إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

إجهاض في الغرف المغلقة.. أجنة مدفونة في "المحابس" و"المزابل".. والجناة أطباء !!

تونس-الصباح

داخل الغرف المغلقة ترتكب جرائم وتزهق أرواح لم تر النور بعد، أجنة تقتل في أرحام أمهاتهم ثم تدفن في "المحابس" وترمى في "المزابل" .. وأطباء كسروا قسم "أبقراط" ليتحولوا الى جلادين يزهقون الأرواح طيلة اليوم ثم يعودون مساء الى منازلهم ويناموا هنيئين، بعد أن خلصوا أم عزباء أو حتى متزوجة من "روح" تحركت في أحشائها نتيجة لعلاقة جنسية غير محسوبة العواقب، فالطبيب له هدف وهو ضخ الأموال في رصيده والأم لديها هدف التخلص من عبء الجنين.

أطباء يعملون في السر وفي ظروف صحية غير آمنة كشف أمرهم عن طريق الصدفة وأحيانا إثر تتبعات أمنية.

ولئن كانت تونس استثناء باعتبارها شرعت الإجهاض منذ سنة 1973 إذ يحق لكل امرأة الإجهاض مجانا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل إما عن طريق الشفط (الإجهاض الجراحي) أو عن طريق الإجهاض الدوائي، غير أن الإقبال على الإجهاض بطرق غير قانونية في تزايد وهو واقع أثبتته ملفات قضائية ومحاضر أمنية.

إذ تضطرّ العديد من النساء الراغبات في الإجهاض خصوصاً ممن تجاوزت مدّة حملهنّ الثلاثة أشهر إلى الذهاب إلى العيادات الخاصة المخالفة للقانون والساعية لتحقيق أرباح مالية كبيرة، لتحدث داخل تلك العيادات فظائع وجرائم لا يغفرها القانون ولن ينساها التاريخ.

"الصباح" سلطت الضوء على الظاهرة من خلال الملف التالي..

إعداد: مفيدة القيزاني - فاطمة الجلاصي

 

أطباء الإجهاض.. والأجنة المتناثرة

حادثة صادمة وفضيحة مدوية اهتزت لها مؤخرا مدينة بنزرت، انكشفت خيوطها إثر مباراة النادي البنزرتي وضيفه الترجي الرياضي عندنا جدت مناوشات وسط المدينة وفي الأثناء ألقى شاب "محبسا" من سطح عمارة لتكون الصدمة حيث تناثرت خمسة أجنة غير مكتملة النمو من "المحبس"

وعندما تحول قاضي التحقيق بالمحكمة الإبتدائية ببنزرت رفقة مساعد وكيل الجمهورية على عين المكان عاينا جثث لـ5 أجنة مختلفة الاحجام وحديثة الولادة ملقاة أرضا.

فتم نقل الأجنة الخمسة الى المستشفى الجامعي الحبيب بوقطفة وعرضها على الطبيب الشرعي للتشريح، ليتم بعد ذلك الإذن بفتح بحث تحقيقي في هذه القضيّة من أجل تعمّد إسقاط حمل ظاهر في غير الصور القانونية، وإعدام واخفاء ما ثبتت به الجريمة قبل وضع يد السلطة عليه، ونقل واخفاء واتلاف جثة بقصد إخفاء موت صاحبها والمشاركة في ذلك، طبقا للفصول 32 و158 و170 و214 من المجلة الجزائية،

وبعد جملة من التحريات تبين أن طبيبا في الثمانين من عمره مورط في العملية وله عيادة بنفس العمارة ويبدو أنه كان يقوم بعمليات إجهاض غير قانونية ثم يتولى دفن الأجنة في "محابس" بسطح العمارة وقد تم ايقافه في انتظار استكمال التحريات معه.

هذا الطبيب لم يكن هو السباق في الخروج عن القانون وفي كسر قسم "أبقراط" فقد سبقه الى الفضيحة طبيبا آخر قام سنة 2017 بما يزيد عن 15 عملية إجهاض غير قانونية في منطقة السيجومي بالعاصمة ثم يقوم بطمس الجريمة من خلال إخفاء جثث الأجنة وذلك بعد أن كشفته كاميرا مثبتة بأحد الأنهج بجهة باب سعدون وهو يقوم بوضع جثتي رضيعين في سطل تحت حائط ثم يغادر المكان على متن سيارته.

وكشفت الأبحاث حينها أن هذا الطبيب يعمل إطارا طبيا مختصا في التوليد بمستشفى عزيزة عثمانة وقد اعترف بإجراء 15 عملية إجهاض في منازل الفتيات أو في منزل أجّره للقيام بهذه العمليات.

حيث كان يقوم بإجهاض حريفاته دون استعمال أدوات طبية مكتفيا بتقديم دواء للحريفة يوما قبل إجراء الإجهاض لقتل الجنين حتى لو كان حملهن متقدما ثم يقوم بالاجهاض دون إجراء عملية جراحية وبتنظيف المكان الذي يجري داخله الإجهاض كما يتولى إلقاء الأجنة في أماكن مختلفة.

وجاء في اعترافاته أنه ومن ضمن الفتيات اللواتي اجرين عملية إجهاض فتاة تونسية كانت تعمل في المملكة العربية السعودية عادت الى تونس وأجرت عملية إجهاض ثم عادت وسافرت مجددا إلى عملها وأما بقية الحريفات فأغلبهن طالبات.

ووفق إحصائيات الديوان الوطني للأسرة والعمران البشريّ لعام 2021، فقد بلغت عدد حالات الإجهاض سنوياً 9500

بعد أن بلغ قرابة 13 ألف حالة سنويّا، أغلبها تُجرى بمراكز الصحّة العمومية وفق إحصائيات 2017، بعد حملات التوعية التي يقوم بها الديوان للضغط على النسب التي كانت مخيفة.

الاجهاض والمشرع التونسي..

القانون عدد 24 لسنة 1965 المؤرخ في 1 جويلية 1965 والمتعلق بالإجهاض يندرج في إطار حماية الطفل والمرأة، وقد أجاز المشرع التونسي الاجهاض لكنه وضع له إطارا قانونيا واضحا وزاجرا لكل من يخالفه، فإسقاط الحمل ممكن خلال الثلاثة أشهر الأولى من وجوده وفيما زاد على ذلك فالمشرع يفرض إثبات ضرر محتمل على صحة الجنين أو الأم.

