إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ملفات "الصباح": مذابح في عش الزوجية.. ونهايات مأساوية لشريكة الحياة

 

 

ملفات "الصباح"

فيما قتلت 16 امرأة في أقل من سنة

مذابح في عش الزوجية.. ونهايات مأساوية لشريكة الحياة

*علاقات مسمومة وعنف حد القتل

*العنف 

تونس-الصباح

الفستان الأبيض، والارتباط حلم مزمن يرافق الفتاة منذ الطفولة خاصة وأن المجتمع يزرع في مخيلتها فكرة الزواج ويملأ مسامعها بأصوات الزغاريد التي ترافقها وهي تزف الى عريسها حتى تقتنع أن العالم الوردي ينتظرها بعد الزواج وأن كل ما عاشته قبل ذلك ليس محسوبا من عمرها.

وفي الضفة الثانية هناك شاب يحلم بفتاة الأحلام والأسرة والاستقرار والأبناء.. كلاهما يحلم بعالم لا مشاكل فيه، لا ديون ولا خلافات، عالم وردي يسترق فيه الزوج النظر الى زوجته وهي تطهو الطعام، وزوجة تنتظر باقة الورد الأحمر التي يناولها إياها زوجها بيده اليمنى ويطوقها باليد اليسرى.. هما يحلمان بعالم ليس فيه غير الحب وما يرافقه من الألوان الزاهية..أحلام تبدأ بالتبدد ما إن يجتمعا تحت سقف واحد، وشيئا فشيئا يثقب الواقع فقاعة الأحلام فيستيقظان على واقع الحياة المتعبة وروتينها الممل، واقع لا تسمع فيه إلا النقاش عن فاتورة الماء والكهرباء ومصاريف الأبناء ودراستهم والدروس الخصوصية.. ومع ضغط الحياة وقلة ذات اليد تتبدد الأحلام ليحل محلها واقع المسؤوليات، وشيئا فشيئا تتحول الحياة الى كابوس لدى البعض لتنتهي صلاحية وثيقة الارتباط التي وقعها الزوجان ويفترقان بأبغض الحلال ولكن هناك حالات أسوأ تعيش فيها المرأة طقوسا من العنف والخذلان المتكرر بشكل يومي الى أن يتلون الفستان الأبيض باللون الأحمر وتنتهي حياتها على يد زوج اختار أن ينهي حياة شريكته لسبب ما وبطريقة ما.

نساء كثر دفعن حياتهن ثمنا لاختيار خاطئ على يد أزواج تمردوا على القانون والشرع.. ألم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام "إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم".. فلماذا قتلوا الشقائق؟؟!

"الصباح" تفتح ملف قتل الأزواج لزوجاتهم بعد حوادث القتل المتتالية التي شهدتها بلادنا منذ بداية السنة وخاصة في الآونة الأخيرة.

إعداد:مفيدة القيزاني - فاطمة الجلاصي

زوج برتبة قاتل..

"أنت السبب، أرأيت ما فعلته بنا، أرأيت النهاية التي وصلنا إليها.." هكذا يتردد صوت القاتل دقائق بجانب جثة الضحية

وهكذا يحاول آخر محاولاته لتحميل الضحية مسؤولية المشهد النهائي لحكاية زواجهما حتى وإن كان قد خطط مسبقا للجريمة.

آخر ضحايا جرائم قتل الشريك لشريكته أم لأربعة أبناء فارقت الحياة منذ أيام بطعنات قاتلة من زوجها بعد خلاف نشب بينهما بمقر سكناهما بجهة وادي الباي بمنطقة السعيدة التابعة لوادي الليل من ولاية منوبة بسبب المال وعلى الرغم من أن شقيق الزوجة تدخل ونجح في فض الخلاف وهدأت الأمور بينهما ولكن الزوج قرر عند الصباح الانتقام فالتقط سكينا وانهال بواسطتها بعدة طعنات أمام مرأى ابنتين من أبنائهما الأربعة إلى أن أرداها قتيلة كما حاول قتل ابنته الكبرى وعمرها 11 عاما وأصيبت بعدّة جروح على مستوى الرقبة ثم سلم نفسه الى السلطات الأمنية.

زوج آخر بجهة الكبارية خرب جسد زوجته بسبع طعنات بواسطة سكين كبير الحجم في محطة المترو بالكبارية. وكشفت الأبحاث المجراة في ملف القضية أن سبب الجريمة يعود إلى خلافات عائلية مستمرة بينهما منذ فترة .وقد اعترف الزوج بما نسب إليه بعد أن سلم نفسه للوحدات الأمنية.

مدينة الكاف أيضا عاشت مساء يوم 29 اكتوبر 2022 على وقع جريمة قتل فظيعة راحت ضحيتها امرأة عمد زوجها الى حرقها.

  حيث عمد عون ديوانة الى اضرم النار في جسد زوجته المربية في منزلهما اين أصيبت بحروق بليغة تسببت في موتها على عين المكان.

 رفقة الشارني هي واحدة من ضحايا العنف الزوجي الذي انتهى بجريمة قتل، هي امرأة شابة وأم لطفل وزوجها يعمل في سلك الحرس الوطني قتلها بخمس طلقات من سلاحه الوظيفي في جهة الكاف، وكانت رفقة قبل أن تقتل توجهت بشكاية رسمية ضد زوجها لاعتدائه عليها بالعنف وحصلت بالفعل على شهادة طبية تثبت تعرضها للعنف استوجب عشرين يوما من الراحة، لكن الزوج بقي في حالة سراح حتى قتلها، ثم ألقي القبض عليه بعد الجريمة.

قتل حنان..

أثارت جريمة قتل الشابة التونسية حنان التي تبلغ من العمر 25 سنة على يد زوجها في ألمانيا تاركة ابنها الرضيع البالغ من العمر سنتين جدلا لدى الرأي العام في تونس، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي ''فايسبوك'' وأكد القنصل التونسي في ألمانيا حينها أن الضحية طلبت يوم مقتلها الانفصال عن زوجها مما تسبب في نشوب خلاف بينهما وقام بتعنيفها حتى الموت.

كما كشف تقرير الطب الشرعي الألماني أن الوفاة ناجمة عن جرح غائر في الرأس إضافة الى آثار خنق على رقبتها.

وكانت الفقيدة لجأت الى الشرطة يوم مصرعها وأكدت أنها خائفة من ردة فعل زوجها عندما ستطلب منه الطلاق.

وقال الزوج القاتل خلال التحقيق معه إنه عنفها لكن لم تكن غايته قتلها.

قتل سناء..

سناء واحدة من ضحايا القتل الوحشي من قبل زوجها حيث

اهتزت مدينة ليمبورغ الألمانية على وقع جريمة قتل مروعة ارتكبها التونسي عماد العمدوني البالغ من العمر 34 عاماً في حق زوجته سناء البالغة من العمر 32 عاماً، حيث قام بدهسها بسيارته في الشارع ثم ترجل ليهشم رأسها بمطرقة أمام المارة، وأكدت وزارة الخارجية التونسية أن مدينة ليمبورغ الألمانية شهدت جريمة قتل ذهبت ضحيتها مواطنة تونسية على يد زوجها التونسي الحامل للجنسية الألمانية والذي تم القبض عليه واحتجازه على ذمة التحقيق.

وأضافت الوزارة في بيان إن القنصلية التونسية ببون، تولّت وبالتنسيق مع السلطات الأمنية الألمانية توفير الإحاطة اللازمة لأبناء الضحية وإيوائهم بمركز لحماية الطفولة مع إخضاعهم لمتابعة نفسية دقيقة من قبل أخصائيين.

والضحية سافرت إلى ألمانيا منذ ستة أعوام حيث واصلت دراستها الجامعية في مجال الهندسة، وهناك تعرفت على عماد الذي تنحدر أسرته من مسقط رأسها، لكنه مولود في ألمانيا ويحمل جنسيتها، وتم الزواج بينهما لينجبا ابنتين إحداهما في الرابعة من عمرها والثانية لم تتجاوز العامين.

بعد الزواج اكتشفت سناء أن زوجها مدمن على المخدرات والكحول وحبوب الهلوسة، ويقوم بتعنيفها بشكل يومي تقريباً، كما يقوم بتعنيف والدته، ما جعل زوجته تفر من المنزل مع طفلتيها لتقيم تحت الحراسة الأمنية في مأوى تابع لإحدى الجمعيات الخيرية، ومن هناك تقدمت بقضية طلاق كان من المنتظر أن تنظر فيها المحكمة.

ولكن صادف أن شقيقة الزوج كانت قد عملت سابقاً في تلك الجمعية، فاتصلت بإحدى زميلاتها السابقات لتطلب منها مدها بعنوان المأوى الذي تقيم فيه سناء وبنتيها، وبعد أن حصلت على العنوان مدت به شقيقها الذي بدأ بمراقبة المكان عن بعد.

شعرت سناء بأنها محل مراقبة، وأعلمت بذلك الجهات الأمنية التي شددت الرقابة على المأوى، وكانت الزوجة تعتقد أن زوجها المدمن قد يقوم في أي وقت باختطاف ابنتيها الصغيرتين، لكنها لم تتخيل للحظة واحدة أنه قد أعد خطة لقتلها، وعندما كانت سناء عائدة إلى مقر إقامتها برفقة طفلتيها، فاجأها زوجها بأن دهسها بسيارته لتسقط على الأسفلت مضرجة بدمائها، ولم يكتفِ بذلك، بل نزل من سيارته وفي يده مطرقة استعملها في الضرب بعنف على رأسها حتى فصله عن جسدها.

