تونس – الصباح
يكاد يكون هناك إجماع حول حصول انتكاسة كبيرة لنشاط المجتمع المدني التونسي خلال السنة الأخيرة وتحديدا بعد الـ25 جويلية من سنة 2021، وأرجع ذلك إلى العديد من الأسباب منها تراجع المنح والتمويلات التي كانت موجهة للمنظمات والجمعيات من قبل المانحين الدوليين ومنها بسبب ما أضحى عليه المناخ السياسي وما أفرزه من تضييقات واعتداءات ومحاولات لجم للتحركات الميدانية وتوجيه التهم والإدانات لناشطي المجتمع المدني وإحالتهم على القضاء المدني أو العسكري.
من المهم جدّا التذكير بأنّ منظمات المجتمع المدني لعبت في العقد الأخير دورًا حاسمًا في الانتقال السياسي في تونس ما بعد الثورة، فقد نجحت في دفع الحكومات المتعاقبة إلى اعتماد القوانين الضرورية للنهوض بوضعية حقوق الإنسان، مثل قانون العدالة الانتقالية لعام 2013، إلى جانب المساهمة الجبارة في تعديل العديد من الفصول في دستور سنة 2014 وتحويل وجهتها نحو ضمان الحقوق لجميع فئات المجتمع والمحافظة خصوصا على مدنية الدولة أضف إلى ذلك النضال من أجل تمرير قانون القضاء على العنف ضد المرأة لعام 2017، وكذلك قانون مناهضة التمييز العنصري لعام 2018.
نضالات أنقذت الحقوق والحريات
لقد ناضل المجتمع المدني أيضًا للحفاظ على الحريات التي تحصل عليها المجتمع بعد عناء كبير من خلال انتقاد التشريعات المقترحة والتي تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان مثل مشروع قانون حماية الأمنيين والذي تم تقديمه لأول مرة إلى البرلمان في عام 2015.
الجدير بالتذكير أن النجاحات التي حققتها الديمقراطية في تونس تعود في المقام الأول إلى جهود المجتمع التي لم تتوقف يوما منذ سنة 2011 من أجل المحافظة على مسار الانتقال الديمقراطي.
سمح مناخ الحريات بظهور جمعيات ومنظمات تُعنى بقضايا كان من شبه المستحيل الحديث عنها من قبل، فأحدثت جمعيات اهتمت بالشأن الانتخابي، إلى جانب بعث مراصد ومنظمات لمحاربة الفساد والتبليغ عنه. كانت هناك أيضا جمعيات تراقب العمل الحكومي والنيابي والرئاسي، وأخرى تدافع عن حقوق الأقليات "العرقية" كالسود والأمازيغ، وأخرى تدافع عن الحريات الجنسية وحقوق المثليين، إلى جانب بعث جمعيات وتنسيقيات ذات بعد اجتماعي - اقتصادي نضالي تهتم بالحركات الاحتجاجية وظروف العمل والهجرة غير النظامية وحقوق المهاجرين وطالبي اللجوء في تونس.
ولا يمكن بالمرة نسيان تلك المشاهد النضالية الميدانية، فلا يكاد يمر أسبوع طيلة السنوات الأولى من الثورة إلى حدود سنة 2019 دون أن تكون هناك مسيرات أو مظاهرات أو احتجاجات وسط شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة أو أمام مجلس نواب الشعب بباردو أو أي من مختلف الجهات التونسية للتنديد بانتهاكات السلطة وتجاوزاتها.
الوضع تغيّر اليوم، فكان لجائحة كورونا الوقع الكبير على الجميع بما في ذلك المنظمات والجمعيات التي كانت في بداية الأزمة الصحية السند الكبير لجهود الدولة في مجابهتها، بدءا من توفير المساعدات والإعانات الغذائية للعائلات المعوزة والفئات الهشة مرورا بحملات التوعية للوقاية من الفيروس ولعب دور مهم جدا في تقديم العون على المستوى الصحي.
هذه الأزمة في الوقت الذي برزت فيه بعض المنظمات والجمعيات التي توجهت كليا لمجال الصحة حينها، كانت في المقابل كارثة حطت على البعض الآخر في ظل توقف مصادر التمويل والمنح باعتبار أنّ جهود المنظمات الدولية المانحة خصصت بالكامل أو في جلها لمجابهة الجائحة.
وبالتالي تغيّرت كل التوجهات والبرامج، وباتت حتى الجهات المانحة بدورها تُعاني من شح السيولة وتقلص مواردها المالية ما أثّر على نشاط الجمعيات والمنظمات وتوقف البعض منها عن مواصلة العمل في الفضاء المدني.
مسارات مختلفة وحاسمة
أمام هذا الوضع الكارثي تعالت أصوات من داخل المجتمع تُنادي بوجوب تضافر الجهود وتوفير الإمكانيات المالية واللوجستية الضرورية لمجابهة خطر هذه الأزمة العالمية. وانطلقت بعض من مكونات المجتمع المدني في تحديد الأولويات معتمدة في ذلك على تجارب البلدان التي فتك بها الفيروس، لتصحح الخطأ في الإجراءات وتصوب تدخلاتها لتكون فعالة في تطويق الأزمة، وهو ما حدث بالفعل حيث أن العشرات من الجمعيات والمنظمات لعبت دورا مهما في التوعية ومدّ يد المساعدة اجتماعيا وماليا وأيضا صحيا خلال فترة الموجة الثالثة والرابعة بسبب ما عاشته البلاد من نقص في الأوكسيجان وعجز المستشفيات والمصحات عن إيواء المرضى بسبب بلوغ طاقة استيعابها الحد الأقصى.
