إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

زيادة خامسة في أسعار المحروقات .. خطوى أخرى نحو رفع الدعم نهائيا عن الطاقة

 

الحكومة تعطي الضوء الأخضر لتسريح القسط الأول من صندوق النقد

 

تونس-الصباح

في الحقيقة لم يكن قرار الزيادة في أسعار المحروقات في الليلة الفاصلة بين 23 و24 نوفمبر الجاري بالغريب، في ظل التغيرات الكبيرة التي تشهدها أسواق النفط العالمية والارتفاع المتواصل لسعر برميل النفط ليقفز إلى أكثر من 100 دولار، زد عن ذلك وضع المالية العمومية المتأزم وتوسع عجز الموازنة العامة للدولة بسبب ارتفاع تكاليف النفقات العمومية والتي على رأسها نفقات الدعم.

لتكون الحكومة بهذا القرار قد أعطت الضوء الأخضر لصندوق النقد الدولي للمصادقة النهائية على برنامج القرض المتفق بشأنه والذي سيكون في حدود الـ1.9 مليار دولار، باعتبار أن هذا القرار يصب في البرنامج الإصلاحي الذي قدمته الحكومة للصندوق في مشوار المفاوضات البينية، واليوم هاهي توفي بتعهداتها وتنطلق بالسرعة القصوى نحو رفع الدعم تدريجيا ...

كما تواصل بذلك الحكومة توجهها نحو الترفيع في أسعار الطاقة بجميع أصنافها للتقليص من ميزانية الدعم في اتجاه رفع الدعم نهائيا مع حلول سنة 2026، لتعتمد الأسعار الحقيقية في السوق للمواد البترولية والطاقية، ويعتبر القرار الأخير في الترفيع الخامس خلال كامل سنة 2022،  حيث أعلنت وزارة الصناعة والمناجم والطاقة ووزارة التجارة وتنمية الصادرات أنه تقرر تعديل أسعار بعض المواد البترولية ابتداء من يوم الخميس 24 نوفمبر 2022 على الساعة صفر بنسبة تعديل تناهز الـ  7 بالمائة عوضا عن 5 بالمائة كانت معتمدة من قبل.

وأكدت الوزارتان أن أسعار مادتي بترول الإنارة وغاز البترول المنزلي لم يطرأ عليهما أي تغيير علما وأن كل زيادة بدولار واحد في البرميل يترتب عنها حاجيات تمويل إضافية لمنظومة المحروقات والكهرباء والغاز بحوالي 140 مليون دينار في السنة.

كما أوضحتا أن هذا التعديل يأتي تبعا لما تشهده السوق العالمية للطاقة من اضطرابات تتعلق بتقلص الإمدادات وارتفاع كلفة التزود بالمواد البترولية منذ بداية السنة ليرتفع معدل السعر بالنسبة لخام البرنت ومن المنتظر أن يبلغ مستوى 100.5 دولار للبرميل موفى سنة 2022.

والحال أن كل زيادة بدولار واحد في سعر البرميل تؤدي مباشرة  إلى زيادة في نفقات الدعم بـ 140 مليون دينار.. وكانت الدولة قد ضبطت فرضية سعر برميل النفط، في القانون الأصلي للمالية لسنة 2022، بتكاليف جملية في دعم المحروقات في حدود الـ 2891 مليون دينار، من جملة 7262 حجم الدعم الجملي المحدد في القانون، بعد أن كانت القيمة لا تتجاوز الـ 401 مليون دينار في قانون المالية لسنة 2021..

تأخير بشهرين والزيادة ثقيلة

وتأتي الزيادة الخامسة بتأخير بشهرين كاملين عن آخر قرار ترفيع في منتصف شهر سبتمبر المنقضي وهي الزيادة الرابعة، لتصدر وزارة الصناعة في ما بعد وبعد تساؤل الأوساط التونسية حول هذا التأخير وتداعياته خاصة أن الحكومة أكدت اعتمادها آلية التعديل الآلي في تحديد أسعار المحروقات بصفة شهرية، أصدرت وزارة الصناعة والطاقة والمناجم توضيحا تمهيديا يسبق الزيادة الخامسة في الأسعار.

