إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الرقابة على التغطية الإعلامية للحملة .. هيئة الانتخابات تسحب البساط من "الهايكا" والأخيرة تقرر التوجه إلى القضاء

تونس: الصباح

بعد أن ارتأى رئيس الجمهورية قيس سعيد حذف الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري "الهايكا" من دستور 25 جويلية بجرة قلم، أقدمت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أول أمس على سحب البساط من هذه الهيئة وشطب صلاحياتها الرقابية على وسائل الإعلام خلال الحملة الانتخابية، إذ فتحت بقرارها الجديد عدد 31 لسنة 2022 المؤرخ في 18 نوفمبر 2022 والذي نقحت بموجبه وتممت القرار عدد 8 لسنة 2018 المؤرخ في 20 فيفري 2018 المتعلق بضبط القواعد والشروط التي يتعين على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء، فتحت، باب تنازع الاختصاص بين الهيئتين على مصراعيه.

وللاستفسار عن موقف "الهايكا" من هذا القرار الجديد اتصلت "الصباح" بعضو مجلس "الهايكا" عادل البصيلي الذي عبر عن رفضهم لهذا القرار وقال إن مجلس الهيئة قرر التوجه إلى القضاء، وبين أنهم سيقومون بالطعن في القرار المذكور أمام المحكمة الإدارية وبمطالبة هذه المحكمة بإلغائه وبطلانه فورا لأنه مخالف للدستور وللقانون الانتخابي، وستكون المحكمة الإدارية هي الفيصل في هذا النزاع. وذكر أنه سبق بمناسبة انتخابات 2014 أن تم اللجوء إلى القضاء الإداري بسبب خلاف حصل بين الهيئتين حول مسائل بسيطة تتعلق بسبر الآراء والصمت الانتخابي، ولكن بعد ذلك تم إصدار قرار مشترك بين الهيئتين، ولم يحصل مشكل في الانتخابات البلدية لسنة 2018 وانتخابات 2019، وحتى الاختلاف في وجهات النظر بمناسبة حملة الاستفتاء لم ينته إلى طريق مسدود، لكن هذه المرة أرادت هيئة الانتخابات أن تخضع الجميع لسياسة الأمر الواقع، والحال أن تغطية الحملة في وسائل الإعلام وفقرة التعبير الحر المتاحة للمترشحين للانتخابات لها خصوصيات معينة، ولا يمكن في هذا السياق التغاضي عما يطرحه التقسيم الجديد للدوائر الانتخابية من مخاطر إذكاء العروشية والجهوية، فالمسألة ليست تقنية فقط. وبين البصيلي أن "الهيكا" أعدت قرارا توجيهيا لوسائل الإعلام وهي لم تقم فيه بالتدخل في صلاحيات هيئة الانتخابات وإنما فتحت لها الباب لكي تصدر قرارا ترتيبيا يراعي خصوصيات الإعلام، وكان بإمكانها أن تتبناه لكنها تجاهلته واتجهت نحو مسار خطير.

وللتذكير فقد كانت "الهايكا" استبقت هيئة الانتخابات ونشرت يوم 16 نوفمبر الجاري بلاغا جاء فيه أن "مجلس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، وفي إطار ولايته العامة على وسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري، واستنادا إلى مقتضيات الفصل 65 فقرة 2 من القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء ووعيا منه بأهمية وضع قواعد التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية التشريعية، وعلى اعتبار بعض الاختلافات في وجهات النظر بين الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري والهيئة العليا المستقلة للانتخابات حول التمشي الذي يؤدي إلى صياغة القرار المشترك الضامن لقيم التعدد والتنوّع وحق النفاذ إلى وسائل الإعلام والذي دأبت الهيئتان على إصداره قبل الاستحقاقات الانتخابية، فقد قرّر المجلس، وعيا منه بحجم مسؤولية الهيئة واحتراما لدولة القانون والمؤسسات، إصدار قرار توجيهي لوسائل الإعلام السمعي البصري يتضمن القواعد الأساسية الواجب احترامها لضمان شفافية التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية التشريعية ونزاهتها، ويدعو مجلس الهيئة مختلف المؤسسات الإعلامية السمعية البصرية إلى الالتزام بمقتضيات هذا القرار وتأمين التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية التشريعية وفق مبادئ النزاهة والموضوعية والتعدد والتنوع تكريسا لقيم الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة".