المقربون من الضحية أكدوا أنها حصلت مؤخراً على الجنسية الألمانية، واستخرجت جواز سفر ألمانياً، وكانت على اتصال ببعض الناشطات التونسيات لمساعدتها على تأجير منزل لتنتقل إليه من المأوى الخيري، كما كانت ستتجه للنظر في قضية طلاقها لكن زوجها أنهى حياتها وتحولت الجريمة إلى قضية رأي عام في ألمانيا نظراً لبشاعتها، وقام ناشطون بنشر مشاهد فيديو للحظات مقتل سناء ما أشعل الغضب في نفوس الجميع.

مذبحة..

مذبحة عائلية وقعت في مدينة ساسولو حيث أقدم مواطن تونسي يبلغ من العمر 38 عاما ويقطن في ساسولو الإيطالية على قتل زوجته ووالدتها وطفليه البالغين عامين وخمس أعوام ثم انتحر.

وفي صفاقس جدت جريمة فظيعة ذهبت ضحيتها امرأة وابنها البالغ من العمر 13 سنة بمنزلها الكائن بطريق تنيور كلم 4 وتوجهت أصابع الاتهام الى طليقها وهو طبيب تحصن بالفرار.

وقد كشفت المعطيات أنه إثر تنقل قاضي التحقيق الاول المتعهد بالموضوع بالمحكمة الابتدائية صفاقس1 رفقة ممثل النيابة العمومية بنفس المحكمة الى مكان حدوث الجريمة أن الضحيتين (الام والابن) تعرضتا للطعن بآلة حادة والى الحرق على مستوى جسديهما.

30 ألف امرأة لقَيْن مصرعهن..

لقيت حوالي 30 ألف امرأة حول العالم، مصرعها على أيدي أزواج حاليين أو سابقين لهن وكشفت دراسة قامت بها الخبيرة البريطانية في علم الإجرام "جين مانكتون سميث" في وقت سابق حيث عملت على دراسة 372 جريمة قتل وقعت في المملكة المتحدة وحدها.

وخلصت جين التي تحاضر في جامعة غلوستيرشير، إلى أن النساء يمثلن 80% من ضحايا جرائم القتل الزوجية، وقالت إن الرجال الذين قتلوا شريكاتهم اتبعوا نسقا معينًا يمكن للشرطة أن تستدل به للحيلولة دون وقوع المزيد من هذا النوع من جرائم القتل.

ونشرت الدراسة في دورية العنف ضد المرأة، وفيها تشير جين إلى أن هذا النسق يتكون من ثماني مراحل يمر بها الرجل قبل أن يقدم على قتل شريكة حياته.

وعمدت جين في دراستها إلى استقصاء كل الحالات المسجلة التي كانت فيها المرأة الضحية على علاقة قبل الزواج بالجاني فضلا عن رصدها عددا من الحالات لقي فيها ضحايا ذكور مصرعهم على أيدي شركائهم الذكور أيضا.

وقالت "لطالما كنا نعتمد في البحث عن أسباب القتل على عوامل كالعاطفة والعفوية - ولم يكن ذلك النهج سليما".

وتحدثت جين مع "بي بي سي" وقالت إن أفراد الشرطة بمجرد أن يدركوا المراحل الثمانية، سوف يصبحون قادرين على اقتفاء أثر الجناة المحتملين، وسيكون الضحايا أكثر قدرة على توضيح مواقفهم للمتخصصين.

وأشارت إلى أن الشرطة رحبوا بالدراسة "بدرجة لم تكن متوقعة، وبدأوا في تطبيقها على الحالات التي بأيديهم، لأنها تعبر عن خبرتهم وتضع النقاط فوق الحروف في فوضى العنف الأسري والانتهاكات والسيطرة القسرية والملاحقات".

والمراحل الثمانية التي تحدثت عنها جين في دراستها هي:

- تاريخ من الملاحقات أو المضايقات قبل الارتباط.

- تسارع وتيرة العلاقة الرومانسية والدخول في علاقة جادة.

- نزعة إلى السيطرة السلوكية تتحكم في العلاقة.

- انطلاق مسيرة السيطرة، عبر التهديد بإنهاء العلاقة أو الإعلان عن التعثر ماليا.

- التصعيد، عبر تكثيف تكتيكات السيطرة، من ملاحقات أو تهديد بالانتحار.

- تغيير في التفكير، واللجوء لطريق آخر هو الانتقام أو القتل.

- التخطيط، وشراء سلاح أو تحيّن الفُرص للانفراد بالضحية.

- تنفيذ الجريمة، بقتل الشريكة (أو الشريك) وربما جرح آخرين كأطفال الضحية.

ومن الحب ما قتل..

في كتاب نشرته مجموعة من الأطباء النفسانيين بجامعة أكسفورد تحت عنوان "باسم الحب: التفكير الرومانسي وضحاياه"، يشير الأطباء إلى أن التفسيرات السائدة لقتل الرجل لزوجته، دائمًا ما تشير إلى التملك الذكوري والغيرة، أو تطور طبيعي للسلوك العنيف للزوج، والذي يكون قد استمر فترة طويلة في الماضي، ولكن النظرية التي يطرحها هذا الكتاب أن هناك دافعًا آخر وهو الحب.

ويوضح الكتاب أن النظرية المطروحة، لا تنفي العنف الذكوري المتجسد في قتل الزوجة، ولكنها تناقش أن هناك دافعًا نفسيا آخر وراء القتل، مؤكدين أن الحب واليأس قد يدفعان طرفًا في العلاقة، لقتل الطرف الآخر وتدميره حتى لو كان في ذلك تدميرا لنفسه أيضا.

ويحدد رائد طب النفس الأمريكي بارك ديتز، والذي كان مرجعا استشاريا، في العديد من الجرائم الجنائية بالولايات المتحدة، عوامل أخرى قد تدفع الزوج أو الزوجة إلى قتل الشريك، ومن أبرزها وفقا لديتز الخوف من الهجر والخسارة، وفي بعض من القضايا يقول ديتز إنه قرأ تصريحات للقتلة من الأزواج، يعبرون فيها عن الخوف الذي يسيطر عليهم، من أن تتركهم شريكاتهم، ويكون لهن حياة أخرى، مع شخص آخر، ويصف ديتز هؤلاء بأنهم شخصيات تعاني اضطرابا عاطفيا.

ومن بين ما يطرحه ديتز أيضا من دوافع الغيرة الجنسية وعبر استشارات قدمها في قضايا قتل زوجات يقول ديتز إنه وفي تلك الحالات ليس شرطا أن تكون الزوجة قد ارتكبت خيانة زوجية علم بأمرها الزوج، فمغازلة شخص لها قد تكون كافية لإشعال فتيل الغضب بداخله، وهو ما وصفه ديتز بالتملك الجنسي.

أرقام مفزعة..

16 امرأة رحن ضحايا جرائم قتل بطرق مختلفة منذ بداية السنة والى حدود الشهر الجاري أغلبهن على يد أزواجهن، وقد حذر المنسق الوطني للاتحاد الدولي للخدمات العامة منصور الشارني في تصريح اعلامي من التصاعد الملفت للانتباه لمنسوب العنف ضد المرأة في تونس حيث تعرضت 15 امرأة للقتل بطرق مختلفة منذ جانفي 2022 إلى غاية يوم 9 نوفمبر الجاري- قبل حدوث جريمة قتل زوج لزوجته بولاية منوبة والتي تعتبر الجريمة السادسة عشر - وهو ما يستوجب دق ناقوس الخطر على حد قوله.

وقد انتظمت مؤخرا ورشة من أجل إصدار رسالة مناصرة والضغط على الحكومة التونسية من أجل المصادقة على الإتفاقية الدولية رقم 190 حول العنف المسلط على النوع الإجتماعي.

وتنص الاتفاقية عدد 190 لمكافحة العنف والتحرش في أماكن العمل على ضرورة وضع قوانين واستراتيجية كاملة وواضحة لمناهضة العنف والتحرش ضد المرأة العاملة واتخاذ تدابير لحماية العمال والعاملات في القطاع غير المنظم وطالب ممثلو الاتحاد العام التونسي للشغل وعدد من المنظمات بضرورة تسريع الحكومة التونسية في المصادقة على الاتفاقية الدولية رقم 190 حول العنف المسلط على أساس النوع الاجتماعي في أماكن العمل.

وقد دعا الحاضرون رئيس الجمهورية للتدخل لاصدار النصوص التطبيقية للقانون عدد 58 لسنة 2017 الخاص بمناهضة العنف ضد المرأة في أقرب الآجال للحد من منسوب العنف ضد النساء الذي تسبب في ارتفاع في عدد حالات القتل في الآونة الأخيرة.

