بالتزامن مع ذكرى الثورة الجزائرية وتحت شعار "لَمِ الشمل" افتتحت بالجزائر العاصمة يوم 1 نوفمبر 2022 القمة العربية في دورتها 31 ويعتبر تاريخها جامعا كرس التفاف الدول والشعوب العربية وتضامنها مع انطلاق الثورة الجزائرية في 01/11/1954 وما يحمله من دلالات مهمة حول تمسك الدول العربية بقيم النضال المشترك حينها في سبيل التحرر وامتلاك مقومات تقرير المصير، وبمشاركة ممثلين عن منظمات إقليمية ودولية وشهد التمثيل الرسمي في قمة الجزائر نحو ثلثي القادة العرب،بجانب تمثيل منخفض لخمسة دول أخرى ، مع استمرار تجميد مقعد سوريا بالجامعة العربية وتأتي هذه القمة بعد غياب وتوقف لعامين عن عقدها بسبب جائحة كورونا التي تأتي بعد 3 سنوات من قمة تونس سنة 2019 عرف على إثرها العالم العربي انقسامات حول ملفات إقليمية عدة، وتطبيع بعض الدول مع الكيان الصهيوني .
الجزائر تعودت استضافة القمم العربية في محطات فارقة ففي سنة 1973 كانت الجزائر على موعد مع القمة على أراضيها بعد حرب أكتوبر، وتجدد الأمر سنة 1988 عند اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، وسنة 2005 استضافت الجزائر القمة بعد وفاة ياسر عرفات وسقوط بغداد، واليوم تستضيف رابع قمة عربية في تاريخها على مستوى القادة العرب في دورتها 31 وتأتي القمة الحالية وسط تحديات وظروف معقدة تشهدها المنطقة العربية إضافة لوضع عالمي مضطرب جراء حرب أوكرانيا وتداعياتها من أزمة طاقة وغذاء... ورغبة من الجزائر لاستعادة مكانتها المحورية هيأت كافة الظروف اللازمة من أجل إنجاح هذه القمة وإعادة بناء العمل العربي المشترك في ظل ظروف دولية وإقليمية دقيقة بحيث كان وحدة الصف ولم الشمل ونبذ الفرقة وتغليب التوافق على التنافر عنوانا أسمى لهذا الموعد العربي خلال قمة الجزائر .
في إطار تسليم رئاسة أشغال القمة الواحدة والثلاثون للرئيس الجزائر عبد المجيد تبون دعا رئيس الجمهورية قيس سعيد القادة العرب الحاضرون إلى مزيد توحيد الجهود لمواجهة التحديات، مؤكدا أن الدبلوماسية التونسية لم تدخر جهدا خلال ترؤسها للقمة العربية في دورتها 30 بحرصها على إعلاء الصوت العربي الموحد، ولم تدخر جهدا في أن تظل القضايا العربية في صدارة الاهتمامات الدولية ، خلال جميع الاستحقاقات الإقليمية والدولية وحتى الثنائية، بتزامن رئاسة تونس القمة العربية، مع عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن خلال سنتي 2020 و2021، ثم عضويتها في مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي وعضويتها في المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، إلى جانب احتضانها مؤخرا لندوة طوكيو الدولية في إفريقيا مستندة في ذلك على ثوابت سياستها الخارجية منذ الاستقلال والدفاع عن قيم الحق والعدل حتى لا تكون المجموعة العربية على الهامش فلا حساب لتونس سوى نصرة الشعوب العربية وحشد الدعم لها، بالتنسيق مع الأشقاء وفي مقدمة هذه القضايا ملف الحق الفلسطيني الذي كان حاضرا في مختلف الاجتماعات والاستحقاقات الدولية حتى لا تغيب فلسطين عن دائرة الاهتمام فهو حق يسقط بالتقادم والسلام لا يعم إلا بإعلاء دولة فلسطين وعاصمتها القدس ، مثمنا في الآن نفسه اجتماع المصالحة الفلسطينية التي احتضنته الجزائر مؤخرا وداعيا الأطراف الفلسطينية إلى المضي قدما نحو ترسيخ حقيقي للمصالحة باعتبارها شرطا لمواجهة السياسات القمعية لقوات الاحتلال ، أما بخصوص الملف الليبي فدعا إلى تحقيق المصالحة الشاملة وتنفيذ مخرجات الحوار السياسي الذي استضافته تونس في نوفمبر 2020 ، فالحل لا بد أن يكون ليبي ليبي يوحد الليبيين حول مشروع وطني بقيادة ليبية بعيد عن أي تدخل خارجي، كما دعا إلى دعم سوريا واليمن وضرورة بناء نظاما اقتصاديا مشتركا إزاء التقلبات الدولية لتحقيق الاكتفاء الغذائي إزاء التقلبات الراهنة، مع ضرورة تعزيز المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالجامعة العربية وضرورة إصلاحه ليكون قادرا على تقديم الإضافة المرجوة والمقترحات الكفيلة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها شعوبنا حتى يتم استعادة ثقة الشباب ليكون مصدر لخلق الثروة عوض أن يقع ضحية الإرهاب وبائعي الأوهام في الهجرة غير النظامية، فتحقيق ما تقدم يستدعي وحدة الصف العربي .
