إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

لماذا كل هذا الارهاق والعذاب ؟

بقلم: نوفل سلامة

صحيح كل ما يروجه الساسة في بلادنا من أن أزمة ارتفاع الأسعار التي تعرفها أسواقنا هذه الأيام وتتسبب في تعكر عيش المواطن وتأزم مزاجه اليومي هي أزمة عالمية لا تختص بها بلادنا لوحدها .. وصحيح أن الانفلات الكبير الذي نشهده هذه الأيام في أثمان المواد الغذائية وما يرافقه من نقص حاد في الكثير من البضائع والمنتجات ليس شأنا تونسيا بحتا وإنما تعرفه الكثير من المجتمعات اليوم ..

 وصحيح كذلك أن الكثير من الشعوب في العالم نجدها تنتفض اليوم ضد حكوماتها وضد غلاء الأسعار وتحتج للمطالبة بالزيادة في الأجور والمرتبات التي لم تعد تفي بالحاجة ولا قادرة على مواجهة ارتفاع أسعار المواد الأساسية للعيش ولم تعد تمكن المواطن من تلبية حاجياته وخلاص فواتيره وما عليه من التزامات مالية واكراهات عائلية ..

وصحيح أن شعوب كثيرة في ألمانيا وفرنسا وانقلترا وغيرها من دول القارة الأوروبية تتظاهر اليوم في الشوارع والساحات وتنتظم في حركات احتجاجات شارعية تندد بارتفاع التضخم وتدفع الحكومات إلى اتخاذ حلول عاجلة لتدارك تراجع المقدرة الشرائية للطبقة العاملة وإجراءات لحماية الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة التي تضررت كثيرا من الأزمة العالمية التي تسببت فيها جائحة كورونا وتداعيات الحرب الأطلسية بين روسيا وأوكرانيا وما نتج عنها من ارتفاع في سعر الطاقة وخاصة مادة الغاز الطبيعي المخصصة للاستعمالات المنزلية ..

وصحيح أن هذه الشعوب التي تعيش داخل دول توصف بالاجتماعية والحامية لشعوبها وخاصة طبقاتها العاملة تجد نفسها اليوم بعد تدهور وضعها الاجتماعي وتراجع مقدرتها الشرائية مجبرة على الاحتجاج ضد حكوماتها تطالبها بمراجعة قواعد الإعانات الاجتماعية الموجهة للبطالة وإعادة النظر في إجراءات معاشات المتقاعدين والتخفيف من حدة العطالة بعد أن وجد الكثير من العمال أنفسهم في بطالة قسرية جراء غلق الكثير من الشركات والمصانع أبوابها نتيجة أزماتها المالية وصعوبات في تدارك تداعيات جائحة كورونا ..

وصحيح أن الكثير من الشعوب في العالم تنتفض اليوم للمطالبة بسياسات حكومية أكثر عدلا وتصرخ ضد الحيف الاجتماعي وضد غياب العدالة الاجتماعية وغياب المساواة في توزيع الثروة الوطنية والمطالبة بنصيب عادل من العائدات الوطنية وضد توسع دائرة الفقر وتراجع الخدمات الاجتماعية ..

كل ذلك صحيح وأكثر ويمكن تفهمه ولكن الأمر الذي وجب التنبيه إليه هو أن تعامل الحكومات الغربية مع كل هذه الأزمات الاجتماعية ومع احتجاجات شعوبها المطالبة بتحسين أوضاعها مختلف عن تعامل الحكومات العربية مع نفس هذه المطالب لشعوبها لنقف على حقيقة فارقة وهي أنه في الوقت الذي تسببت فيه اختيارات الحكومات العربية في تعاملها مع شعوبها في مزيد من إرهاقها وإغراقها بمزيد من التعب والإرباك في عيشها وجعل الحياة أكثر عسرا وصعوبة ، نجد الحكومات الغربية تتعامل مع صيحات شعوبها بجدية أكثر وباحترام أكبر لمواطنيها وأكثر حرصا على حل مشاكل الأزمات التي تطرأ ونجدها تبذل قصارى الجهد لتجاوز المصاعب وإرجاع الأمور إلى نصابها .