الكاتبة العامة لجمعية "تونسيات" لـ"الصباح": القانون وحده غير كاف لمكافحة العنف الزوجي.. ويجب إعادة مراجعة البرامج التربوية

اكدت منى بحر الكاتبة العامة لجمعية "تونسيات" بأنهم صلب الجمعية تطرقوا لمختلف انواع العنف من عنف اقتصادي وسياسي ولفظي ومادي وغيره، وأوضحت بأن تفاقم ظاهرة العنف الزوجي والعنف "الغليظ" الذي تكون ضحاياه من النساء مرتبط بعدة عوامل اجتماعية فلا يمكن تسليط الضوء على العلاقة الزوجية والعنف الزوجي بغض النظر عن العنف في سائر المجتمع والذي بدوره تفاقم.

فنلاحظ اليوم وجود العنف مثلا في صفوف التلاميذ بين بعضهم البعض والتلاميذ ضد الأساتذة وهنا لا نتحدث عن العنف البسيط كالعنف اللفظي بل العنف الجسدي والمادي الذي يصل إلى درجة الموت والذي يحصل بين مواطنين عاديين فهناك العنف كذلك في أعقاب "البراكاجات"، والعنف الاجتماعي يعكس العنف العائلي الذي لن يكون من فراغ لأن الزوج الذي سيمارس العنف هو مواطن مر بمراحل من العنف وأصبحت لديه ردة فعل يمكن أن تكون عنيفة ويمكن ان تكون ردة فعله تلك تجاه زوجته باعتبارها أقرب الأشخاص اليه، فالزوجة أضعف الكائنات الموجودة حوله وهي أضعف حتى من أولاده الذين يمكن أن يكون لديه عطف عليهم ولكن تبقى الزوجة الكائن الضعيف في نظره والذي يمكن أن يسلط عليه العنف من دون أن يسائله اي شخص عن ذلك ودون ان يؤنبه ضميره في حين لا يمكن أن يمارس ذلك مع أولاده او حتى والدته او شقيقته ولكن الزوجة بالنسبة له هي ملك من املاكه ويمكن ان يفعل فيه ما يشاء وهذه غلطة كبرى.

برنامج وطني..

وأوضحت بحر بانهم يلومون على الزوجة التي يجب أن تتحرك من اول حركة عنيفة يمارسها الزوج تجاهها ولا تعود اليه وتتوجه للجهات المختصة للابلاغ عنه، وأضافت بان الجهات المختصة تسعى لإيجاد المراكز المختصة في كل الولايات فبالرغم من عدم وجود مراكز الإيواء في كل الولايات الا أنه يمكن للمرأة ان تتوجه للمراكز المختصة في مكافحة العنف ضد المرأة ولا يجب ان تصمت تجاه العنف المسلط عليها من قبل زوجها مهما حاولت عائلتها إعادتها لزوجها رغم انفها لذلك فهم كجمعية عملوا على توعية النساء بحقوقهن ولكن هذا غير كاف إذ يجب توفر برنامج وطني تقوم به الدولة موزع على 24 ولاية.

وأكدت محدثتنا بانهم قاموا بحملات وخيمات تحسيسية عرفوا من خلالها بالقانون عدد 58 للقضاء على العنف ضد المرأة وقد تواصلت هذه الحملات من 2017 إلى سنة 2020 كما قاموا برصد هذا القانون إلى أين وصل وكذلك برصد لمراكز الإيواء ولكن مازلت الدولة لم تصل بعد إلى تامين مراكز الإيواء في 24 ولاية او ان تؤمن الأجهزة المختصة في كل مراكز الشرطة وهذا يتطلب عملا كبيرا وجبارا وباعتبار الظروف الراهنة التي تمر بها الدولة فيجب أن يتم التحلي بقليل من الصبر ولكنهم في ان واحد كجمعية يركزون دائما على التوعية والتحسيس وحتى وسائل الإعلام لها دور كذلك في التوعية.

واعتبرت محدثتنا ان ما نراه في المجتمع من جرائم فظيعة ليس من مسؤولية وزارتي المرأة والأسرة او العدل فقط إيجاد الحلول لها باعتبار أنه يجب تأهيل هؤلاء المجرمين لاعادة ادماجهم في المجتمع ليكونوا عناصر صالحة في المجتمع، ولاحظت بأنه في خصوص جرائم القتل فليس لدينا قانونا يردعها باعتبارأنه لم يتم تنفيذ اي حكم بالإعدام في هذا الصدد فمن يتم الحكم عليه بالإعدام يقضي عقوبته في السجن فحسب مما يجعل الزوج يستسهل قتله لزوجته باعتبار أنه سيبقى في السجن ولن يموت حيث يمكنه الخروج من السجن في عفو رئاسي وسيخرج من السجن منحرفا مضاعفا.

مراجعة البرامج التربوية

 وأوضحت محدثتنا بأن البرامج التربوية كذلك لا تقدم مادة تقوم من خلالها بالتوعية بضرورة الابتعاد عن العنف فنحن نشاهد اليوم العنف في صفوف التلاميذ ضد الأساتذة والمعلمين وبالتالي وجب إعادة مراجعة كل البرامج والاستراتيجيات التربوية في البلاد هذا بالإضافة إلى البطالة والفقر والتهميش وعدم الاستقرار فكل هذه العوامل تدخل في أسباب ظاهرة العنف، وأوضحت بحر بانهم خلال السنة الحالية انطلقوا في الاهتمام بالعنف السيبرني والسياسي باعتبار أنهم في مسألة العنف الجسدي هم ليسوا سوى همزة وصل بين المواطن وأصحاب القرار الذين يجب أن يوفروا مراكز إيواء في 24 ولاية ويوفروا المختصين في العنف ضد المرأة والمشاكل الزوجية والعائلة في مراكز الشرطة وهذا كله لم يتحقق بعد فلا يمكن لهم القيام بحملات توعوية مثلا في الارياف في ظل عدم وجود الأرضية الملائمة لذلك.

التوعية

وأضافت بأنه لا يمكنهم الحكم على قانون مكافحة العنف ضد المرأة الذي حتى وان كانت فيه بعض الثغرات فلا يمكنهم الحكم عليها باعتبار أنه مازال في خطواته الأولى مؤكدة بأن القانون وحده لا يكفي لمكافحة العنف ضد المرأة ككل والعنف الزوجي بل يجب التوعية والتربية وإعداد مناهج تربوية خاصة لانه لا يمكن محو عقلية راسخة عبر قرون واجيال لا يمكن محوها بهذه السهولة فنحن مازلنا مجتمع ذكوري بامتياز والمرأة مازالت لا تجد حظها في عدة مجالات.

وأكدت بحر على ضرورة تضافر مجهودات الأطراف المتداخلة من جميع القطاعات من القطاع الثقافي والاعلامي باعتبار أن كل ما يعرضه الإعلام يؤثر في المتلقي للتصدي للعنف الزوجي .

 وأكدت محدثتنا بانهم حاليا يقومون بانشطة حول العنف السيبرني والسياسي بصفة عامة لان النساء الذين تقدمن إلى مراكز القرار تعرضن إلى العنف وخاصة العنف الإلكتروني والذي يسمى بالعنف السيبرني وقالت "نحن نريد تعليم النساء كيفية تأمين انفسهن من هذا العنف فالمرأة تجد نفسها على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة فايسبوك معرضة للقذف والشتم مما يجعلها في احراج مع عائلتها ومعارفها وذلك بسبب تقدمها لتولي مركز قرار في بلدية او غيرها مما دفع بعديد النساء إلى التخلي عن المشاركة في الشأن العام للابتعاد عن هذا العنف لذلك قامت الجمعية بدورة تدريبية لثلة من النساء لتعليم النساء كيفية حماية انفسهن في هذا الفضاء السيبرني الجديد والضروري في نفس الوقت.

مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح" : تراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية.. انتشار ثقافة العنف والنزعة الفردانية غذت العنف الزوجي

من جهته أكد ممدوح عز الدين المختص في علم الاجتماع لـ"الصباح" بأن توسيع المشرع التونسي لمفهوم العنف الموجه تجاه المرأة ليتجاوز العنف المادي، الجسدي والمعنوي ليشمل كل انتهاك لحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من قبيل العنف الجنسي والعنف الاقتصادي والعنف في الحياة العامة مثل الشوارع ووسائل النقل ومواقع العمل أدى الى ارتفاع الجرائم المرتكبة ضد المرأة في حين لم تكن في السابق تصنف كجرائم ، فالزوج الذي يضرب زوجته أو ابنته سابقا على اعتبار أنه يقوم بتأديبهما أصبح سلوكه يعد قانونيا فعلا إجراميا يعاقب عليه ومن كان في الماضي يميز في التأجير بين الرجل والمرأة لاسيما في القطاع الفلاحي فإن القانون الحالي يجرم هذه الممارسة وينص على المساواة في الأجر.

وأكد محدثنا على أن تونس تمر بظرف استثنائي والمجتمعات التي تمر بأوضاع شبيهة تتفاقم فيها أشكال العنف لعجز الدولة عن الحد منه أو منعه وهو ما يفسر ارتفاع نسبه كما ان تقديم هذه القوانين بطريقة مشوشة ومشوهة كالترويج بأنها لا تراعي حقوق الرجل وتتناقض مع التشريع الاسلامي الذي يخص المرأة، تساهم وتسوق كذلك للعنف.