ولكن بعد يومين من نشر "الهايكا" للقرار التوجيهي لوسائل الإعلام، صادق مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على قراره عدد 31 سالف الذكر وجاء في فقرة الإطلاعات ما يلي:"بعد الاطلاع على الدستور وخاصّة الفصل 134 منه، وعلى القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرّخ في 20 ديسمبر 2012 والمتعلّق بالهيئة العليا المستقلّة للانتخابات وعلى جميع النصوص التي نقّحته وتمّمته وآخرها المرسوم عدد 22 لسنة 2022 وخاصة الفصلين الأول والثاني وعلى القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 ماي 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء وجميع النصوص التي نقحته وتممته وآخرها المرسوم عدد 55 لسنة 2022 وخاصة الفصول 2 و52 و56 و57 و58 و59 و66 و69 و70 و71 و72، وبعد التداول قرر ما يلي:".. وبالتالي تم إلغاء ما ورد في النص الأصلي للقرار عدد 8 لسنة 2018 من إشارة إلى المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، والمرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري وبإحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي والبصري، والقرارات المشتركة بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري المتعلقة بضبط القواعد الخاصة لتغطية الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء والتشاور مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري فيما يتعلق بضبط القواعد والشروط العامة التي يتعين على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء.

واستندت هيئة الانتخابات في هذا القرار بالأساس على الفصل 134 من الدستور الجديد وقد نص هذا الفصل على ما يلي:" تتـولّى الهيئــة العلـيا المستقلـة للانتخابات إدارة الانتخابات والاستفتاءات وتنظيــمها والإشراف عليها في جميع مراحلها، وتضمن سلامـة المسـار الانتخابـي ونزاهتــــه وشــفافيته وتصرّح بالنتائج.تتمتع الهيئة بالسّلطة الترتيبية في مجال اختصاصها. تتركب الهيئة من تسعة أعضاء مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة، يباشرون مهامهم لمدّة ستّ سنوات غير قابلة للتجديد، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين". ولكن في الفصل الأول من القرار أضاف مجلس الهيئة عبارة "للهيئة العليا المستقلة للانتخابات الولاية الكاملة على الشأن الانتخابي دون سواها"..

إلغاء الدسترة

وباستفساره إن كان استناد هيئة الانتخابات إلى الفصل 134 من الدستور وتنصيصها في الفصل الأول من قرارها الترتيبي الجديد على أنها تتمتع بالولاية الكاملة على الشأن الانتخابي دون سواها يندرج في إطار نفس التمشي الذي سار فيه واضع دستور 25 جويلية نحو سد الأفق أمام "الهايكا" من خلال إسقاطها من الدستور، أجاب عادل البصيلي عضو مجلس "الهايكا" أنه لا يرى إشكالا في عدم التنصيص في الدستور على هيئة الاتصال السمعي والبصري، فهذه الهيئة تم التنصيص عليها في دستور 2014 وفي نهاية الأمر لم يقع تركيزها، ولكن لم يحل ذلك دون مواصلة الهيئة لممارسة مهامها لأن المرسوم عدد 116 مازال ساري المفعول إلى اليوم، والمطلوب من الجميع التقيد بأحكام هذا المرسوم. وخلص إلى أن "الهايكا" ستلجأ للمحكمة الإدارية وقال إنها ستواصل مهامها في مراقبة التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية، وأضاف أنه كان بإمكان رئيس الجمهورية أن يلعب دورا تحكيميا وكان بإمكانه أن يتدخل لحل الخلاف بين هيئة الانتخابات و"الهايكا" لكنه لم يفعل.

