إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حذار من التمادي في إشعال الحرائق،على الأرض وفي النفوس !

                                                                                     بقلم: مختار اللواتي(*)

في الحقيقة ماكنت لأعود إلى الخوض في الشأن العام لولا حدثان فرضا عليَّ ذلك. وهما أزمةُ النفايات في صفاقس وما آلت إليه من حرائق وأدخنة خانقة، وسيلُ التهم التي دأب طرفٌ بعينه أو أطرافٌ على إطلاقها لتشويه خصومٍ سياسيين دون أن تحرك الجهاتُ الرسمية المعنية ساكنا !

عانى متساكنو صفاقس، ومازالوا يعانون، ليس فقط من تَكدُّسِ النفايات أكواما لفتراتٍ طويلة فاقت السنة دون ظهور بوارق أمل في وقف أذاها وطي صفحة قذارتها، بل الأدهى، أنهم تجرعوا، لأيامٍ وليالٍ متواصلة، علقم نيرانها واختنقوا بأعمدة دخانها عند حرقها مطلع هذا الأسبوع ا.

وقد تنادى المتساكنون عبر هيئاتٍ من المجتمع المدني للخروج في وقفة غضبيوم الخميس الماضي 17 نوفمبر2022. لفيفٌ منهم اصطف وراء هياكل الإتحاد الجهوي للشغل في وقفته الاحتجاجية أمام مقر الولاية في صباح ذلك اليوم. وطيفٌ آخر لبى نداء الإتحاد الجهوي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وهيئاتٍ من المجتمع المدني مثل تنسيقية البيئة وتجمهروا بعد ظهر نفس اليوم أمام قصر البلدية.

رفع كل فريق من الفريقين شعارات عبرت عن حالة القهر والعجز إلى حد الاختناق التي بُلي بها متساكنو هذه الجهة "المزبولة" المنكوبة فعلاً. وكرروا دعواتهم إلى السلط المركزية من أجل تحمل مسؤولياتها والتعجيل بإيجاد حلٍ جذري لهذه المعضلة وقد تراخت في فعل ذلك، أو قد عجزت، طيلة الأشهر المنقضية. ولا أريد ان أتوقف عند سبب انقسام جموع الغاضبين إلى فريقين، واحد صباحي أمام مركز الولاية، والثاني مسائي أمام قصر البلدية. في الأول الإتحاد الجهوي للشغل في التأطير ، وفي الثاني الإتحاد الجهوي للصناعة والتجارة. وتلك قضية أخرى.

وإزاء التردي الخطير وغير المسبوق الذي بلغته أزمة النفايات بمدينة صفاقس، أصدرت يوم الجمعة 18 نوفمبر تنسيقية البيئة والتنمية بالجهة بيانا حملت فيه "مؤسسات الدولة برمّتها تبعات سياساتها بتصدير الأزمة إلى الجهة وإثارة النعرات الجهوية بتخاذلها وتذبذبها في اتخاذ القرارات الكفيلة بتوفير مرفق عامٍ حياتي يُعَدُّ من أول واجباتها كدولة ومن أبسط حقوق المتساكنين بالجهة." وقد دعت التنسيقية إلى إعلان حالة طوارئ في صفاقس لتوفير الظروف والإمكانيات المادية والبشرية الكفيلة بإطفاء الحرائق ورفع الفضلات إلى المصبات المراقبة. وجاء في خاتمة هذا البيان "إن تواصل هذه الأزمة منذ أكثر من 14 شهرا وعجز المسؤولين القائمين على إدارتها على إيجاد حل جذري لها، سيدفع مواطني الجهة إلى مزيد الاحتقان والتصعيد."