وقد أُلغيت بمقتضى هذا القانون أحكام الفصل 214 من المجلة الجزائية وعدد من الفصول المكوّنة للأمر المؤرخ في 25 أفريل 1940 فيما يخص زجر إسقاط الجنين والاعتداء على الأخلاق الحميدة، ويأتي هذا القانون بتغيير هام جدا فيما يتعلق بقطع الحمل إذ يجيز القطع العمدي على شرط أن يحصل في حدود الثلاثة أشهر الأولى من الحمل ويكون للزوجين خمسة أطفال على قيد الحياة أو إذا كان يخشى على صحة الأم، كما يشترط أن يتم قطع الحمل بالوسط الاستشفائي وتحت مراقبة طبيب مختص.

ويعتبر هذا القانون متّصلا اتّصالا وثيقا بحقوق المرأة وحقوق الطفل إذ يضمن هامشا كبيرا من حرية المرأة في الإنجاب، كما يضمن حق الطفل في الحياة حتى قبل ولادته.

وينص الفصل 214 (نقح بالقانون عدد 24 لسنة 1965 المؤرخ في غرة جويلية 1965) على أن "كل من تولى أو حاول أن يتولى إسقاط حمل ظاهر أو محتمل بواسطة أطعمة أو مشروبات أو أدوية أو أية وسيلة أخرى سواء كان ذلك برضا الحامل أو بدونه يعاقب بخمسة أعوام سجنا وبخطية قدرها عشرة آلاف دينار أو بإحدى العقوبتين".

وتعاقب بعامين سجنا وبخطية قدرها ألفا دينار أو بإحدى العقوبتين المـرأة التي أسقطت حملها أو حاولت ذلك أو رضيت باستعمال ما أشير به عليها أو وقع مدها به لهذا الغرض.

و" يرخص في إبطال الحمل خلال الثلاثة أشهر الأولى منه من طرف طبيب مباشر لمهنته بصفة قانونية في مؤسسة استشفائية أو صحية أو في مصحة مرخص فيها،

كما يرخص فيه بعد الثلاثة أشهر إن خشي من مواصلة الحمل تسبب في انهيار صحة الأم أو توازنها العصبي أو كان يتوقع أن يصاب الوليد بمرض أو آفة خطيرة وفي هذه الحالة يجب أن يتم ذلك في مؤسسة مرخص فيها".

إن إبطال الحمل المشار إليه بالفقرة السابقة يجب إجراؤه بعد الاستظهار لدى الطبيب الذي سيتولى ذلك بتقرير من الطبيب الذي يباشر المعالجة (نقحت الفقرات الثلاث الأخيرة بالمرسوم عدد 2 لسنة 1973 المؤرخ في 26 سبتمبر 1973 المصادق عليه بالقانون عدد 57 لسنة 1973 المؤرخ في 19 نوفمبر 1973)

عقوبات سالبة للحرية..

ويعاقب القانون التونسي المرأة التي أجهضت أو حاولت القيام بالإجهاض بالسجن لمدة عامين وغرامة مالية قدرها 2000 دينار.

كذلك يعاقب بالسجن لمدة 5 سنوات وغرامة مالية قدرها 10000 دينار كل من ساعد على الإجهاض في تونس.

وفي القانون المقارن وتحت تأثير المجتمع المدني الفرنسي قام المشرع الفرنسي بإقرار الإجهاض الاختياري خلال عشر أسابيع الأولى من الحمل بالقانون المؤرخ في 17 جانفي 1975 إلى جانب الترخيص الممنوح للأم في إسقاط حملها لأسباب صحية وعلاجية والمنصوص عليه سابقا بالمرسوم المؤرخ في 29 جويلية 1939.

وقد اكتسى قانون سنة 1975 صبغة مؤقتة باعتباره أصدر لمدة خمسة سنوات تجريبية قبل أن ينسخه قانون 31 ديسمبر 1979 وليصدر قانون 4 جويلية 2001 والذي جعل المدة المتسامح فيها من عشرة أسابيع إلى 12 شهرا.

 

الشيخ بلقاسم القاسمي لـ"لصباح": الاجهاض استهداف لنفس بشرية لذلك حرمه الإسلام..ولا يمكن إسقاط الحمل الا اذا كان هناك "مبرر صحي" يهدد حياة "الأصل"

 

حكم الإجهاض في الإسلام هو مسألة فقهية تحدثت عنها الأحاديث النبوية وعلماء الدين المسلمين والفقهاء، ولم يتطرق القرآن إلى الإجهاض بشكل مباشر، ولكن علماء المسلمين الذين يرون تحريم الإجهاض مطلقًا يستدلون بآيات تحريم قتل النفس وإهلاك الحرث والنسل، مثل الآية 205 من سورة البقرة " وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ" وقوله تعالى في الآية 151 من سورة الأنعام "وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ سورة الأنعام".

وحول هذه المسألة الفقهية تحدث الشيخ بلقاسم القاسمي امام خطيب ودكتور في العقيدة والفلسفة لـ"الصباح" وأوضح أن الاجهاض هو استهداف لنفس بشرية، والاستهداف ينقسم الى قسمين فإذا كان قبل نفخ الروح فيه فيسمى إنسانا بالقوة أي عنده تهيؤ واستعداد لان يكون انسانا بالفعل واذا نفخت فيه الروح أصبح انسانا بالفعل واستهدافه هو استهداف انسان واستهداف حياة انسان واستهداف مقومات الوجود الانساني من غير مبرر لذلك فهو إذن حرام،

وأوضح محدثنا أن الحرمة قطعية الا اذا كان الاصل مهدد ونحن لدينا قاعدة شرعية تقول ان الاصل مقدم على الفرع يعني نقدم الام لانها انسان فعلي موجود في الواقع، وأما الجنين فهو مازال إنسانا ينتظر أن يكون له وجود في الواقع، ولذلك فالاصل هو مقدم على الفرع، والاجهاض من غير مبرر صحي فهو حرام لانه استهداف لنفس بشرية،

الا ان الحرمة تشتد بعد نفخ الروح فيه والحديث المعروف للرسول عليه الصلاة والسلام يقول " إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفةً ، ثم يكون علقةً مثل ذلك ، ثم يكون مضغةً مثل ذلك ، ثم يُرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ، ويُؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أم سعيد".

فإذا نفخت فيه الروح كتب رزقه وكتب أجله وكتب له انه من اهل السعادة او من اهل الشقاء لأنه اصبح بذلك انسانا بالفعل واستهدافه هو استهداف لانسان ومن قتل نفسا بغير حق أو فسادا في الأرض كأنما قتل الناس جميعا، لذلك فان الاجهاض حرام ولكن تشتد الحرمة فيه بعد نفخ الروح فيه وتحديدا بعد 120 يوما.

