لمراقبة مدى احترام المترشحين للانتخابات التشريعية المرتقبة لقواعد تمويل الحملة الانتخابية، أخضعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إطاراتها المركزية والجهوية إلى دورة تكوينية تم اختتامها أمس بالعاصمة، وذلك بعد مصادقة مجلسها على قرار جديد أدخل الكثير من التغييرات على قواعد وإجراءات وطرق تمويل حملة الانتخابات التشريعية التي كان معمول بها منذ انتخابات 2014، فالهيئة اليوم وإضافة إلى كونها مدعوة إلى حسن التنسيق مع السلط القضائية والإدارية بهدف ضمان شفافية مصادر تمويل الحملة ومنع تمويلها بمصادر أجنبية أو مجهولة أو بأموال مكتسبة بصفة غير مشروعة، فهي مطالبة بتأهيل إطاراتها وأعوانها للقيام بمهامهم الرقابية على تمويل الحملة على النحو المطلوب.
ولنفس الغرض، سعت منظمات المجتمع المدني المهتمة بالمسارات الانتخابية بدورها إلى تهيئة ملاحظيها لمراقبة تمويل المترشحين لحملاتهم الانتخابية، وهي مهمة ليست بالهينة بالنظر إلى الصعوبات التي يواجهها المجتمع المدني بشكل عام في النفاذ إلى المعلومة، وبالنظر أيضا إلى التحديات التي يطرحها المرسوم الانتخابي وكذلك القرار الترتيبي الأخير للهيئة في علاقة بمسألة التمويل.
ويذكر أن المرسوم الانتخابي ألغى التمويل العمومي للحملة الانتخابية كما أنه لم يتح للأحزاب السياسية تمويل حملات مرشحيها للانتخابات التشريعية، وهو ما أثار حفيظة البعض لأنه بهذا التضييق لا يمكن للمترشح القيام بحملة للتعريف ببرنامجه الانتخابي، لكن رئيس الهيئة فاروق بوعسكر فسر في لقاء صحفي سابق المسائل الغامضة المتعلقة بتمويل الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية المنتظر إجراؤها يوم 17 ديسمبر المقبل وهي انتخابات تقوم على نظام الاقتراع على الأفراد، وذكر بالخصوص أن الهيئة مدعوة في قراراها الترتيبي الجديد المتعلق بتمويل الحملة إلى أن توضح مصادر تمويل الحملة لأن المرسوم الانتخابي الصادر منتصف سبتمبر الماضي حذف التمويل العمومي وبالتالي لم يعد بإمكان المترشح تمويل حملته إلا بالتمويل الخاص والتمويل الذاتي دون سواهما. وذكر بوعسكر أنه بمقتضى السلطة الترتيبية للهيئة فإنها ستضع شروط وإجراءات حصول المترشحين الأفراد على التمويلات الذاتية والتمويلات الخاصة لأن الفصل 77 من هذا القانون الانتخابي وهو فصل موجود منذ سنة 2014 وليس فصلا جديدا تمت إضافته بمقتضى المرسوم الانتخابي الأخير، يعرف التمويل الخاص ويشترط أن يكون هذا التمويل صادرا فقط عن الذوات الطبيعية، وهو ما يعني أن الذوات المعنوية بما في ذلك الجمعيات والأحزاب والشركات يمنع عليها التمويل الخاص، وأوضح رئيس الهيئة وقتها أن هذا الفصل لا يحجر على الأفراد المنتمين إلى الأحزاب السياسية والمنخرطين فيها وكذلك القياديين في هذه الأحزاب وأعضاء مكاتبها أن يمولوا من مالهم الخاص أنشطة الدعاية المتعلقة بمترشحين عن الأحزاب السياسية في الدوائر الانتخابية. وأضاف أنه في ما عدا ذلك فإن هيئة الانتخابات ستستعمل ما لديها من سلطة ترتيبية بما لا يتعارض مع القانون الانتخابي في اتجاه الإتاحة والتوسيع وليس العكس.
وكان من المفروض أن يأتي القرار الترتيبي الأخير للهيئة العليا المستقلة للانتخابات المتعلق بضبط قواعد تمويل الحملة الانتخابية وإجراءاته وطرقه بإجابات واضحة للمترشحين، لكن على ما يبدو فإن شرط المقروئية فيه غير متوفر بالشكل المطلوب، لأنه تم سحب الكثير من الأحكام الواردة في القرار المذكور على الانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية والجهوية في نفس الوقت وهو ما يمكن أن يحدث التباسا لدى المترشحين للانتخابات 17 ديسمبر القائمة على الأفراد وليس على القائمات كما كان عليه الحال في السابق.