كما يجب الإشارة أن " الهستيريا الجماعية"التي يعيشها التونسيون على تلك الخلفيات أدخلنا في أزمة قيم كبيرة وأصبحت المؤسسات التي من شأنها ضبط العنف مصدرا له من قبيل المؤسسة الاسرية إذا نصف نساء تونس يتعرضن للعنف في الوسط الأسري.

بالإضافة إلى أن نسبة هامة من النساء في تونس خاصة في الوسط الريفي لا يواجهن هذا الوضع بسبب عدم معرفتهن بالأدوات أو الموارد القانونية التي من شأنها أن تسمح لهن بالتخلص منه.

أسباب تنامي العنف..

وأضاف عز الدين بأن من أهم الاسباب التي أدت الى تنامي مظاهر العنف تجاه المرأة في تونس هو الخلل الهيكلي والوظيفي في العديد من مؤسسات المجتمع والدولة حيث أن مساهمة المرأة في المشاركة في تسيير العائلة وصناعة القرار داخلها لا زالت محدودة وتتعرض لأقصى اشكال العنف والاستبعاد داخلها، كما أن نسبة النساء في مواقع صنع القرار لا تتجاوز 2٫03 بالمائة من مجموع النساء في الوظيفة العمومية.

 وينضاف لما سبق عجز مؤسسات التنشئة الاجتماعية في ترسيخ ثقافة المساواة بين الجنسين والحد من العنف داخلها وهذا ينطبق على مؤسساتنا التربوية بالإضافة إلى وجود ازمة قيمية معيارية إذ يرتبط العنف ضد المرأة بالعقلية الذكورية التي للأسف ما زالت مسيطرة لدى العديد من التونسيين فالفكر السائد يعتبر أن "المرأة لا تفهم الا بالضرب" فضلا عن استبطان نظرة الاحتقار والاستضعاف التي ينظر بها إليها.

 ثم ان الرجل التونسي المسحوق بعنف مكبوت يبحث عن تفجيره في الحلقتين الضعيفتين وهما المرأة والأطفال.

وأكد محدثنا بأن الحل في تصوره لا يجب أن يقتصر على العنف الموجه تجاه المرأة فحسب بل لا بد من دراسة شاملة لموضوع العنف والانخراط في خطة استراتيجية تشاركية لاجتثاث أسبابه.

العنف الزوجي..

أما في خصوص العنف الزوجي وتنامي جرائم القتل التي راحت ضحاياها نساء على يد ازواجهن فلاحظ عز الدين بانه

سوسيولوجيا لا ترتقي جرائم قتل الازواج لزوجاتهن الى مستوى الظاهرة الاجتماعية بحكم عاملي الكثافة والتواتر ( 16 امرأة تم قتلها منذ بداية السنة إلى حد الآن مقابل ما يقارب 562 جريمة قتل سنويا) لكن ما يلفت الانتباه أن هذه الجرائم تتسم بالوحشية والفظاعة والتغطية الاعلامية الواسعة مما يعطي الانطباع بكونها ظاهرة اجتماعية تتمدد وتتوسع.

وفي الواقع لا بد أن نتجنب التهويل والتهوين في التشخيص والمعالجة إذ لا يمكن القول ان الامن العام بات مهددا والاسرة التونسية باتت مفككة على الرغم من أن وتيرة الجريمة بكل أصنافها في تصاعد ملحوظ منذ 2015.

وقال عز الدين " أكيد أن الجو العام في تونس يغذي الاجرام لا سيما الجرائم العائلية وقد عرفت هذه النوعية من الجرائم تحولات كمية وكيفية هامة سريعة وحادة ،اذ نلاحظ على المستوى الكمي تنامي نوعا من الجرائم لم تكن نراها سابقا تتمثل في الجرائم التي يرتكبها الأطفال الذين كانوا ضحايا الجريمة ليتحولوا الى فاعلين ومرتكبين لها، ظاهرة أخرى لم تكن متفشية في مجتمعنا وهي ظاهرة تأنيث الجريمة حيث كنا في وقت سابق نجد أن الجرائم التي تصنف كجنايات (حيث تتجاوز فيها العقوبة خمس سنوات سجنا)هي اختصاص ذكوري بحت، أما الآن أصبحت مشاركة المرأة في هذه النوعية من الجرائم في تصاعد وبات حضورها ملفتا للنظر إذ تقود العصابات وتهرب المخدرات وتسرق وتعنف وتقتل، كذلك كبار السن دخلوا عالم الجريمة حيث شملتهم عدة قضايا خاصة القضايا ذات الصبغة الاخلاقية وقضايا المخدرات".

دموية وعدوانية في الجرائم العائلية..

 وأوضح محدثنا بأنه من الناحية الكيفية أصبحت الجريمة العائلية أكثر دموية وعدوانية وفيها الكثير من العنف والتشفي والنزعة الانتقامية، كما باتت الجريمة دون تاريخ ولا ذاكرة حيث كانت في السابق ترتكب من أجل رد الاعتبار أو الشرف أو غيرها من الدوافع القوية ولكنها اليوم باتت حينية وقد تزهق روحا من أجل سبب تافه وقد أصبحت المسافة بين التفكير في الجريمة وتنفيذها قصيرة جداً.

كما يوجد استسهال في ارتكاب الجرائم مما يدل على استبطان مرتكبيها فكرة ضعف الدولة وغياب الخوف من العقاب وأصبحت الجريمة ترتكب في مشهد استعراضي وفرجوي أمام مرأى الجميع، إذ في ظل هيمنة الثقافة المشهدية الاستهلاكية وحضورها الدائم على مواقع التواصل الاجتماعي فقد اتخذت طابعا فضائحيا وأصبح الفعل الاجرامي يكتسي طابعا مسرحيا أمام رد فعل سلبي من قبل الجمهور الذي يكتفي بالفرجة واللامبالاة والتعامل غير المسؤول مع كل مظاهر التعدي على القانون وهو ما شجع مرتكبي الجرائم على التمادي والاستعراض.

دوافع بالجملة..

وأكد عز الدين بأن من أهم العوامل المؤدية للجريمة العائلية وقتل الأزواج لزوجاتهن تراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في المراقبة والضبط والتوجيه والادماج والحماية إذ أصبحت العائلة في عزلة بحكم العولمة إذ يعيش كل واحد في عالمه الافتراضي من خلال الشاشات الإلكترونية وبالتالي تقل مساحات التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة وتتقلص تلك العواطف والروابط الاسرية التي تجمعهم.

كما تسربت ثقافة العنف في صلب العائلة وأصبحت سلوكا تواصليا وهذه الثقافة تبرز من خلال التطبيع مع الكلام الفاحش ولعب الأطفال وأصبح العنف هو المغذي لاثبات الذات وإبرازها ففي بعض الأحيان نجد عائلات تشجع أبناءها على الجريمة كبيع الخمر والمخدرات وممارسة الدعارة والهجرة غير النظامية وبالتالي اصبحت العائلة تفقد تدريجيا دورها في حماية افرادها من العنف والجريمة بل امست بؤرة لإنتاجها ومن ناحية أخرى المدرسة عوض أن تعلم المهمشين اصبحت تهمش المتعلمين وفضاءً للعنف.

وكذلك الخطاب الاعلامي تراجع عن دوره التربوي وركز على كل ما له إثارة فاصبحت البرامج الاجتماعية تروج للجريمة وتعيد تجسيدها بكل تفاصيلها لجلب أكبر عدد من المشاهدين، ولا ننسى العنف الذي يمارسه السياسيين في البرامج السياسية.

وأضاف محدثنا بان ظاهرة غريبة تفشت كذلك تتمثل في تثمين المجرم الذي أصبح " بطلا" في بعض الأحياء الشعبية ويتم تمجيده من خلال أغاني " الراب" وأصبح كل مارق عن الأخلاق يمثل قدوة، كذلك النزعة الفردانية باعتبار أن المؤسسات تخلت عن دورها في الادماج والحماية حيث أصبح الانسان يجد نفسه غير محمي اجتماعيا وغير قادر على العمل وتكوين أسرة ويعاني من عطالة بيوغرافية ولا يوجد لديه هدف في الحياة ولا شيء يعيش من أجله ما يبعث فيه الاحساس بـ"الحقرة" والرغبة في رد الاعتبار حتى من خلال الانخراط في عالم الجريمة.

فنحن ازاء أزمة مجتمع بسبب غياب مشروع مجتمعي يضم الناس حوله وغياب هذا المشروع يجعل الناس في ضياع فكل فرد من الأسرة يعيش مع مشاكله الخاصة مما يخلق أجواءً من التوتر وفقدان الثقة في الحاضر والمستقبل وبالتالي فكل فرد يتصرف ويرد الفعل على طريقته الى أن نصل الى حدود الجريمة والقتل.