ويشار إلى أن قرار هيئة الانتخابات الذي قررت "الهايكا" الطعن فيه أمام القضاء الإداري ضبط القواعد والشروط العامة التي يتعين على وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة والالكترونية التقيد بها خلال الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء وقواعد الحملة الخاصة بوسائل الإعلام المكتوبة والالكترونية. وبمقتضاه تتمتع وسائل الإعلام بحرية تغطية الحملة والحق في النفاذ إلى المعلومة وفق التشريع الجاري به العمل. ويتعين عليها التزام الحياد، واحترام مبدإ المساواة وضمان تكافؤ الفرص بين المترشحين، واحترام الحرمة الجسدية للمترشحين والناخبين وأعراضهم وكرامتهم، وعدم المساس بحرمة الحياة الخاصة للمترشحين ومعطياتهم الشخصية، واحترام مقتضيات حماية الأمن العام والدفاع الوطني، وعدم بث ونشر الدعوات إلى الكراهية والعنف والتعصب والتمييز على أسس الدين أو العرق أو الفئة أو العائلة وعليها الالتزام باحترام قواعد وأخلاقيات المهنة، وتجنب ما من شأنه تضليل الناخبين أو توجيه إرادتهم، وهي تلتزم عند اختيار مقتطفات من بيانات وتصريحات المترشحين والأحزاب بعدم تحريف معناها العام، أو أن تقوم بإعادة تركيبها أو الاقتطاع من محتواها بما يمس من مضمونها الأصلي أو يؤدي إلى تحميله مضمونا مغايرا. وتعمل وسائل الإعلام خلال الحملة الانتخابية على منع ظهور كل من ترشح للانتخابات من المنشطين ومحرري الأخبار ومقدمي البرامج والصحفيين والمسؤولين التابعين لها في غير المساحات أو البرامج المخصصة للمترشحين وتعمل على عدم تكليف أعوانها الذين يباشرون مهاما تحريرية والذين ترشحوا أو أعلنوا ترشحهم للانتخابات، بمهام لها علاقة بالتغطية الإعلامية للحملة الانتخابية.

وحسب نفس القرار يحجر على وسائل الإعلام سواء خلال فترة ما قبل الحملة أو خلال الحملة وفترة الصمت الانتخابي، القيام بالإشهار السياسي. ويحجر على وسائل الإعلام بث أو نشر كل تغطية إعلامية تؤدي إلى أي شكل من أشكال الدعاية للمترشحين سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، إيجابية أو سلبية ويحجر الإعلان بوسائل الإعلام سواء خلال فترة ما قبل الحملة أو خلال الحملة وفترة الصمت الانتخابي، عن تخصيص رقم هاتف مجاني أو موزع صوتي أو مركز نداء لفائدة مترشح وكذلك نشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات والدراسات والتعاليق الصحفية المتعلقة بها.

المسار في خطر

ولئن لا تطرح القواعد العامة المتعلقة بوسائل الإعلام التي تضمنها قرار هيئة الانتخابات الصادر أول أمس مشكل كبير بالنسبة إلى الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري فإن القرار المذكور تضمن مسائل أخرى خطيرة للغاية على حد وصف عادل البصيلي عضو مجلس الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري. وقال البصيلي في هذا الصدد إنهم فوجئوا أول أمس بقرار هيئة الانتخابات الذي يتجه نحو مسار خطير للغاية، لأن هيئة الانتخابات منحت نفسها الولاية الكاملة والحصرية على الشأن الانتخابي وهو ما يعني إلغاء أدوار بقية المتدخلين في المسار الانتخابي سواء "الهايكا" أو محكمة المحاسبات أو المحكمة الإدارية وهو أمر مخالف بصفة صريحة وواضحة للقانون الانتخابي، وذكر أن قرار هيئة الانتخابات نص حرفيا على ما يلي" تتولى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الولاية الكاملة على الشأن الانتخابي دون سواها".