خلال هاتين المرحلتين من مسار نشاط المجتمع المدني، برزت وجوه حقوقية من ناشطي المجتمع المدني خاصة على المستوى الإعلامي وأحدثت ضجة كبيرة خاصة في السنوات الأولى من الثورة أي سنوات 2011 و2012 و2013 و2014 بمعنى من فترة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية الأولى لسنة 2014.
وجوه منها من لعب دورا جوهريا ومحوريا في تغيير نظرة الناس لدور المنظمات والجمعيات وكان لها الأثر الكبير في مساعدة السلطة في إيجاد حلول لعدة قضايا خاصة منها الاجتماعية والاقتصادية وأيضا الحقوقية، ووجوه أخرى نشطت باسم الفضاء المدني أثارت الكثير من الجدل والتشكيك في أجنداتها ومهامها خاصة المتعلقة بالدفاع عن مسار العدالة الانتقالية أو قضايا الاغتيالات السياسية أو الأنشطة الخيرية.
وفي العديد من المناسبات وجُهت تُهم للمجتمع المدني بأنه الغطاء والحامي لمصادر تمويل بعض الأحزاب وتبييض أموالها وهو أيضا واجهتها الخفية للاستقطاب السياسي والحزبي للمنخرطين لاستغلالهم خلال الانتخابات سواء كانت التشريعية والرئاسية.
بعد 25 جويلية 2021 صمتت أغلب مكونات المجتمع المدني بطريقة ملفتة للنظر، وقد أصيب معظمها بالذهول نتيجة سرعة وحجم الإجراءات المعلنة. فالمنظمات والجمعيات التي كانت في السنوات الماضية أي إلى حدود 2020 قلب الثورة النابض، صدمت الرأي العام بصمتها المفاجئ طيلة أيام وأسابيع.
انقسامات داخل الفضاء المدني بعد القرارات الاستثنائية
وفي أحسن الأحوال أصدرت بعض البيانات والبلاغات للتذكير بمبادئ الديمقراطية أو التشريعات على شبكات التواصل الاجتماعي معبرة من خلال ذلك عن مخاوفها من تحييد المسار الثوري والانتقال الديمقراطي عن وجهته التي ناضل من أجله الآلاف من التونسيين والمئات من المنظمات والجمعيات.
موقف الانتظار والترقب هذه رأى عدد من مراقبي الشأن العام أنه موافقة ضمنية على التدابير الاستثنائية ورفض للوضع الذي كان سائدا قبل ذلك التاريخ خاصة بمجلس نواب الشعب. في المقابل ذهب البعض الآخر من المحللين الى أن عددا من هذه المنظمات والجمعيات متحفظة لبعض الأيام للإدلاء برأيها والإقرار بأن هناك خطرا وتخوفا كبيرا من إغراق تونس في ديكتاتورية جديدة والرجوع بها إلى الوراء بعد أكثر من عشر سنوات من النضال.
في حقيقة الأمر لم يتواصل الوضع على ما هو عليه لفترة زمنية طويلة، بعض أسابيع قليلة وبعد أن ساد الغموض حول مآلات تطبيق القرارات الاستثنائية هبت العديد من المنظمات والجمعيات خاصة منها الكبرى إلى المطالبة بالتسريع في سن إجراءات التصحيح والإنقاذ بعد مماطلة شديدة من رئاسة الجمهورية.
وطيلة تلك الفترة، أي منذ 25 جويلية 2021 لم يسلم المجتمع المدني من التضييقات والإقصاء من المشاركة في الحوارات وإبداء الرأي والأخذ بآرائه والاستماع إلى صوته أثناء الاحتجاجات والمظاهرات التي جوبهت بتدخل أمني عنيف في العديد من المناسبات إلى بلغ الأمر إلى حد المنع من التظاهر والاحتجاج خاصة بشارع الحبيب بورقيبة.
برزت اللامبالاة وعدم الاهتمام برأي المنظمات والجمعيات أكثر طيلة هذه الأشهر استعدادا للانتخابات التشريعية وقبل ذلك مرحلة الاستفتاء ورغم التنديد سواء من خلال البلاغات أو المنابر الإعلامية لم يتمكن المجتمع المدني المتخصص منه في تغيير المسار الانتخابي كما كان يفعل في السابق، فقد غيب عن المشاركة في تنقيح القانون الانتخابي وألغت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وجودها من أي مشاورات أو جلسات لتنظيم العملية الانتخابية القادمة ما قد يؤكد العديد من التصريحات بأن هناك توجها نحو إلغاء دور المجتمع المدني ولجم صوته خاصة منه المنتقد لسياسات الدولة وقراراتها.
إيمان عبد اللطيف
إلى حدود 15 نوفمبر 2022: 24 ألفا و618 جمعية.. أكثر من 20 بالمائة منها بولاية تونس
أُحدثت الآلاف من الجمعيات والمنظمات بعد الثورة بمختلف الولايات والجهات أضف إليها تلك التي أنشئت قبل ذلك التاريخ، فظهر منها المئات في واجهة الفضاء المدني خاصة منها التي عملت على مسار الانتقال الديمقراطي والحريات والعدالة الانتقالية والانتخابات وأيضا تلك التي تُعنى بالمرأة والطفل والعنف المسلّط عليهما.