واعتبر عز الدين بأنه بناءً على ما سبق فإن مواجهة الجريمة بما في ذلك الجريمة العائلية تستوجب ترسيخ مشروع مجتمعي يضم كل المنظومات المعطوبة في بلادنا وخاصة المنظومة الاقتصادية ومحاربة البطالة واصلاح الاخلالات في مؤسساتنا الصحية والتربوية والادارية والقضائية مع ضرورة أخلقة الحياة الاجتماعية والسياسية واكتساب القدرة الجماعية على إدارة الازمات بشكل فعال ومجدي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ملفات "الصباح": مذابح في عش الزوجية.. ونهايات مأساوية لشريكة الحياة

 

 

ملفات "الصباح"

فيما قتلت 16 امرأة في أقل من سنة

مذابح في عش الزوجية.. ونهايات مأساوية لشريكة الحياة

*علاقات مسمومة وعنف حد القتل

*العنف 

تونس-الصباح

الفستان الأبيض، والارتباط حلم مزمن يرافق الفتاة منذ الطفولة خاصة وأن المجتمع يزرع في مخيلتها فكرة الزواج ويملأ مسامعها بأصوات الزغاريد التي ترافقها وهي تزف الى عريسها حتى تقتنع أن العالم الوردي ينتظرها بعد الزواج وأن كل ما عاشته قبل ذلك ليس محسوبا من عمرها.

وفي الضفة الثانية هناك شاب يحلم بفتاة الأحلام والأسرة والاستقرار والأبناء.. كلاهما يحلم بعالم لا مشاكل فيه، لا ديون ولا خلافات، عالم وردي يسترق فيه الزوج النظر الى زوجته وهي تطهو الطعام، وزوجة تنتظر باقة الورد الأحمر التي يناولها إياها زوجها بيده اليمنى ويطوقها باليد اليسرى.. هما يحلمان بعالم ليس فيه غير الحب وما يرافقه من الألوان الزاهية..أحلام تبدأ بالتبدد ما إن يجتمعا تحت سقف واحد، وشيئا فشيئا يثقب الواقع فقاعة الأحلام فيستيقظان على واقع الحياة المتعبة وروتينها الممل، واقع لا تسمع فيه إلا النقاش عن فاتورة الماء والكهرباء ومصاريف الأبناء ودراستهم والدروس الخصوصية.. ومع ضغط الحياة وقلة ذات اليد تتبدد الأحلام ليحل محلها واقع المسؤوليات، وشيئا فشيئا تتحول الحياة الى كابوس لدى البعض لتنتهي صلاحية وثيقة الارتباط التي وقعها الزوجان ويفترقان بأبغض الحلال ولكن هناك حالات أسوأ تعيش فيها المرأة طقوسا من العنف والخذلان المتكرر بشكل يومي الى أن يتلون الفستان الأبيض باللون الأحمر وتنتهي حياتها على يد زوج اختار أن ينهي حياة شريكته لسبب ما وبطريقة ما.

نساء كثر دفعن حياتهن ثمنا لاختيار خاطئ على يد أزواج تمردوا على القانون والشرع.. ألم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام "إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم".. فلماذا قتلوا الشقائق؟؟!

"الصباح" تفتح ملف قتل الأزواج لزوجاتهم بعد حوادث القتل المتتالية التي شهدتها بلادنا منذ بداية السنة وخاصة في الآونة الأخيرة.

إعداد:مفيدة القيزاني - فاطمة الجلاصي

زوج برتبة قاتل..

"أنت السبب، أرأيت ما فعلته بنا، أرأيت النهاية التي وصلنا إليها.." هكذا يتردد صوت القاتل دقائق بجانب جثة الضحية

وهكذا يحاول آخر محاولاته لتحميل الضحية مسؤولية المشهد النهائي لحكاية زواجهما حتى وإن كان قد خطط مسبقا للجريمة.

آخر ضحايا جرائم قتل الشريك لشريكته أم لأربعة أبناء فارقت الحياة منذ أيام بطعنات قاتلة من زوجها بعد خلاف نشب بينهما بمقر سكناهما بجهة وادي الباي بمنطقة السعيدة التابعة لوادي الليل من ولاية منوبة بسبب المال وعلى الرغم من أن شقيق الزوجة تدخل ونجح في فض الخلاف وهدأت الأمور بينهما ولكن الزوج قرر عند الصباح الانتقام فالتقط سكينا وانهال بواسطتها بعدة طعنات أمام مرأى ابنتين من أبنائهما الأربعة إلى أن أرداها قتيلة كما حاول قتل ابنته الكبرى وعمرها 11 عاما وأصيبت بعدّة جروح على مستوى الرقبة ثم سلم نفسه الى السلطات الأمنية.

زوج آخر بجهة الكبارية خرب جسد زوجته بسبع طعنات بواسطة سكين كبير الحجم في محطة المترو بالكبارية. وكشفت الأبحاث المجراة في ملف القضية أن سبب الجريمة يعود إلى خلافات عائلية مستمرة بينهما منذ فترة .وقد اعترف الزوج بما نسب إليه بعد أن سلم نفسه للوحدات الأمنية.

مدينة الكاف أيضا عاشت مساء يوم 29 اكتوبر 2022 على وقع جريمة قتل فظيعة راحت ضحيتها امرأة عمد زوجها الى حرقها.

  حيث عمد عون ديوانة الى اضرم النار في جسد زوجته المربية في منزلهما اين أصيبت بحروق بليغة تسببت في موتها على عين المكان.

 رفقة الشارني هي واحدة من ضحايا العنف الزوجي الذي انتهى بجريمة قتل، هي امرأة شابة وأم لطفل وزوجها يعمل في سلك الحرس الوطني قتلها بخمس طلقات من سلاحه الوظيفي في جهة الكاف، وكانت رفقة قبل أن تقتل توجهت بشكاية رسمية ضد زوجها لاعتدائه عليها بالعنف وحصلت بالفعل على شهادة طبية تثبت تعرضها للعنف استوجب عشرين يوما من الراحة، لكن الزوج بقي في حالة سراح حتى قتلها، ثم ألقي القبض عليه بعد الجريمة.

قتل حنان..

أثارت جريمة قتل الشابة التونسية حنان التي تبلغ من العمر 25 سنة على يد زوجها في ألمانيا تاركة ابنها الرضيع البالغ من العمر سنتين جدلا لدى الرأي العام في تونس، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي ''فايسبوك'' وأكد القنصل التونسي في ألمانيا حينها أن الضحية طلبت يوم مقتلها الانفصال عن زوجها مما تسبب في نشوب خلاف بينهما وقام بتعنيفها حتى الموت.

كما كشف تقرير الطب الشرعي الألماني أن الوفاة ناجمة عن جرح غائر في الرأس إضافة الى آثار خنق على رقبتها.

وكانت الفقيدة لجأت الى الشرطة يوم مصرعها وأكدت أنها خائفة من ردة فعل زوجها عندما ستطلب منه الطلاق.

وقال الزوج القاتل خلال التحقيق معه إنه عنفها لكن لم تكن غايته قتلها.

قتل سناء..

سناء واحدة من ضحايا القتل الوحشي من قبل زوجها حيث

اهتزت مدينة ليمبورغ الألمانية على وقع جريمة قتل مروعة ارتكبها التونسي عماد العمدوني البالغ من العمر 34 عاماً في حق زوجته سناء البالغة من العمر 32 عاماً، حيث قام بدهسها بسيارته في الشارع ثم ترجل ليهشم رأسها بمطرقة أمام المارة، وأكدت وزارة الخارجية التونسية أن مدينة ليمبورغ الألمانية شهدت جريمة قتل ذهبت ضحيتها مواطنة تونسية على يد زوجها التونسي الحامل للجنسية الألمانية والذي تم القبض عليه واحتجازه على ذمة التحقيق.

وأضافت الوزارة في بيان إن القنصلية التونسية ببون، تولّت وبالتنسيق مع السلطات الأمنية الألمانية توفير الإحاطة اللازمة لأبناء الضحية وإيوائهم بمركز لحماية الطفولة مع إخضاعهم لمتابعة نفسية دقيقة من قبل أخصائيين.

والضحية سافرت إلى ألمانيا منذ ستة أعوام حيث واصلت دراستها الجامعية في مجال الهندسة، وهناك تعرفت على عماد الذي تنحدر أسرته من مسقط رأسها، لكنه مولود في ألمانيا ويحمل جنسيتها، وتم الزواج بينهما لينجبا ابنتين إحداهما في الرابعة من عمرها والثانية لم تتجاوز العامين.

بعد الزواج اكتشفت سناء أن زوجها مدمن على المخدرات والكحول وحبوب الهلوسة، ويقوم بتعنيفها بشكل يومي تقريباً، كما يقوم بتعنيف والدته، ما جعل زوجته تفر من المنزل مع طفلتيها لتقيم تحت الحراسة الأمنية في مأوى تابع لإحدى الجمعيات الخيرية، ومن هناك تقدمت بقضية طلاق كان من المنتظر أن تنظر فيها المحكمة.

ولكن صادف أن شقيقة الزوج كانت قد عملت سابقاً في تلك الجمعية، فاتصلت بإحدى زميلاتها السابقات لتطلب منها مدها بعنوان المأوى الذي تقيم فيه سناء وبنتيها، وبعد أن حصلت على العنوان مدت به شقيقها الذي بدأ بمراقبة المكان عن بعد.

شعرت سناء بأنها محل مراقبة، وأعلمت بذلك الجهات الأمنية التي شددت الرقابة على المأوى، وكانت الزوجة تعتقد أن زوجها المدمن قد يقوم في أي وقت باختطاف ابنتيها الصغيرتين، لكنها لم تتخيل للحظة واحدة أنه قد أعد خطة لقتلها، وعندما كانت سناء عائدة إلى مقر إقامتها برفقة طفلتيها، فاجأها زوجها بأن دهسها بسيارته لتسقط على الأسفلت مضرجة بدمائها، ولم يكتفِ بذلك، بل نزل من سيارته وفي يده مطرقة استعملها في الضرب بعنف على رأسها حتى فصله عن جسدها.