وذلك عن طريق المعطيات والمؤشرات الأخيرة التي يشهدها الوضع الطاقي في البلاد، حيث استدلت الوزارة بآخر التطورات الجديدة التي تشهدها الأسواق العالمية للنفط والتي أدت إلى تواصل ارتفاع سعر برميل النفط ليصل المعدل إلى  106 دولارات مع موفى شهر أكتوبر المنقضي، كما ألقت هذه التطورات بظلالها على الامدادات في حوض المتوسط التي عرفت تناقصا ملحوظا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، حسب الوزارة.

أما على المستوى الوطني فقد  تفاقم العجز الطاقي بحوالي 50 بالمائة في ظل تواصل تراجع أنشطة الاستكشاف والبحث خلال العشرية الأخيرة..، ومع ذلك تواصل الدولة الترفيع في ميزانية الدعم لقطاع الطاقة خلال السنة الحالية لتصل التكاليف إلى 8.2 مليار دينار ..

وعرفت الاعتمادات التي خصصتها الدولة لدعم المحروقات ارتفاعا ملحوظا خلال النصف الأول من السنة الجارية لينتقل الحجم من 300 مليون دينار في نفس الفترة من السنة المنقضية إلى حدود الـ 1400 مليون دينار حاليا، مسجلا قفزة كبيرة بنسبة تناهز الـ 370بالمائة ليستحوذ بالتالي دعم الدولة على المحروقات فقط على 67 بالمائة من مجموع الاعتمادات التي حددتها في قانون المالية للسنة الحالية.

هذا الارتفاع الكبير في حجم الدعم، يؤكد من جديد المنحى التصاعدي الذي اتخذته نفقات الدعم في السنوات الثلاثة الأخيرة، حيث عرفت حاجيات الدعم في ما بين 2020 و2021 و2022، ارتفاعا ملحوظا من 4 آلاف مليون دينار إلى 7262 مليون دينار خلال السنة الحالية، أي ما يعادل الـ 15.4 بالمائة من مجموع نفقات ميزانية الدولة. 

وتعود هذه الزيادة المتواصلة في حجم نفقات الدعم خاصة على المحروقات إلى ارتفاع أسعار برميل النفط العالمي في الأسواق العالمية بسبب الاضطرابات التي عرفتها القوى الاقتصادية العظمى على غرار أمريكا وأوروبا وروسيا في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، لتقفز أسعار النفط إلى مستويات مرتفعة بعد انخفاضها لأقل مستوى لها  في 6 أشهر، ليتجاوز سعر البرميل الـ 100 دولار كامل شهر أوت المنقضي حتى يستقر مؤخرا في حدود الـ 90 دولارا...

نسبة التعديل من 5 إلى 7 بالمائة محور الجدال

وفي ما يتعلق بقرار الترفيع في نسبة التعديل من 5 بالمائة إلى 7 بالمائة، فان  وثيقة النتائج الوقتية لتنفيذ ميزانية الدولة موفى شهر جوان المنقضي التي نشرتها وزارة المالية، أرجعت ارتفاع  نفقات الدعم خلال السداسي الأول من سنة 2022، بنسبة 51 بالمائة بالمقارنة مع نفس الفترة من سنة 2021 إلى ارتفاع دعم المحروقات بنسبة 370 بالمائة مقارنة بالنصف الأول من سنة 2021 في حين أن الاعتمادات المخصصة لدعم المواد الأساسية قد تراجعت بنسبة 53 بالمائة، لتستقر في حدود 400 مليون دينار...

هذا الوضع سيفرض قريبا ومن خلال عودة الحكومة لاعتماد آلية التعديل الآلي في تحديد أسعار المحروقات إلى الترفيع مجددا في الأسعار، وبالرغم من التوقف عن اعتماد هذه الآلية لثلاثة أشهر متتالية، إلا أن العودة إليها بات أمرا حتميا في ظل تواصل ارتفاع الأسعار العالمية من جهة وزيادة تكاليف الدعم من جهة ثانية.

كما من المنتظر أن تكون نسبة الزيادة هذه المرة في حدود الـ 5 بالمائة، باعتبار أن هذه النسبة قد حددتها الحكومة في وثيقة الإصلاحات الهيكلية التي وضعتها منذ شهر ديسمبر من السنة المنقضية والتي تؤكد قرار الترفيع في أسعار المحروقات بصفة شهرية بنسبة 3 بالمائة انطلاقا من شهر جانفي 2022 والى غاية شهر سبتمبر  من نفس السنة، أي على امتداد ثمانية أشهر فقط..