نوعٌ آخر من الحرائق لايقل خطورة عن حرائق مزابل صفاقس تُطل ألسنةٌ منها بين الحين والآخر، بل هي أشدُ ضرراً لو يُقُدِّر لها أن تستمر. إنها نيران الإشاعات القائمة على تشويه الخصوم السياسيين بتهم متفاوتة الخطورة، فيما السلطُ والدوائرُ المعنية تغرق في الصمت وهي المطالَبةُ ولا أحد غيرها، إما بتأكيد تلك التهم أو بنفيها وبمحاسبة من أطلقها، كائناً من كان أو من كانوا..

الغريب أن بعض تلك التهم التشويهية يتضح من الوهلة الأولى أنها تندرج في إطار صراعٍ سياسيٍ-سياسوي، يقول الطرف الذي يروجها إنه يملك وثائق تؤكد تلك التهم من نوع حصول الأطراف المقذوفة بها على تمويلات خارجية بالمليارات. وهو ما قد يهدف، إما إلى تكبيلها بتشويهات مختلفة تعيق نشاطها، أو إلى إمكانيةِ عزلها بطرق شيطانية عن الحياة السياسية لفترة قد تطول وقد تقصر، ويحرمها من خوض أي استحقاقات انتخابية قادمة.

ما لفت نظري عملياً لخطورة هذا الأسلوب في محاربة الخصوم، النقطةُ الإعلامية التي عقدتها رئيسة الحزب الدستوري الحر السيدة عبير موسي مساء الخميس الماضي بعد أن طالتها هي الأخرى تهمٌ من هذا القبيل. وأعرف أن البعض قد يتهمني مجددا بالانحياز إلى هذه السيدة وحزبها. ولكنني، مقتنع تماما أن الاصداع بكلمة الحق إنصافا لمن يتعرضون للإساءة إما بدافع الانتقام والثأر أو الضغينة والحقد وربما الخوف، لا يعني أبداً انحيازاً لهم أو لأحزابهم. أو خُلوَّ أولئك الأشخاص وأحزابهم من الأخطاء فيما يحملونه من مضامين وبرامج بصورة عامة، في غير النقطة محل الطرح في هذه الورقة..

السيدة موسي تكلمت لأكثر من ساعة بنحو خمس دقائق، كانت خلالها دقيقةً وبارعةً في دحض ما تعرضت له من اتهامات، بالاعتماد على وثائق غايةً في الوضوح، وفي كشف ما رأته مؤامرةً مدبَّرةً لتشويهها وحزبها وإقصائها، مثل "المحاولات الفاشلة السابقة" التي ذكّرت بها، عن خوض الانتخابات الرئاسية القادمة حين تفرض نفسها.

وقد توعدت من يطلق هذه الشائعات ومن يقف وراءها بالتتبع القضائي وبالقانون. وطمأنت في خاتمة عرضها مناضلي الحزب الدستوري الحر بالنصر الذي وصفته بالمؤكَّد في قريب الأوقات. كما حددت هدفها بخوض الاستحقاق الانتخابي الرئاسي القادم والفوز فيه. واعدةً بإعادة صياغة دستور يليق بتونس، بحرائرها وبجميع مواطنيها، يقوم على الفصل بين السلط وعلى علوية القانون، وببرلمان بأتم معنى الكلمة يقوم بدوره في المساءلة .

ويبقى لديَّ بعد كل هذا سؤالٌ محير، هو ماسرُّ عدم تفعيل المرسوم الشهير الطويل والعريض، الحامل لرقم 54 والصادر في 13 سبتمبر من هذا العام 2022، إزاء من يقوم بإطلاق تهمٍ يقول إنها تستند إلى وثائق ثابتة ورسمية، في حين إما إنها باطلة أو إنه ليس من صلاحية الطرف الذي أطلقها أن يفعل ذلك، لأن أمر الإعلان عنها يعود إلى جهات قضائية حصرية مثل وكالة الجمهورية أو أي جهة قانونية مخولة بذالك؟؟؟

وكذلك ما سرُّ صمت السلط العليا في الدولة إزاء كل هذا السقوط في الممارسة السياسية بما يهدد السلم الاجتماعية بأكثر مما هددها من قبل ؟

اعلامي*

 

 

 

 

حذار من التمادي في إشعال الحرائق،على الأرض وفي النفوس !