في هذا السياق، كشفت آخر إحصائيات مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات "إفادة" أنّ عدد الجمعيات والمنظمات قد بلغ 24618 إلى حدود 15 نوفمبر 2022 موزعة على 24 ولاية.
وقد تصدرت خمس ولايات الترتيب من حيث عدد المنظمات والجمعيات بها، وهي ولاية تونس التي جاءت في المرتبة الأولى بـ5012، أي بنسبة فاقت 20 بالمائة من مجموع مكونات الفضاء المدني.
تلت ولاية تونس في الترتيب ولاية صفاقس (1856)، ثم ولاية نابل (1459)، ولاية أريانة (1284)، وولاية سوسة (1237) وتضمنت ولاية زغوان أدنى عدد للجمعيات والمنظمات المتمثل في 315.
عديدة هي مجالات أنشطة مكونات المجتمع المدني والتي صنفها مركز "إفادة" إلى 17 مجال وهي علمية (1856)، نسائية (221)، رياضية (3142)، ودادية (1399)، ثقافية (4905)، خيرية اجتماعية (2735)، تنموية (2541)، القروض الصغيرة (303)، المدرسية (4588)، بيئية (624)، حقوقية (422)، مواطنة (850)، شبابية (407)، طفولة (318)، أجنبية (215) منها 162 موجود بولاية تونس، شبكة (78) وتنسيقية (14).
مقترحات لتنقيح بعض فصول مرسوم الجمعيات لسنة 2011
أجريت في شهر فيفري المنقضي بين مختلف الوزارات نقاشات تهمّ جملة من التنقيحات التي أعدتها رئاسة الحكومة الحالية التي ستشمل المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات المتكون من 49 فصلا.
هذه النقاشات لم تظهر نتائجها إلى اليوم ولا أحد يعلم مآلات هذه التنقيحات ومتى سيتم الإعلان عنها، لكن في إطار هذا الملف تنشر "الصباح" مقترحات التعديل والفصول المعنية بها.
الفصل الأوّل معدلا: يهدف هذا المرسوم إلى تكريس حرية تأسيس الجمعيّات الوطنيّة وفروعها وشبكات الجمعيات وفروع الجمعيات الأجنبية والمنظمات الدولية غير الحكومية الوطنية وفروع المنظمات الدولية غير الحكومية الأجنبية ومؤسسات النفع العام الوطنية وفروع مؤسسات النفع العام الأجنبية والنشاط في إطارها وتدعيمها وتطويرها والحفاظ على استقلاليتها. ويضبط كيفية تأسيسها وتسييرها وتمويلها ومراقبتها.
*الفصل الرابع معدلا: يحجر على الجمعية:
أولا – أن تعتمد في نظامها الأساسي أو في شعاراتها أو في بياناتها أو في نشاطها أو في تصريحات وأعمال مسيريها، الدعوة إلى العنف والكراهية والتطرف والتمييز بجميع أشكاله. كما يحجر عليها تهديد وحدة الدولة أو نظامها الجمهوري والديمقراطي.
ثانيا – أن تمارس الأعمال التجارية لغرض توزيع الأموال على أعضائها للمنفعة الشخصية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أو استغلال الجمعية لغرض التهرب الضريبي.
ثالثا – أن تجمع الأموال لدعم أحزاب سياسية أو أن تقوم بدعاية للاستفتاءات أو لمرشحين للانتخابات أو أن تقدم لهم الدعم بأي شكل من الأشكال. كما يحجر على مسيري الجمعية الترشح في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية أو المجالس المحلية سواء عن قائمة حزبية أو مستقلة 3 سنوات قبل المحطة الانتخابية.
ولا يشمل هذا التحجير حق الجمعية في التعبير عن آرائها السياسية ومواقفها من قضايا الشأن العام.
*الفصل 5 معدلا: للجمعية:
أولا – الحق في الحصول على المعلومات لمن له مصلحة لا تتعارض مع التراتيب القانونية الجاري بها العمل في الغرض.
ثانيا – حق تقييم دور مؤسسات الدولة وتقديم مقترحات لتحسين أدائها.
ثالثا – حق إقامة الاجتماعات والتظاهرات والمؤتمرات وورشات العمل وجميع الأنشطة المدنية الأخرى مع الالتزام بالتراتيب القانونية الجاري بها العمل.
رابعا – حق نشر التقارير والمعلومات واستطلاعات الرأي وطبع المنشورات في إطار النزاهة والحرفية والضوابط القانونية والعلمية المستوجبة.
*الفصل 6 معدلا : يحجر على السلط العمومية عرقلة نشاط الجمعيات أو تعطيله بصفة مباشرة أو غير مباشرة ما لم تكن مخالفة للتراتيب القانونية الجاري بها العمل.
* الفصل 9 معدلا: يمنع على مؤسسي ومسيري الجمعية أن يضطلعوا بمسؤوليات ضمن الهياكل المسيرة لحزب سياسي على المستوى المركزي أو الجهوي والمحلي.