لكن اليوم اختلف الأمر مع آخر قرار ترفيع،  بما يؤكد تواصل الدولة نحو إقرار زيادات جديدة  في أسعار المحروقات والمواد البترولية بجميع أصنافها وبنسبة 7 بالمائة بما سيكون له تداعيات وخيمة على المستهلك التونسي في ظل الارتفاع الجنوني في بقية المواد الاستهلاكية..

وكانت الحكومة قد أقرت أربع زيادات في أسعار المحروقات منذ مطلع السنة الجارية لتتوقف لشهرين اثنين  لعدة أسباب داخلية، في إطار برنامج التعديل الآلي لأسعار المواد البترولية المعتمد ضمن ميزانية الدولة لسنة 2022، وكانت آخر زيادة قد تراوحت بين 85 و 240 مليما لعدد من المواد البترولية في السوق المحلية مع استثناء أسعار قوارير غاز البترول المسال المنزلي وبترول الإنارة المنزلي.

وعن الزيادة الخامسة، فهي تعتبر الترفيع الأثقل منذ تفشي الأزمة الوبائية بعد أن تراجعت الأسعار في سابقة تاريخية لم يشهدها العالم منذ أكثر من عقدين ليتهاوي إلى أدنى مستوياته، ويصل سعر برميل النفط الأمريكي وقتها إلى سالب 40 دولارا تحديدا يوم الاثنين من شهر افريل من السنة المنقضية، وهو اليوم الذي وصف بـ "الاثنين الأسود" في أسواق النفط..

برنامج  الحكومة بيع المحروقات بالأسعار الحقيقية

وبالرغم من نسبة الزيادة الكبيرة التي شملت الأسعار هذه المرة مقارنة ببقية الزيادات، إلا أن الحكومة سائرة في تطبيق بنود برنامج الإصلاح الذي تتجه إليه تدريجيا وهو بيع المحروقات بالأسعار الحقيقية مع تحرير توريد المواد البترولية من قبل الخواص حال بلوغ حقيقة الأسعار والمحافظة على  دور الشركة التونسية لصناعة التكرير في تأمين التزود وتطوير طاقات الخزن، فضلا عن ذلك تعمل الوزارة على ترشيد استهلاك المواد البترولية مستقبلا، حسب ما جاء في البرنامج الحكومي الإصلاحي....

وهو ما يفسر اليوم مواصلة الحكومة إقرار ترفيعات جديدة  في أسعار المحروقات بالاعتماد على آلية التعديل الآلي الشهري ليكون هذا القرار المخرج الأوحد للحكومة كحل من الحلول السريعة لتغطية نفقات الدعم على الطاقة، تمهيدا لرفع دعم الدولة نهائيا على الطاقة..

كما أن بلادنا مازالت تشكو من عجز في ميزانها الطاقي إذ لا تغطي حاجياتها من النفط والغاز إلا في حدود الـ 50 بالمائة والبقية توفرها عن طريق الاستيراد بالعملة الصعبة ومع ذلك نعيش اليوم ضغوطات كبيرة في هذا المجال باعتبار الارتفاع المتواصل لسعر برميل النفط العالمي الذي تجاوز الـ 100 دولار..

ومازال الإنتاج الوطني يعاني من تعطل في نشاطه على مستوى الحقول البترولية والمؤسسات العمومية التي تواجه صعوبات بما تسبب في تعثر ملحوظ  في الدورة الاقتصادية، إلى جانب اضطراب سعر الصرف وهو ما تسبب في ارتفاع تكاليف الدعم...

وبالنظر إلى تواصل الاضطرابات في العالم بدءًا بالأزمة الوبائية وصولا اليوم إلى الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا وما لها من تداعيات وخيمة على اقتصاديات الدول عموما، من المؤكد أن سياسة الدولة من هنا فصاعدا ستكون موجهة بالأساس نحو مواصلة إقرار زيادات في أسعار المحروقات تمهيدا للرفع النهائي عن الدعم خاصة أن حجم دعم الطاقة سيقفز هذه المرة إلى أكثر من 3 آلاف مليون دينار من مجموع ميزانيتها المخصصة فقط للدعم..

