إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تموقعوا في الحكم والمعارضة على مدى 10 سنوات .. سياسيون ملاحقون قضائيا..

 

تونس - الصباح

بعد أن كانت آلية تقديرية وتقييم مدى نزاهة وخلو سجل الطبقة السياسية من السوابق وتأهيلها لتبوإ مناصب قيادية في الأحزاب وفي مؤسسات الدولة والحكم في تونس ما قبل ثورة 2011، أصبحت الملفات القضائية المطروحة على أنظار العدالة وفي أروقة القضاء السمة التي تميز نسبة كبيرة من الطبقة السياسية المكونة للمشهد السياسي في بلادنا خلال العشرية الماضية. وبقطع النظر عن مدى صحة تلك التهم الموجهة لشق كبير من السياسيين ومدى صدقية ما تضمنته الملفات القضائية التي تلاحقهم من أدلة تدين أصحابها أو تؤكد براءتهم، فمن شأن هذا العامل أن يتحول إلى آلية تتحكم في "العمر السياسي" للبعض خاصة في ظل ما تضمنه دستور الجمهورية الجديدة والقانون الانتخابي الجديد من تنصيص على ضرورة خلو سجل المترشح لخوض أي استحقاق انتخابي من السوابق العدلية من خلال إجبارية شرط الاستظهار بالبطاقة عدد 3. وذلك بعد أن كان التخلي عن شرط هذه البطاقة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011 ثم التخلي عنها رسميا في انتخابات 2014 وفق إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات برئاسة شفيق بوصرصار آنذاك، ليتواصل اعتماد نفس التمشي في اختيار تركيبة الحكومات التي تعاقبت على الحكم في سنوات ما بعد تلك المرحلة.

 وقد وجد هذا الإجراء الجديد في القانون الانتخابي لسنة 2022 الصدى الإيجابي لدى شريحة هامة من التونسيين على اعتبار أن ذلك سيكون آلية تعديل للمشهد السياسي خاصة أن سحب نفس الشرط في التعيينات في تركيبة الحكومة وفي مستوى التعيينات على رأس هياكل ومؤسسات الدولة في ردة فعلية جماعية حول ما تم تسجيله ما بعد ثورة 2011 عندما تم فتح الأبواب على مصراعيها أمام الانتدابات والتعيينات في الوظائف العمومية وعلى رأس المؤسسات والإدارات والهياكل الوطنية دون اعتبار لهذا الشرط أو غيرها من شروط الكفاءة التعليمية أو المهنية. ليحمّل الجميع مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من تردي وتأزم ومستجدات سلبية على جميع المستويات إلى هذا العامل.   

فبعد أن كان مثول بعض السياسيين أمام القضاء استثناء وبمثابة حالات "شاذة" تحفظ ولا يُقَاس عليها، كثيرا ما تكون تداعياتها وخيمة على مسيرة صاحبها ليجد نفسه خارج "الساحة" مقابل تبرؤ المحيطين به من تهمته حتى لا يكونوا ضحايا لذلك، لم يعد لمثل هذا العامل تأثيرا أو قيمة في العشرية الماضية. إذ كانت "السوابق" محل تبجيل وتفاخر بالنسبة للبعض ولدى المنظومة الحاكمة.

لكن تغير الوضع اليوم بعد أن أصبح تداول وتناقل أخبار وصور ومشاهد ملاحقة ووقوف بعض رموز المشهد السياسي والحزبي بشكل متواتر أمام القضاء، رغم اختلاف القراءات لهذه المسألة بين يعتبر ذلك نتيجة حتمية لحالة الفوضى التي عرفتها بلادنا خلال العشرية الماضية بسبب فهم البعض الخاطئ للحرية وتمادي البعض الآخر في استغلال ضعف المنظومة أو ما يروج له البعض من توظيف للقضاء ولمؤسسات الدولة من قبل بعض الجهات السياسية النافذة، وبين ما يذهب له بعض المتابعين للشأنين السياسي والوطني إلى أن تعافي الدولة عبر تعافي المنظومة القضائية يتطلب ضرورة التصدي لكل التجاوزات والفساد الذي نخر وتغلغل في "الدولة" وذلك بمحاسبة كل من أجرم في حقها أو في حق الأشخاص ومثل هذه المحاسبة لا يمكن أن تتم في دولة القانون والمؤسسات إلا عبر القضاء وإحالة كل من تحم حوله تهم الفساد أو ما شابه ذلك خلال المرحلة الماضية على القضاء للحسم في ذلك.   