عقب تسلمه رئاسة القمة العربية في دورتها الواحدة والثلاثون، أعرب الرئيس الجزائري في كلمته أن القمة العربية الحالية تنعقد في ظروف إقليمية ودولية استثنائية بالغة التعقيد، والأمة العربية تشهد أزمات تتزامن مع تعاظم التحديات الداخلية والخارجية، مؤكدا ضرورة بناء تكتل اقتصادي منيع يحفظ مصالح الشعوب العربية كافة وذلك في ظل ظاهرة الاستقطاب التي تسهم بقدر كبير في تصعيد الأزمات التي تلقي ظلالها على العديد من دولنا العربية وخصوصا أمنها الغذائي... أما بخصوص القضية الفلسطينية فأبرز أنها تبقى قضيتنا الأولى المركزية حيث دعا إلى تشكيل لجنة اتصال عربية لمخاطبة الأمم المتحدة لدعم تمثيل فلسطين العضوية الكاملة بالمنظمة الدولية ، مشددا تمسك القمة بمبادرة السلام العربية لسنة 2002 باعتبارها الحل الوحيد للقضية الفلسطينية ، وتسعى الجزائر عبر القمة الراهنة وبعد نجاحها في تحقيق المصالحة الفلسطينية إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى رأس أولويات الدول العربية خاصة في ظل استمرار سياسة الاستيطان الإسرائيلية، وتهويد القدس، واستهداف الفلسطينيين والتضييق عليهم، أما بخصوص الملفات الأخرى فقد دعا الرئيس الجزائري الأشقاء في ليبيا وسوريا واليمن الى الحوار من أجل التوصل لحلول توافقية داخلية .
يتبع
*باحث وناشط في الحقل الجمعياتي
بمدينة بنزرت
على وقع اختتام قمة لَمِ الشمل بالجزائر
"رص الصفوف و جمع كلمة العرب بعد دخول العالم مرحلة تاريخية جديدة " (2/2)
بقلم: الحبيب الذوادي
إن قمة لم الشمل العربي المنعقدة بالجزائر والتي تعصف بعدد من دولها الصراعات الداخلية والبينية ، وبين التفاؤل والتشاؤم انعقدت هذه القمة بعد بذل الجزائر جهدا لبناء حالة توافق وتفاهمات حول عديد الملفات التي كانت قابلة للانفجار في كل لحظة رغم غياب العديد من الزعماء العرب عن القمة، فإذا كان عنوان عدم حضور بعضهم الحالة الصحية، فان ما يقرأ خلف الأعذار أن هناك توجهات لتفادي الصدامات والمواجهات من خلال تراجع الجزائر عن الإصرار في الوقت الراهن على عودة سوريا الى الجامعة العربية خصوصا ان الصف الخليجي الموحد ضد دمشق قد يتعرض للانقسام بتعلة أن السلطة في سوريا ما تزال تخضع للنفوذ الإيراني وهو ما يعطل
مسار المصالحة، إلا أن وزير الخارجية الجزائري وخلال الندوة الصحفية المنعقدة بعد اختتام القمة بعث برسالة في المقابل إلى السوريين "تضمنت أن سوريا في عقولنا و قلوبنا وعودتها إلى الصف العربي هو الأمر الطبيعي" إلى جانب أن القضية الفلسطينية التي لم تعد محل إجماع الأنظمة العربية في الوقت الراهن على اثر التطبيع الذي نخر بعض الدول العربية بعد اتفاقيات ارباهام فقمة لم الشمل تعتبر الخطوة الأولى برأينا اليوم للتقدم نحو تحقيق التناغم بين القادة العرب وصولا إلى وحدة الصف العربي مستقبلا وفرصة سانحة لمزيد تعزيز العلاقات المغاربية دفعا لبناء القطار المغاربي لمواجهة التحديات العديدة مثل الهجرة و النزوح في ظل عالم تسوده الخلافات والحروب لكي تحفظ الدول المغاربية خيراتها سالمة للأجيال القادمة في جو من التآزر والود بين شعوبها ولتخفيف عواصف الشقاق بين دول اتحاد المغاربي تنزل دعوة الملك المغربي محمد السادس نظيره الجزائري عبد المجيد تبون أثناء انعقاد القمة العربية بالجزائر لزيارة المغرب للتباحث حول عديد الملفات موضع خلاف بين البلدين لتجاوزها سيكون لها برأينا الأثر الايجابي للوصول إلى التكامل المغاربي ومماثلا للتكتلات الإقليمية العالمية مثل الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي....، فرغم الألغام التي عرفتها القمة قبل انعقادها نستبشر بما توصل اليه القادة العرب الحاضرين اليوم رغم المقاربات المختلفة والانقسامات خلال محادثاتهم نستبشر اليوم بالتوصل إلى الحد الأدنى من التوافق خلال نقاشاتهم بعد جمع الشمل والرغبة في فتح أفاق واعدة للعمل المشترك على اثر رص الصفوف وجمع الكلمة من أجل قمة مؤثرة قادرة على فرض المصالح المشتركة، فعلى اثر قمة الجزائر تضمن بيانها الختامي الصادر في 02/11/2022 التأكيد على عدة قرارات منها مركزية القضية الفلسطينية والدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني غير قابلة للتصرف وتجسيد دولة فلسطين مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، مع التمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها... وحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على مبدأ الأرض مقابل السلام والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، مع ضرورة مواصلة المساعي لحماية مدينة القدس المحتلة ومقدساتها والوضع التاريخي والقانوني القائم فيها من طرف قوات الاحتلال، مع ضرورة العمل لحصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، والإشادة بالجهود العربية لتوحيد الصف الفلسطيني بالجزائر مؤخرا من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية إلى جانب رفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية مع التمسك بمبدأ الحلول العربية للمشاكل العربية عبر تقوية دور جامعة العربية في الوقاية من الأزمات وحلها بالطرق السلمية والدعوة مزيد تعزيز العلاقات العربية، أما بخصوص الملف الليبي فأعرب القادة عن تضامنهم مع شعبه ودعم الجهود لإنهاء الأزمة الليبية من خلال حل ليبي ليبي فقط يحفظ وحدة هذا البلد وسيادته وبضرورة تنظيم انتخابات في أسرع وقت لتحقيق الاستقرار السياسي، كما تم التأكيد أيضا على دعم الحكومة الشرعية اليمنية وضرورة تحقيق تسوية سياسية شاملة تضمن وحدة اليمن واستقراره ، وأمن دول الخليج العربي ورفض التدخل في شؤونه الداخلية ، أما بخصوص الملف السوري فتمت دعوة الدول العربية للقيام بدور جماعي للمساهمة في جهود للتوصل إلى حل سياسي للازمة السورية ومعالجة كل تبعاتها السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية بما يضمن سلامة سوريا وسيادتها ويعيد لها أمنها واستقرارها ومكانتها إقليميا كما أكدت القمة على ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط وفقا للمرجعيات المتفق عليها، إضافة لضرورة تعزيز الجهود لتجسيد مشروع التكامل الاقتصادي العربي وفق رؤية شاملة تكفل الاستغلال الأمثل لمقومات الاقتصاديات العربية بهدف التفعيل الكامل لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تمهيدا لإقامة الاتحاد الجمركي العربي، كما دعت القمة ضرورة مشاركة الدول العربية في صياغة معالم المنظومة الدولية الجديدة لعالم ما بعد وباء كورونا والحرب في أوكرانيا كمجموعة منسجمة لتقديم مساهمة ايجابية في الخصوص مع الالتزام بمبادئ عدم الانحياز بالموقف العربي المشترك من الحرب في أوكرانيا الذي يقوم على نبذ استعمال القوة والسعي لتفعيل خيار السلام من خلال مجموعة الاتصال العربية التي تضم بلدان (الجزائر، مصر،الأردن، الإمارات العربية المتحدة، السودان، العراق والأمين العام لجامعة الدول العربية) للجهود الرامية لبلورة حل سياسي للازمة بتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة ويراعي الشواغل الأمنية للدول المعنية ... فالمطلوب على اثر ما تقدم بضرورة تجسيم قرارات القمة على أرض الواقع.