*الفصل 32 معدلا:
أولا – للجمعيات ذات الهداف المتماثلة، أن تندمج مع بعضها وتكون جمعية واحدة وذلك وفقا للنظام الأساسي لكل منها.
ثانيا – تخضع إجراءات الدمج وتأسيس الجمعية الجديدة لأحكام هذا المرسوم.
ثالثا – تعتبر الجمعيات المندمجة صلب الجمعية الجديدة منحلة آليا. وتتحمّل هذه الخيرة كل الالتزامات المحمولة على الجمعيات المدمجة صلبها.
رابعا – إذا اتخذت الجمعية قرارها بالاندماج فعليها إبلاغ الإدارة المكلفة بالجمعيات برئاسة الحكومة به عن طريق مكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ، هلال ثلاثين (30) يوما من تاريخ صدوره يتضمن الوثائق التالية :
-محضر جلسة عامة يتضمن موافقة أغلبية ثلثي (2/3) أعضاء كل جمعية معنية بالاندماج.
-تقرير مالي مفصل ومصادق عليه لكل جمعية معنية بالاندماج قبل الموافقة على قرار الاندماج.
-شهادة تثبت سلامة الوضعية القانونية للجمعيات المعنية بالاندماج تجاه الإدارة المكلفة بالجباية وتجاه الصناديق الاجتماعية وتجاه السجل الوطني للمؤسسات والتصريح بالمكاسب والمصالح وفقا لأحكام القانون عدد 46 لسنة 2018 المؤرخ في 1 أوت 2018 المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح.
خامسا – يتثبت عدل منفذ عند إرسال المكتوب أنه يتضمّن الوثائق والبيانات والتنصيصات الوجوبية المنصوص عليها أعلاه ويحرّر محضرا في نظيرين يسلمهما لممثل الجمعية الجديدة.
سادسا – يمكن للإدارة المكلفة بالجمعيات برئاسة الحكومة عند عدم استيفاء قرار الاندماج لشروطه الشكلية أو الموضوعية، أن تتخذ مقررا معللا في رفض قبول الاندماج وذلك في غضون ستين (60) يوما من تاريخ تسلم المكتوب المشار إليه أعلاه.
ويكون مقرر الرفض المرسل لشبكة الجمعيات بمثابة إرجاع لبطاقة الإعلام بالبلوغ.
لمؤسسي الجمعية الجديدة الطعن في شرعية مقرر رفض التكوين حسب الإجراءات المعمول بها في مادّة تجاوز السلطة طبقا لأحكام القانون عدد 40 لسنة 1972 المؤرخ في 1 جوان 1972 المتعلق بالمحكمة الإدارية.
سابعا – عند تسلم الإعلام بالبلوغ أو عند الإعلام بقرار المحكمة الإدارية النهائي والقاضي بإلغاء مقرر الرفض، يتولّى من يمثل الجمعية الجديدة في أجل لا يتجاوز سبعة (7) أيام إيداع إعلان بالمطبعة الرسمية للجمهورية التونسية ينصّ على اسم الجمعية الجديدة والجمعيات المندمجة صلبها ومجال نشاطها وأهدافها ومقرّها المصرّح بهم مرفقا بنظير من المحضر المذكور بالفقرة الخامسة من الفصل 32 أو بالقرار المذكور أعلاه.
-وتنشر المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية الإعلان وجوبا في الرائد الرسمي في أجل خمسة عشر (15) يوما انطلاقا من يوم إيداعه.
-يعتبر عدم رجوع بطاقة الإعلام بالبلوغ أو مقرر الرفض في أجل ستون (60) يوما من إرسال المكتوب المشار إليه أعلاه بلوغا.
*الفصل 35 معدلا: يحجر على الجمعيات :
-قبول مساعدات أو تبرعات أو هبات صادرة عن دول لا تربطها بتونس علاقات ديبلوماسية أو منظمات تدافع عن مصالح وسياسات تلكم الدول.
-قبول مساعدات أو تبرعات أو هبات أجنبية غير مرخص فيها من اللجنة التونسية للتحاليل المالية.
بشبهة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال.. إحالة العشرات من ملفات الجمعيات والمنظمات على القضاء
أحالت لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي في مارس 2022 ملفات 36 جمعية على القضاء بشبهة تمويل الإرهاب والفساد المالي والاستيلاء على أموال جمعية من المُسيرين، وقد ناهزت التصاريح المالية المتعلقة بهذه الجمعيات 35 مليون دينار تحت غطاء العمل الخيري أو الاجتماعي.
لا يُعد هذا القرار الأول بخصوص الإحالة على القضاء أو بتجميد ممتلكات مشبوهة ففي ديسمبر 2020 أعلن البنك المركزي التونسي، عن تجميده لأصول ما يقارب 31.5 مليون دولار بالإضافة إلى إحالة عدد من الملفات التي تخصّ عدد من الجمعيات.
في سياق متصل كانت وزارة حقوق الإنسان والعلاقة مع الهيئات الدستورية سابقا قد أعلنت في جويلية 2020 عن رفع قضايا ضد 435 جمعية تورطت في تمويل الإرهاب، أو تبييض الأموال وأنه تم حل 42 جمعية.