                                                                                     بقلم: مختار اللواتي(*)

في الحقيقة ماكنت لأعود إلى الخوض في الشأن العام لولا حدثان فرضا عليَّ ذلك. وهما أزمةُ النفايات في صفاقس وما آلت إليه من حرائق وأدخنة خانقة، وسيلُ التهم التي دأب طرفٌ بعينه أو أطرافٌ على إطلاقها لتشويه خصومٍ سياسيين دون أن تحرك الجهاتُ الرسمية المعنية ساكنا !

عانى متساكنو صفاقس، ومازالوا يعانون، ليس فقط من تَكدُّسِ النفايات أكواما لفتراتٍ طويلة فاقت السنة دون ظهور بوارق أمل في وقف أذاها وطي صفحة قذارتها، بل الأدهى، أنهم تجرعوا، لأيامٍ وليالٍ متواصلة، علقم نيرانها واختنقوا بأعمدة دخانها عند حرقها مطلع هذا الأسبوع ا.

وقد تنادى المتساكنون عبر هيئاتٍ من المجتمع المدني للخروج في وقفة غضبيوم الخميس الماضي 17 نوفمبر2022. لفيفٌ منهم اصطف وراء هياكل الإتحاد الجهوي للشغل في وقفته الاحتجاجية أمام مقر الولاية في صباح ذلك اليوم. وطيفٌ آخر لبى نداء الإتحاد الجهوي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وهيئاتٍ من المجتمع المدني مثل تنسيقية البيئة وتجمهروا بعد ظهر نفس اليوم أمام قصر البلدية.

رفع كل فريق من الفريقين شعارات عبرت عن حالة القهر والعجز إلى حد الاختناق التي بُلي بها متساكنو هذه الجهة "المزبولة" المنكوبة فعلاً. وكرروا دعواتهم إلى السلط المركزية من أجل تحمل مسؤولياتها والتعجيل بإيجاد حلٍ جذري لهذه المعضلة وقد تراخت في فعل ذلك، أو قد عجزت، طيلة الأشهر المنقضية. ولا أريد ان أتوقف عند سبب انقسام جموع الغاضبين إلى فريقين، واحد صباحي أمام مركز الولاية، والثاني مسائي أمام قصر البلدية. في الأول الإتحاد الجهوي للشغل في التأطير ، وفي الثاني الإتحاد الجهوي للصناعة والتجارة. وتلك قضية أخرى.

وإزاء التردي الخطير وغير المسبوق الذي بلغته أزمة النفايات بمدينة صفاقس، أصدرت يوم الجمعة 18 نوفمبر تنسيقية البيئة والتنمية بالجهة بيانا حملت فيه "مؤسسات الدولة برمّتها تبعات سياساتها بتصدير الأزمة إلى الجهة وإثارة النعرات الجهوية بتخاذلها وتذبذبها في اتخاذ القرارات الكفيلة بتوفير مرفق عامٍ حياتي يُعَدُّ من أول واجباتها كدولة ومن أبسط حقوق المتساكنين بالجهة." وقد دعت التنسيقية إلى إعلان حالة طوارئ في صفاقس لتوفير الظروف والإمكانيات المادية والبشرية الكفيلة بإطفاء الحرائق ورفع الفضلات إلى المصبات المراقبة. وجاء في خاتمة هذا البيان "إن تواصل هذه الأزمة منذ أكثر من 14 شهرا وعجز المسؤولين القائمين على إدارتها على إيجاد حل جذري لها، سيدفع مواطني الجهة إلى مزيد الاحتقان والتصعيد."