وأضاف البصيلي أن المسألة الثانية التي تكتسي خطورة كبيرة تتعلق بتنصيص الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في قرارها الترتيبي الجديد على أنها هي التي تقوم برصد التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية وهو ما سيمس من شفافية الحملة ونزاهتها وذلك بالنظر إلى أن هذه الهيئة ليس لديها مرصدا مختصا وليست لديها خبرة في الرصد في حين أن "الهايكا" اضطلعت بهذا الدور خلال المحطات الانتخابية السابقة.

وأضاف عضو مجلس "الهايكا" أن الأخطر من كل ما تقدم ذكره هو الفصل 18 الوارد بالباب الخامس من قرار هيئة الانتخابات وهو الباب المتعلق بالعقوبات إذ نص هذا الفصل على أن "تعلم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النيابة العمومية عند الاشتباه في ارتكاب جريمة انتخابية". وذكر أن هذا الفصل فيه خرق للدستور لأنه يضرب حرية الإعلام والصحافة وحرية التعبير ويمثل تهديدا لوسائل الإعلام وهو مخالف للقانون الانتخابي لأن هذا القانون جعل وسائل الإعلام التي تتركب مخالفات لقواعد تغطية الحملة الانتخابية تعاقب من قبل الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري ومنح القانون هذه الوسائل إمكانية الطعن في قرارات "الهايكا" المتعلقة بالعقوبات أمام المحكمة الإدارية وبالتالي فإن إخراج الإعلام من دائرة المحكمة الإدارية إلى خانة الجرائم الانتخابية التي ينطبق عليها القانون الجزائي يمثل خطرا كبيرا عليها ويجعلها تغطي الحملة تحت الضغط كما أنه يجعل الصحفيين والإعلاميين يشتغلون في حالة رعب وهو ما لا يليق بالدولة التونسية.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

 

 

 

الرقابة على التغطية الإعلامية للحملة .. هيئة الانتخابات تسحب البساط من "الهايكا" والأخيرة تقرر التوجه إلى القضاء

تونس: الصباح

بعد أن ارتأى رئيس الجمهورية قيس سعيد حذف الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري "الهايكا" من دستور 25 جويلية بجرة قلم، أقدمت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أول أمس على سحب البساط من هذه الهيئة وشطب صلاحياتها الرقابية على وسائل الإعلام خلال الحملة الانتخابية، إذ فتحت بقرارها الجديد عدد 31 لسنة 2022 المؤرخ في 18 نوفمبر 2022 والذي نقحت بموجبه وتممت القرار عدد 8 لسنة 2018 المؤرخ في 20 فيفري 2018 المتعلق بضبط القواعد والشروط التي يتعين على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء، فتحت، باب تنازع الاختصاص بين الهيئتين على مصراعيه.

وللاستفسار عن موقف "الهايكا" من هذا القرار الجديد اتصلت "الصباح" بعضو مجلس "الهايكا" عادل البصيلي الذي عبر عن رفضهم لهذا القرار وقال إن مجلس الهيئة قرر التوجه إلى القضاء، وبين أنهم سيقومون بالطعن في القرار المذكور أمام المحكمة الإدارية وبمطالبة هذه المحكمة بإلغائه وبطلانه فورا لأنه مخالف للدستور وللقانون الانتخابي، وستكون المحكمة الإدارية هي الفيصل في هذا النزاع. وذكر أنه سبق بمناسبة انتخابات 2014 أن تم اللجوء إلى القضاء الإداري بسبب خلاف حصل بين الهيئتين حول مسائل بسيطة تتعلق بسبر الآراء والصمت الانتخابي، ولكن بعد ذلك تم إصدار قرار مشترك بين الهيئتين، ولم يحصل مشكل في الانتخابات البلدية لسنة 2018 وانتخابات 2019، وحتى الاختلاف في وجهات النظر بمناسبة حملة الاستفتاء لم ينته إلى طريق مسدود، لكن هذه المرة أرادت هيئة الانتخابات أن تخضع الجميع لسياسة الأمر الواقع، والحال أن تغطية الحملة في وسائل الإعلام وفقرة التعبير الحر المتاحة للمترشحين للانتخابات لها خصوصيات معينة، ولا يمكن في هذا السياق التغاضي عما يطرحه التقسيم الجديد للدوائر الانتخابية من مخاطر إذكاء العروشية والجهوية، فالمسألة ليست تقنية فقط. وبين البصيلي أن "الهيكا" أعدت قرارا توجيهيا لوسائل الإعلام وهي لم تقم فيه بالتدخل في صلاحيات هيئة الانتخابات وإنما فتحت لها الباب لكي تصدر قرارا ترتيبيا يراعي خصوصيات الإعلام، وكان بإمكانها أن تتبناه لكنها تجاهلته واتجهت نحو مسار خطير.