المقربون من الضحية أكدوا أنها حصلت مؤخراً على الجنسية الألمانية، واستخرجت جواز سفر ألمانياً، وكانت على اتصال ببعض الناشطات التونسيات لمساعدتها على تأجير منزل لتنتقل إليه من المأوى الخيري، كما كانت ستتجه للنظر في قضية طلاقها لكن زوجها أنهى حياتها وتحولت الجريمة إلى قضية رأي عام في ألمانيا نظراً لبشاعتها، وقام ناشطون بنشر مشاهد فيديو للحظات مقتل سناء ما أشعل الغضب في نفوس الجميع.

مذبحة..

مذبحة عائلية وقعت في مدينة ساسولو حيث أقدم مواطن تونسي يبلغ من العمر 38 عاما ويقطن في ساسولو الإيطالية على قتل زوجته ووالدتها وطفليه البالغين عامين وخمس أعوام ثم انتحر.

وفي صفاقس جدت جريمة فظيعة ذهبت ضحيتها امرأة وابنها البالغ من العمر 13 سنة بمنزلها الكائن بطريق تنيور كلم 4 وتوجهت أصابع الاتهام الى طليقها وهو طبيب تحصن بالفرار.

وقد كشفت المعطيات أنه إثر تنقل قاضي التحقيق الاول المتعهد بالموضوع بالمحكمة الابتدائية صفاقس1 رفقة ممثل النيابة العمومية بنفس المحكمة الى مكان حدوث الجريمة أن الضحيتين (الام والابن) تعرضتا للطعن بآلة حادة والى الحرق على مستوى جسديهما.

30 ألف امرأة لقَيْن مصرعهن..

لقيت حوالي 30 ألف امرأة حول العالم، مصرعها على أيدي أزواج حاليين أو سابقين لهن وكشفت دراسة قامت بها الخبيرة البريطانية في علم الإجرام "جين مانكتون سميث" في وقت سابق حيث عملت على دراسة 372 جريمة قتل وقعت في المملكة المتحدة وحدها.

وخلصت جين التي تحاضر في جامعة غلوستيرشير، إلى أن النساء يمثلن 80% من ضحايا جرائم القتل الزوجية، وقالت إن الرجال الذين قتلوا شريكاتهم اتبعوا نسقا معينًا يمكن للشرطة أن تستدل به للحيلولة دون وقوع المزيد من هذا النوع من جرائم القتل.

ونشرت الدراسة في دورية العنف ضد المرأة، وفيها تشير جين إلى أن هذا النسق يتكون من ثماني مراحل يمر بها الرجل قبل أن يقدم على قتل شريكة حياته.

وعمدت جين في دراستها إلى استقصاء كل الحالات المسجلة التي كانت فيها المرأة الضحية على علاقة قبل الزواج بالجاني فضلا عن رصدها عددا من الحالات لقي فيها ضحايا ذكور مصرعهم على أيدي شركائهم الذكور أيضا.

وقالت "لطالما كنا نعتمد في البحث عن أسباب القتل على عوامل كالعاطفة والعفوية - ولم يكن ذلك النهج سليما".

وتحدثت جين مع "بي بي سي" وقالت إن أفراد الشرطة بمجرد أن يدركوا المراحل الثمانية، سوف يصبحون قادرين على اقتفاء أثر الجناة المحتملين، وسيكون الضحايا أكثر قدرة على توضيح مواقفهم للمتخصصين.

وأشارت إلى أن الشرطة رحبوا بالدراسة "بدرجة لم تكن متوقعة، وبدأوا في تطبيقها على الحالات التي بأيديهم، لأنها تعبر عن خبرتهم وتضع النقاط فوق الحروف في فوضى العنف الأسري والانتهاكات والسيطرة القسرية والملاحقات".

والمراحل الثمانية التي تحدثت عنها جين في دراستها هي:

- تاريخ من الملاحقات أو المضايقات قبل الارتباط.

- تسارع وتيرة العلاقة الرومانسية والدخول في علاقة جادة.

- نزعة إلى السيطرة السلوكية تتحكم في العلاقة.

- انطلاق مسيرة السيطرة، عبر التهديد بإنهاء العلاقة أو الإعلان عن التعثر ماليا.

- التصعيد، عبر تكثيف تكتيكات السيطرة، من ملاحقات أو تهديد بالانتحار.

- تغيير في التفكير، واللجوء لطريق آخر هو الانتقام أو القتل.

- التخطيط، وشراء سلاح أو تحيّن الفُرص للانفراد بالضحية.

- تنفيذ الجريمة، بقتل الشريكة (أو الشريك) وربما جرح آخرين كأطفال الضحية.

ومن الحب ما قتل..

في كتاب نشرته مجموعة من الأطباء النفسانيين بجامعة أكسفورد تحت عنوان "باسم الحب: التفكير الرومانسي وضحاياه"، يشير الأطباء إلى أن التفسيرات السائدة لقتل الرجل لزوجته، دائمًا ما تشير إلى التملك الذكوري والغيرة، أو تطور طبيعي للسلوك العنيف للزوج، والذي يكون قد استمر فترة طويلة في الماضي، ولكن النظرية التي يطرحها هذا الكتاب أن هناك دافعًا آخر وهو الحب.

ويوضح الكتاب أن النظرية المطروحة، لا تنفي العنف الذكوري المتجسد في قتل الزوجة، ولكنها تناقش أن هناك دافعًا نفسيا آخر وراء القتل، مؤكدين أن الحب واليأس قد يدفعان طرفًا في العلاقة، لقتل الطرف الآخر وتدميره حتى لو كان في ذلك تدميرا لنفسه أيضا.

ويحدد رائد طب النفس الأمريكي بارك ديتز، والذي كان مرجعا استشاريا، في العديد من الجرائم الجنائية بالولايات المتحدة، عوامل أخرى قد تدفع الزوج أو الزوجة إلى قتل الشريك، ومن أبرزها وفقا لديتز الخوف من الهجر والخسارة، وفي بعض من القضايا يقول ديتز إنه قرأ تصريحات للقتلة من الأزواج، يعبرون فيها عن الخوف الذي يسيطر عليهم، من أن تتركهم شريكاتهم، ويكون لهن حياة أخرى، مع شخص آخر، ويصف ديتز هؤلاء بأنهم شخصيات تعاني اضطرابا عاطفيا.

ومن بين ما يطرحه ديتز أيضا من دوافع الغيرة الجنسية وعبر استشارات قدمها في قضايا قتل زوجات يقول ديتز إنه وفي تلك الحالات ليس شرطا أن تكون الزوجة قد ارتكبت خيانة زوجية علم بأمرها الزوج، فمغازلة شخص لها قد تكون كافية لإشعال فتيل الغضب بداخله، وهو ما وصفه ديتز بالتملك الجنسي.

أرقام مفزعة..

16 امرأة رحن ضحايا جرائم قتل بطرق مختلفة منذ بداية السنة والى حدود الشهر الجاري أغلبهن على يد أزواجهن، وقد حذر المنسق الوطني للاتحاد الدولي للخدمات العامة منصور الشارني في تصريح اعلامي من التصاعد الملفت للانتباه لمنسوب العنف ضد المرأة في تونس حيث تعرضت 15 امرأة للقتل بطرق مختلفة منذ جانفي 2022 إلى غاية يوم 9 نوفمبر الجاري- قبل حدوث جريمة قتل زوج لزوجته بولاية منوبة والتي تعتبر الجريمة السادسة عشر - وهو ما يستوجب دق ناقوس الخطر على حد قوله.

وقد انتظمت مؤخرا ورشة من أجل إصدار رسالة مناصرة والضغط على الحكومة التونسية من أجل المصادقة على الإتفاقية الدولية رقم 190 حول العنف المسلط على النوع الإجتماعي.

وتنص الاتفاقية عدد 190 لمكافحة العنف والتحرش في أماكن العمل على ضرورة وضع قوانين واستراتيجية كاملة وواضحة لمناهضة العنف والتحرش ضد المرأة العاملة واتخاذ تدابير لحماية العمال والعاملات في القطاع غير المنظم وطالب ممثلو الاتحاد العام التونسي للشغل وعدد من المنظمات بضرورة تسريع الحكومة التونسية في المصادقة على الاتفاقية الدولية رقم 190 حول العنف المسلط على أساس النوع الاجتماعي في أماكن العمل.

وقد دعا الحاضرون رئيس الجمهورية للتدخل لاصدار النصوص التطبيقية للقانون عدد 58 لسنة 2017 الخاص بمناهضة العنف ضد المرأة في أقرب الآجال للحد من منسوب العنف ضد النساء الذي تسبب في ارتفاع في عدد حالات القتل في الآونة الأخيرة.

