هناك ما يشبه " البديهيات " التي أعتقد أنه من الضروري أن تكون منطلق هذا المقال. أول ما يمكن الانطلاق منه هو العلاقة الوثيقة بين الرياضة والسياسة. ذلك أن تحريك الأجساد هو أحد أهم مداخل توجيه الوعي و السلوك. و هذا ما يفسر مكانة اللعب في كل الحضارات و خاصة الحضارة الغربية التي " ابتكرت " الألعاب الأولمبية وكان استعراض قوة الأجساد أحد أبرز الأسس التي قامت عليها الحضارة الرومانية. ولا يمكن فصل انبثاق فكرة تنظيم كأس العالم عن نزوع الرأسمالية إلى التمدد و الانتشار. وأما المسلمة الثانية فتتمثل في أن إسناد تنظيم كأس العالم لكرة القدم ليس مجرد قرار يخضع لاعتبارات فنية و تقنية بل تحكمه حسابات واعتبارات سياسية لأن هذه التظاهرة ليست مجرد تكريس لعولمة الثقافة والسلوك فقط بل هو الحدث الكوني الأبرز. وإذا كان السياق لا يسمح بالعودة إلى سياق تمكين قطر من استضافة نسخة سنة 2022 من كأس العالم لكرة القدم فإن ما لا يختلف حوله متابعان أن الجميع كان يعرف سنة 2010 ما لدولة قطر و ما عليها في علاقة بسياستها الداخلية و أيضا دورها الإقليمي. ومن هذه النقطة يمكن التطرق إلى جوانب من الحملة التي تستهدف قطر حاليا وأيضا الدوافع التي تدفعنا للتوقف عندها وهي أساسا دوافع ذات منطلق رياضي لأن لقطر علاقات تعاون وثيق مع جمعية النادي الإفريقي التي تعنيني مصلحتها والتي من بين القيم التي تقوم عليها رد الجميل والتضامن مع كل من يتضامن معها. شخصيا اتبنى القيم الكونية التي تتمحور حول الحرية و العدالة بمختلف تجلياتها و حقوق الإنسان و لكني اؤمن أن هذه القيم النبيلة ليست لدى الدول الأوروبية و مراكز القرار والنفوذ فيها إلا مجرد ادوات ضغط توظفها للضغط على الدول الأخرى لاخضاعها وابتزازها. قد يتساءل البعض هنا ، ولا يخلو سؤاله من وجاهة، عن أسباب استهداف قطر وهي التي لا تناقض سياساتها في العمق السياسات الأطلسية. هناك في تقديري عوامل استراتيجية و " بيداغوجية" ترتبط بما يسميه باسكال بونيفاتشي "جغراسياسة كرة القدم " . لقد وضعت قطر السقف عاليا في ما يتعلق بالإنفاق والتنظيم واستجابت لكراس الشروط وربما أضافت إليه عناصر أخرى ذات أبعاد مستقبلية من أهمها تشييد ملاعب صديقة للبيئة وخاصة وضع برنامج يجمع بين الفيفا واليونسكو للتربية على كرة القدم وهو ما يعني أن قطر لا تريد أن تكون مجرد دولة تستضيف كأس العالم لكرة القدم ثم يلفها النسيان بل تسعى لأن تكون لاعبا في تحديد مستقبل لعبة ذات شعبية جارفة و لكنها أصبحت تعاني من تناقضات ستكون لها انعكاسات على مستقبلها. والأكيد أيضا أنه يصعب أن تتمكن دولة عربية من استضافة كأس العالم لكرة القدم في العقود القادمة علاوة على أن التوجه السائد يميل إلى أن يكون تنظيم النسخ القادمة أمرا يشترك فيه بلدان أو ثلاثة.
من هذه الزاوية فإن للحملة التي تستهدف قطر خلفية " حضارية" لها علاقة بما يمكن تسميته " حرب القيم" إذ أصبح من باب ما هو متعارف عليه أن الفيفا أصبحت منخرطة في الترويج لظواهر وسلوكيات تتنافى مع القيم التي تستند عليها الثقافة العربية-الإسلامية. وقطر لم تساير هذا التوجه وهو رفض مهم في سياق ما أثارته الحرب الروسية على اوكرانيا من إحالة إلى صراع القيم وإلى أن القيم الغربية ليست بالضرورة قيما كونية. وهناك جانب أكثر أهمية في ما يتعلق بحرب القيم وله علاقة بنجاح قطر في تنظيم كأس العالم ويتمثل في أن القوى المتحكمة في العلاقات الدولية لا تريد أن يكون للعرب نجاح في أي مجال وأن استراتيجيات هؤلاء تقوم على نشر التجهيل والتئييس في نفوس العرب وهؤلاء يحاربون كل نجاح عربي علاوة على أنهم ينشرون العداوة والصراعات الوهمية بين العرب وهي عملية نشر ساهمت فيها، للأسف، أغلب الأنظمة العربية بما فيها قطر. يمكن للحملة الإعلامية التي تستهدف قطر أن تكون " رجة إيجابية " للوعي العربي حتى يكون هناك تضامن عربي حقيقي و حتى يتم التخلي عن سياسات التدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة واعتبار نجاح قطر في تنظيم كأس العالم لكرة القدم خطوة على طريق مراكمة الإيجابيات والخروج من دائرة الإحباط والتئييس إلى دائرة الفعل والإنجاز خاصة وان كرة القدم تخاطب بالأساس الشباب وهو أساس بناء المستقبل.