ويرى الشيخ الدكتور بلقاسم القاسمي أنه ليس للمرأة الحق في الاجهاض الا اذا كان هناك "مبرر طبي" وله مبرر صحي يهدد صحة المرأة أو هناك خلل وتشوهات خلقية كبيرة قالها الطب وبينها من خلال التصوير والأشعة ان الجنين سيكون فيه خلل كبير وسيتعب ويتعب والديه وذلك قبل نفخ الروح فيه فيكون حينها الاجهاض مباح.

وحول سؤال توجهنا به الى الدكتور بلقاسم القاسمي حول إيجاز المشرع التونسي إسقاط الحمل خلال الثلاثة أشهر الأولى من وجوده أفادنا أن القانون يبقى صياغة بشرية ونحن نتحدث عن الحكم الشرعي والقانون يمثل وضعا وتعاقدا اجتماعيا، ولكن الحكم الشرعي يقول ان المرأة لا يحق لها ان تقوم بعملية الاجهاض من غير مبرر ويقول الله تعالى "ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق" وفي اية اخرى يقول "ولا تقتلوا اولادكم من املاق*.. اي لا تقتلوا اولادكم بسبب الفقر ولا تقتلوا اولادكم خشية من الفقر لان كل مخلوق يخلق ورزقه مكتوب.

جمعيات نسائية تتحرك للدفاع عن الحق في الإجهاض

 

تدعم العديد من الجمعيات الحقوقية النسائية في تونس حق المرأة في الإجهاض وتحاول في كل مناسبة تتاح في هذا السياق الدفاع عن حق المرأة في الإجهاض ومن بينهم مجموعة توحيدة بن الشيخ التي أصدرت بمعية عديد الجمعيات النسائية خلال شهر جوان الفارط بيانا إثر قرار المحكمة العليا الأمريكية إلغاء الحكم الذي كان يضمن حق النساء الامريكيات في الإجهاض وجاء بنص البيان :"قررت المحكمة الأمريكية العليا يوم الجمعة 24 جوان 2022 إلغاء الحكم الذي كان يضمن لقرابة نصف قرن حق النساء الامريكيات في الاجهاض رغم معارضة اليمين المحافظ لهذا الحق ليترك لكل ولاية الحق في منعه أو تقييده وليجعل هذا الحكم قرار الاجهاض الذي هو في غاية الخصوصية رهين إرادة بعض السياسيين أو المنظرين".

 وأضافت" إنه من شأن هذا القرار أن ينزع عن عمليات الاجهاض صبغتها القانونية وبذلك تتراجع الولايات المتحدة الى ما قبل الحكم التاريخي المعروف باسم "رو ضد واد" الصادر في 1973 تكريسا لـخمسين سنة من النضال من أجل حقوق المرأة".

 وعبرت المجموعة عن تضامنها مع آلاف الأمريكيات اللاتي سيفقدن حقهن القانوني في الإجهاض وذكرت بانه “لا أحد يملك الحق في إجبار المرأة أو التأثير عليها فيما تقرره شخصيا، لا دخل لحكومات أو السياسيين أو لاي شخص آخر".

واضافت المجموعة ان ” تونس كفلت للنساء حق الاجهاض في ظروف آمنة ودون شروط منذ 1973 بالمجلة الجزائية تحت مادة 214 لكن الحالة الراهنة التي هي عليها الصحة الجنسية والانجابية في تونس تدعو للحيرة نظرا لتردي أداء البرنامج الوطني للصحة الذي تدهور أيضا بسبب تداعيات أزمة كوفيد 19 فقد تقهقرت نسبة استعمال موانع الحمل منذ 2018 وارتفعت نسبة الاحتياجات غير الملباة مما ساهم في تدهور معدل استخدام وسائل منع الحمل بنسبة تقارب 50%. وأوضحت ان النفاذ المتكرر لمدخرات موانع الحمل الآمنة والناجعة مثل حبوب الاستروجين والبروجسترون وحبوب منع الحمل الطارئ (حبة اليوم التالي) والواقي الذكري ومنتجات الاجهاض الدوائي يحرم مستعملي ومستعملات هذه الوسائل من خدمات الصحة الجنسية والانجابية.

وأضافت المجموعة قائلة " ولقد لاحظنا في المؤسسات العمومية والخاصة ارتفاعا في نسب الامتناع عن القيام بعمليات الاجهاض كما قلصت الحكومة من الميزانية المرصودة للصحة الانجابية والجنسية غير معتبرة اياها من اولوياتها وحسب شهادات بعض النساء المستضعفات تبين أن الادارات تمثل لهن عائقا للتمتع بخدمات الصحة الانجابية والجنسية وتكلفهن مادياً ومعنويا اثمانا باهظة وخطيرة في بعض الأحيان.

وفي هذا الإطار دعت مجموعة توحيدة بن الشيخ أن يكفل الدستور الجديد للمرأة الحق في صحة جنسية وانجابية، ودعت المؤسسات العمومية أن تحفظ لنساء تونس حقوقها الجنسية والانجابية وخاصة حق الاجهاض القانوني والآمن برعايته والدفاع عنه وتطبيقه.

وقالت " لنتحد جميعا مساندة للنساء الأمريكيات ولنشارك من أجل أن يكون الحق في الاجهاض من ضمن مجموع الحقوق الجنسية والانجابية ومن أجل أن يكون حقاً غير قابل للتصرف".

حركات نسوية عالمية مناهضة للاجهاض

 وبالتوازي مع وجود جمعيات نسائية دعمت الحق في الإجهاض هناك جمعيات أخرى بالخارج مناهضة للإجهاض وتعرف بالحركة النسوية المناهضة للإجهاض التي قد تعتقد أن المبادئ التي تقوم عليها حقوق المرأة تدعوهن كذلك إلى معارضة الإجهاض لأسباب تتعلق بالحق في الحياة، ولأن الإجهاض يضر بالنساء أكثر مما يفيدهن.

وتستشهد الحركة النسوية الحديثة المناهضة للإجهاض بسابقتها في القرن التاسع عشر تلك الحركة التي بدأت تتشكل إلى منتصف سبعينيات القرن التاسع عشر مع تأسيس منظمة نسويات من أجل الحياة في الولايات المتحدة (إي إف إل)، وتأسيس منظمة المرأة من أجل الحياة في بريطانيا العظمى وذلك في خضم التغييرات القانونية التي سمحت بالإجهاض على نطاق واسع في تلك البلاد وتُعد (إي إف إل) ومنظمة (سوزان بي. أنتوني ليست) أبرز منظمتين معارضتين للإجهاض في الولايات المتحدة وتشمل المنظمات النسوية الأخرى المناهضة للإجهاض نسويات الموجة الجديدة ونسويات من أجل الخيارات اللاعنفية.