إلى اليوم لا معطيات أو أخبار عن مآل هذه الإحالات على القضاء، وهل تم غلق الملفات أو المحاسبة أم أنها لا تزال قيد التحقيق والتدقيق فلم يتم إصدار أي قرارات بهذا الخصوص.
عبد الباسط بن حسن رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان: هناك تضييق على المجتمع المدني وعدم الاعتراف بمهامه
يُعتبر المجتمع المدني جزءا هاما من التراث المدني في تونس، فالمنظمات عريقة تعود أهميتها إلى فترة مكافحة الاستعمار، فعملت على المشاركة في تحرير البلاد والإنسان من خلال العمل المدني والنقابي والثقافي والتعليمي.
وهذا الدور تواصل بعد الاستقلال بمحاولة بناء الدولة الحديثة وأيضا في مقاومة كل أوجه الاستبداد وقد عانى المجتمع المدني من مصاعب كبرى في محاولة الدفع في اتجاه إنشاء دولة القانون وفرض الحريات.
بعد الثورة شارك المجتمع المدني بفاعلية في تقديم مقترحات لسياسات جديدة وقوانين وتصورات للمشاركة في الانتقال الديمقراطي وكما حاول حماية البلاد من كلّ الهجمات الظلامية التي حاولت أن تضرب في عمقها مدنية الدولة ومبادئ الجمهورية. فكان دور اقتراح طور وجود المجتمع المدني ووسع من نطاق تدخله والاعتراف بدوره.
ولكن رغم هذا الدور والحضور الهام في مختلف المجالات فإن المجتمع المدني بقي يُعاني من عدة مشاكل من ذلك عدم الاعتراف النهائي بمهامه وتحويل هذا الاعتراف إلى سياسات عمومية تعتبره جزء لا يتجزأ من تطور المجتمع وكيانه.
عدم الاعتراف هذا على مستوى القرار السياسي والتردد في اعتباره شريك حقيقي في المسؤولية الجماعية للنهوض بالمجتمع سيؤثر كذلك على المسؤولية المجتمعية التي مازالت مرتبكة ومترددة تعترف أحيانا بهذا الدور ولكن سرعان ما تنكره لتهاجمه.
ثم يضاف إلى ذلك، أن المجتمع المدني مازال يُعاني من ضعف الإمكانات التي تُساعده على القيام بدوره، عندما نأخذ مثلا المنظمات غير الحكومية والاجتماعية والمؤسسات الإعلامية نلاحظ أنها تتعرض إلى نقص كبير في الإمكانيات ما لا يمكنها لا بالقيام بدورها ولا بالإصلاحات الضرورية.
وخلال الأزمة الصحية بسب تفشي وباء كورونا، عشنا نوعا من التناقض، فالمجتمع المدني قام بدور إيجابي جدا في معاضدة جهود الدولة وفي تعويض غيابها أحيانا في القيام بكل الأعمال التضامنية وتقديم الخدمات ولكن في نفس الوقت لم يُقابل هذا الدور مزيد من الاعتراف به.
نحن بصفة عامة، وعلى مدى تاريخنا، نتردد بين الاعتراف وعدم الاعتراف وأحيانا السماح له بالعمل وأحيانا أخرى نجد ضربا للمجتمع المدني مما يحدث نوعا من الثقافة اللامستدامة.
واليوم في الحقيقة هناك نوع من الوضع الغريب، فالمشاكل والأزمات عديدة التي تحتاج إلى دور كبير للمجتمع المدني ولكن هناك تضييق عليه وعدم الاعتراف بمهامه، فيجب اليوم أن نحل هذه التناقضات من أجل أن نصل إلى اعتراف نهائي به.
فهناك تضييق على الفضاء المدني سواء في مجالات المشاركة وصنع القرار وهناك اعتداءات على حرية الرأي والتعبير وعديد انتهاكات حقوق الإنسان التي تجعلنا في وضع لا يسمح في الحقيقة بأن يقوم المجتمع المدني بدوره كاملا.
نحتاج اليوم وبسرعة إلى اعتراف نهائي وتحويله إلى قرار سياسي واضح وإلى إطار قانوني دائم يجعل من المجتمع المدني شريكا في بناء دولة القانون وفي التنمية الإنسانية المستدامة.
بخصوص التخوفات من التضييق على مصادر التمويل، المهم القول في هذا السياق أن منظمات المجتمع المدني قد شاركت بفاعلية في صياغة الإطار القانوني الحالي سنة 2011، وهو إطار قانوني جيّد ويسمح في حالة تطبيقه من إعطاء حقوق هامة للمنظمات ولكن في نفس الوقت تحقيق المسؤولية والمحاسبة.
المشكل ليس في الإطار القانوني، فهو جيد، بل في غياب التطبيق الكامل لمقتضياته، فيجب بدل أن نسعى إلى تغيير هذا القانون، لنطبقه أولا ونستفيد من مختلف الإمكانات التي يُتحها للعمل الحر للجمعيات.
أما عن تمويل الجمعيات والمنظمات فهو حق، فقط يجب أن نعوّدها على أن تمارس هذا الحق بشفافية وأن يقع تطبيق كل الأدوات الضرورية حتى تكون هذه التمويلات شفافة وأن تذهب إلى خدمة الصالح العام.