بقلم:هشام الحاجي
هناك ما يشبه " البديهيات " التي أعتقد أنه من الضروري أن تكون منطلق هذا المقال. أول ما يمكن الانطلاق منه هو العلاقة الوثيقة بين الرياضة والسياسة. ذلك أن تحريك الأجساد هو أحد أهم مداخل توجيه الوعي و السلوك. و هذا ما يفسر مكانة اللعب في كل الحضارات و خاصة الحضارة الغربية التي " ابتكرت " الألعاب الأولمبية وكان استعراض قوة الأجساد أحد أبرز الأسس التي قامت عليها الحضارة الرومانية. ولا يمكن فصل انبثاق فكرة تنظيم كأس العالم عن نزوع الرأسمالية إلى التمدد و الانتشار. وأما المسلمة الثانية فتتمثل في أن إسناد تنظيم كأس العالم لكرة القدم ليس مجرد قرار يخضع لاعتبارات فنية و تقنية بل تحكمه حسابات واعتبارات سياسية لأن هذه التظاهرة ليست مجرد تكريس لعولمة الثقافة والسلوك فقط بل هو الحدث الكوني الأبرز. وإذا كان السياق لا يسمح بالعودة إلى سياق تمكين قطر من استضافة نسخة سنة 2022 من كأس العالم لكرة القدم فإن ما لا يختلف حوله متابعان أن الجميع كان يعرف سنة 2010 ما لدولة قطر و ما عليها في علاقة بسياستها الداخلية و أيضا دورها الإقليمي. ومن هذه النقطة يمكن التطرق إلى جوانب من الحملة التي تستهدف قطر حاليا وأيضا الدوافع التي تدفعنا للتوقف عندها وهي أساسا دوافع ذات منطلق رياضي لأن لقطر علاقات تعاون وثيق مع جمعية النادي الإفريقي التي تعنيني مصلحتها والتي من بين القيم التي تقوم عليها رد الجميل والتضامن مع كل من يتضامن معها. شخصيا اتبنى القيم الكونية التي تتمحور حول الحرية و العدالة بمختلف تجلياتها و حقوق الإنسان و لكني اؤمن أن هذه القيم النبيلة ليست لدى الدول الأوروبية و مراكز القرار والنفوذ فيها إلا مجرد ادوات ضغط توظفها للضغط على الدول الأخرى لاخضاعها وابتزازها. قد يتساءل البعض هنا ، ولا يخلو سؤاله من وجاهة، عن أسباب استهداف قطر وهي التي لا تناقض سياساتها في العمق السياسات الأطلسية. هناك في تقديري عوامل استراتيجية و " بيداغوجية" ترتبط بما يسميه باسكال بونيفاتشي "جغراسياسة كرة القدم " . لقد وضعت قطر السقف عاليا في ما يتعلق بالإنفاق والتنظيم واستجابت لكراس الشروط وربما أضافت إليه عناصر أخرى ذات أبعاد مستقبلية من أهمها تشييد ملاعب صديقة للبيئة وخاصة وضع برنامج يجمع بين الفيفا واليونسكو للتربية على كرة القدم وهو ما يعني أن قطر لا تريد أن تكون مجرد دولة تستضيف كأس العالم لكرة القدم ثم يلفها النسيان بل تسعى لأن تكون لاعبا في تحديد مستقبل لعبة ذات شعبية جارفة و لكنها أصبحت تعاني من تناقضات ستكون لها انعكاسات على مستقبلها. والأكيد أيضا أنه يصعب أن تتمكن دولة عربية من استضافة كأس العالم لكرة القدم في العقود القادمة علاوة على أن التوجه السائد يميل إلى أن يكون تنظيم النسخ القادمة أمرا يشترك فيه بلدان أو ثلاثة.
من هذه الزاوية فإن للحملة التي تستهدف قطر خلفية " حضارية" لها علاقة بما يمكن تسميته " حرب القيم" إذ أصبح من باب ما هو متعارف عليه أن الفيفا أصبحت منخرطة في الترويج لظواهر وسلوكيات تتنافى مع القيم التي تستند عليها الثقافة العربية-الإسلامية. وقطر لم تساير هذا التوجه وهو رفض مهم في سياق ما أثارته الحرب الروسية على اوكرانيا من إحالة إلى صراع القيم وإلى أن القيم الغربية ليست بالضرورة قيما كونية. وهناك جانب أكثر أهمية في ما يتعلق بحرب القيم وله علاقة بنجاح قطر في تنظيم كأس العالم ويتمثل في أن القوى المتحكمة في العلاقات الدولية لا تريد أن يكون للعرب نجاح في أي مجال وأن استراتيجيات هؤلاء تقوم على نشر التجهيل والتئييس في نفوس العرب وهؤلاء يحاربون كل نجاح عربي علاوة على أنهم ينشرون العداوة والصراعات الوهمية بين العرب وهي عملية نشر ساهمت فيها، للأسف، أغلب الأنظمة العربية بما فيها قطر. يمكن للحملة الإعلامية التي تستهدف قطر أن تكون " رجة إيجابية " للوعي العربي حتى يكون هناك تضامن عربي حقيقي و حتى يتم التخلي عن سياسات التدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة واعتبار نجاح قطر في تنظيم كأس العالم لكرة القدم خطوة على طريق مراكمة الإيجابيات والخروج من دائرة الإحباط والتئييس إلى دائرة الفعل والإنجاز خاصة وان كرة القدم تخاطب بالأساس الشباب وهو أساس بناء المستقبل.