وتنظر النسويات المناهضات للإجهاض إلى الخيار القانوني المؤيد للإجهاض على أنه خيار يدعم المواقف والسياسات الاجتماعية المناهضة للأمومة وخيار يحد من احترام مواطنة المرأة وتعتقد النسويات المناهضات للإجهاض بأن الإجهاض هو إجراء يمليه المجتمع.

وفي هذا الصدد تقول لوري أوكس أستاذة مساعدة في الدراسات النسوية في جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا، بأنه عندما يكون الإجهاض قانونيًا فإن ذلك من شأنه أن يجعل النسويات المناهضات للإجهاض تعتقدن بـ«أن النساء تملن إلى اعتبار الحمل والأمومة عقبة أمام المشاركة الكاملة في التعليم وفي مكان العمل»، وتصف «لوري أوكس» النسويات المناهضات للإجهاض في إيرلندا بأنهن «مواليات للأمومة» أكثر من كونهن "مواليات للمرأة"

وكتبت أوكس أنه في حين تُثّمن مناهضات الإجهاض الإيرلنديات حمل ورعاية الأطفال وينتقدن فكرة أن للمرأة «الحق في هوية خارج الأمومة»، فإن البعض أيضًا، مثل بريدا أوبراين، مؤسِّسة منظمة نسويات من أجل الحياة في إيرلندا فانها تقدم حججًا مستوحاة من الحركة النسوية مفادها أن مساهمات المرأة في المجتمع لا تقتصر على مثل هذه الوظائف.

ولا تميز المنظمات النسوية المناهضة للإجهاض في العموم بين وجهات النظر المتعلقة بالإجهاض كمسألة قانونية والإجهاض كمسألة أخلاقية والإجهاض كإجراء طبي في حين يُجرى هذا التمييز من قبل العديد من النساء، على سبيل المثال، النساء اللاتي لا تلجأن إلى الإجهاض ولكن تفضلن أن يظل إجراء الإجهاض متاحًا قانونيًا.

وتسعى المنظمات النسوية المناهضة للإجهاض إلى شخصنة الإجهاض عن طريق استخدام النساء اللاتي بالكاد «نجون» من عمليات الإجهاض في محاولة لإقناع الآخرين بحجتهن.

وتسعى منظمات نسوية أمريكية بارزة مناهضة للإجهاض إلى القضاء على الإجهاض في الولايات المتحدة، وذكرت منظمة (سوزان بي. أنتوني ليست) أن القضاء على الإجهاض هو «هدفها النهائي»، وقالت «سيرين فوستر» رئيسة منظمة (إي إف إل) إن المنظمة «تعارض الإجهاض في جميع الحالات، وذلك لأن العنف يُعد انتهاكًا للمبادئ النسوية الأساسية".

ائتلاف للدفاع عن حق المرأة في الاجهاض

وفي ذات السياق أسست سنة 2019 الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية "مالي"، تحالف شمال إفريقيا من أجل الحق في الإجهاض "CoDAVAN"، من أجل "التعريف بحق جميع النساء في الإجهاض بوصفه حقا إنسانيا عالميا غير قابل للمصادرة"، حسب ما جاء به البيان التأسيسي.

واعتبر الائتلاف المغاربي للدفاع عن حق النساء في الإجهاض الآمن صلب بيانه بان الحق في الإجهاض يعزز استقلالية المرأة بجسدها وحقها في اختيار ما يناسبها والإنجاب أو الإجهاض بطرق آمنة محمية دون حواجز أو معيقات قانونية تمنع ذلك أو تجرمه، معتبرا أن حق المرأة في الإجهاض "هو حق من حقوق المرأة الشخصية والكونية الذي يجب الدفاع عنه كباقي الحقوق الأخرى.

ودعا الائتلاف إلى ضرورة الالتزام بهذه المبادئ بالنسبة لجميع دول شمال إفريقيا، بغض النظر عن أي اعتبارات سياسية أو اقتصادية أو دينية، ومن أبرز الأهداف التي وضعها التحالف "عقد شراكات واتفاقيات مع مهنيين في قطاع الصحة وأخصائيين لتقديم إحصائيات ومعطيات دقيقة بخصوص عمليات التوقيف الطبي للحمل، وعن حقوق الإنسان المكفولة حسب المواثيق الدولية بشكل عام.

عوائق قانونية..

وفي ذات السياق أفاد تقرير بعنوان "الإجهاض في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، أعدّه صندوق الأمم المتحدة للسكان، بأن 1.5 مليون حالة إجهاض أجريت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في بيئة غير صحية ومن قبل أشخاص يفتقرون إلى المهارات، مما تسبب في وفاة 11 في المائة من الأمهات سنة 2004، وجاء بالتقرير أن جميع عمليات الإجهاض غير الآمنة تحدث في البلدان النامية بنسبة 98 بالمائة، حيث تكون قوانين الإجهاض مقيِّدةً، وأن واحدةً من كل أربعة سيدات تقوم بإجهاض غير آمن وتتعرض لمضاعفات تهدد حياتها.

كما بيّن التقرير أن المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تواجه عوائق قانونيةً ضد الإجهاض، لأن 80 بالمائة منهن يعشن في بلدان تقيّد الإجهاض، و55 بالمائة يعشن في بلدان يُحظر فيها الإجهاض إلا لإنقاذ الأم، و24 بالمائة يعشن في بلدان يُسمح فيها بالإجهاض للحفاظ على الصحة البدنية والعقلية للأم، و20 بالمائة يعشن في تونس وتركيا وهما الدولتان الوحيدتان اللتان تسمحان بالإجهاض بشكل قانوني بناءً على طلب الأم.

وخلص التقرير إلى أن القانون التونسي الذي يبيح الإجهاض اختفت بموجبه حالات الإجهاض غير الآمن، وأصبحت العملية تتم بمعايير طبية مرتفعة، كما ساهمت في انخفاض معدل الإجهاض من 11 إلى سبعة حالات إجهاض لكل ألف امرأة بين سنتي 1990 و2004 ولاحظ التقرير بأن تونس أول دولة تسمح بالإجهاض الدوائي كبديل للطرق الجراحية منذ سنة 2001.

 

الكاتبة العامة لمجموعة توحيدة بن الشيخ لـ"الصباح" : النقص في الدواء وامتناع بعض الأطباء من أبرز الصعوبات التي تواجه الراغبات في الاجهاض

 

وحول واقع الإجهاض في تونس وأهم الصعوبات التي تواجهها المرأة في هذا الصدد ذكرت الدكتورة سلمى الحجري الكاتبة العامة لمجموعة توحيدة بن الشيخ في تصريح لـ" الصباح" بأنه من الناحية القانونية فان الإجهاض بعد حمل ثلاثة أشهر لا يكون الا تحت إشراف إطار طبي مع الاخذ بعدة اعتبارات وهي ان تكون صحة المرأة او المولود الذي لم يتكون بعد تمنع من مواصلة الحمل وهذا النوع من الاجهاض ليس ممنوعا تماما ولكنه ممنوع اذا لم يكن هناك "سبب طبي" لذلك.