وبدل الإغراق في هذه المهاترات يجب بالعكس أن نقوم بتطبيق القانون حتى تكون لنا ثقافة مجتمعية تقوم على الحق والواجب وارتباط هذين الجانبين. فلسنا في حاجة اليوم إلى مزيد التضييق على عمل المجتمع المدني لأننا نحتاج إليه في وضعية كارثية تمرّ بها البلاد في المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية. فنحتاج إلى مزيد دعم الفضاء المدني حتى يقوم بدوره كاملا.
الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية: الأزمة التي تمرّ بها تونس ألقت بظلالها على عمل المجتمع المدني
التحولات التي حدثت في دور المجتمع المدني خاصة ما بعد 25 جويلية مرتبطة أولا بوضعيته بما أنه أصبح لديه صعوبات وإشكاليات كبيرة في التمويل وفي الإدارة الذاتية والتخطيط وهي مسألة طبيعية بما أن المنظمات والجمعيات بدورها تعيش في سياق انتقالي وهي تشهد بداخلها تحولات في قياداتها.
وهناك من ناحية أخرى ما هو مرتبط بالوضع السياسي، واضح أن المشهد ما بعد 25 جويلية قد استهدف كل الوسائط بما في ذلك الوسائط المدنية بما أنه له نظرة عدائية للمجتمع المدني فيها الكثير من نظرية المؤامرة على أساس هؤلاء يخدمون أجندات خارجية ولها تمويلات مشبوهة.
وهذا عبّر عنه رئيس الجمهورية قيس سعيد بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ففي مختلف تعاملاته بقي يعتمد فقط على المجتمع المدني التقليدي أي مثلا الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف وبعض المنظمات التي لعبت دورا في العشر سنوات الأخيرة فنحن كمنتدى استقبلنا في مناسبتين.
ولكن كان التعامل مع المجتمع المدني فقط من أجل محاولة تطويعه إلى المسارات التي يريد أن يسلكها، في المقابل اتخذ الفضاء المدني موقفا نقديا له فوقع استبعاده مثله مثل الأحزاب السياسية بما في ذلك المنظمات المهنية وهذا بدا واضحا في علاقته مع الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف واتحاد الفلاحين.
فمن الطبيعي أن الأزمة التي تمرّ بها تونس بعد 25 جويلية ستلقي بظلالها على عمل المجتمع المدني ودوره، فقبل ذلك كان هناك مشهد سياسي واضح المعالم سلطة ومعارضة وبالتالي حتى عملية الضغط أو حملات المناصرة أو التحركات الميدانية كانت واضحة لمن يتمّ توجيهها، أما اليوم ليس لدينا مشهد سياسي واضح.
فلدينا مؤسسات سياسية في عزلة ولا امتداد لها خارج قصر قرطاج، فاسترجع المجتمع المدني بعض الآليات التقليدية القديمة أي ما قبل سنة 2010 أي أصبح يلتجئ كثير للتقارير الدولية والمقررين والمسارات الدولية في علاقة بالقضايا الحقوقية خاصة.
فأصبح المجتمع المدني التونسي يستغل في الأحداث الدولية لممارسة الضغط على السلطة السياسية ولكن رغم ذلك نقول إنّ هناك مجموعات في المجتمع المدني المقاومة والمناضلة ما زالت إلى حد الآن تتشبث بخطها وبعملها رغم السياق السياسي الصعب فتحاول لعب دورها من ذلك تنبيه الناس من المخاطر والانزلاقات في المجالات الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
ويبقى التأثير على صانع القرار هو الإشكال، وهنا نؤكد أنه واضح أن مركز السلطة وضع نفسه في عزلة اختارها، ورغم ذلك استطاع المجتمع المدني أن يفرض على رئيس الدولة أن يخرج ويخاطب الناس في بعض القضايا مثل مسألة الإفلات من العقاب ومشكل التلوث في عقارب، فكان هناك نوع من الضغط الذي أدى إلى نتيجة وإن لم تكن بصفة مباشرة.
أما بالنسبة للعلاقة مع حكومة، فالمسألة تتلخص في مشهد يتمثل في مجموعة من الإداريين يتعاملون بنظرية تقنية بحثة وليس لدسهم أي تفاعل مع المجتمع المدني الحديث ويؤمنون فقط بالمنظمات والجمعيات الموالية لهم.
وهذه عملية صعبة جدا في أن يتمّ التعامل مع أشخاص تقنيين بهذه الطريقة ولا يقبلون إلا النظرة التقليدية لصياغة السياسات التي تعتمد مبدأ التشاركية.
بخصوص التضييق على المنظمات والجمعيات والمخاوف من إدخال تغييرات كبيرة بالمرسوم المنظم لعملها، يمكن القول بأنه واضح أن رئيس الدولة يستهدف المجتمع المدني الذي لديه مواقف من بعض القضايا الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية التي هي مواقف أغلبها تزعج السلطة. وهذا ما جعله يضع الجميع في سلة واحدة من خلال حديثه أحيانا عن التمويلات المشبوهة وتوظيفها في ملف الإرهاب وهدفه الوحيد من وراء ذلك هو وضع هذا الفضاء المدني في الدور الذي يريده وهو دور يكون خاضعا للسلطة ويتماهى مع سياساته.
واستعماله لهذه الأساليب هو أيضا بهدف التشكيك في المنظمات والجمعيات لدى المواطنين من خلال خلق صورة نمطية عنه. ولكن لن ينجح في ذلك، فقد حاول نظام بن علي في السابق ومختلف الحكومات بعد الثورة منها حكومة الترويكا وفشلوا في ذلك.