وكانت مصطلحات "المحاسبة" والتصدي للفساد الأكثر تداولا في الشعارات التي رفعها رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ انتخابه رئيسا للجمهورية ومباشرة مهامه سنة 2019 ليتجه إلى العمل على تحويل تلك الشعارات إلى آلية عملية تنفذ على أرض الواقع منذ مسكه بزمام السلطات إثر القرارات التي اتخذها يوم 25 جويلية 2021.

ولئن كان مثول السياسيين خلال العشرية الماضية أمام القضاء مسألة متداولة ومتاحة للجميع خاصة بعد أن انخرط المجتمع المدني بشكل خاص في متابعة وملاحقة هذه الفئة وفرض رقابة لصيقة على مجريات المنظومة الحاكمة وسط صمت سياسي مطبق ولامبالاة البعض الآخر، فإن الأمر تغير بعد مسار 25 جويلية. ويرجع ذلك إلى محاولة تصدي الطبقة السياسية التي اختارت الوقوف في صف المعارضة للمسار الذي يقوده رئيس الجمهورية، ورفضها كل القرارات والمبادرات الصادرة عنه في تلك المرحلة بما في ذلك المحاسبة ومقاوم الفساد والفاسدين التي كانت نقطة تقاطع مع أعداد كبيرة من السياسيين والأحزاب المعارضة مع سعيد.

فتداول صور وأخبار مثول راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة أمام أنضار القضاء، بقطع النظر عن مدى ثبوت التهم ضده من براءته، عبر مختلف وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي أصبحت حقيقة في المشهد العام اليوم بعد أن خال البعض أنها من قبيل المستحيلات. والأمر نفسه تقريبا بالنسبة لأعداد أخرى من مكونات المشهد السياسي الذين برزوا بتحديهم للمسألة في مرحلة ما قبل 25 جويلية 2021 مثل بعض قياديي حركة النهضة ورؤساء أحزاب وناشطين سياسيين ومدنيين على غرار نور الدين البحيري وحمادي الجبالي وعلي العريض ممن تقلدوا مناصب سيادية في الحكومات المتعاقبة على الحكم في العشرية الماضية إضافة إلى سيف الدين مخلوف رئيس حزب ائتلاف الكرامة نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس أو يوسف الشاهد رئيس الحكومة السابق ورئيس حزب تحيا تونس وغيرهم من الأسماء التي برزت خلال نفس الفترة.

ولعل ما يميز هذه الظاهرة أن جل القضايا التي تلاحق هؤلاء هي بالأساس ملفات "قديمة" كانت في "الرفوف" تم فتحها من جديد خلال المرحلة الاستثنائية أو أخرى مستجدة وجديدة نزلها البعض في سياق الصراع السياسي ويرى البعض الآخر أن خروج أصحابها من دائرة "الحصانة" سهل عملية فتح الملفات القضائية لاسيما ما تعلق بالقضايا المرفوعة ضد بعض أعضاء مجلس نواب الشعب أو تنفيذ أحكام بالسجن صادرة في حق البعض.

لذلك سيكون لهذه المسألة تداعيات كبيرة على المشهد السياسي في المستقبل لاسيما في ظل التنقيحات والتغييرات والتعديلات التي ما انفكت تعرفها "التراتيب الجزائية".