وفاء بن محمد

زيادة خامسة في أسعار المحروقات .. خطوى أخرى نحو رفع الدعم نهائيا عن الطاقة

 

الحكومة تعطي الضوء الأخضر لتسريح القسط الأول من صندوق النقد

 

تونس-الصباح

في الحقيقة لم يكن قرار الزيادة في أسعار المحروقات في الليلة الفاصلة بين 23 و24 نوفمبر الجاري بالغريب، في ظل التغيرات الكبيرة التي تشهدها أسواق النفط العالمية والارتفاع المتواصل لسعر برميل النفط ليقفز إلى أكثر من 100 دولار، زد عن ذلك وضع المالية العمومية المتأزم وتوسع عجز الموازنة العامة للدولة بسبب ارتفاع تكاليف النفقات العمومية والتي على رأسها نفقات الدعم.

لتكون الحكومة بهذا القرار قد أعطت الضوء الأخضر لصندوق النقد الدولي للمصادقة النهائية على برنامج القرض المتفق بشأنه والذي سيكون في حدود الـ1.9 مليار دولار، باعتبار أن هذا القرار يصب في البرنامج الإصلاحي الذي قدمته الحكومة للصندوق في مشوار المفاوضات البينية، واليوم هاهي توفي بتعهداتها وتنطلق بالسرعة القصوى نحو رفع الدعم تدريجيا ...

كما تواصل بذلك الحكومة توجهها نحو الترفيع في أسعار الطاقة بجميع أصنافها للتقليص من ميزانية الدعم في اتجاه رفع الدعم نهائيا مع حلول سنة 2026، لتعتمد الأسعار الحقيقية في السوق للمواد البترولية والطاقية، ويعتبر القرار الأخير في الترفيع الخامس خلال كامل سنة 2022،  حيث أعلنت وزارة الصناعة والمناجم والطاقة ووزارة التجارة وتنمية الصادرات أنه تقرر تعديل أسعار بعض المواد البترولية ابتداء من يوم الخميس 24 نوفمبر 2022 على الساعة صفر بنسبة تعديل تناهز الـ  7 بالمائة عوضا عن 5 بالمائة كانت معتمدة من قبل.

وأكدت الوزارتان أن أسعار مادتي بترول الإنارة وغاز البترول المنزلي لم يطرأ عليهما أي تغيير علما وأن كل زيادة بدولار واحد في البرميل يترتب عنها حاجيات تمويل إضافية لمنظومة المحروقات والكهرباء والغاز بحوالي 140 مليون دينار في السنة.

كما أوضحتا أن هذا التعديل يأتي تبعا لما تشهده السوق العالمية للطاقة من اضطرابات تتعلق بتقلص الإمدادات وارتفاع كلفة التزود بالمواد البترولية منذ بداية السنة ليرتفع معدل السعر بالنسبة لخام البرنت ومن المنتظر أن يبلغ مستوى 100.5 دولار للبرميل موفى سنة 2022.

والحال أن كل زيادة بدولار واحد في سعر البرميل تؤدي مباشرة  إلى زيادة في نفقات الدعم بـ 140 مليون دينار.. وكانت الدولة قد ضبطت فرضية سعر برميل النفط، في القانون الأصلي للمالية لسنة 2022، بتكاليف جملية في دعم المحروقات في حدود الـ 2891 مليون دينار، من جملة 7262 حجم الدعم الجملي المحدد في القانون، بعد أن كانت القيمة لا تتجاوز الـ 401 مليون دينار في قانون المالية لسنة 2021..

تأخير بشهرين والزيادة ثقيلة

وتأتي الزيادة الخامسة بتأخير بشهرين كاملين عن آخر قرار ترفيع في منتصف شهر سبتمبر المنقضي وهي الزيادة الرابعة، لتصدر وزارة الصناعة في ما بعد وبعد تساؤل الأوساط التونسية حول هذا التأخير وتداعياته خاصة أن الحكومة أكدت اعتمادها آلية التعديل الآلي في تحديد أسعار المحروقات بصفة شهرية، أصدرت وزارة الصناعة والطاقة والمناجم توضيحا تمهيديا يسبق الزيادة الخامسة في الأسعار.