وللتذكير فقد كانت "الهايكا" استبقت هيئة الانتخابات ونشرت يوم 16 نوفمبر الجاري بلاغا جاء فيه أن "مجلس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، وفي إطار ولايته العامة على وسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري، واستنادا إلى مقتضيات الفصل 65 فقرة 2 من القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء ووعيا منه بأهمية وضع قواعد التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية التشريعية، وعلى اعتبار بعض الاختلافات في وجهات النظر بين الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري والهيئة العليا المستقلة للانتخابات حول التمشي الذي يؤدي إلى صياغة القرار المشترك الضامن لقيم التعدد والتنوّع وحق النفاذ إلى وسائل الإعلام والذي دأبت الهيئتان على إصداره قبل الاستحقاقات الانتخابية، فقد قرّر المجلس، وعيا منه بحجم مسؤولية الهيئة واحتراما لدولة القانون والمؤسسات، إصدار قرار توجيهي لوسائل الإعلام السمعي البصري يتضمن القواعد الأساسية الواجب احترامها لضمان شفافية التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية التشريعية ونزاهتها، ويدعو مجلس الهيئة مختلف المؤسسات الإعلامية السمعية البصرية إلى الالتزام بمقتضيات هذا القرار وتأمين التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية التشريعية وفق مبادئ النزاهة والموضوعية والتعدد والتنوع تكريسا لقيم الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة".

ولكن بعد يومين من نشر "الهايكا" للقرار التوجيهي لوسائل الإعلام، صادق مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على قراره عدد 31 سالف الذكر وجاء في فقرة الإطلاعات ما يلي:"بعد الاطلاع على الدستور وخاصّة الفصل 134 منه، وعلى القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرّخ في 20 ديسمبر 2012 والمتعلّق بالهيئة العليا المستقلّة للانتخابات وعلى جميع النصوص التي نقّحته وتمّمته وآخرها المرسوم عدد 22 لسنة 2022 وخاصة الفصلين الأول والثاني وعلى القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 ماي 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء وجميع النصوص التي نقحته وتممته وآخرها المرسوم عدد 55 لسنة 2022 وخاصة الفصول 2 و52 و56 و57 و58 و59 و66 و69 و70 و71 و72، وبعد التداول قرر ما يلي:".. وبالتالي تم إلغاء ما ورد في النص الأصلي للقرار عدد 8 لسنة 2018 من إشارة إلى المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، والمرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري وبإحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي والبصري، والقرارات المشتركة بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري المتعلقة بضبط القواعد الخاصة لتغطية الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء والتشاور مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري فيما يتعلق بضبط القواعد والشروط العامة التي يتعين على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء.