نؤكد اليوم أن ما يجمع الدول والشعوب العربية أكثر مما يفرقها بفضل قوة الروابط العريقة والتاريخ والمصير المشترك، إلا أن استمرار الصراعات في المنطقة ساهم في استنزاف الكثير من الطاقات العربية، الشيء الذي أتاح التدخل في شؤون المنطقة بسبب ضعف التضامن العربي الذي حول المنطقة العربية ساحات للصراعات الدولية الإقليمية، والنزاعات المذهبية والطائفية، وملاذات للتنظيمات الإرهابية التي تهدد أمن واستقرار البلدان العربية ونأمل اليوم وبعد اختتام القمة وما تضمنه إعلان الجزائر من قرارات، وبعد دخول العالم اليوم في مرحلة جديدة من التاريخ مختلفة عن المراحل السابقة ، وإن كانت هناك جملة من القضايا الشائكة على المستوى العالمي نؤكد أنه لا يمكن أن تكون على حساب البلدان العربية مثل قضايا الفقر والبطالة ... فالدول العربية يتعين طرحها متوحدة ومجتمعة بتعزيز صفها ولإيجاد الحلول بشأنها لا مفروضة من طرف بلدان الشمال التي تطرح الحلول وفق غاياتها متناسية ما تضمنه ميثاق ومبادئ الأمم المتحدة خصوصا مع احتداد حالة الاستقطاب الدولي بعد الحرب على أوكرانيا اليوم وتداعيات هذا الصراع على البلدان العربية المتعين عليها مزيد الالتفاف مع بعضها لتكوين محور وقطب جديد عربي يكون له دورا فاعلا ووازنا في إطار العلاقات الدولية.
*باحث وناشط في الحقل الجمعياتي
بمدينة بنزرت
بقلم :الحبيب الذوادي
بالتزامن مع ذكرى الثورة الجزائرية وتحت شعار "لَمِ الشمل" افتتحت بالجزائر العاصمة يوم 1 نوفمبر 2022 القمة العربية في دورتها 31 ويعتبر تاريخها جامعا كرس التفاف الدول والشعوب العربية وتضامنها مع انطلاق الثورة الجزائرية في 01/11/1954 وما يحمله من دلالات مهمة حول تمسك الدول العربية بقيم النضال المشترك حينها في سبيل التحرر وامتلاك مقومات تقرير المصير، وبمشاركة ممثلين عن منظمات إقليمية ودولية وشهد التمثيل الرسمي في قمة الجزائر نحو ثلثي القادة العرب،بجانب تمثيل منخفض لخمسة دول أخرى ، مع استمرار تجميد مقعد سوريا بالجامعة العربية وتأتي هذه القمة بعد غياب وتوقف لعامين عن عقدها بسبب جائحة كورونا التي تأتي بعد 3 سنوات من قمة تونس سنة 2019 عرف على إثرها العالم العربي انقسامات حول ملفات إقليمية عدة، وتطبيع بعض الدول مع الكيان الصهيوني .
الجزائر تعودت استضافة القمم العربية في محطات فارقة ففي سنة 1973 كانت الجزائر على موعد مع القمة على أراضيها بعد حرب أكتوبر، وتجدد الأمر سنة 1988 عند اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، وسنة 2005 استضافت الجزائر القمة بعد وفاة ياسر عرفات وسقوط بغداد، واليوم تستضيف رابع قمة عربية في تاريخها على مستوى القادة العرب في دورتها 31 وتأتي القمة الحالية وسط تحديات وظروف معقدة تشهدها المنطقة العربية إضافة لوضع عالمي مضطرب جراء حرب أوكرانيا وتداعياتها من أزمة طاقة وغذاء... ورغبة من الجزائر لاستعادة مكانتها المحورية هيأت كافة الظروف اللازمة من أجل إنجاح هذه القمة وإعادة بناء العمل العربي المشترك في ظل ظروف دولية وإقليمية دقيقة بحيث كان وحدة الصف ولم الشمل ونبذ الفرقة وتغليب التوافق على التنافر عنوانا أسمى لهذا الموعد العربي خلال قمة الجزائر .