نوعٌ آخر من الحرائق لايقل خطورة عن حرائق مزابل صفاقس تُطل ألسنةٌ منها بين الحين والآخر، بل هي أشدُ ضرراً لو يُقُدِّر لها أن تستمر. إنها نيران الإشاعات القائمة على تشويه الخصوم السياسيين بتهم متفاوتة الخطورة، فيما السلطُ والدوائرُ المعنية تغرق في الصمت وهي المطالَبةُ ولا أحد غيرها، إما بتأكيد تلك التهم أو بنفيها وبمحاسبة من أطلقها، كائناً من كان أو من كانوا..

الغريب أن بعض تلك التهم التشويهية يتضح من الوهلة الأولى أنها تندرج في إطار صراعٍ سياسيٍ-سياسوي، يقول الطرف الذي يروجها إنه يملك وثائق تؤكد تلك التهم من نوع حصول الأطراف المقذوفة بها على تمويلات خارجية بالمليارات. وهو ما قد يهدف، إما إلى تكبيلها بتشويهات مختلفة تعيق نشاطها، أو إلى إمكانيةِ عزلها بطرق شيطانية عن الحياة السياسية لفترة قد تطول وقد تقصر، ويحرمها من خوض أي استحقاقات انتخابية قادمة.

ما لفت نظري عملياً لخطورة هذا الأسلوب في محاربة الخصوم، النقطةُ الإعلامية التي عقدتها رئيسة الحزب الدستوري الحر السيدة عبير موسي مساء الخميس الماضي بعد أن طالتها هي الأخرى تهمٌ من هذا القبيل. وأعرف أن البعض قد يتهمني مجددا بالانحياز إلى هذه السيدة وحزبها. ولكنني، مقتنع تماما أن الاصداع بكلمة الحق إنصافا لمن يتعرضون للإساءة إما بدافع الانتقام والثأر أو الضغينة والحقد وربما الخوف، لا يعني أبداً انحيازاً لهم أو لأحزابهم. أو خُلوَّ أولئك الأشخاص وأحزابهم من الأخطاء فيما يحملونه من مضامين وبرامج بصورة عامة، في غير النقطة محل الطرح في هذه الورقة..

السيدة موسي تكلمت لأكثر من ساعة بنحو خمس دقائق، كانت خلالها دقيقةً وبارعةً في دحض ما تعرضت له من اتهامات، بالاعتماد على وثائق غايةً في الوضوح، وفي كشف ما رأته مؤامرةً مدبَّرةً لتشويهها وحزبها وإقصائها، مثل "المحاولات الفاشلة السابقة" التي ذكّرت بها، عن خوض الانتخابات الرئاسية القادمة حين تفرض نفسها.

وقد توعدت من يطلق هذه الشائعات ومن يقف وراءها بالتتبع القضائي وبالقانون. وطمأنت في خاتمة عرضها مناضلي الحزب الدستوري الحر بالنصر الذي وصفته بالمؤكَّد في قريب الأوقات. كما حددت هدفها بخوض الاستحقاق الانتخابي الرئاسي القادم والفوز فيه. واعدةً بإعادة صياغة دستور يليق بتونس، بحرائرها وبجميع مواطنيها، يقوم على الفصل بين السلط وعلى علوية القانون، وببرلمان بأتم معنى الكلمة يقوم بدوره في المساءلة .

ويبقى لديَّ بعد كل هذا سؤالٌ محير، هو ماسرُّ عدم تفعيل المرسوم الشهير الطويل والعريض، الحامل لرقم 54 والصادر في 13 سبتمبر من هذا العام 2022، إزاء من يقوم بإطلاق تهمٍ يقول إنها تستند إلى وثائق ثابتة ورسمية، في حين إما إنها باطلة أو إنه ليس من صلاحية الطرف الذي أطلقها أن يفعل ذلك، لأن أمر الإعلان عنها يعود إلى جهات قضائية حصرية مثل وكالة الجمهورية أو أي جهة قانونية مخولة بذالك؟؟؟

وكذلك ما سرُّ صمت السلط العليا في الدولة إزاء كل هذا السقوط في الممارسة السياسية بما يهدد السلم الاجتماعية بأكثر مما هددها من قبل ؟

اعلامي*