الكاتبة العامة لجمعية "تونسيات" لـ"الصباح": القانون وحده غير كاف لمكافحة العنف الزوجي.. ويجب إعادة مراجعة البرامج التربوية

اكدت منى بحر الكاتبة العامة لجمعية "تونسيات" بأنهم صلب الجمعية تطرقوا لمختلف انواع العنف من عنف اقتصادي وسياسي ولفظي ومادي وغيره، وأوضحت بأن تفاقم ظاهرة العنف الزوجي والعنف "الغليظ" الذي تكون ضحاياه من النساء مرتبط بعدة عوامل اجتماعية فلا يمكن تسليط الضوء على العلاقة الزوجية والعنف الزوجي بغض النظر عن العنف في سائر المجتمع والذي بدوره تفاقم.

فنلاحظ اليوم وجود العنف مثلا في صفوف التلاميذ بين بعضهم البعض والتلاميذ ضد الأساتذة وهنا لا نتحدث عن العنف البسيط كالعنف اللفظي بل العنف الجسدي والمادي الذي يصل إلى درجة الموت والذي يحصل بين مواطنين عاديين فهناك العنف كذلك في أعقاب "البراكاجات"، والعنف الاجتماعي يعكس العنف العائلي الذي لن يكون من فراغ لأن الزوج الذي سيمارس العنف هو مواطن مر بمراحل من العنف وأصبحت لديه ردة فعل يمكن أن تكون عنيفة ويمكن ان تكون ردة فعله تلك تجاه زوجته باعتبارها أقرب الأشخاص اليه، فالزوجة أضعف الكائنات الموجودة حوله وهي أضعف حتى من أولاده الذين يمكن أن يكون لديه عطف عليهم ولكن تبقى الزوجة الكائن الضعيف في نظره والذي يمكن أن يسلط عليه العنف من دون أن يسائله اي شخص عن ذلك ودون ان يؤنبه ضميره في حين لا يمكن أن يمارس ذلك مع أولاده او حتى والدته او شقيقته ولكن الزوجة بالنسبة له هي ملك من املاكه ويمكن ان يفعل فيه ما يشاء وهذه غلطة كبرى.

برنامج وطني..

وأوضحت بحر بانهم يلومون على الزوجة التي يجب أن تتحرك من اول حركة عنيفة يمارسها الزوج تجاهها ولا تعود اليه وتتوجه للجهات المختصة للابلاغ عنه، وأضافت بان الجهات المختصة تسعى لإيجاد المراكز المختصة في كل الولايات فبالرغم من عدم وجود مراكز الإيواء في كل الولايات الا أنه يمكن للمرأة ان تتوجه للمراكز المختصة في مكافحة العنف ضد المرأة ولا يجب ان تصمت تجاه العنف المسلط عليها من قبل زوجها مهما حاولت عائلتها إعادتها لزوجها رغم انفها لذلك فهم كجمعية عملوا على توعية النساء بحقوقهن ولكن هذا غير كاف إذ يجب توفر برنامج وطني تقوم به الدولة موزع على 24 ولاية.

وأكدت محدثتنا بانهم قاموا بحملات وخيمات تحسيسية عرفوا من خلالها بالقانون عدد 58 للقضاء على العنف ضد المرأة وقد تواصلت هذه الحملات من 2017 إلى سنة 2020 كما قاموا برصد هذا القانون إلى أين وصل وكذلك برصد لمراكز الإيواء ولكن مازلت الدولة لم تصل بعد إلى تامين مراكز الإيواء في 24 ولاية او ان تؤمن الأجهزة المختصة في كل مراكز الشرطة وهذا يتطلب عملا كبيرا وجبارا وباعتبار الظروف الراهنة التي تمر بها الدولة فيجب أن يتم التحلي بقليل من الصبر ولكنهم في ان واحد كجمعية يركزون دائما على التوعية والتحسيس وحتى وسائل الإعلام لها دور كذلك في التوعية.

واعتبرت محدثتنا ان ما نراه في المجتمع من جرائم فظيعة ليس من مسؤولية وزارتي المرأة والأسرة او العدل فقط إيجاد الحلول لها باعتبار أنه يجب تأهيل هؤلاء المجرمين لاعادة ادماجهم في المجتمع ليكونوا عناصر صالحة في المجتمع، ولاحظت بأنه في خصوص جرائم القتل فليس لدينا قانونا يردعها باعتبارأنه لم يتم تنفيذ اي حكم بالإعدام في هذا الصدد فمن يتم الحكم عليه بالإعدام يقضي عقوبته في السجن فحسب مما يجعل الزوج يستسهل قتله لزوجته باعتبار أنه سيبقى في السجن ولن يموت حيث يمكنه الخروج من السجن في عفو رئاسي وسيخرج من السجن منحرفا مضاعفا.

مراجعة البرامج التربوية

 وأوضحت محدثتنا بأن البرامج التربوية كذلك لا تقدم مادة تقوم من خلالها بالتوعية بضرورة الابتعاد عن العنف فنحن نشاهد اليوم العنف في صفوف التلاميذ ضد الأساتذة والمعلمين وبالتالي وجب إعادة مراجعة كل البرامج والاستراتيجيات التربوية في البلاد هذا بالإضافة إلى البطالة والفقر والتهميش وعدم الاستقرار فكل هذه العوامل تدخل في أسباب ظاهرة العنف، وأوضحت بحر بانهم خلال السنة الحالية انطلقوا في الاهتمام بالعنف السيبرني والسياسي باعتبار أنهم في مسألة العنف الجسدي هم ليسوا سوى همزة وصل بين المواطن وأصحاب القرار الذين يجب أن يوفروا مراكز إيواء في 24 ولاية ويوفروا المختصين في العنف ضد المرأة والمشاكل الزوجية والعائلة في مراكز الشرطة وهذا كله لم يتحقق بعد فلا يمكن لهم القيام بحملات توعوية مثلا في الارياف في ظل عدم وجود الأرضية الملائمة لذلك.

التوعية

وأضافت بأنه لا يمكنهم الحكم على قانون مكافحة العنف ضد المرأة الذي حتى وان كانت فيه بعض الثغرات فلا يمكنهم الحكم عليها باعتبار أنه مازال في خطواته الأولى مؤكدة بأن القانون وحده لا يكفي لمكافحة العنف ضد المرأة ككل والعنف الزوجي بل يجب التوعية والتربية وإعداد مناهج تربوية خاصة لانه لا يمكن محو عقلية راسخة عبر قرون واجيال لا يمكن محوها بهذه السهولة فنحن مازلنا مجتمع ذكوري بامتياز والمرأة مازالت لا تجد حظها في عدة مجالات.

وأكدت بحر على ضرورة تضافر مجهودات الأطراف المتداخلة من جميع القطاعات من القطاع الثقافي والاعلامي باعتبار أن كل ما يعرضه الإعلام يؤثر في المتلقي للتصدي للعنف الزوجي .

 وأكدت محدثتنا بانهم حاليا يقومون بانشطة حول العنف السيبرني والسياسي بصفة عامة لان النساء الذين تقدمن إلى مراكز القرار تعرضن إلى العنف وخاصة العنف الإلكتروني والذي يسمى بالعنف السيبرني وقالت "نحن نريد تعليم النساء كيفية تأمين انفسهن من هذا العنف فالمرأة تجد نفسها على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة فايسبوك معرضة للقذف والشتم مما يجعلها في احراج مع عائلتها ومعارفها وذلك بسبب تقدمها لتولي مركز قرار في بلدية او غيرها مما دفع بعديد النساء إلى التخلي عن المشاركة في الشأن العام للابتعاد عن هذا العنف لذلك قامت الجمعية بدورة تدريبية لثلة من النساء لتعليم النساء كيفية حماية انفسهن في هذا الفضاء السيبرني الجديد والضروري في نفس الوقت.

مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح" : تراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية.. انتشار ثقافة العنف والنزعة الفردانية غذت العنف الزوجي

من جهته أكد ممدوح عز الدين المختص في علم الاجتماع لـ"الصباح" بأن توسيع المشرع التونسي لمفهوم العنف الموجه تجاه المرأة ليتجاوز العنف المادي، الجسدي والمعنوي ليشمل كل انتهاك لحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من قبيل العنف الجنسي والعنف الاقتصادي والعنف في الحياة العامة مثل الشوارع ووسائل النقل ومواقع العمل أدى الى ارتفاع الجرائم المرتكبة ضد المرأة في حين لم تكن في السابق تصنف كجرائم ، فالزوج الذي يضرب زوجته أو ابنته سابقا على اعتبار أنه يقوم بتأديبهما أصبح سلوكه يعد قانونيا فعلا إجراميا يعاقب عليه ومن كان في الماضي يميز في التأجير بين الرجل والمرأة لاسيما في القطاع الفلاحي فإن القانون الحالي يجرم هذه الممارسة وينص على المساواة في الأجر.

وأكد محدثنا على أن تونس تمر بظرف استثنائي والمجتمعات التي تمر بأوضاع شبيهة تتفاقم فيها أشكال العنف لعجز الدولة عن الحد منه أو منعه وهو ما يفسر ارتفاع نسبه كما ان تقديم هذه القوانين بطريقة مشوشة ومشوهة كالترويج بأنها لا تراعي حقوق الرجل وتتناقض مع التشريع الاسلامي الذي يخص المرأة، تساهم وتسوق كذلك للعنف.