وذلك عن طريق المعطيات والمؤشرات الأخيرة التي يشهدها الوضع الطاقي في البلاد، حيث استدلت الوزارة بآخر التطورات الجديدة التي تشهدها الأسواق العالمية للنفط والتي أدت إلى تواصل ارتفاع سعر برميل النفط ليصل المعدل إلى  106 دولارات مع موفى شهر أكتوبر المنقضي، كما ألقت هذه التطورات بظلالها على الامدادات في حوض المتوسط التي عرفت تناقصا ملحوظا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، حسب الوزارة.

أما على المستوى الوطني فقد  تفاقم العجز الطاقي بحوالي 50 بالمائة في ظل تواصل تراجع أنشطة الاستكشاف والبحث خلال العشرية الأخيرة..، ومع ذلك تواصل الدولة الترفيع في ميزانية الدعم لقطاع الطاقة خلال السنة الحالية لتصل التكاليف إلى 8.2 مليار دينار ..

وعرفت الاعتمادات التي خصصتها الدولة لدعم المحروقات ارتفاعا ملحوظا خلال النصف الأول من السنة الجارية لينتقل الحجم من 300 مليون دينار في نفس الفترة من السنة المنقضية إلى حدود الـ 1400 مليون دينار حاليا، مسجلا قفزة كبيرة بنسبة تناهز الـ 370بالمائة ليستحوذ بالتالي دعم الدولة على المحروقات فقط على 67 بالمائة من مجموع الاعتمادات التي حددتها في قانون المالية للسنة الحالية.

هذا الارتفاع الكبير في حجم الدعم، يؤكد من جديد المنحى التصاعدي الذي اتخذته نفقات الدعم في السنوات الثلاثة الأخيرة، حيث عرفت حاجيات الدعم في ما بين 2020 و2021 و2022، ارتفاعا ملحوظا من 4 آلاف مليون دينار إلى 7262 مليون دينار خلال السنة الحالية، أي ما يعادل الـ 15.4 بالمائة من مجموع نفقات ميزانية الدولة. 

وتعود هذه الزيادة المتواصلة في حجم نفقات الدعم خاصة على المحروقات إلى ارتفاع أسعار برميل النفط العالمي في الأسواق العالمية بسبب الاضطرابات التي عرفتها القوى الاقتصادية العظمى على غرار أمريكا وأوروبا وروسيا في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، لتقفز أسعار النفط إلى مستويات مرتفعة بعد انخفاضها لأقل مستوى لها  في 6 أشهر، ليتجاوز سعر البرميل الـ 100 دولار كامل شهر أوت المنقضي حتى يستقر مؤخرا في حدود الـ 90 دولارا...

نسبة التعديل من 5 إلى 7 بالمائة محور الجدال

وفي ما يتعلق بقرار الترفيع في نسبة التعديل من 5 بالمائة إلى 7 بالمائة، فان  وثيقة النتائج الوقتية لتنفيذ ميزانية الدولة موفى شهر جوان المنقضي التي نشرتها وزارة المالية، أرجعت ارتفاع  نفقات الدعم خلال السداسي الأول من سنة 2022، بنسبة 51 بالمائة بالمقارنة مع نفس الفترة من سنة 2021 إلى ارتفاع دعم المحروقات بنسبة 370 بالمائة مقارنة بالنصف الأول من سنة 2021 في حين أن الاعتمادات المخصصة لدعم المواد الأساسية قد تراجعت بنسبة 53 بالمائة، لتستقر في حدود 400 مليون دينار...

هذا الوضع سيفرض قريبا ومن خلال عودة الحكومة لاعتماد آلية التعديل الآلي في تحديد أسعار المحروقات إلى الترفيع مجددا في الأسعار، وبالرغم من التوقف عن اعتماد هذه الآلية لثلاثة أشهر متتالية، إلا أن العودة إليها بات أمرا حتميا في ظل تواصل ارتفاع الأسعار العالمية من جهة وزيادة تكاليف الدعم من جهة ثانية.

كما من المنتظر أن تكون نسبة الزيادة هذه المرة في حدود الـ 5 بالمائة، باعتبار أن هذه النسبة قد حددتها الحكومة في وثيقة الإصلاحات الهيكلية التي وضعتها منذ شهر ديسمبر من السنة المنقضية والتي تؤكد قرار الترفيع في أسعار المحروقات بصفة شهرية بنسبة 3 بالمائة انطلاقا من شهر جانفي 2022 والى غاية شهر سبتمبر  من نفس السنة، أي على امتداد ثمانية أشهر فقط..