 ففي أزمة الطاقة التي تسببت فيها الحرب الروسية الأوكرانية وما قامت به روسيا من قطع لإمداداتها من الغاز الطبيعي على الكثير من الدول الأوروبية وتفاديا لحصول مشاكل في التدفئة المنزلية وتجنب حلول شتاء صعب على الناس ، بذلت فرنسا قصارى جهدها لتعويض النقص الحاصل في مادة الغاز الروسي ورأينا كيف هرول الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون إلى الجزائر وأبرم على عجل صفقة معها أمن بها النقص الحاصل في مادة الغاز الطبيعي واليوم فرنسا بفضل هذا الحرص تتوفر على مخزون من الغاز ما يسمح لها بتجاوز برد فصل الشتاء وزادت على ذلك بأن أمضت حكومتها اتفاقا مع النقابات العمالية لإقرار زيادة شاملة في الأجور نسبتها 7 بالمائة مع اقرار مكافأة مالية تصرف للعائلات الفقيرة لتأمين ارتفاع سعر الطاقة .

وفي ألمانيا وافق البرلمان الألماني على حزمة مالية بعنوان مساهمة الحكومة في معالجة الظرفية الاجتماعية الصعبة التي يمر بها الشعب قيمتها 195 مليار دولار خصصت لحماية الشركات والأسر الصغيرة والمتوسطة من تأثير ارتفاع أسعار الطاقة تتضمن مبلغا يدفع لتغطية فاتورة الغاز الطبيعي.

ما أردنا قوله هو أنه أمام أزمة ارتفاع الاسعار وتراجع المقدرة الشرائية وندرة بعض المواد الغذائية وقلتها في الأسواق فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو : لماذا كل هذا الصمت الذي تمارسه الحكومات العربية في مواجهة أزمات شعوبها ؟ ولماذا يتم اغراق الشعوب في بحر من متاهة الأزمات المسترسلة والمتواصلة ؟ ولماذا كل هذا الارهاق وهذا التعب الذي تتسبب فيه الحكومات ونلحظه في حياة هذه الشعوب ؟ وهل يستحق المواطن العربي حياة متعبة مرهقة ؟ وهل قدر هذه الشعوب أن تبقى تعاني من الاهمال وعدم الاكتراث بها وتركها تصارع قدرها لوحدها وبمفردها لتحل مشاكلها بحلولها الفردية التي تنتهي في الأخير إلى فك ارتباطها مع كل ما يربطها بالدولة والوطن وكل انتماء ورابطة .. فهل قدر المواطن العربي أن يبقى يعاني من ضعف الأداء السياسي وخياراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفاشلة ؟ وهل قدر هذه الشعوب أن تجبر دوما على الخروج في ثورات لتغيير أوضاعها ؟

حقوقي وناشط مجتمعي

 

لماذا كل هذا الارهاق والعذاب ؟

بقلم: نوفل سلامة

صحيح كل ما يروجه الساسة في بلادنا من أن أزمة ارتفاع الأسعار التي تعرفها أسواقنا هذه الأيام وتتسبب في تعكر عيش المواطن وتأزم مزاجه اليومي هي أزمة عالمية لا تختص بها بلادنا لوحدها .. وصحيح أن الانفلات الكبير الذي نشهده هذه الأيام في أثمان المواد الغذائية وما يرافقه من نقص حاد في الكثير من البضائع والمنتجات ليس شأنا تونسيا بحتا وإنما تعرفه الكثير من المجتمعات اليوم ..

 وصحيح كذلك أن الكثير من الشعوب في العالم نجدها تنتفض اليوم ضد حكوماتها وضد غلاء الأسعار وتحتج للمطالبة بالزيادة في الأجور والمرتبات التي لم تعد تفي بالحاجة ولا قادرة على مواجهة ارتفاع أسعار المواد الأساسية للعيش ولم تعد تمكن المواطن من تلبية حاجياته وخلاص فواتيره وما عليه من التزامات مالية واكراهات عائلية ..

وصحيح أن شعوب كثيرة في ألمانيا وفرنسا وانقلترا وغيرها من دول القارة الأوروبية تتظاهر اليوم في الشوارع والساحات وتنتظم في حركات احتجاجات شارعية تندد بارتفاع التضخم وتدفع الحكومات إلى اتخاذ حلول عاجلة لتدارك تراجع المقدرة الشرائية للطبقة العاملة وإجراءات لحماية الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة التي تضررت كثيرا من الأزمة العالمية التي تسببت فيها جائحة كورونا وتداعيات الحرب الأطلسية بين روسيا وأوكرانيا وما نتج عنها من ارتفاع في سعر الطاقة وخاصة مادة الغاز الطبيعي المخصصة للاستعمالات المنزلية ..