 اما قبل الثلاثة أشهر من الحمل فالاجهاض مسموح في كل الحالات دون أي تدخل من اي طرف فالمرأة تستطيع أن تقرر القيام بالإجهاض الذي يجب أن يكون من طرف طبيب في القطاع العام أو الخاص.

وأكدت الحجري بأنهم يرون بان المرأة يجب أن تتحكم في جسدها ولا أحد يستطيع أن ينتزع منها هذا الحق لأنها هي أدرى شخص بما يصلح بها، اما بالنسبة للإجهاض فهو حق في تونس منذ اكثر من أربعين سنة فمنذ سنة 1973 أصبح الإجهاض حقا من حقوق المرأة التونسية وهو موجود ومتوفر في البلاد وهم يدافعون عن هذا الحق لانه من الأشياء التي يجب أن تتمكن بها المرأة لكي تستطيع أن تحقق حياتها وتكونها مثل ما تريد.

نقص في الدواء..

أما بالنسبة لتوفر خدمات الإجهاض من عدمها فذكرت الحجري بأن المشكل حاليا هو أن الإجهاض غير موجود في المستشفيات بل هو موجود فقط في مصحة التنظيم العائلي وهو يتم بطريقتين وهما التدخل شبه الجراحي اما الطريقة الثانية فهي ان يتم الإجهاض عن طريق تناول الحبوب وأوضحت محدثتنا في خصوص الطريقة الثانية بأن هناك نقصا كبيرا في الحبوب يعود إلى عدة أسباب وهي ان الدواء غير متوفر بصفة دائمة وهناك نقص فيه في بلادنا وتحديدا دواء الإجهاض.

كما أنه في التنظيم العائلي هناك صعوبات تتعرض لها النساء لان بعض الأطباء والممرضين يمكن أن يرفضوا تمكين النساء من حبوب الإجهاض او القيام بعملية الإجهاض في حد ذاتها فالمرأة يمكن أن تجد صعوبات في القيام بالإجهاض في الوقت الذي ترغب فيه.

وأضافت الحجري بأن الإجهاض مرخص في تونس بصفة رسمية ومتوفر في القطاعين الخاص والعمومي ولكن الفتيات العازبات والفتيات القاصرات اللواتي اعمارهن دون 18 سنة فيواجهن مشكلا كبيرا فعندما يتفطن إلى انهن حوامل وللقيام بعملية الإجهاض يجب أن يحصلن على ترخيص من والديهما ومن السلط وهذا يمثل مشكلا في حد ذاته باعتبار أن الفتاة يجب أن تقوم بعملية الإجهاض حال تفطنها للحمل ولا يمكنها الانتظار طويلا لان الوقت ليس في صالحها باعتبار أن الجنين يكبر في بطنها ويمكن ان يصبح غير متاح اجهاضه في حال تقدم الوقت وتجاوز الوقت المصرح.

واوضحت بأنه خاصة بالنسبة للفتيات القاصرات فعندما تتدخل السلط تصبح المسألة صعبة جدا فهؤلاء الفتيات يتفطن لانفسهن حوامل ولا يمكنهن إيقاف هذا الحمل، وأضافت كذلك بأنه عند الخروج من المدن الكبرى فان هناك أحيانا صعوبات كبرى في العثور على حبوب الإجهاض والقيام بالإجهاض حتى في القطاع الخاص وليس فقط في معاهد التنظيم العائلي بل حتى في المصحات لان الأطباء غير قادرين دائما على القيام بالإجهاض.

تراجع..

وأكدت الحجري ان الوضعية في تونس بالنسبة للإجهاض وللتنظيم العائلي أحسن بكثير من بقية البلدان ولكنها حاليا في تراجع مستمر لان عقلية الأشخاص بدورها تسير نسبيا نحو الانغلاق اذا ما تدخل الدين وكذلك بسبب تاثير المستوى العالمي الذي يسير نحو التراجع بالنسبة للدول العربية في هذا المجال.

صعوبات..

وأوضحت محدثتنا بأن هناك صعوبات جديدة تواجهها المرأة التونسية بالنسبة لخدمات الصحة الجنسية والانجابية وخاصة الإجهاض، واضافت بانهم كجمعية يدافعون عن حقوق المرأة فهم يقومون ببحوث على مستوى الصحة تتعلق بدراسة أسباب رفض الأطباء والممرضين تقديم مثل هذه الخدمات ويقومون بايصال النتائج للحكومة والمجتمع المدني كما قاموا بعديد الدراسات العلمية وقاموا بايصالها للحكومة والمجتمع المدني على المستوى الوطني والدولي كما قاموا كذلك بعديد الدورات التكوينية للممرضات والقابلات والأطباء المختصين في الصحة الجنسية والانجابية ويسمى هذا التكوين ب " clarification des valeurs" لتوضيح القيم في المستوى الطبي وعلى مستوى الممرضات لتغيير العقلية والنظرة والتشجيع على تقديم الخدمات المذكورة للنساء.

وأوضحت الحجري بأن هذا التكوين انطلقوا في القيام به منذ سنة 2013 إلى الآن وهم يتقدمون في هذا الصدد كما قاموا بصياغة ادلة تكوين عن الصحة الجنسية والانجابية مخصصين للجمعيات لفهم الصحة الجنسية والانجابية والحقوق المتعلقة بها وتبسيط هذه المفاهيم للمجتمع كما اتموا مؤخرا إعداد دليل مخصص للتغذية الجنسية والانجابية وهو دليل لتوعية الجيل الجديد بمفهوم الصحة الجنسية والانجابية وقد انطلقوا في توزيعه لدى الجمعيات وسيحاولون توزيعه اكثر ما يمكن في صفوف المجتمع.

 

 

 

 

 

 

 

 

 إجهاض في الغرف المغلقة.. أجنة مدفونة في "المحابس" و"المزابل".. والجناة أطباء !!

تونس-الصباح

داخل الغرف المغلقة ترتكب جرائم وتزهق أرواح لم تر النور بعد، أجنة تقتل في أرحام أمهاتهم ثم تدفن في "المحابس" وترمى في "المزابل" .. وأطباء كسروا قسم "أبقراط" ليتحولوا الى جلادين يزهقون الأرواح طيلة اليوم ثم يعودون مساء الى منازلهم ويناموا هنيئين، بعد أن خلصوا أم عزباء أو حتى متزوجة من "روح" تحركت في أحشائها نتيجة لعلاقة جنسية غير محسوبة العواقب، فالطبيب له هدف وهو ضخ الأموال في رصيده والأم لديها هدف التخلص من عبء الجنين.