لكن في المقابل جاء القرار الترتيبي منسجما مع روح المرسوم الانتخابي الذي اتجه نحو غلق منابع التمويل الفاسد للحملات الانتخابية، إذ نجد من بين النصوص التي استند إليها مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في إعداد القرار المذكور، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تمّت المصادقة عليها بمقتضى القانون عدد 16 لسنة 2008 المؤرخ في 25 فيفري 2008، وخاصة المادة 7 منها فقرة ثالثة التي تحدثت عن اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية المناسبة لتعزيز الشفافية في تمويل انتخابات شاغلي المناصب العمومية وفي تمويل الأحزاب السياسية، كما تم الاستناد أيضا إلى القانون المتعلق بمنع غسل الأموال..
التمويل الذاتي والخاص
ونظرا إلى أن المرسوم الانتخابي ألغى التمويل العمومي، فسيكون تمويل الحملة الانتخابية التي ستنطلق يوم الجمعة 25 نوفمبر الجاري وتتواصل إلى يوم 15 ديسمبر المقبل من المصادر المتأتية من التمويل الذاتي والتمويل الخاص دون سواهما، والمقصود بالتمويل الذاتي هو التمويل نقدي أو عيني للحملة بالموارد الذاتية المتأتية من المترشح، ويشمل التمويل الذاتي أجور أو مداخيل مهنيّة ومدّخرات شخصية وغيرها ولا تندرج ضمن التمويل الذاتي الموارد المتأتّية مباشرة من أعضاء الحزب لفائدة مرشحيه في الانتخابات التشريعية. أما التمويل الخاص فهو التمويل النقدي أو العيني للحملة المتأتّي من الذوات الطبيعية دون سواها ويمكن للفرد الواحد أن يموّل المترشح في حدود عشرين مرة الأجر الأدنى المضمون في القطاعات غير الفلاحية وفق نظام 48 ساعة.
وتم بمقتضى القرار الترتيبي للهيئة تحجير التمويل الخاص المتأتي من الذوات المعنوية بجميع أصنافها عمومية أو خاصة سواء كان نشاطها يكتسي صبغة تجارية أو يهدف إلى تحقيق مصلحة غير ربحية، كما حجر نفس القرار على الأحزاب تمويل حملة مرشحيها للانتخابات التشريعية وحجر تمويل الحملة بأموال يكون مصدرها أجنبيّا أو مجهولا أو متأت من غسيل الأموال كما حجّر كل تمويل مقنّع للحملة.
والمقصود هنا بالتمويل المقنع توجيه موارد عمومية أو خاصة دون وجه قانوني للترويج بصفة مباشرة أو غير مباشرة لمترشح لهذه الانتخابات كما يعتبر شكلا من أشكال التمويل المقنع كل استعمال للأعوان العموميين أو الوسائل والموارد العمومية في حملة مترشح وكذلك قيام جمعيات بأنشطة لها علاقة بالترويج بصفة مباشرة أو غير مباشرة لمترشح وحتى مساهمة الجمعية في تنظيمها تعتبر تمويلا مقنعا.
أما التمويل الأجنبي فالمقصود به الأموال النقدية أو العينية أو الدعائية المتأتية من حكومات أجنبية، وذوات معنوية أجنبية، عمومية أو خاصة، مهما كان نشاطها، حتى وإن كانت لها فروع في تونس، وذوات طبيعية أجنبية حتى وإن كانت مقيمة بتونس أو كان مصدر دخلها تونسيا، والهبات أو الهدايا أو المنح التي يعتبر مصدرها أجنبيا وفق التشريع الجبائي مهما كانت جنسية المموّل، وتمويل التونسيين بالخارج بمصادر نقدية أو عينية متأتية من الخارج ولكن لا يعتبر تمويل التونسيين بالخارج للمترشحين عن الدوائر الانتخابية بالخارج تمويلا أجنبيا. وتعتبر نفقة انتخابية غير مشروعة كل إنفاق يتخذ شكل هبة أو هدية أو منحة نقدية أو عينية أو دعائية أو نحوها يكون موضوعه مخالفة أو جنحة أو جناية، وشراء أصوات الناخبين والقيام بإشهار سياسي وبدعاية غير مشروعة وتحتسب النفقة غير مشروعة في سقف الإنفاق الانتخابي.