واستندت هيئة الانتخابات في هذا القرار بالأساس على الفصل 134 من الدستور الجديد وقد نص هذا الفصل على ما يلي:" تتـولّى الهيئــة العلـيا المستقلـة للانتخابات إدارة الانتخابات والاستفتاءات وتنظيــمها والإشراف عليها في جميع مراحلها، وتضمن سلامـة المسـار الانتخابـي ونزاهتــــه وشــفافيته وتصرّح بالنتائج.تتمتع الهيئة بالسّلطة الترتيبية في مجال اختصاصها. تتركب الهيئة من تسعة أعضاء مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة، يباشرون مهامهم لمدّة ستّ سنوات غير قابلة للتجديد، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين". ولكن في الفصل الأول من القرار أضاف مجلس الهيئة عبارة "للهيئة العليا المستقلة للانتخابات الولاية الكاملة على الشأن الانتخابي دون سواها"..

إلغاء الدسترة

وباستفساره إن كان استناد هيئة الانتخابات إلى الفصل 134 من الدستور وتنصيصها في الفصل الأول من قرارها الترتيبي الجديد على أنها تتمتع بالولاية الكاملة على الشأن الانتخابي دون سواها يندرج في إطار نفس التمشي الذي سار فيه واضع دستور 25 جويلية نحو سد الأفق أمام "الهايكا" من خلال إسقاطها من الدستور، أجاب عادل البصيلي عضو مجلس "الهايكا" أنه لا يرى إشكالا في عدم التنصيص في الدستور على هيئة الاتصال السمعي والبصري، فهذه الهيئة تم التنصيص عليها في دستور 2014 وفي نهاية الأمر لم يقع تركيزها، ولكن لم يحل ذلك دون مواصلة الهيئة لممارسة مهامها لأن المرسوم عدد 116 مازال ساري المفعول إلى اليوم، والمطلوب من الجميع التقيد بأحكام هذا المرسوم. وخلص إلى أن "الهايكا" ستلجأ للمحكمة الإدارية وقال إنها ستواصل مهامها في مراقبة التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية، وأضاف أنه كان بإمكان رئيس الجمهورية أن يلعب دورا تحكيميا وكان بإمكانه أن يتدخل لحل الخلاف بين هيئة الانتخابات و"الهايكا" لكنه لم يفعل.

ويشار إلى أن قرار هيئة الانتخابات الذي قررت "الهايكا" الطعن فيه أمام القضاء الإداري ضبط القواعد والشروط العامة التي يتعين على وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة والالكترونية التقيد بها خلال الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء وقواعد الحملة الخاصة بوسائل الإعلام المكتوبة والالكترونية. وبمقتضاه تتمتع وسائل الإعلام بحرية تغطية الحملة والحق في النفاذ إلى المعلومة وفق التشريع الجاري به العمل. ويتعين عليها التزام الحياد، واحترام مبدإ المساواة وضمان تكافؤ الفرص بين المترشحين، واحترام الحرمة الجسدية للمترشحين والناخبين وأعراضهم وكرامتهم، وعدم المساس بحرمة الحياة الخاصة للمترشحين ومعطياتهم الشخصية، واحترام مقتضيات حماية الأمن العام والدفاع الوطني، وعدم بث ونشر الدعوات إلى الكراهية والعنف والتعصب والتمييز على أسس الدين أو العرق أو الفئة أو العائلة وعليها الالتزام باحترام قواعد وأخلاقيات المهنة، وتجنب ما من شأنه تضليل الناخبين أو توجيه إرادتهم، وهي تلتزم عند اختيار مقتطفات من بيانات وتصريحات المترشحين والأحزاب بعدم تحريف معناها العام، أو أن تقوم بإعادة تركيبها أو الاقتطاع من محتواها بما يمس من مضمونها الأصلي أو يؤدي إلى تحميله مضمونا مغايرا. وتعمل وسائل الإعلام خلال الحملة الانتخابية على منع ظهور كل من ترشح للانتخابات من المنشطين ومحرري الأخبار ومقدمي البرامج والصحفيين والمسؤولين التابعين لها في غير المساحات أو البرامج المخصصة للمترشحين وتعمل على عدم تكليف أعوانها الذين يباشرون مهاما تحريرية والذين ترشحوا أو أعلنوا ترشحهم للانتخابات، بمهام لها علاقة بالتغطية الإعلامية للحملة الانتخابية.

وحسب نفس القرار يحجر على وسائل الإعلام سواء خلال فترة ما قبل الحملة أو خلال الحملة وفترة الصمت الانتخابي، القيام بالإشهار السياسي. ويحجر على وسائل الإعلام بث أو نشر كل تغطية إعلامية تؤدي إلى أي شكل من أشكال الدعاية للمترشحين سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، إيجابية أو سلبية ويحجر الإعلان بوسائل الإعلام سواء خلال فترة ما قبل الحملة أو خلال الحملة وفترة الصمت الانتخابي، عن تخصيص رقم هاتف مجاني أو موزع صوتي أو مركز نداء لفائدة مترشح وكذلك نشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات والدراسات والتعاليق الصحفية المتعلقة بها.

المسار في خطر

ولئن لا تطرح القواعد العامة المتعلقة بوسائل الإعلام التي تضمنها قرار هيئة الانتخابات الصادر أول أمس مشكل كبير بالنسبة إلى الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري فإن القرار المذكور تضمن مسائل أخرى خطيرة للغاية على حد وصف عادل البصيلي عضو مجلس الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري. وقال البصيلي في هذا الصدد إنهم فوجئوا أول أمس بقرار هيئة الانتخابات الذي يتجه نحو مسار خطير للغاية، لأن هيئة الانتخابات منحت نفسها الولاية الكاملة والحصرية على الشأن الانتخابي وهو ما يعني إلغاء أدوار بقية المتدخلين في المسار الانتخابي سواء "الهايكا" أو محكمة المحاسبات أو المحكمة الإدارية وهو أمر مخالف بصفة صريحة وواضحة للقانون الانتخابي، وذكر أن قرار هيئة الانتخابات نص حرفيا على ما يلي" تتولى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الولاية الكاملة على الشأن الانتخابي دون سواها".

وأضاف البصيلي أن المسألة الثانية التي تكتسي خطورة كبيرة تتعلق بتنصيص الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في قرارها الترتيبي الجديد على أنها هي التي تقوم برصد التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية وهو ما سيمس من شفافية الحملة ونزاهتها وذلك بالنظر إلى أن هذه الهيئة ليس لديها مرصدا مختصا وليست لديها خبرة في الرصد في حين أن "الهايكا" اضطلعت بهذا الدور خلال المحطات الانتخابية السابقة.

وأضاف عضو مجلس "الهايكا" أن الأخطر من كل ما تقدم ذكره هو الفصل 18 الوارد بالباب الخامس من قرار هيئة الانتخابات وهو الباب المتعلق بالعقوبات إذ نص هذا الفصل على أن "تعلم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النيابة العمومية عند الاشتباه في ارتكاب جريمة انتخابية". وذكر أن هذا الفصل فيه خرق للدستور لأنه يضرب حرية الإعلام والصحافة وحرية التعبير ويمثل تهديدا لوسائل الإعلام وهو مخالف للقانون الانتخابي لأن هذا القانون جعل وسائل الإعلام التي تتركب مخالفات لقواعد تغطية الحملة الانتخابية تعاقب من قبل الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري ومنح القانون هذه الوسائل إمكانية الطعن في قرارات "الهايكا" المتعلقة بالعقوبات أمام المحكمة الإدارية وبالتالي فإن إخراج الإعلام من دائرة المحكمة الإدارية إلى خانة الجرائم الانتخابية التي ينطبق عليها القانون الجزائي يمثل خطرا كبيرا عليها ويجعلها تغطي الحملة تحت الضغط كما أنه يجعل الصحفيين والإعلاميين يشتغلون في حالة رعب وهو ما لا يليق بالدولة التونسية.

سعيدة بوهلال