ضحى الجورشي رئيسة جمعية ado+: مواقف المجتمع المدني من المسار الجديد أثرت على أدائه
تراجع نشاط المجتمع المدني فيه الكثير من القراءات، نبدأ أولا من أزمة جائحة كورونا حيث كان التركيز كليا على مجابهة الكارثة الصحية التي أصابت كافة دول العالم فكانت كل التمويلات موجهة لهذا الغرض.
في هذا الصدد لعب المجتمع المدني في تونس دورا كبيرا في الجانب الصحي وأيضا فيما يخص العنف الذي سلط على النساء والأطفال طيلة فترة الإغلاق وحتى بعدها، فكان ضخ الأموال لهاذين الجانبين من قبل المانحين.
وفي علاقة بفترة 25 جويلية 2021، فإن الصورة أصبحت مختلفة ذلك أن المجتمع المدني أصبح منقسما بداخله بين مؤيد وبين رافض إلى أن ضاعت قضية أساسية لطالما المنظمات والجمعيات تُدافع عنها وهي قضية ضمان حقوق الانسان بمختلف مشاربها.
هذه الصدمات الداخلية، طبعا لا نسحب هذا على كل الجمعيات، أثر كثيرا على نشاط المجتمع المدني هذا من ناحية، من ناحية أخرى وفي علاقة بالمانحين فإن عدم وضوح المشهد السياسي جعلهم لا يقدمون تمويلات التي دأبت على تقديمها في ما يخص دعم المسار الديمقراطي أو مسارات ضمان الحقوق والحريات أو في إطار الدعم التقني واللوجستي للمنظمات والجمعيات أو ما يخص مجال الطفولة أو التشغيل.
حراك المجتمع المدني اليوم يتمثل في المناصرة وتقديم المقترحات أو التنديد بالانتهاكات أو لفت نظر الناس لقضايا معينة، ولكن في المقابل والملاحظ أن صوته أصبح غير مسموع بالطريقة التي كانت عليه في أولى سنوات الثورة أين غيّر الكثير من المسارات خاصة في الجانب التشريعي.
يعود ذلك إلى العديد من العوامل منها نشر في الآونة الأخيرة الأخبار الزائفة وصورة سلبية عن المجتمع المدني، واعتباره مجتمع مدني لاستراحة قهوة والترفيه والاجتماعات في النزل. وهو ما أربك الناس وجعلهم يتساءلون عن حقيقة دوره. وبالتالي عدم توضيح مهامه لدى الأوساط العامة دفع إلى أن لا يكون صوته مسموعا بالكيفية المطلوبة.
الفكرة الأولى بأن المجتمع المدني لم تتضح مواقفه من المشهد الاستثنائي الذي حدث في 25 جويلية خاصة من قبل المنظمات الكبرى حتى تكون على الأقل هي الحزام لحركية المجتمع المدني. فلم يعد صوتها الآن مسموعا لدخولها في نزاعات داخلية لم تمكنهم من تقديم مقترحات قوية للدفاع عن الديمقراطية والحقوق والحريات.
كل ذلك أدى إلى إضاعة البوصلة بأن تحافظ على دورها كجمعيات تدافع على قضايا حقوق الإنسان بصفة عامة، وهذا ما يُثير الكثير من التخوفات مما قد يحدث في الفترات القادمة خاصة بالنسبة لنا كجمعية تُعنى بقضايا اليافعين واليافعات كانت لها شراكات مع وزارة التربية ووزارة المرأة ومع الكثير من مؤسسات الدولة وساهمت في ضمان الحقوق لأصحابها.
فالتخوف الكبير هو تجاه تغيير المرسوم عدد 88 والذي نعتبره إطارا تشريعيا مهما جدا جعل مختلف مكونات المجتمع على مدى إحدى عشرة سنة تلعب دورا إيجابيا وفعالا في مسار الانتقال الديمقراطي.
فالمراجعة مثلا للسن الأدنى لإحداث جمعيات من سنة 16 إلى سن 18 فيه مسّ من حقوق اليافعين واليافعات في أن يجدوا إطارا قانونيا لإيصال أصواتهم ومشاركتهم في الشأن المحلي والعام ببلدهم. ونحن هنا لنا اعتراضنا على كل ما يخص المجال الرقابي وما يفرضه القانون.
فالإشكال الذي حدث لا يتعلق بالجمعيات والمنظمات المعلومة مصادر تمويلاتها وإنما بالجمعيات التي لا تُعلم مصادر أموالها، والخطاب السياسي ساهم في إرباك الناس ونظرتهم تجاه نشاط المجتمع المدني.
ونحن كجمعية لنا من الاستقلالية والوضوح والشفافية في مهامنا، ولدينا مسار انطلقنا فيه منذ سنة 2011 من التوعية، وبالعكس اليوم من الضروري دعم دور المجتمع المدني وخاصة في هذا الظرف الاقتصادي والاجتماعي الذي تمرّ به البلاد أضافة إلى الظرف الدولي العام.