نزيهة الغضباني     

تموقعوا في الحكم والمعارضة على مدى 10 سنوات  .. سياسيون ملاحقون قضائيا..

 

تونس - الصباح

بعد أن كانت آلية تقديرية وتقييم مدى نزاهة وخلو سجل الطبقة السياسية من السوابق وتأهيلها لتبوإ مناصب قيادية في الأحزاب وفي مؤسسات الدولة والحكم في تونس ما قبل ثورة 2011، أصبحت الملفات القضائية المطروحة على أنظار العدالة وفي أروقة القضاء السمة التي تميز نسبة كبيرة من الطبقة السياسية المكونة للمشهد السياسي في بلادنا خلال العشرية الماضية. وبقطع النظر عن مدى صحة تلك التهم الموجهة لشق كبير من السياسيين ومدى صدقية ما تضمنته الملفات القضائية التي تلاحقهم من أدلة تدين أصحابها أو تؤكد براءتهم، فمن شأن هذا العامل أن يتحول إلى آلية تتحكم في "العمر السياسي" للبعض خاصة في ظل ما تضمنه دستور الجمهورية الجديدة والقانون الانتخابي الجديد من تنصيص على ضرورة خلو سجل المترشح لخوض أي استحقاق انتخابي من السوابق العدلية من خلال إجبارية شرط الاستظهار بالبطاقة عدد 3. وذلك بعد أن كان التخلي عن شرط هذه البطاقة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011 ثم التخلي عنها رسميا في انتخابات 2014 وفق إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات برئاسة شفيق بوصرصار آنذاك، ليتواصل اعتماد نفس التمشي في اختيار تركيبة الحكومات التي تعاقبت على الحكم في سنوات ما بعد تلك المرحلة.

 وقد وجد هذا الإجراء الجديد في القانون الانتخابي لسنة 2022 الصدى الإيجابي لدى شريحة هامة من التونسيين على اعتبار أن ذلك سيكون آلية تعديل للمشهد السياسي خاصة أن سحب نفس الشرط في التعيينات في تركيبة الحكومة وفي مستوى التعيينات على رأس هياكل ومؤسسات الدولة في ردة فعلية جماعية حول ما تم تسجيله ما بعد ثورة 2011 عندما تم فتح الأبواب على مصراعيها أمام الانتدابات والتعيينات في الوظائف العمومية وعلى رأس المؤسسات والإدارات والهياكل الوطنية دون اعتبار لهذا الشرط أو غيرها من شروط الكفاءة التعليمية أو المهنية. ليحمّل الجميع مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من تردي وتأزم ومستجدات سلبية على جميع المستويات إلى هذا العامل.   

فبعد أن كان مثول بعض السياسيين أمام القضاء استثناء وبمثابة حالات "شاذة" تحفظ ولا يُقَاس عليها، كثيرا ما تكون تداعياتها وخيمة على مسيرة صاحبها ليجد نفسه خارج "الساحة" مقابل تبرؤ المحيطين به من تهمته حتى لا يكونوا ضحايا لذلك، لم يعد لمثل هذا العامل تأثيرا أو قيمة في العشرية الماضية. إذ كانت "السوابق" محل تبجيل وتفاخر بالنسبة للبعض ولدى المنظومة الحاكمة.

لكن تغير الوضع اليوم بعد أن أصبح تداول وتناقل أخبار وصور ومشاهد ملاحقة ووقوف بعض رموز المشهد السياسي والحزبي بشكل متواتر أمام القضاء، رغم اختلاف القراءات لهذه المسألة بين يعتبر ذلك نتيجة حتمية لحالة الفوضى التي عرفتها بلادنا خلال العشرية الماضية بسبب فهم البعض الخاطئ للحرية وتمادي البعض الآخر في استغلال ضعف المنظومة أو ما يروج له البعض من توظيف للقضاء ولمؤسسات الدولة من قبل بعض الجهات السياسية النافذة، وبين ما يذهب له بعض المتابعين للشأنين السياسي والوطني إلى أن تعافي الدولة عبر تعافي المنظومة القضائية يتطلب ضرورة التصدي لكل التجاوزات والفساد الذي نخر وتغلغل في "الدولة" وذلك بمحاسبة كل من أجرم في حقها أو في حق الأشخاص ومثل هذه المحاسبة لا يمكن أن تتم في دولة القانون والمؤسسات إلا عبر القضاء وإحالة كل من تحم حوله تهم الفساد أو ما شابه ذلك خلال المرحلة الماضية على القضاء للحسم في ذلك.   