لكن اليوم اختلف الأمر مع آخر قرار ترفيع،  بما يؤكد تواصل الدولة نحو إقرار زيادات جديدة  في أسعار المحروقات والمواد البترولية بجميع أصنافها وبنسبة 7 بالمائة بما سيكون له تداعيات وخيمة على المستهلك التونسي في ظل الارتفاع الجنوني في بقية المواد الاستهلاكية..

وكانت الحكومة قد أقرت أربع زيادات في أسعار المحروقات منذ مطلع السنة الجارية لتتوقف لشهرين اثنين  لعدة أسباب داخلية، في إطار برنامج التعديل الآلي لأسعار المواد البترولية المعتمد ضمن ميزانية الدولة لسنة 2022، وكانت آخر زيادة قد تراوحت بين 85 و 240 مليما لعدد من المواد البترولية في السوق المحلية مع استثناء أسعار قوارير غاز البترول المسال المنزلي وبترول الإنارة المنزلي.

وعن الزيادة الخامسة، فهي تعتبر الترفيع الأثقل منذ تفشي الأزمة الوبائية بعد أن تراجعت الأسعار في سابقة تاريخية لم يشهدها العالم منذ أكثر من عقدين ليتهاوي إلى أدنى مستوياته، ويصل سعر برميل النفط الأمريكي وقتها إلى سالب 40 دولارا تحديدا يوم الاثنين من شهر افريل من السنة المنقضية، وهو اليوم الذي وصف بـ "الاثنين الأسود" في أسواق النفط..

برنامج  الحكومة بيع المحروقات بالأسعار الحقيقية

وبالرغم من نسبة الزيادة الكبيرة التي شملت الأسعار هذه المرة مقارنة ببقية الزيادات، إلا أن الحكومة سائرة في تطبيق بنود برنامج الإصلاح الذي تتجه إليه تدريجيا وهو بيع المحروقات بالأسعار الحقيقية مع تحرير توريد المواد البترولية من قبل الخواص حال بلوغ حقيقة الأسعار والمحافظة على  دور الشركة التونسية لصناعة التكرير في تأمين التزود وتطوير طاقات الخزن، فضلا عن ذلك تعمل الوزارة على ترشيد استهلاك المواد البترولية مستقبلا، حسب ما جاء في البرنامج الحكومي الإصلاحي....

وهو ما يفسر اليوم مواصلة الحكومة إقرار ترفيعات جديدة  في أسعار المحروقات بالاعتماد على آلية التعديل الآلي الشهري ليكون هذا القرار المخرج الأوحد للحكومة كحل من الحلول السريعة لتغطية نفقات الدعم على الطاقة، تمهيدا لرفع دعم الدولة نهائيا على الطاقة..

كما أن بلادنا مازالت تشكو من عجز في ميزانها الطاقي إذ لا تغطي حاجياتها من النفط والغاز إلا في حدود الـ 50 بالمائة والبقية توفرها عن طريق الاستيراد بالعملة الصعبة ومع ذلك نعيش اليوم ضغوطات كبيرة في هذا المجال باعتبار الارتفاع المتواصل لسعر برميل النفط العالمي الذي تجاوز الـ 100 دولار..

ومازال الإنتاج الوطني يعاني من تعطل في نشاطه على مستوى الحقول البترولية والمؤسسات العمومية التي تواجه صعوبات بما تسبب في تعثر ملحوظ  في الدورة الاقتصادية، إلى جانب اضطراب سعر الصرف وهو ما تسبب في ارتفاع تكاليف الدعم...

وبالنظر إلى تواصل الاضطرابات في العالم بدءًا بالأزمة الوبائية وصولا اليوم إلى الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا وما لها من تداعيات وخيمة على اقتصاديات الدول عموما، من المؤكد أن سياسة الدولة من هنا فصاعدا ستكون موجهة بالأساس نحو مواصلة إقرار زيادات في أسعار المحروقات تمهيدا للرفع النهائي عن الدعم خاصة أن حجم دعم الطاقة سيقفز هذه المرة إلى أكثر من 3 آلاف مليون دينار من مجموع ميزانيتها المخصصة فقط للدعم..

وفاء بن محمد