فالدولة اليوم لا يمكن أن تُلبي كل احتياجات أصحاب وصاحبات الحق وهو ما تقوم به المنظمات. وبالتالي التضييق ليس من مصلحة البلاد وأول المتضررين هم أصحاب الحقوق ولذلك من المهم ألا تكون هناك مراجعة في صلب حرية الجمعيات وفي تنظيمها وفي نشاطها.
سيف الدين الجلاصي رئيس جمعية "فني رغما عني": التضييق على الفضاء المدني سبب تراجع أداء الجمعيات
أنا أعتقد أن المجتمع المدني بقي يقوم بدوره ويحاول مواصلة مهامه ونضالاته كما كان وربما أفضل من ذي قبل، ولكن أرى أن التضييق على الفضاء المدني هو ما دفع بالمنظمات والجمعيات الى التراجع لا في دورها وإنما في حجم أدائها ونشاطها وفي النتائج المرجوة والمنتظرة منها.
اليوم هناك تضييقات على الفضاء المدني وعلى المؤسسات الجمعياتية وعلى ناشطي المجتمع المدني والصحفيين والحقوقيين والمحامين وغيرهم، فملامح الإمبراطورية الجديدة التي بصدد الظهور تدريجيا هي ما دفعت بالوضع إلى ما هو عليه اليوم، وأدى إلى هذا الشعور بالضغط والتضييق وهو ما أثر سواء على المستوى المادي في علاقة بالدعم والمنح والتمويلات أو حتى على المستوى المعنوي وهذا ما لمسته شخصيا من خلال تجربتي.
فلم يعد هناك شعور ببوادر أمل في المستقبل، وهذه المؤشرات لا تظهر أن الأوضاع ستتحسن وإنما العكس تماما. وهذا يمثل إشكالا كبيرا وأنا لا أمثل إلا عينة صغيرة من الكثير من ناشطي المجتمع المدني ومن مؤسسات أخرى الذين فقدوا الأمل.
نعرف جيدا أن المجتمع المدني لا يعوض الدولة ومكانتها وإنما هو فقط شريك لمعاضدة جهودها في العديد من الميادين. ولكن للأسف هذه السلطة لا يكفي أنها لم تترك المجال للمنظمات والجمعيات لمساعدتها وإنما تمادت إلى حد التضييق عليها من خلال سنّ إجراءات لن تعطي نتائج غير الضرر بصورة المجتمع المدني التونسي.
هناك إشكاليات كبيرة أخرى في هذا السياق، من ذلك ضبابية القوانين المتعلقة بالناشطين وبحرية الإعلام والتعبير والحق في التنظيم والاحتجاج والحق النقابي والسياسي واليوم التمسنا كل ذلك في الشروط المجحفة للترشح في الانتخابات.
فأنا، كشاب، أمام كل هذه التغييرات أتساءل في أي فضاء مدني سأواصل النشاط والنضال والعمل والمشاركة، وبالتالي هناك مشكل كبير وهو التراجع الكبير في الحريات وفي دور المجتمع المدني وغيرها بعد 25 جويلية وهو تاريخ بداية انهيار الحراك المدني في تونس لانعدام الأمل لدى الناشطين، فمنهم من اختار أن يتخلى بصفة مباشرة عن المسؤولية المجتمعية، وهناك من اختار البحث عن بدائل أخرى سبعون بالمائة منها بدائل تتعلق بقرار الهجرة من تونس وهي مؤشرات خطيرة جدا عما آلت إليه الأوضاع.
قرار 25 جويلية كان قرارا من رئيس الجمهورية بتعلة تصحيح المسار، لكن المجتمع المدني في حقيقة الأمر انقسم بين من اعتبره انقلابا ومنه من اعتبره فعلا هو إنقاذ للوضع. هذه كلها تسميات لا أهمية لها إذا ما تساءلنا عما حدث بعد هذا التاريخ.
أقول هنا أنه لم يحدث شيء غير التراجع الكامل عن الحريات والحقوق وعن حرية نشاط الفضاء المدني بالمنع من التظاهر والاحتجاج إلى جانب الإيقافات بالجملة وتلفيق التهم والعودة إلى السلوكيات القديمة للديكتاتورية النوفمبرية بالإضافة إلى ضبابية المراسيم المتعلقة بالجمعيات والأحزاب أو غيرها والشروط والمراسيم المجحفة من أجل التنظم وإحداث الجمعيات من خلال تجميد الموافقات.
يضاف إلى ذلك محاكمة السياسيين والصحافيين عن طريق المحكمة العسكرية وشيطنة المعارضة بطريقة مبالغ فيها من ذلك المنع من السفر للنقابيين والناشطين والسياسيين فليس لأنهم كانوا في وقت ما خصومنا نغض النظر عن انتهاك حقوقهم.
وهذا يعني أن هناك انتهاكا صارخا للحقوق والحريات، وهذا لا يعني أنه قبل 25 جويلية لم تكن هناك انتهاكات والمسائل واضحة، ولكن كان هناك تقدم بطريقة بطيئة وهناك معارك نضالية بين السلطة وبين مكونات المجتمع المدني الذي كان بمثابة الرادار والرقيب على قراراتها مثل اعتصام الرحيل الذي غير مشهدا سياسيا برمته في علاقة بالحريات وكيف قضى على راديكالية أنصار الشريعة والسلفيين وغيرهم. لا ننسى أيضا جائزة نوبل التي تحصل عليها الخماسي الراعي للحوار.