بقلم كمال بن يونس
اسدل الستار عن فعاليات " قمة البلدان الفرنكفونية ال88 " التي نظمت بجزيرة جربة السياحية وفي العاصمة تونس ..وبينها مؤتمرات اقتصادية وثقافية وسياسية وملتقى لرؤساء البلديات وتظاهرات فنية مختلفة ..
فعاليات هذا الحدث الدولي بمختلف مكوناته يمكن أن تساهم في بناء جسورا جديدة للشراكة بين تونس ومحيطها الإقليمي وامتداداتها الدولية ، بما في ذلك مع الدول التي شاركت بصفة "مراقب " ، من غير الناطقين بالفرنسية ، مثل قطر والامارات العربية المتحدة ..
صحيح أنه يجب تقييم أداء كل الأطراف التي ساهمت في التحضير لهذا الحدث الدولي ثم في تأثيث فقراته ، واستخلاص الدروس من الغلطات التي وقعت قبل القمة وخلالها ، سياسيا وأمنيا ولوجيستيا ..بما في ذلك " التصعيد الأمني" ضد المتظاهرين في جرجيس وقرب القنطرة..
والتقييم ضروري جدا للاستفادة من النقائص والثغرات ، وتحميل كل الأطراف مسؤولياتها..
وهو متأكد لفهم حقيقة الملابسات التي أدت إلى تأجيل تنظيم القمة عاما كاملا ، وأوشكت أن تتسبب في إلغائها أو نقل مقرها ..ثم في تغييرات في جدول الأعمال وفي مستوى تمثيل بعض الوفود وفي نوعية مشاركة بعض الدول في الجلسات العامة وفي الفعاليات الرئيسية ، وخاصة فرنسا وكندا وبعض الدول " الديمقراطية " ..بالرغم من كون تونس أسست هذا المنتدى قبل أكثر من خمسين عاما بعد مشاورات بين الرئيس الحبيب بورقيبة ونظيره السينغالي ليبولود سنغور..
لكن المعطيات المتوفرة حاليا تؤكد أن التنظيم كان عموما ناجحا ، وفي ذلك شهادة تقدير للكفاءات التونسية والدولية التي ساهمت فيه..
كما كان من بين نقاط القوة تجميع مئات الخبراء ورجال الاعمال وممثلي المجالس البلدية المنتخبة في الدول الافريقية ..بما سمح بتنظيم جلسات تعارف وتشاور يمكن أن تسفر عن " نوايا استثمار" وعن " شراكات جديدة " في قطاعات الاستثمار والتشغيل والتجارة والخدمات وتكنولوجيا المعلومات والتعليم والبحث العلمي والثقافة والاعلام والتنمية البشرية ..الخ
ورغم عدم برمجة تدخل رسمي لرئيس فرنسا ماكرون ورئيس حكومة كندا في الجلستين الافتتاحية والختامية للقمة ، فإن حضورهما في جربة على رأس وفود مهمة كان حدثا واعترافا بحاجة " دول الشمال " لتونس ، ولبقائها داخل " نادي الدول الفرنكفونية " في هذه المرحلة التي تراجع فيها دور فرنسا وبعض البلدان الاوربية في الدول العربية ودول" الساحل والصحراء" الافريقية.. فيما تزايد دور الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند وتركيا وبعض دول الخليج ..
وإذا كانت السياسة هي " الإبن الشرعي لتقاطع المصالح " ، فإن من بين أولويات المرحلة القادمة بالنسبة للبلدان التي تمر بصعوبات هيكلية وأخرى ظرفية اقتصاديا وسياسيا وأمنيا وعسكريا ، تنويع شركائها مع الاستفادة من كل فرص التعاون مع " الشركاء التقليديين " وعلى رأسهم فرنسا ودول الاتحاد الأوربي ودول الجوار المغاربية والعربية والمتوسطية ..
ولئن تزامنت قمة جربة مع قمة دولية حول المناخ في شرم الشيخ المصرية ومع قمم دولية في شرف آسيا ، حضرها كبار قادة العالم ، فإن من حق تونس أن توظف " كل أوراقها " خدمة لمصالح شعبها ومؤسسات الدولة ، ولإقناع آلاف رجال الأعمال التونسيين والعرب و" الفرنكفونيين " بالاستثمار في المرحلة القادمة في تونس وفي بلدان جنوب المتوسط رغم كل النقائص والثغرات وبينها البيروقراطية والفساد الإداري والمالي وانتشار الرشوة والفساد في عدة قطاعات ..
ومثلما ساهمت المؤتمرات الدولية في تعريف صناع القرار في العالم بالمنتجعات السياحية في شرم الشيخ والغردقة والعقبة والبحر الميت وجدة والدوحة ودبي ومراكش وطنجة وقسنطينة ووهران ...الخ عسى أن تتحرك وزارات الخارجية والسياحة والاقتصاد بالتنسيق مع مؤسسات رجال الاعمال والمجتمع المدني لتصبح المناطق السياحية في جربة -جرجيس والمهدية والساحل وطبرقة قبلة منظمي المعارض والمنتديات العالمية ..
على صناع القرار في قرطاج والقصبة ووزارة الخارجية أن يقيموا بعيدا عن الأضواء " قمة جربة " وأن يتداركوا الثغرات بسرعة ..وأن يدعموا خيار " تنويع شراكات تونس الدولية " حتى تستفيد من موقعها ومن رصيدها لتستقطب قولا وفعلا مزيدا من المستثمرين والسياح.. وتكسب مجددا ثقة الشعب في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص..