أقل من أسبوع يفصلنا عن بداية الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية المزمع عقدها يوم 17 ديسمبر 2022. ورغم أهمية الموعد السياسي يطغى على المناخ العام المرافق له حالة من البرود والبهتان. فيغيب عن الفضاء العام الافتراضي والرسمي حضور المترشحين وبرامجهم الانتخابية ووعودهم للناخبين، حتى أن عددا لا بأس به من المقترعين لم يتعرفوا بعد عن أسماء المترشحين عن دوائرهم الانتخابية ولم تتضح بعد في أذهانهم نوايا التصويت.
حالة عامة غير إيجابية تؤثر على سلوك الناخبين، ويرجح الباحثون في علم الاجتماع وعلوم النفس الاجتماعي أن يكون لها الأثر الواضح على نسب المشاركة في الاستحقاق الانتخابي المنتظر وقد تتسبب حسب قراءتهم في الترفيع في حالة العزوف التي بدأت تعنون المحطات الانتخابية السابقة وكان موعد الاستفتاء أكثرها وضوحا أين عرف نسبة عزوف تجاوزت الـ70% من المسجلين في قائمة الناخبين والمعنيين بالمشاركة في الاستفتاء.
وفي قراءتها للمشهد السياسي والانتخابي أفادت فتحية السعيدي الباحثة في علم الاجتماع، أن الفضاء الافتراضي هو صورة عاكسة لما عليه المجتمع، فضاء عمومي افتراضي تتم فيه المداولات حول كل مجريات الشأن العام. وكان من المفروض في مثل هذه الفترة التي تسبق الانتخابات أن يعج الفضاء الافتراضي بالحملات الانتخابية التي تعتمد على الديجيتال كوسيلة من وسائل الدعاية وتحقيق المقروئية للمترشحين. لكن ما نلاحظه أنه وقبل شهر من انتخابات 17 ديسمبر 2022 هناك غياب شبه تام للحملات الافتراضية وضعف التداول حول الانتخابات وكأنها حدث ثانوي لا علاقة له بالمجتمع ومشاغله.
وتفسر السعيدي المشهد السياسي الباهت وهذا البرود والضعف الاتصالي بعاملين اثنين يتصل الأوّل، بالابتعاد التدريجي للمواطنات والمواطنين عن الشأن العام. وهو ابتعاد لوحظ تدريجيا على امتداد الإثنتي عشرة سنة الماضية. فبعد ذاك الزخم الشعبي والانخراط الواسع في الشأن العام والشأن السياسي على إثر ثورة 17ديسمبر2010/14 جانفي 2011 تراجعت نسب المشاركة في الانتخابات وبلغت نسبا ضعيفة في الانتخابات البلدية والتشريعية وبعدها المشاركة في الاستفتاء، وهذا ناجم عن خيبات الأمل المتتالية من النخب السياسية وخاصة نتيجة لعدم ملامسة المواطنين والمواطنات لتغييرات محسوسة متعلّقة بالمعيش اليومي.
أما العامل الثاني، فربطته فتحية السعيدي حسب قولها:"بما بعد انطلاق ما سمّي بمسار 25 جويلية"، أين تعلّقت آمال كبيرة بالتغيير وبالمرور إلى مرحلة سياسية جديدة تفتح آفاقا لكل من آمن بهذا المسار، إلاّ أن الأمل قد اصطدم بالواقع وبدأ يبرز التمشي الأحادي المنفرد لرئيس الجمهورية وبدأت معه النخب السياسية والمدنية في مراجعة مساندتها للمسار، وهو ما ظهر بشكل بارز من خلال مقاطعة الحوار الذي انطلق قبل عملية الاستفتاء، مقاطعة رافقتها عملية استهجان للأسلوب الذي انتهج عند تنظيم ذلك الحوار. وتنضاف إلى هذا، مخرجات الحوار التي كانت صورية حيث وضعت كل مقترحات المشاركين على الرف ولم يُأخذ بها، وانتهج الرئيس مرّة أخرى تمشيا أحاديا عند وضعه لدستور 2022 الذي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيه سواء بـ"نعم" أو "لا" ثلث الناخبات والناخبين. وشهدنا دعوات مقاطعة للمشاركة وهي دعوات استمرت في علاقة بالانتخابات التشريعية المنتظرة عقدها أيضا يوم 17 ديسمبر 2022.
وبينت الباحثة في علم الاجتماعي أن هذه العوامل كان لها أثر واسع على فعل المشاركة في المسار الانتخابي، تنضاف إليها العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي يلمس كل مواطن ومواطنة اليوم آثارها، من خلال ارتفاع الأسعار وندرة المواد الأساسية واهتراء المقدرة الشرائية كنتيجة مباشرة للارتفاع المستمر لنسبة التضخم التي بلغت اليوم 9.2% بما يعني أن لها أثرا مباشرا على القدرة الشرائية بما يوازي 20% أو أكثر. وحسب قراءة فتحية السعيدي فان كل المؤشرات اليوم، مجتمعة، تدل على حالة من العزوف المعمم وهو عزوف يحمل في ذاته أسبابه، إذ نجد نوعا من العزوف الناجم عن حالة من الاستقالة التدريجية للمشاركة في إدارة الشأن العام. وهو عزوف مستقر بفعل الإحباط والخيبات المتتالية، كما نجد نوعا ثانيا من العزوف عن المشاركة في الانتخاب والترشح بفعل موقف المقاطعة وبفعل القيود التي فرضت على عمليات الترشح. وكل ذلك يجعلنا اليوم كما قالت السعيدي، "إزاء انحسار للفعل السياسي العام وتهميش ممنهج للفاعل السياسي والاجتماعي المنتمي للشعب كجسد مدني مهيكل مقابل صعود لفاعل سياسي ولفعل جماعي منتم للشعب كجسد اجتماعي غير مهيكل. وهذه أحد أبرز نتائج الشعبوية التي قسمت الشعب بين "النحن-الشعبوية والهم-كل من هم خارج نطاقها".
وتجدر الإشارة في نفس السياق إلى أن السنة الماضية قد شهدت واستنادا لما تقوله نتائج سبر الآراء التي تم نشرها في جريدة المغرب وتم إعدادها من قبل "سيغما كونساي"، عودة للتراجع في نسب الرضاء، فبعد أن سجل ما بعد 25 جويلية 2021 مع ما عرفته البلاد من تغير سياسي ارتفاعا في منسوب الرضا واعتبر 74% من المستجوبين أن تونس تتجه في الطريق الصحيح عاودت نسبة عدم الرضا إلى الارتفاع مع صدور أرقام مارس 2022 أين قال 52.4% أن تونس تتجه في الطريق الخطأ لتكون نسبة من يرون أنها تتجه في الطريق الصحيح في حدود الـ47.8% فقط. وترافق التراجع المسجل في مستوى الرضاء العام مع نسب الثقة في رئيس الجمهورية أين بينت نتائج مؤسسة "امرود" الصادرة في نفس الفترة، أن درجة الرضاء عن أداء رئيس الجمهورية قيس سعيد قد تراجعت فبعد أن كان يحظى بنسب ثقة في حدود الـ81% خلال أوت 2021 أصبح يحظى بنسبة ثقة 59% فقط من العينة المستجوبة خلال أفريل 2022.
ريم سوودي
تونس الصباح
أقل من أسبوع يفصلنا عن بداية الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية المزمع عقدها يوم 17 ديسمبر 2022. ورغم أهمية الموعد السياسي يطغى على المناخ العام المرافق له حالة من البرود والبهتان. فيغيب عن الفضاء العام الافتراضي والرسمي حضور المترشحين وبرامجهم الانتخابية ووعودهم للناخبين، حتى أن عددا لا بأس به من المقترعين لم يتعرفوا بعد عن أسماء المترشحين عن دوائرهم الانتخابية ولم تتضح بعد في أذهانهم نوايا التصويت.
حالة عامة غير إيجابية تؤثر على سلوك الناخبين، ويرجح الباحثون في علم الاجتماع وعلوم النفس الاجتماعي أن يكون لها الأثر الواضح على نسب المشاركة في الاستحقاق الانتخابي المنتظر وقد تتسبب حسب قراءتهم في الترفيع في حالة العزوف التي بدأت تعنون المحطات الانتخابية السابقة وكان موعد الاستفتاء أكثرها وضوحا أين عرف نسبة عزوف تجاوزت الـ70% من المسجلين في قائمة الناخبين والمعنيين بالمشاركة في الاستفتاء.
وفي قراءتها للمشهد السياسي والانتخابي أفادت فتحية السعيدي الباحثة في علم الاجتماع، أن الفضاء الافتراضي هو صورة عاكسة لما عليه المجتمع، فضاء عمومي افتراضي تتم فيه المداولات حول كل مجريات الشأن العام. وكان من المفروض في مثل هذه الفترة التي تسبق الانتخابات أن يعج الفضاء الافتراضي بالحملات الانتخابية التي تعتمد على الديجيتال كوسيلة من وسائل الدعاية وتحقيق المقروئية للمترشحين. لكن ما نلاحظه أنه وقبل شهر من انتخابات 17 ديسمبر 2022 هناك غياب شبه تام للحملات الافتراضية وضعف التداول حول الانتخابات وكأنها حدث ثانوي لا علاقة له بالمجتمع ومشاغله.
وتفسر السعيدي المشهد السياسي الباهت وهذا البرود والضعف الاتصالي بعاملين اثنين يتصل الأوّل، بالابتعاد التدريجي للمواطنات والمواطنين عن الشأن العام. وهو ابتعاد لوحظ تدريجيا على امتداد الإثنتي عشرة سنة الماضية. فبعد ذاك الزخم الشعبي والانخراط الواسع في الشأن العام والشأن السياسي على إثر ثورة 17ديسمبر2010/14 جانفي 2011 تراجعت نسب المشاركة في الانتخابات وبلغت نسبا ضعيفة في الانتخابات البلدية والتشريعية وبعدها المشاركة في الاستفتاء، وهذا ناجم عن خيبات الأمل المتتالية من النخب السياسية وخاصة نتيجة لعدم ملامسة المواطنين والمواطنات لتغييرات محسوسة متعلّقة بالمعيش اليومي.
أما العامل الثاني، فربطته فتحية السعيدي حسب قولها:"بما بعد انطلاق ما سمّي بمسار 25 جويلية"، أين تعلّقت آمال كبيرة بالتغيير وبالمرور إلى مرحلة سياسية جديدة تفتح آفاقا لكل من آمن بهذا المسار، إلاّ أن الأمل قد اصطدم بالواقع وبدأ يبرز التمشي الأحادي المنفرد لرئيس الجمهورية وبدأت معه النخب السياسية والمدنية في مراجعة مساندتها للمسار، وهو ما ظهر بشكل بارز من خلال مقاطعة الحوار الذي انطلق قبل عملية الاستفتاء، مقاطعة رافقتها عملية استهجان للأسلوب الذي انتهج عند تنظيم ذلك الحوار. وتنضاف إلى هذا، مخرجات الحوار التي كانت صورية حيث وضعت كل مقترحات المشاركين على الرف ولم يُأخذ بها، وانتهج الرئيس مرّة أخرى تمشيا أحاديا عند وضعه لدستور 2022 الذي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيه سواء بـ"نعم" أو "لا" ثلث الناخبات والناخبين. وشهدنا دعوات مقاطعة للمشاركة وهي دعوات استمرت في علاقة بالانتخابات التشريعية المنتظرة عقدها أيضا يوم 17 ديسمبر 2022.
وبينت الباحثة في علم الاجتماعي أن هذه العوامل كان لها أثر واسع على فعل المشاركة في المسار الانتخابي، تنضاف إليها العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي يلمس كل مواطن ومواطنة اليوم آثارها، من خلال ارتفاع الأسعار وندرة المواد الأساسية واهتراء المقدرة الشرائية كنتيجة مباشرة للارتفاع المستمر لنسبة التضخم التي بلغت اليوم 9.2% بما يعني أن لها أثرا مباشرا على القدرة الشرائية بما يوازي 20% أو أكثر. وحسب قراءة فتحية السعيدي فان كل المؤشرات اليوم، مجتمعة، تدل على حالة من العزوف المعمم وهو عزوف يحمل في ذاته أسبابه، إذ نجد نوعا من العزوف الناجم عن حالة من الاستقالة التدريجية للمشاركة في إدارة الشأن العام. وهو عزوف مستقر بفعل الإحباط والخيبات المتتالية، كما نجد نوعا ثانيا من العزوف عن المشاركة في الانتخاب والترشح بفعل موقف المقاطعة وبفعل القيود التي فرضت على عمليات الترشح. وكل ذلك يجعلنا اليوم كما قالت السعيدي، "إزاء انحسار للفعل السياسي العام وتهميش ممنهج للفاعل السياسي والاجتماعي المنتمي للشعب كجسد مدني مهيكل مقابل صعود لفاعل سياسي ولفعل جماعي منتم للشعب كجسد اجتماعي غير مهيكل. وهذه أحد أبرز نتائج الشعبوية التي قسمت الشعب بين "النحن-الشعبوية والهم-كل من هم خارج نطاقها".
وتجدر الإشارة في نفس السياق إلى أن السنة الماضية قد شهدت واستنادا لما تقوله نتائج سبر الآراء التي تم نشرها في جريدة المغرب وتم إعدادها من قبل "سيغما كونساي"، عودة للتراجع في نسب الرضاء، فبعد أن سجل ما بعد 25 جويلية 2021 مع ما عرفته البلاد من تغير سياسي ارتفاعا في منسوب الرضا واعتبر 74% من المستجوبين أن تونس تتجه في الطريق الصحيح عاودت نسبة عدم الرضا إلى الارتفاع مع صدور أرقام مارس 2022 أين قال 52.4% أن تونس تتجه في الطريق الخطأ لتكون نسبة من يرون أنها تتجه في الطريق الصحيح في حدود الـ47.8% فقط. وترافق التراجع المسجل في مستوى الرضاء العام مع نسب الثقة في رئيس الجمهورية أين بينت نتائج مؤسسة "امرود" الصادرة في نفس الفترة، أن درجة الرضاء عن أداء رئيس الجمهورية قيس سعيد قد تراجعت فبعد أن كان يحظى بنسب ثقة في حدود الـ81% خلال أوت 2021 أصبح يحظى بنسبة ثقة 59% فقط من العينة المستجوبة خلال أفريل 2022.