وتضمن القرار الترتيبي للهيئة المتعلق بتمويل الحملة الانتخابية جملة من التعديلات التي شملت الجوانب الإجرائية ومنها بالخصوص فتح حساب بنكي أو بريدي وحيد من قبل المترشح وتعيين وكيل مالي، وكذلك الرقابة على صرف نفقات الحملة وطرق تمويلها التي يقوم بها أعوان الهيئة المحلفون والحاملون لصفة مأمور الضابطة العدلية.
عقوبات في انتظار المخالفين
ونص القرار الترتيبي الجديد للهيئة العليا المستقلة للانتخابات على العقوبات التي سيقع تسليطها على المخالفين لقواعد تمويل الحملة الانتخابية، وهذه العقوبات نص عليها القانون الانتخابي لسنة 2014 والمرسوم الانتخابي الأخير وهي تنقسم إلى عقوبات انتخابية ومالية أو سجنية ويجدر التذكير في هذا الصدد بأن المترشح الذي لا يقوم بإيداع الحساب المالي في حال فوزه في الانتخابات يقع إسقاط عضويته بمجلس نواب الشعب المنتخب، وتسلط نفس هذه العقوبة على المترشح إذا تجاوز سقف الإنفاق لديه أكثر من 75 بالمائة من السقف الذي سيقع ضبطه في أمر رئاسي من المفروض أن يصدر قبل انطلاق موعد الحملة الانتخابية، وتسلط أيضا على المترشح الذي يتمتع بالتمويل الأجنبي أو مجهول المصدر فكلهم يفقدون العضوية في حال فوزهم في الانتخابات.
وإلى جانب العقوبات الانتخابية تنتظر المترشحين الذين سيخالفون قواعد تمول الحملة خطية مالية في صورة عدم إيداع الحساب المالي الخاص بهم وتساوي الخطية ثلاث مرات قيمة سقف التمويل الانتخابي بالدائرة المعنية، وإذا تم رفض الحساب المالي من قبل المحكمة تساوي الخطية مرتين قيمة سقف التمويل بالدائرة التي يعود إليها المترشح. وفي صورة تجاوز سقف الإنفاق الانتخابي بإحدى الدوائر الانتخابية، تسلط على المترشح عقوبة مالية تساوي المبلغ المتجاوز للسقف إذا كان التجاوز في حدود 20 بالمائة، وعقوبة مالية تساوي ضعفي قيمة المبلغ المتجاوز للسقف إذا كان التجاوز بأكثر من 20 بالمائة وإلى حدود 50 بالمائة، وعقوبة مالية تساوي خمسة أضعاف قيمة المبلغ المتجاوز للسقف إذا كان التجاوز بأكثر من 50 بالمائة وإلى حدود 75 بالمائة. وفي صورة ما إذا يثبت لمحكمة المحاسبات أن المترشح قد تحصلت على تمويل أجنبي أو تمويل مجهول المصدر لحملته الانتخابية فإنها تحكم بإلزامه بدفع خطية مالية تتراوح بين عشرة أضعاف وخمسين ضعفا لمقدار قيمة التمويل الأجنبي.
وإلى جانب العقوبات الانتخابية والمالية، هناك عقوبات سجنية في انتظار المخالفين لقواعد تمويل الحملة الانتخابية، إذ يعاقب بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات مع خطية من ألفين إلى خمسة آلاف دينار كل من يثبت قيامه بتقديم تبرعات نقدية أو عينية قصد التأثير على الناخب أو استعمل نفس الوسائل لحمل الناخب على الإمساك عن التصويت حتى وان كان ذلك قبل الاقتراع، ويعاقب بالسجن مدة خمس سنوات كل من تتم إدانته من أجل الحصول على تمويل أجنبي أو تمويل مجهول المصدر لحملته الانتخابية ويحرم وجوبا من الترشح لأي انتخابات قادمة.
ولا شك أن هذه العقوبات الصارمة تستدعي من المترشحن لانتخابات 17 ديسمبر توخي الحذر الشديد واستشارة أهل الاختصاص في كل ما له علاقة بتمويل حملاتهم الانتخابية حتى لا يجدوا أنفسهم لاحقا في السجون، كما أن أي فلس يمكن أن يتسرب إلى حملاتهم ويكون مصدره أجنبيا يمكن أن يدمر مستقبلهم السياسي.