أطباء يعملون في السر وفي ظروف صحية غير آمنة كشف أمرهم عن طريق الصدفة وأحيانا إثر تتبعات أمنية.

ولئن كانت تونس استثناء باعتبارها شرعت الإجهاض منذ سنة 1973 إذ يحق لكل امرأة الإجهاض مجانا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل إما عن طريق الشفط (الإجهاض الجراحي) أو عن طريق الإجهاض الدوائي، غير أن الإقبال على الإجهاض بطرق غير قانونية في تزايد وهو واقع أثبتته ملفات قضائية ومحاضر أمنية.

إذ تضطرّ العديد من النساء الراغبات في الإجهاض خصوصاً ممن تجاوزت مدّة حملهنّ الثلاثة أشهر إلى الذهاب إلى العيادات الخاصة المخالفة للقانون والساعية لتحقيق أرباح مالية كبيرة، لتحدث داخل تلك العيادات فظائع وجرائم لا يغفرها القانون ولن ينساها التاريخ.

"الصباح" سلطت الضوء على الظاهرة من خلال الملف التالي..

إعداد: مفيدة القيزاني - فاطمة الجلاصي

 

أطباء الإجهاض.. والأجنة المتناثرة

حادثة صادمة وفضيحة مدوية اهتزت لها مؤخرا مدينة بنزرت، انكشفت خيوطها إثر مباراة النادي البنزرتي وضيفه الترجي الرياضي عندنا جدت مناوشات وسط المدينة وفي الأثناء ألقى شاب "محبسا" من سطح عمارة لتكون الصدمة حيث تناثرت خمسة أجنة غير مكتملة النمو من "المحبس"

وعندما تحول قاضي التحقيق بالمحكمة الإبتدائية ببنزرت رفقة مساعد وكيل الجمهورية على عين المكان عاينا جثث لـ5 أجنة مختلفة الاحجام وحديثة الولادة ملقاة أرضا.

فتم نقل الأجنة الخمسة الى المستشفى الجامعي الحبيب بوقطفة وعرضها على الطبيب الشرعي للتشريح، ليتم بعد ذلك الإذن بفتح بحث تحقيقي في هذه القضيّة من أجل تعمّد إسقاط حمل ظاهر في غير الصور القانونية، وإعدام واخفاء ما ثبتت به الجريمة قبل وضع يد السلطة عليه، ونقل واخفاء واتلاف جثة بقصد إخفاء موت صاحبها والمشاركة في ذلك، طبقا للفصول 32 و158 و170 و214 من المجلة الجزائية،

وبعد جملة من التحريات تبين أن طبيبا في الثمانين من عمره مورط في العملية وله عيادة بنفس العمارة ويبدو أنه كان يقوم بعمليات إجهاض غير قانونية ثم يتولى دفن الأجنة في "محابس" بسطح العمارة وقد تم ايقافه في انتظار استكمال التحريات معه.

هذا الطبيب لم يكن هو السباق في الخروج عن القانون وفي كسر قسم "أبقراط" فقد سبقه الى الفضيحة طبيبا آخر قام سنة 2017 بما يزيد عن 15 عملية إجهاض غير قانونية في منطقة السيجومي بالعاصمة ثم يقوم بطمس الجريمة من خلال إخفاء جثث الأجنة وذلك بعد أن كشفته كاميرا مثبتة بأحد الأنهج بجهة باب سعدون وهو يقوم بوضع جثتي رضيعين في سطل تحت حائط ثم يغادر المكان على متن سيارته.

وكشفت الأبحاث حينها أن هذا الطبيب يعمل إطارا طبيا مختصا في التوليد بمستشفى عزيزة عثمانة وقد اعترف بإجراء 15 عملية إجهاض في منازل الفتيات أو في منزل أجّره للقيام بهذه العمليات.

حيث كان يقوم بإجهاض حريفاته دون استعمال أدوات طبية مكتفيا بتقديم دواء للحريفة يوما قبل إجراء الإجهاض لقتل الجنين حتى لو كان حملهن متقدما ثم يقوم بالاجهاض دون إجراء عملية جراحية وبتنظيف المكان الذي يجري داخله الإجهاض كما يتولى إلقاء الأجنة في أماكن مختلفة.

وجاء في اعترافاته أنه ومن ضمن الفتيات اللواتي اجرين عملية إجهاض فتاة تونسية كانت تعمل في المملكة العربية السعودية عادت الى تونس وأجرت عملية إجهاض ثم عادت وسافرت مجددا إلى عملها وأما بقية الحريفات فأغلبهن طالبات.

ووفق إحصائيات الديوان الوطني للأسرة والعمران البشريّ لعام 2021، فقد بلغت عدد حالات الإجهاض سنوياً 9500

بعد أن بلغ قرابة 13 ألف حالة سنويّا، أغلبها تُجرى بمراكز الصحّة العمومية وفق إحصائيات 2017، بعد حملات التوعية التي يقوم بها الديوان للضغط على النسب التي كانت مخيفة.

الاجهاض والمشرع التونسي..

القانون عدد 24 لسنة 1965 المؤرخ في 1 جويلية 1965 والمتعلق بالإجهاض يندرج في إطار حماية الطفل والمرأة، وقد أجاز المشرع التونسي الاجهاض لكنه وضع له إطارا قانونيا واضحا وزاجرا لكل من يخالفه، فإسقاط الحمل ممكن خلال الثلاثة أشهر الأولى من وجوده وفيما زاد على ذلك فالمشرع يفرض إثبات ضرر محتمل على صحة الجنين أو الأم.

وقد أُلغيت بمقتضى هذا القانون أحكام الفصل 214 من المجلة الجزائية وعدد من الفصول المكوّنة للأمر المؤرخ في 25 أفريل 1940 فيما يخص زجر إسقاط الجنين والاعتداء على الأخلاق الحميدة، ويأتي هذا القانون بتغيير هام جدا فيما يتعلق بقطع الحمل إذ يجيز القطع العمدي على شرط أن يحصل في حدود الثلاثة أشهر الأولى من الحمل ويكون للزوجين خمسة أطفال على قيد الحياة أو إذا كان يخشى على صحة الأم، كما يشترط أن يتم قطع الحمل بالوسط الاستشفائي وتحت مراقبة طبيب مختص.

