتولت بعث وحدة جديدة تشرف عليها خبرات إعلامية واتصالية من هيئة الانتخابات وخارجها، وحسب نفس البلاغ فإن هذه الخبرات اعتادت منذ سنة 2011 على رصد الحملات الانتخابية في وسائل الإعلام بمختلف أصنافها وكذلك رصد الحملات الانتخابية في الفضاء الإلكتروني.
وللتذكير فإن وسائل الإعلام العمومية منها والخاصة والسمعية منها والبصرية والورقية منها والرقمية تخضع للمبادئ الحملة الانتخابية التي تضمنها الفصل 52 من القانون وهي التزام الحياد بما يعنيه من تعامل بموضوعية ونزاهة مع كافة المترشحين وعدم الانحياز إلى أي مترشح أو تعطيل الحملة الانتخابية لأي مترشح وتجنب ما من شأنه أن يؤثر على إرادة الناخب، وعليها أيضا احترام مبدإ المساواة وضمان تكافؤ الفرص بين المترشحين، واحترام الحرمة الجسدية للمترشحين والناخبين وأعراضهم وكرامتهم، وعدم المساس بحرمة الحياة الخاصة للمترشحين ومعطياتهم الشخصية، وعدم بثّ ونشر الدعوات إلى الكراهيّة والعنف والتعصّب والتمييز على أسس الدين أو العرق أو الفئة أو العائلة.
وإضافة إلى ذلك فإن وسائل الإعلام ملزمة طيلة الحملة باحترام مقتضيات حماية الأمن العام والدفاع الوطني وعليها احترام قواعد وأخلاقيات المهنة الصحفية، وتجنب ما من شأنه تضليل الناخبين أو توجيه إرادتهم وهي ملزمة عند اختيار مقتطفات من بيانات وتصريحات المترشحين بعدم تحريف معناها العام، أو أن تقوم بإعادة تركيبها أو الاقتطاع من محتواها بما يمس من مضمونها الأصلي أو يؤدي إلى تحميله مضمونا مغايرا وعليها أن تعمل خلال الحملة الانتخابية على منع ظهور كل من ترشح للانتخابات من المنشطين ومحرري الأخبار ومقدمي البرامج والصحفيين والمسؤولين التابعين لها في غير المساحات أو البرامج المخصصة للمترشحين وعليها أن تعمل على عدم تكليف أعوانها الذين يباشرون مهاما تحريرية والذين ترشحوا أو أعلنوا ترشحهم للانتخابات، بمهام لها علاقة بالتغطية الإعلامية للحملة الانتخابية.
ويتعين على وسائل الإعلام عدم تخصيص رقم هاتف مجاني أو موزع صوتي أو مركز نداء لفائدة مترشح وفي حال مخالفتها تسلط عليها خطية مالية قدرها 3 آلاف دينار. كما يحجر عليها القيام بالإشهار السياسي خلال الفترة الانتخابية باستثناء الإعلانات الإشهارية المسموح بها للصحف الحزبية وفي صورة المخالفة تسلط عليها خطية مالية من 5 آلاف إلى 10 آلاف دينار ويترتب عن مخالفة تحجير جميع أشكال الدعاية خلال فترة الصمت الانتخابي تسليط خطية مالية من 3 آلاف دينار إلى 20 ألف دينار بينما يترتب عن مخالفة تحجير بث ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات والاستفتاء والدراسات والتعاليق الصحفية المتعلقة بها خلال الحملة وخلال فترة الصمت الانتخابي تسليط خطية مالية من 20 ألف دينار إلى 50 ألف دينار.