سعيدة بوهلال
تونس: الصباح
لمراقبة مدى احترام المترشحين للانتخابات التشريعية المرتقبة لقواعد تمويل الحملة الانتخابية، أخضعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إطاراتها المركزية والجهوية إلى دورة تكوينية تم اختتامها أمس بالعاصمة، وذلك بعد مصادقة مجلسها على قرار جديد أدخل الكثير من التغييرات على قواعد وإجراءات وطرق تمويل حملة الانتخابات التشريعية التي كان معمول بها منذ انتخابات 2014، فالهيئة اليوم وإضافة إلى كونها مدعوة إلى حسن التنسيق مع السلط القضائية والإدارية بهدف ضمان شفافية مصادر تمويل الحملة ومنع تمويلها بمصادر أجنبية أو مجهولة أو بأموال مكتسبة بصفة غير مشروعة، فهي مطالبة بتأهيل إطاراتها وأعوانها للقيام بمهامهم الرقابية على تمويل الحملة على النحو المطلوب.
ولنفس الغرض، سعت منظمات المجتمع المدني المهتمة بالمسارات الانتخابية بدورها إلى تهيئة ملاحظيها لمراقبة تمويل المترشحين لحملاتهم الانتخابية، وهي مهمة ليست بالهينة بالنظر إلى الصعوبات التي يواجهها المجتمع المدني بشكل عام في النفاذ إلى المعلومة، وبالنظر أيضا إلى التحديات التي يطرحها المرسوم الانتخابي وكذلك القرار الترتيبي الأخير للهيئة في علاقة بمسألة التمويل.
ويذكر أن المرسوم الانتخابي ألغى التمويل العمومي للحملة الانتخابية كما أنه لم يتح للأحزاب السياسية تمويل حملات مرشحيها للانتخابات التشريعية، وهو ما أثار حفيظة البعض لأنه بهذا التضييق لا يمكن للمترشح القيام بحملة للتعريف ببرنامجه الانتخابي، لكن رئيس الهيئة فاروق بوعسكر فسر في لقاء صحفي سابق المسائل الغامضة المتعلقة بتمويل الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية المنتظر إجراؤها يوم 17 ديسمبر المقبل وهي انتخابات تقوم على نظام الاقتراع على الأفراد، وذكر بالخصوص أن الهيئة مدعوة في قراراها الترتيبي الجديد المتعلق بتمويل الحملة إلى أن توضح مصادر تمويل الحملة لأن المرسوم الانتخابي الصادر منتصف سبتمبر الماضي حذف التمويل العمومي وبالتالي لم يعد بإمكان المترشح تمويل حملته إلا بالتمويل الخاص والتمويل الذاتي دون سواهما. وذكر بوعسكر أنه بمقتضى السلطة الترتيبية للهيئة فإنها ستضع شروط وإجراءات حصول المترشحين الأفراد على التمويلات الذاتية والتمويلات الخاصة لأن الفصل 77 من هذا القانون الانتخابي وهو فصل موجود منذ سنة 2014 وليس فصلا جديدا تمت إضافته بمقتضى المرسوم الانتخابي الأخير، يعرف التمويل الخاص ويشترط أن يكون هذا التمويل صادرا فقط عن الذوات الطبيعية، وهو ما يعني أن الذوات المعنوية بما في ذلك الجمعيات والأحزاب والشركات يمنع عليها التمويل الخاص، وأوضح رئيس الهيئة وقتها أن هذا الفصل لا يحجر على الأفراد المنتمين إلى الأحزاب السياسية والمنخرطين فيها وكذلك القياديين في هذه الأحزاب وأعضاء مكاتبها أن يمولوا من مالهم الخاص أنشطة الدعاية المتعلقة بمترشحين عن الأحزاب السياسية في الدوائر الانتخابية. وأضاف أنه في ما عدا ذلك فإن هيئة الانتخابات ستستعمل ما لديها من سلطة ترتيبية بما لا يتعارض مع القانون الانتخابي في اتجاه الإتاحة والتوسيع وليس العكس.
وكان من المفروض أن يأتي القرار الترتيبي الأخير للهيئة العليا المستقلة للانتخابات المتعلق بضبط قواعد تمويل الحملة الانتخابية وإجراءاته وطرقه بإجابات واضحة للمترشحين، لكن على ما يبدو فإن شرط المقروئية فيه غير متوفر بالشكل المطلوب، لأنه تم سحب الكثير من الأحكام الواردة في القرار المذكور على الانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية والجهوية في نفس الوقت وهو ما يمكن أن يحدث التباسا لدى المترشحين للانتخابات 17 ديسمبر القائمة على الأفراد وليس على القائمات كما كان عليه الحال في السابق.