ويعتبر هذا القانون متّصلا اتّصالا وثيقا بحقوق المرأة وحقوق الطفل إذ يضمن هامشا كبيرا من حرية المرأة في الإنجاب، كما يضمن حق الطفل في الحياة حتى قبل ولادته.

وينص الفصل 214 (نقح بالقانون عدد 24 لسنة 1965 المؤرخ في غرة جويلية 1965) على أن "كل من تولى أو حاول أن يتولى إسقاط حمل ظاهر أو محتمل بواسطة أطعمة أو مشروبات أو أدوية أو أية وسيلة أخرى سواء كان ذلك برضا الحامل أو بدونه يعاقب بخمسة أعوام سجنا وبخطية قدرها عشرة آلاف دينار أو بإحدى العقوبتين".

وتعاقب بعامين سجنا وبخطية قدرها ألفا دينار أو بإحدى العقوبتين المـرأة التي أسقطت حملها أو حاولت ذلك أو رضيت باستعمال ما أشير به عليها أو وقع مدها به لهذا الغرض.

و" يرخص في إبطال الحمل خلال الثلاثة أشهر الأولى منه من طرف طبيب مباشر لمهنته بصفة قانونية في مؤسسة استشفائية أو صحية أو في مصحة مرخص فيها،

كما يرخص فيه بعد الثلاثة أشهر إن خشي من مواصلة الحمل تسبب في انهيار صحة الأم أو توازنها العصبي أو كان يتوقع أن يصاب الوليد بمرض أو آفة خطيرة وفي هذه الحالة يجب أن يتم ذلك في مؤسسة مرخص فيها".

إن إبطال الحمل المشار إليه بالفقرة السابقة يجب إجراؤه بعد الاستظهار لدى الطبيب الذي سيتولى ذلك بتقرير من الطبيب الذي يباشر المعالجة (نقحت الفقرات الثلاث الأخيرة بالمرسوم عدد 2 لسنة 1973 المؤرخ في 26 سبتمبر 1973 المصادق عليه بالقانون عدد 57 لسنة 1973 المؤرخ في 19 نوفمبر 1973)

عقوبات سالبة للحرية..

ويعاقب القانون التونسي المرأة التي أجهضت أو حاولت القيام بالإجهاض بالسجن لمدة عامين وغرامة مالية قدرها 2000 دينار.

كذلك يعاقب بالسجن لمدة 5 سنوات وغرامة مالية قدرها 10000 دينار كل من ساعد على الإجهاض في تونس.

وفي القانون المقارن وتحت تأثير المجتمع المدني الفرنسي قام المشرع الفرنسي بإقرار الإجهاض الاختياري خلال عشر أسابيع الأولى من الحمل بالقانون المؤرخ في 17 جانفي 1975 إلى جانب الترخيص الممنوح للأم في إسقاط حملها لأسباب صحية وعلاجية والمنصوص عليه سابقا بالمرسوم المؤرخ في 29 جويلية 1939.

وقد اكتسى قانون سنة 1975 صبغة مؤقتة باعتباره أصدر لمدة خمسة سنوات تجريبية قبل أن ينسخه قانون 31 ديسمبر 1979 وليصدر قانون 4 جويلية 2001 والذي جعل المدة المتسامح فيها من عشرة أسابيع إلى 12 شهرا.

 

الشيخ بلقاسم القاسمي لـ"لصباح": الاجهاض استهداف لنفس بشرية لذلك حرمه الإسلام..ولا يمكن إسقاط الحمل الا اذا كان هناك "مبرر صحي" يهدد حياة "الأصل"

 

حكم الإجهاض في الإسلام هو مسألة فقهية تحدثت عنها الأحاديث النبوية وعلماء الدين المسلمين والفقهاء، ولم يتطرق القرآن إلى الإجهاض بشكل مباشر، ولكن علماء المسلمين الذين يرون تحريم الإجهاض مطلقًا يستدلون بآيات تحريم قتل النفس وإهلاك الحرث والنسل، مثل الآية 205 من سورة البقرة " وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ" وقوله تعالى في الآية 151 من سورة الأنعام "وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ سورة الأنعام".

وحول هذه المسألة الفقهية تحدث الشيخ بلقاسم القاسمي امام خطيب ودكتور في العقيدة والفلسفة لـ"الصباح" وأوضح أن الاجهاض هو استهداف لنفس بشرية، والاستهداف ينقسم الى قسمين فإذا كان قبل نفخ الروح فيه فيسمى إنسانا بالقوة أي عنده تهيؤ واستعداد لان يكون انسانا بالفعل واذا نفخت فيه الروح أصبح انسانا بالفعل واستهدافه هو استهداف انسان واستهداف حياة انسان واستهداف مقومات الوجود الانساني من غير مبرر لذلك فهو إذن حرام،

وأوضح محدثنا أن الحرمة قطعية الا اذا كان الاصل مهدد ونحن لدينا قاعدة شرعية تقول ان الاصل مقدم على الفرع يعني نقدم الام لانها انسان فعلي موجود في الواقع، وأما الجنين فهو مازال إنسانا ينتظر أن يكون له وجود في الواقع، ولذلك فالاصل هو مقدم على الفرع، والاجهاض من غير مبرر صحي فهو حرام لانه استهداف لنفس بشرية،

الا ان الحرمة تشتد بعد نفخ الروح فيه والحديث المعروف للرسول عليه الصلاة والسلام يقول " إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفةً ، ثم يكون علقةً مثل ذلك ، ثم يكون مضغةً مثل ذلك ، ثم يُرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ، ويُؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أم سعيد".

فإذا نفخت فيه الروح كتب رزقه وكتب أجله وكتب له انه من اهل السعادة او من اهل الشقاء لأنه اصبح بذلك انسانا بالفعل واستهدافه هو استهداف لانسان ومن قتل نفسا بغير حق أو فسادا في الأرض كأنما قتل الناس جميعا، لذلك فان الاجهاض حرام ولكن تشتد الحرمة فيه بعد نفخ الروح فيه وتحديدا بعد 120 يوما.

ويرى الشيخ الدكتور بلقاسم القاسمي أنه ليس للمرأة الحق في الاجهاض الا اذا كان هناك "مبرر طبي" وله مبرر صحي يهدد صحة المرأة أو هناك خلل وتشوهات خلقية كبيرة قالها الطب وبينها من خلال التصوير والأشعة ان الجنين سيكون فيه خلل كبير وسيتعب ويتعب والديه وذلك قبل نفخ الروح فيه فيكون حينها الاجهاض مباح.