كما يجب الإشارة أن " الهستيريا الجماعية"التي يعيشها التونسيون على تلك الخلفيات أدخلنا في أزمة قيم كبيرة وأصبحت المؤسسات التي من شأنها ضبط العنف مصدرا له من قبيل المؤسسة الاسرية إذا نصف نساء تونس يتعرضن للعنف في الوسط الأسري.

بالإضافة إلى أن نسبة هامة من النساء في تونس خاصة في الوسط الريفي لا يواجهن هذا الوضع بسبب عدم معرفتهن بالأدوات أو الموارد القانونية التي من شأنها أن تسمح لهن بالتخلص منه.

أسباب تنامي العنف..

وأضاف عز الدين بأن من أهم الاسباب التي أدت الى تنامي مظاهر العنف تجاه المرأة في تونس هو الخلل الهيكلي والوظيفي في العديد من مؤسسات المجتمع والدولة حيث أن مساهمة المرأة في المشاركة في تسيير العائلة وصناعة القرار داخلها لا زالت محدودة وتتعرض لأقصى اشكال العنف والاستبعاد داخلها، كما أن نسبة النساء في مواقع صنع القرار لا تتجاوز 2٫03 بالمائة من مجموع النساء في الوظيفة العمومية.

 وينضاف لما سبق عجز مؤسسات التنشئة الاجتماعية في ترسيخ ثقافة المساواة بين الجنسين والحد من العنف داخلها وهذا ينطبق على مؤسساتنا التربوية بالإضافة إلى وجود ازمة قيمية معيارية إذ يرتبط العنف ضد المرأة بالعقلية الذكورية التي للأسف ما زالت مسيطرة لدى العديد من التونسيين فالفكر السائد يعتبر أن "المرأة لا تفهم الا بالضرب" فضلا عن استبطان نظرة الاحتقار والاستضعاف التي ينظر بها إليها.

 ثم ان الرجل التونسي المسحوق بعنف مكبوت يبحث عن تفجيره في الحلقتين الضعيفتين وهما المرأة والأطفال.

وأكد محدثنا بأن الحل في تصوره لا يجب أن يقتصر على العنف الموجه تجاه المرأة فحسب بل لا بد من دراسة شاملة لموضوع العنف والانخراط في خطة استراتيجية تشاركية لاجتثاث أسبابه.

العنف الزوجي..

أما في خصوص العنف الزوجي وتنامي جرائم القتل التي راحت ضحاياها نساء على يد ازواجهن فلاحظ عز الدين بانه

سوسيولوجيا لا ترتقي جرائم قتل الازواج لزوجاتهن الى مستوى الظاهرة الاجتماعية بحكم عاملي الكثافة والتواتر ( 16 امرأة تم قتلها منذ بداية السنة إلى حد الآن مقابل ما يقارب 562 جريمة قتل سنويا) لكن ما يلفت الانتباه أن هذه الجرائم تتسم بالوحشية والفظاعة والتغطية الاعلامية الواسعة مما يعطي الانطباع بكونها ظاهرة اجتماعية تتمدد وتتوسع.

وفي الواقع لا بد أن نتجنب التهويل والتهوين في التشخيص والمعالجة إذ لا يمكن القول ان الامن العام بات مهددا والاسرة التونسية باتت مفككة على الرغم من أن وتيرة الجريمة بكل أصنافها في تصاعد ملحوظ منذ 2015.

وقال عز الدين " أكيد أن الجو العام في تونس يغذي الاجرام لا سيما الجرائم العائلية وقد عرفت هذه النوعية من الجرائم تحولات كمية وكيفية هامة سريعة وحادة ،اذ نلاحظ على المستوى الكمي تنامي نوعا من الجرائم لم تكن نراها سابقا تتمثل في الجرائم التي يرتكبها الأطفال الذين كانوا ضحايا الجريمة ليتحولوا الى فاعلين ومرتكبين لها، ظاهرة أخرى لم تكن متفشية في مجتمعنا وهي ظاهرة تأنيث الجريمة حيث كنا في وقت سابق نجد أن الجرائم التي تصنف كجنايات (حيث تتجاوز فيها العقوبة خمس سنوات سجنا)هي اختصاص ذكوري بحت، أما الآن أصبحت مشاركة المرأة في هذه النوعية من الجرائم في تصاعد وبات حضورها ملفتا للنظر إذ تقود العصابات وتهرب المخدرات وتسرق وتعنف وتقتل، كذلك كبار السن دخلوا عالم الجريمة حيث شملتهم عدة قضايا خاصة القضايا ذات الصبغة الاخلاقية وقضايا المخدرات".

دموية وعدوانية في الجرائم العائلية..

 وأوضح محدثنا بأنه من الناحية الكيفية أصبحت الجريمة العائلية أكثر دموية وعدوانية وفيها الكثير من العنف والتشفي والنزعة الانتقامية، كما باتت الجريمة دون تاريخ ولا ذاكرة حيث كانت في السابق ترتكب من أجل رد الاعتبار أو الشرف أو غيرها من الدوافع القوية ولكنها اليوم باتت حينية وقد تزهق روحا من أجل سبب تافه وقد أصبحت المسافة بين التفكير في الجريمة وتنفيذها قصيرة جداً.

كما يوجد استسهال في ارتكاب الجرائم مما يدل على استبطان مرتكبيها فكرة ضعف الدولة وغياب الخوف من العقاب وأصبحت الجريمة ترتكب في مشهد استعراضي وفرجوي أمام مرأى الجميع، إذ في ظل هيمنة الثقافة المشهدية الاستهلاكية وحضورها الدائم على مواقع التواصل الاجتماعي فقد اتخذت طابعا فضائحيا وأصبح الفعل الاجرامي يكتسي طابعا مسرحيا أمام رد فعل سلبي من قبل الجمهور الذي يكتفي بالفرجة واللامبالاة والتعامل غير المسؤول مع كل مظاهر التعدي على القانون وهو ما شجع مرتكبي الجرائم على التمادي والاستعراض.

دوافع بالجملة..

وأكد عز الدين بأن من أهم العوامل المؤدية للجريمة العائلية وقتل الأزواج لزوجاتهن تراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في المراقبة والضبط والتوجيه والادماج والحماية إذ أصبحت العائلة في عزلة بحكم العولمة إذ يعيش كل واحد في عالمه الافتراضي من خلال الشاشات الإلكترونية وبالتالي تقل مساحات التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة وتتقلص تلك العواطف والروابط الاسرية التي تجمعهم.

كما تسربت ثقافة العنف في صلب العائلة وأصبحت سلوكا تواصليا وهذه الثقافة تبرز من خلال التطبيع مع الكلام الفاحش ولعب الأطفال وأصبح العنف هو المغذي لاثبات الذات وإبرازها ففي بعض الأحيان نجد عائلات تشجع أبناءها على الجريمة كبيع الخمر والمخدرات وممارسة الدعارة والهجرة غير النظامية وبالتالي اصبحت العائلة تفقد تدريجيا دورها في حماية افرادها من العنف والجريمة بل امست بؤرة لإنتاجها ومن ناحية أخرى المدرسة عوض أن تعلم المهمشين اصبحت تهمش المتعلمين وفضاءً للعنف.

وكذلك الخطاب الاعلامي تراجع عن دوره التربوي وركز على كل ما له إثارة فاصبحت البرامج الاجتماعية تروج للجريمة وتعيد تجسيدها بكل تفاصيلها لجلب أكبر عدد من المشاهدين، ولا ننسى العنف الذي يمارسه السياسيين في البرامج السياسية.

وأضاف محدثنا بان ظاهرة غريبة تفشت كذلك تتمثل في تثمين المجرم الذي أصبح " بطلا" في بعض الأحياء الشعبية ويتم تمجيده من خلال أغاني " الراب" وأصبح كل مارق عن الأخلاق يمثل قدوة، كذلك النزعة الفردانية باعتبار أن المؤسسات تخلت عن دورها في الادماج والحماية حيث أصبح الانسان يجد نفسه غير محمي اجتماعيا وغير قادر على العمل وتكوين أسرة ويعاني من عطالة بيوغرافية ولا يوجد لديه هدف في الحياة ولا شيء يعيش من أجله ما يبعث فيه الاحساس بـ"الحقرة" والرغبة في رد الاعتبار حتى من خلال الانخراط في عالم الجريمة.

فنحن ازاء أزمة مجتمع بسبب غياب مشروع مجتمعي يضم الناس حوله وغياب هذا المشروع يجعل الناس في ضياع فكل فرد من الأسرة يعيش مع مشاكله الخاصة مما يخلق أجواءً من التوتر وفقدان الثقة في الحاضر والمستقبل وبالتالي فكل فرد يتصرف ويرد الفعل على طريقته الى أن نصل الى حدود الجريمة والقتل.

واعتبر عز الدين بأنه بناءً على ما سبق فإن مواجهة الجريمة بما في ذلك الجريمة العائلية تستوجب ترسيخ مشروع مجتمعي يضم كل المنظومات المعطوبة في بلادنا وخاصة المنظومة الاقتصادية ومحاربة البطالة واصلاح الاخلالات في مؤسساتنا الصحية والتربوية والادارية والقضائية مع ضرورة أخلقة الحياة الاجتماعية والسياسية واكتساب القدرة الجماعية على إدارة الازمات بشكل فعال ومجدي.