وصحيح أن هذه الشعوب التي تعيش داخل دول توصف بالاجتماعية والحامية لشعوبها وخاصة طبقاتها العاملة تجد نفسها اليوم بعد تدهور وضعها الاجتماعي وتراجع مقدرتها الشرائية مجبرة على الاحتجاج ضد حكوماتها تطالبها بمراجعة قواعد الإعانات الاجتماعية الموجهة للبطالة وإعادة النظر في إجراءات معاشات المتقاعدين والتخفيف من حدة العطالة بعد أن وجد الكثير من العمال أنفسهم في بطالة قسرية جراء غلق الكثير من الشركات والمصانع أبوابها نتيجة أزماتها المالية وصعوبات في تدارك تداعيات جائحة كورونا ..

وصحيح أن الكثير من الشعوب في العالم تنتفض اليوم للمطالبة بسياسات حكومية أكثر عدلا وتصرخ ضد الحيف الاجتماعي وضد غياب العدالة الاجتماعية وغياب المساواة في توزيع الثروة الوطنية والمطالبة بنصيب عادل من العائدات الوطنية وضد توسع دائرة الفقر وتراجع الخدمات الاجتماعية ..

كل ذلك صحيح وأكثر ويمكن تفهمه ولكن الأمر الذي وجب التنبيه إليه هو أن تعامل الحكومات الغربية مع كل هذه الأزمات الاجتماعية ومع احتجاجات شعوبها المطالبة بتحسين أوضاعها مختلف عن تعامل الحكومات العربية مع نفس هذه المطالب لشعوبها لنقف على حقيقة فارقة وهي أنه في الوقت الذي تسببت فيه اختيارات الحكومات العربية في تعاملها مع شعوبها في مزيد من إرهاقها وإغراقها بمزيد من التعب والإرباك في عيشها وجعل الحياة أكثر عسرا وصعوبة ، نجد الحكومات الغربية تتعامل مع صيحات شعوبها بجدية أكثر وباحترام أكبر لمواطنيها وأكثر حرصا على حل مشاكل الأزمات التي تطرأ ونجدها تبذل قصارى الجهد لتجاوز المصاعب وإرجاع الأمور إلى نصابها .

 ففي أزمة الطاقة التي تسببت فيها الحرب الروسية الأوكرانية وما قامت به روسيا من قطع لإمداداتها من الغاز الطبيعي على الكثير من الدول الأوروبية وتفاديا لحصول مشاكل في التدفئة المنزلية وتجنب حلول شتاء صعب على الناس ، بذلت فرنسا قصارى جهدها لتعويض النقص الحاصل في مادة الغاز الروسي ورأينا كيف هرول الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون إلى الجزائر وأبرم على عجل صفقة معها أمن بها النقص الحاصل في مادة الغاز الطبيعي واليوم فرنسا بفضل هذا الحرص تتوفر على مخزون من الغاز ما يسمح لها بتجاوز برد فصل الشتاء وزادت على ذلك بأن أمضت حكومتها اتفاقا مع النقابات العمالية لإقرار زيادة شاملة في الأجور نسبتها 7 بالمائة مع اقرار مكافأة مالية تصرف للعائلات الفقيرة لتأمين ارتفاع سعر الطاقة .

وفي ألمانيا وافق البرلمان الألماني على حزمة مالية بعنوان مساهمة الحكومة في معالجة الظرفية الاجتماعية الصعبة التي يمر بها الشعب قيمتها 195 مليار دولار خصصت لحماية الشركات والأسر الصغيرة والمتوسطة من تأثير ارتفاع أسعار الطاقة تتضمن مبلغا يدفع لتغطية فاتورة الغاز الطبيعي.

ما أردنا قوله هو أنه أمام أزمة ارتفاع الاسعار وتراجع المقدرة الشرائية وندرة بعض المواد الغذائية وقلتها في الأسواق فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو : لماذا كل هذا الصمت الذي تمارسه الحكومات العربية في مواجهة أزمات شعوبها ؟ ولماذا يتم اغراق الشعوب في بحر من متاهة الأزمات المسترسلة والمتواصلة ؟ ولماذا كل هذا الارهاق وهذا التعب الذي تتسبب فيه الحكومات ونلحظه في حياة هذه الشعوب ؟ وهل يستحق المواطن العربي حياة متعبة مرهقة ؟ وهل قدر هذه الشعوب أن تبقى تعاني من الاهمال وعدم الاكتراث بها وتركها تصارع قدرها لوحدها وبمفردها لتحل مشاكلها بحلولها الفردية التي تنتهي في الأخير إلى فك ارتباطها مع كل ما يربطها بالدولة والوطن وكل انتماء ورابطة .. فهل قدر المواطن العربي أن يبقى يعاني من ضعف الأداء السياسي وخياراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفاشلة ؟ وهل قدر هذه الشعوب أن تجبر دوما على الخروج في ثورات لتغيير أوضاعها ؟

حقوقي وناشط مجتمعي