في إطار تسليم رئاسة أشغال القمة الواحدة والثلاثون للرئيس الجزائر عبد المجيد تبون دعا رئيس الجمهورية قيس سعيد القادة العرب الحاضرون إلى مزيد توحيد الجهود لمواجهة التحديات، مؤكدا أن الدبلوماسية التونسية لم تدخر جهدا خلال ترؤسها للقمة العربية في دورتها 30 بحرصها على إعلاء الصوت العربي الموحد، ولم تدخر جهدا في أن تظل القضايا العربية في صدارة الاهتمامات الدولية ، خلال جميع الاستحقاقات الإقليمية والدولية وحتى الثنائية، بتزامن رئاسة تونس القمة العربية، مع عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن خلال سنتي 2020 و2021، ثم عضويتها في مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي وعضويتها في المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، إلى جانب احتضانها مؤخرا لندوة طوكيو الدولية في إفريقيا مستندة في ذلك على ثوابت سياستها الخارجية منذ الاستقلال والدفاع عن قيم الحق والعدل حتى لا تكون المجموعة العربية على الهامش فلا حساب لتونس سوى نصرة الشعوب العربية وحشد الدعم لها، بالتنسيق مع الأشقاء وفي مقدمة هذه القضايا ملف الحق الفلسطيني الذي كان حاضرا في مختلف الاجتماعات والاستحقاقات الدولية حتى لا تغيب فلسطين عن دائرة الاهتمام فهو حق يسقط بالتقادم والسلام لا يعم إلا بإعلاء دولة فلسطين وعاصمتها القدس ، مثمنا في الآن نفسه اجتماع المصالحة الفلسطينية التي احتضنته الجزائر مؤخرا وداعيا الأطراف الفلسطينية إلى المضي قدما نحو ترسيخ حقيقي للمصالحة باعتبارها شرطا لمواجهة السياسات القمعية لقوات الاحتلال ، أما بخصوص الملف الليبي فدعا إلى تحقيق المصالحة الشاملة وتنفيذ مخرجات الحوار السياسي الذي استضافته تونس في نوفمبر 2020 ، فالحل لا بد أن يكون ليبي ليبي يوحد الليبيين حول مشروع وطني بقيادة ليبية بعيد عن أي تدخل خارجي، كما دعا إلى دعم سوريا واليمن وضرورة بناء نظاما اقتصاديا مشتركا إزاء التقلبات الدولية لتحقيق الاكتفاء الغذائي إزاء التقلبات الراهنة، مع ضرورة تعزيز المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالجامعة العربية وضرورة إصلاحه ليكون قادرا على تقديم الإضافة المرجوة والمقترحات الكفيلة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها شعوبنا حتى يتم استعادة ثقة الشباب ليكون مصدر لخلق الثروة عوض أن يقع ضحية الإرهاب وبائعي الأوهام في الهجرة غير النظامية، فتحقيق ما تقدم يستدعي وحدة الصف العربي .
عقب تسلمه رئاسة القمة العربية في دورتها الواحدة والثلاثون، أعرب الرئيس الجزائري في كلمته أن القمة العربية الحالية تنعقد في ظروف إقليمية ودولية استثنائية بالغة التعقيد، والأمة العربية تشهد أزمات تتزامن مع تعاظم التحديات الداخلية والخارجية، مؤكدا ضرورة بناء تكتل اقتصادي منيع يحفظ مصالح الشعوب العربية كافة وذلك في ظل ظاهرة الاستقطاب التي تسهم بقدر كبير في تصعيد الأزمات التي تلقي ظلالها على العديد من دولنا العربية وخصوصا أمنها الغذائي... أما بخصوص القضية الفلسطينية فأبرز أنها تبقى قضيتنا الأولى المركزية حيث دعا إلى تشكيل لجنة اتصال عربية لمخاطبة الأمم المتحدة لدعم تمثيل فلسطين العضوية الكاملة بالمنظمة الدولية ، مشددا تمسك القمة بمبادرة السلام العربية لسنة 2002 باعتبارها الحل الوحيد للقضية الفلسطينية ، وتسعى الجزائر عبر القمة الراهنة وبعد نجاحها في تحقيق المصالحة الفلسطينية إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى رأس أولويات الدول العربية خاصة في ظل استمرار سياسة الاستيطان الإسرائيلية، وتهويد القدس، واستهداف الفلسطينيين والتضييق عليهم، أما بخصوص الملفات الأخرى فقد دعا الرئيس الجزائري الأشقاء في ليبيا وسوريا واليمن الى الحوار من أجل التوصل لحلول توافقية داخلية .