لكن في المقابل جاء القرار الترتيبي منسجما مع روح المرسوم الانتخابي الذي اتجه نحو غلق منابع التمويل الفاسد للحملات الانتخابية، إذ نجد من بين النصوص التي استند إليها مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في إعداد القرار المذكور، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تمّت المصادقة عليها بمقتضى القانون عدد 16 لسنة 2008 المؤرخ في 25 فيفري 2008، وخاصة المادة 7 منها فقرة ثالثة التي تحدثت عن اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية المناسبة لتعزيز الشفافية في تمويل انتخابات شاغلي المناصب العمومية وفي تمويل الأحزاب السياسية، كما تم الاستناد أيضا إلى القانون المتعلق بمنع غسل الأموال..
التمويل الذاتي والخاص
ونظرا إلى أن المرسوم الانتخابي ألغى التمويل العمومي، فسيكون تمويل الحملة الانتخابية التي ستنطلق يوم الجمعة 25 نوفمبر الجاري وتتواصل إلى يوم 15 ديسمبر المقبل من المصادر المتأتية من التمويل الذاتي والتمويل الخاص دون سواهما، والمقصود بالتمويل الذاتي هو التمويل نقدي أو عيني للحملة بالموارد الذاتية المتأتية من المترشح، ويشمل التمويل الذاتي أجور أو مداخيل مهنيّة ومدّخرات شخصية وغيرها ولا تندرج ضمن التمويل الذاتي الموارد المتأتّية مباشرة من أعضاء الحزب لفائدة مرشحيه في الانتخابات التشريعية. أما التمويل الخاص فهو التمويل النقدي أو العيني للحملة المتأتّي من الذوات الطبيعية دون سواها ويمكن للفرد الواحد أن يموّل المترشح في حدود عشرين مرة الأجر الأدنى المضمون في القطاعات غير الفلاحية وفق نظام 48 ساعة.
وتم بمقتضى القرار الترتيبي للهيئة تحجير التمويل الخاص المتأتي من الذوات المعنوية بجميع أصنافها عمومية أو خاصة سواء كان نشاطها يكتسي صبغة تجارية أو يهدف إلى تحقيق مصلحة غير ربحية، كما حجر نفس القرار على الأحزاب تمويل حملة مرشحيها للانتخابات التشريعية وحجر تمويل الحملة بأموال يكون مصدرها أجنبيّا أو مجهولا أو متأت من غسيل الأموال كما حجّر كل تمويل مقنّع للحملة.
والمقصود هنا بالتمويل المقنع توجيه موارد عمومية أو خاصة دون وجه قانوني للترويج بصفة مباشرة أو غير مباشرة لمترشح لهذه الانتخابات كما يعتبر شكلا من أشكال التمويل المقنع كل استعمال للأعوان العموميين أو الوسائل والموارد العمومية في حملة مترشح وكذلك قيام جمعيات بأنشطة لها علاقة بالترويج بصفة مباشرة أو غير مباشرة لمترشح وحتى مساهمة الجمعية في تنظيمها تعتبر تمويلا مقنعا.
أما التمويل الأجنبي فالمقصود به الأموال النقدية أو العينية أو الدعائية المتأتية من حكومات أجنبية، وذوات معنوية أجنبية، عمومية أو خاصة، مهما كان نشاطها، حتى وإن كانت لها فروع في تونس، وذوات طبيعية أجنبية حتى وإن كانت مقيمة بتونس أو كان مصدر دخلها تونسيا، والهبات أو الهدايا أو المنح التي يعتبر مصدرها أجنبيا وفق التشريع الجبائي مهما كانت جنسية المموّل، وتمويل التونسيين بالخارج بمصادر نقدية أو عينية متأتية من الخارج ولكن لا يعتبر تمويل التونسيين بالخارج للمترشحين عن الدوائر الانتخابية بالخارج تمويلا أجنبيا. وتعتبر نفقة انتخابية غير مشروعة كل إنفاق يتخذ شكل هبة أو هدية أو منحة نقدية أو عينية أو دعائية أو نحوها يكون موضوعه مخالفة أو جنحة أو جناية، وشراء أصوات الناخبين والقيام بإشهار سياسي وبدعاية غير مشروعة وتحتسب النفقة غير مشروعة في سقف الإنفاق الانتخابي.