وكانت مصطلحات "المحاسبة" والتصدي للفساد الأكثر تداولا في الشعارات التي رفعها رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ انتخابه رئيسا للجمهورية ومباشرة مهامه سنة 2019 ليتجه إلى العمل على تحويل تلك الشعارات إلى آلية عملية تنفذ على أرض الواقع منذ مسكه بزمام السلطات إثر القرارات التي اتخذها يوم 25 جويلية 2021.

ولئن كان مثول السياسيين خلال العشرية الماضية أمام القضاء مسألة متداولة ومتاحة للجميع خاصة بعد أن انخرط المجتمع المدني بشكل خاص في متابعة وملاحقة هذه الفئة وفرض رقابة لصيقة على مجريات المنظومة الحاكمة وسط صمت سياسي مطبق ولامبالاة البعض الآخر، فإن الأمر تغير بعد مسار 25 جويلية. ويرجع ذلك إلى محاولة تصدي الطبقة السياسية التي اختارت الوقوف في صف المعارضة للمسار الذي يقوده رئيس الجمهورية، ورفضها كل القرارات والمبادرات الصادرة عنه في تلك المرحلة بما في ذلك المحاسبة ومقاوم الفساد والفاسدين التي كانت نقطة تقاطع مع أعداد كبيرة من السياسيين والأحزاب المعارضة مع سعيد.

فتداول صور وأخبار مثول راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة أمام أنضار القضاء، بقطع النظر عن مدى ثبوت التهم ضده من براءته، عبر مختلف وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي أصبحت حقيقة في المشهد العام اليوم بعد أن خال البعض أنها من قبيل المستحيلات. والأمر نفسه تقريبا بالنسبة لأعداد أخرى من مكونات المشهد السياسي الذين برزوا بتحديهم للمسألة في مرحلة ما قبل 25 جويلية 2021 مثل بعض قياديي حركة النهضة ورؤساء أحزاب وناشطين سياسيين ومدنيين على غرار نور الدين البحيري وحمادي الجبالي وعلي العريض ممن تقلدوا مناصب سيادية في الحكومات المتعاقبة على الحكم في العشرية الماضية إضافة إلى سيف الدين مخلوف رئيس حزب ائتلاف الكرامة نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس أو يوسف الشاهد رئيس الحكومة السابق ورئيس حزب تحيا تونس وغيرهم من الأسماء التي برزت خلال نفس الفترة.

ولعل ما يميز هذه الظاهرة أن جل القضايا التي تلاحق هؤلاء هي بالأساس ملفات "قديمة" كانت في "الرفوف" تم فتحها من جديد خلال المرحلة الاستثنائية أو أخرى مستجدة وجديدة نزلها البعض في سياق الصراع السياسي ويرى البعض الآخر أن خروج أصحابها من دائرة "الحصانة" سهل عملية فتح الملفات القضائية لاسيما ما تعلق بالقضايا المرفوعة ضد بعض أعضاء مجلس نواب الشعب أو تنفيذ أحكام بالسجن صادرة في حق البعض.

لذلك سيكون لهذه المسألة تداعيات كبيرة على المشهد السياسي في المستقبل لاسيما في ظل التنقيحات والتغييرات والتعديلات التي ما انفكت تعرفها "التراتيب الجزائية".

نزيهة الغضباني