يتبع
*باحث وناشط في الحقل الجمعياتي
بمدينة بنزرت
على وقع اختتام قمة لَمِ الشمل بالجزائر
"رص الصفوف و جمع كلمة العرب بعد دخول العالم مرحلة تاريخية جديدة " (2/2)
بقلم: الحبيب الذوادي
إن قمة لم الشمل العربي المنعقدة بالجزائر والتي تعصف بعدد من دولها الصراعات الداخلية والبينية ، وبين التفاؤل والتشاؤم انعقدت هذه القمة بعد بذل الجزائر جهدا لبناء حالة توافق وتفاهمات حول عديد الملفات التي كانت قابلة للانفجار في كل لحظة رغم غياب العديد من الزعماء العرب عن القمة، فإذا كان عنوان عدم حضور بعضهم الحالة الصحية، فان ما يقرأ خلف الأعذار أن هناك توجهات لتفادي الصدامات والمواجهات من خلال تراجع الجزائر عن الإصرار في الوقت الراهن على عودة سوريا الى الجامعة العربية خصوصا ان الصف الخليجي الموحد ضد دمشق قد يتعرض للانقسام بتعلة أن السلطة في سوريا ما تزال تخضع للنفوذ الإيراني وهو ما يعطل
مسار المصالحة، إلا أن وزير الخارجية الجزائري وخلال الندوة الصحفية المنعقدة بعد اختتام القمة بعث برسالة في المقابل إلى السوريين "تضمنت أن سوريا في عقولنا و قلوبنا وعودتها إلى الصف العربي هو الأمر الطبيعي" إلى جانب أن القضية الفلسطينية التي لم تعد محل إجماع الأنظمة العربية في الوقت الراهن على اثر التطبيع الذي نخر بعض الدول العربية بعد اتفاقيات ارباهام فقمة لم الشمل تعتبر الخطوة الأولى برأينا اليوم للتقدم نحو تحقيق التناغم بين القادة العرب وصولا إلى وحدة الصف العربي مستقبلا وفرصة سانحة لمزيد تعزيز العلاقات المغاربية دفعا لبناء القطار المغاربي لمواجهة التحديات العديدة مثل الهجرة و النزوح في ظل عالم تسوده الخلافات والحروب لكي تحفظ الدول المغاربية خيراتها سالمة للأجيال القادمة في جو من التآزر والود بين شعوبها ولتخفيف عواصف الشقاق بين دول اتحاد المغاربي تنزل دعوة الملك المغربي محمد السادس نظيره الجزائري عبد المجيد تبون أثناء انعقاد القمة العربية بالجزائر لزيارة المغرب للتباحث حول عديد الملفات موضع خلاف بين البلدين لتجاوزها سيكون لها برأينا الأثر الايجابي للوصول إلى التكامل المغاربي ومماثلا للتكتلات الإقليمية العالمية مثل الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي....، فرغم الألغام التي عرفتها القمة قبل انعقادها نستبشر بما توصل اليه القادة العرب الحاضرين اليوم رغم المقاربات المختلفة والانقسامات خلال محادثاتهم نستبشر اليوم بالتوصل إلى الحد الأدنى من التوافق خلال نقاشاتهم بعد جمع الشمل والرغبة في فتح أفاق واعدة للعمل المشترك على اثر رص الصفوف وجمع الكلمة من أجل قمة مؤثرة قادرة على فرض المصالح المشتركة، فعلى اثر قمة الجزائر تضمن بيانها الختامي الصادر في 02/11/2022 التأكيد على عدة قرارات منها مركزية القضية الفلسطينية والدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني غير قابلة للتصرف وتجسيد دولة فلسطين مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، مع التمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها... وحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على مبدأ الأرض مقابل السلام والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، مع ضرورة مواصلة المساعي لحماية مدينة القدس المحتلة ومقدساتها والوضع التاريخي والقانوني القائم فيها من طرف قوات الاحتلال، مع ضرورة العمل لحصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، والإشادة بالجهود العربية لتوحيد الصف الفلسطيني بالجزائر مؤخرا من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية إلى جانب رفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية مع التمسك بمبدأ الحلول العربية للمشاكل العربية عبر تقوية دور جامعة العربية في الوقاية من الأزمات وحلها بالطرق السلمية والدعوة مزيد تعزيز العلاقات العربية، أما بخصوص الملف الليبي فأعرب القادة عن تضامنهم مع شعبه ودعم الجهود لإنهاء الأزمة الليبية من خلال حل ليبي ليبي فقط يحفظ وحدة هذا البلد وسيادته وبضرورة تنظيم انتخابات في أسرع وقت لتحقيق الاستقرار السياسي، كما تم التأكيد أيضا على دعم الحكومة الشرعية اليمنية وضرورة تحقيق تسوية سياسية شاملة تضمن وحدة اليمن واستقراره ، وأمن دول الخليج العربي ورفض التدخل في شؤونه الداخلية ، أما بخصوص الملف السوري فتمت دعوة الدول العربية للقيام بدور جماعي للمساهمة في جهود للتوصل إلى حل سياسي للازمة السورية ومعالجة كل تبعاتها السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية بما يضمن سلامة سوريا وسيادتها ويعيد لها أمنها واستقرارها ومكانتها إقليميا كما أكدت القمة على ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط وفقا للمرجعيات المتفق عليها، إضافة لضرورة تعزيز الجهود لتجسيد مشروع التكامل الاقتصادي العربي وفق رؤية شاملة تكفل الاستغلال الأمثل لمقومات الاقتصاديات العربية بهدف التفعيل الكامل لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تمهيدا لإقامة الاتحاد الجمركي العربي، كما دعت القمة ضرورة مشاركة الدول العربية في صياغة معالم المنظومة الدولية الجديدة لعالم ما بعد وباء كورونا والحرب في أوكرانيا كمجموعة منسجمة لتقديم مساهمة ايجابية في الخصوص مع الالتزام بمبادئ عدم الانحياز بالموقف العربي المشترك من الحرب في أوكرانيا الذي يقوم على نبذ استعمال القوة والسعي لتفعيل خيار السلام من خلال مجموعة الاتصال العربية التي تضم بلدان (الجزائر، مصر،الأردن، الإمارات العربية المتحدة، السودان، العراق والأمين العام لجامعة الدول العربية) للجهود الرامية لبلورة حل سياسي للازمة بتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة ويراعي الشواغل الأمنية للدول المعنية ... فالمطلوب على اثر ما تقدم بضرورة تجسيم قرارات القمة على أرض الواقع.
نؤكد اليوم أن ما يجمع الدول والشعوب العربية أكثر مما يفرقها بفضل قوة الروابط العريقة والتاريخ والمصير المشترك، إلا أن استمرار الصراعات في المنطقة ساهم في استنزاف الكثير من الطاقات العربية، الشيء الذي أتاح التدخل في شؤون المنطقة بسبب ضعف التضامن العربي الذي حول المنطقة العربية ساحات للصراعات الدولية الإقليمية، والنزاعات المذهبية والطائفية، وملاذات للتنظيمات الإرهابية التي تهدد أمن واستقرار البلدان العربية ونأمل اليوم وبعد اختتام القمة وما تضمنه إعلان الجزائر من قرارات، وبعد دخول العالم اليوم في مرحلة جديدة من التاريخ مختلفة عن المراحل السابقة ، وإن كانت هناك جملة من القضايا الشائكة على المستوى العالمي نؤكد أنه لا يمكن أن تكون على حساب البلدان العربية مثل قضايا الفقر والبطالة ... فالدول العربية يتعين طرحها متوحدة ومجتمعة بتعزيز صفها ولإيجاد الحلول بشأنها لا مفروضة من طرف بلدان الشمال التي تطرح الحلول وفق غاياتها متناسية ما تضمنه ميثاق ومبادئ الأمم المتحدة خصوصا مع احتداد حالة الاستقطاب الدولي بعد الحرب على أوكرانيا اليوم وتداعيات هذا الصراع على البلدان العربية المتعين عليها مزيد الالتفاف مع بعضها لتكوين محور وقطب جديد عربي يكون له دورا فاعلا ووازنا في إطار العلاقات الدولية.