وتضمن القرار الترتيبي للهيئة المتعلق بتمويل الحملة الانتخابية جملة من التعديلات التي شملت الجوانب الإجرائية ومنها بالخصوص فتح حساب بنكي أو بريدي وحيد من قبل المترشح وتعيين وكيل مالي، وكذلك الرقابة على صرف نفقات الحملة وطرق تمويلها التي يقوم بها أعوان الهيئة المحلفون والحاملون لصفة مأمور الضابطة العدلية.
عقوبات في انتظار المخالفين
ونص القرار الترتيبي الجديد للهيئة العليا المستقلة للانتخابات على العقوبات التي سيقع تسليطها على المخالفين لقواعد تمويل الحملة الانتخابية، وهذه العقوبات نص عليها القانون الانتخابي لسنة 2014 والمرسوم الانتخابي الأخير وهي تنقسم إلى عقوبات انتخابية ومالية أو سجنية ويجدر التذكير في هذا الصدد بأن المترشح الذي لا يقوم بإيداع الحساب المالي في حال فوزه في الانتخابات يقع إسقاط عضويته بمجلس نواب الشعب المنتخب، وتسلط نفس هذه العقوبة على المترشح إذا تجاوز سقف الإنفاق لديه أكثر من 75 بالمائة من السقف الذي سيقع ضبطه في أمر رئاسي من المفروض أن يصدر قبل انطلاق موعد الحملة الانتخابية، وتسلط أيضا على المترشح الذي يتمتع بالتمويل الأجنبي أو مجهول المصدر فكلهم يفقدون العضوية في حال فوزهم في الانتخابات.
وإلى جانب العقوبات الانتخابية تنتظر المترشحين الذين سيخالفون قواعد تمول الحملة خطية مالية في صورة عدم إيداع الحساب المالي الخاص بهم وتساوي الخطية ثلاث مرات قيمة سقف التمويل الانتخابي بالدائرة المعنية، وإذا تم رفض الحساب المالي من قبل المحكمة تساوي الخطية مرتين قيمة سقف التمويل بالدائرة التي يعود إليها المترشح. وفي صورة تجاوز سقف الإنفاق الانتخابي بإحدى الدوائر الانتخابية، تسلط على المترشح عقوبة مالية تساوي المبلغ المتجاوز للسقف إذا كان التجاوز في حدود 20 بالمائة، وعقوبة مالية تساوي ضعفي قيمة المبلغ المتجاوز للسقف إذا كان التجاوز بأكثر من 20 بالمائة وإلى حدود 50 بالمائة، وعقوبة مالية تساوي خمسة أضعاف قيمة المبلغ المتجاوز للسقف إذا كان التجاوز بأكثر من 50 بالمائة وإلى حدود 75 بالمائة. وفي صورة ما إذا يثبت لمحكمة المحاسبات أن المترشح قد تحصلت على تمويل أجنبي أو تمويل مجهول المصدر لحملته الانتخابية فإنها تحكم بإلزامه بدفع خطية مالية تتراوح بين عشرة أضعاف وخمسين ضعفا لمقدار قيمة التمويل الأجنبي.
وإلى جانب العقوبات الانتخابية والمالية، هناك عقوبات سجنية في انتظار المخالفين لقواعد تمويل الحملة الانتخابية، إذ يعاقب بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات مع خطية من ألفين إلى خمسة آلاف دينار كل من يثبت قيامه بتقديم تبرعات نقدية أو عينية قصد التأثير على الناخب أو استعمل نفس الوسائل لحمل الناخب على الإمساك عن التصويت حتى وان كان ذلك قبل الاقتراع، ويعاقب بالسجن مدة خمس سنوات كل من تتم إدانته من أجل الحصول على تمويل أجنبي أو تمويل مجهول المصدر لحملته الانتخابية ويحرم وجوبا من الترشح لأي انتخابات قادمة.
ولا شك أن هذه العقوبات الصارمة تستدعي من المترشحن لانتخابات 17 ديسمبر توخي الحذر الشديد واستشارة أهل الاختصاص في كل ما له علاقة بتمويل حملاتهم الانتخابية حتى لا يجدوا أنفسهم لاحقا في السجون، كما أن أي فلس يمكن أن يتسرب إلى حملاتهم ويكون مصدره أجنبيا يمكن أن يدمر مستقبلهم السياسي.