وحول سؤال توجهنا به الى الدكتور بلقاسم القاسمي حول إيجاز المشرع التونسي إسقاط الحمل خلال الثلاثة أشهر الأولى من وجوده أفادنا أن القانون يبقى صياغة بشرية ونحن نتحدث عن الحكم الشرعي والقانون يمثل وضعا وتعاقدا اجتماعيا، ولكن الحكم الشرعي يقول ان المرأة لا يحق لها ان تقوم بعملية الاجهاض من غير مبرر ويقول الله تعالى "ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق" وفي اية اخرى يقول "ولا تقتلوا اولادكم من املاق*.. اي لا تقتلوا اولادكم بسبب الفقر ولا تقتلوا اولادكم خشية من الفقر لان كل مخلوق يخلق ورزقه مكتوب.

جمعيات نسائية تتحرك للدفاع عن الحق في الإجهاض

 

تدعم العديد من الجمعيات الحقوقية النسائية في تونس حق المرأة في الإجهاض وتحاول في كل مناسبة تتاح في هذا السياق الدفاع عن حق المرأة في الإجهاض ومن بينهم مجموعة توحيدة بن الشيخ التي أصدرت بمعية عديد الجمعيات النسائية خلال شهر جوان الفارط بيانا إثر قرار المحكمة العليا الأمريكية إلغاء الحكم الذي كان يضمن حق النساء الامريكيات في الإجهاض وجاء بنص البيان :"قررت المحكمة الأمريكية العليا يوم الجمعة 24 جوان 2022 إلغاء الحكم الذي كان يضمن لقرابة نصف قرن حق النساء الامريكيات في الاجهاض رغم معارضة اليمين المحافظ لهذا الحق ليترك لكل ولاية الحق في منعه أو تقييده وليجعل هذا الحكم قرار الاجهاض الذي هو في غاية الخصوصية رهين إرادة بعض السياسيين أو المنظرين".

 وأضافت" إنه من شأن هذا القرار أن ينزع عن عمليات الاجهاض صبغتها القانونية وبذلك تتراجع الولايات المتحدة الى ما قبل الحكم التاريخي المعروف باسم "رو ضد واد" الصادر في 1973 تكريسا لـخمسين سنة من النضال من أجل حقوق المرأة".

 وعبرت المجموعة عن تضامنها مع آلاف الأمريكيات اللاتي سيفقدن حقهن القانوني في الإجهاض وذكرت بانه “لا أحد يملك الحق في إجبار المرأة أو التأثير عليها فيما تقرره شخصيا، لا دخل لحكومات أو السياسيين أو لاي شخص آخر".

واضافت المجموعة ان ” تونس كفلت للنساء حق الاجهاض في ظروف آمنة ودون شروط منذ 1973 بالمجلة الجزائية تحت مادة 214 لكن الحالة الراهنة التي هي عليها الصحة الجنسية والانجابية في تونس تدعو للحيرة نظرا لتردي أداء البرنامج الوطني للصحة الذي تدهور أيضا بسبب تداعيات أزمة كوفيد 19 فقد تقهقرت نسبة استعمال موانع الحمل منذ 2018 وارتفعت نسبة الاحتياجات غير الملباة مما ساهم في تدهور معدل استخدام وسائل منع الحمل بنسبة تقارب 50%. وأوضحت ان النفاذ المتكرر لمدخرات موانع الحمل الآمنة والناجعة مثل حبوب الاستروجين والبروجسترون وحبوب منع الحمل الطارئ (حبة اليوم التالي) والواقي الذكري ومنتجات الاجهاض الدوائي يحرم مستعملي ومستعملات هذه الوسائل من خدمات الصحة الجنسية والانجابية.

وأضافت المجموعة قائلة " ولقد لاحظنا في المؤسسات العمومية والخاصة ارتفاعا في نسب الامتناع عن القيام بعمليات الاجهاض كما قلصت الحكومة من الميزانية المرصودة للصحة الانجابية والجنسية غير معتبرة اياها من اولوياتها وحسب شهادات بعض النساء المستضعفات تبين أن الادارات تمثل لهن عائقا للتمتع بخدمات الصحة الانجابية والجنسية وتكلفهن مادياً ومعنويا اثمانا باهظة وخطيرة في بعض الأحيان.

وفي هذا الإطار دعت مجموعة توحيدة بن الشيخ أن يكفل الدستور الجديد للمرأة الحق في صحة جنسية وانجابية، ودعت المؤسسات العمومية أن تحفظ لنساء تونس حقوقها الجنسية والانجابية وخاصة حق الاجهاض القانوني والآمن برعايته والدفاع عنه وتطبيقه.

وقالت " لنتحد جميعا مساندة للنساء الأمريكيات ولنشارك من أجل أن يكون الحق في الاجهاض من ضمن مجموع الحقوق الجنسية والانجابية ومن أجل أن يكون حقاً غير قابل للتصرف".

حركات نسوية عالمية مناهضة للاجهاض

 وبالتوازي مع وجود جمعيات نسائية دعمت الحق في الإجهاض هناك جمعيات أخرى بالخارج مناهضة للإجهاض وتعرف بالحركة النسوية المناهضة للإجهاض التي قد تعتقد أن المبادئ التي تقوم عليها حقوق المرأة تدعوهن كذلك إلى معارضة الإجهاض لأسباب تتعلق بالحق في الحياة، ولأن الإجهاض يضر بالنساء أكثر مما يفيدهن.

وتستشهد الحركة النسوية الحديثة المناهضة للإجهاض بسابقتها في القرن التاسع عشر تلك الحركة التي بدأت تتشكل إلى منتصف سبعينيات القرن التاسع عشر مع تأسيس منظمة نسويات من أجل الحياة في الولايات المتحدة (إي إف إل)، وتأسيس منظمة المرأة من أجل الحياة في بريطانيا العظمى وذلك في خضم التغييرات القانونية التي سمحت بالإجهاض على نطاق واسع في تلك البلاد وتُعد (إي إف إل) ومنظمة (سوزان بي. أنتوني ليست) أبرز منظمتين معارضتين للإجهاض في الولايات المتحدة وتشمل المنظمات النسوية الأخرى المناهضة للإجهاض نسويات الموجة الجديدة ونسويات من أجل الخيارات اللاعنفية.

وتنظر النسويات المناهضات للإجهاض إلى الخيار القانوني المؤيد للإجهاض على أنه خيار يدعم المواقف والسياسات الاجتماعية المناهضة للأمومة وخيار يحد من احترام مواطنة المرأة وتعتقد النسويات المناهضات للإجهاض بأن الإجهاض هو إجراء يمليه المجتمع.

وفي هذا الصدد تقول لوري أوكس أستاذة مساعدة في الدراسات النسوية في جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا، بأنه عندما يكون الإجهاض قانونيًا فإن ذلك من شأنه أن يجعل النسويات المناهضات للإجهاض تعتقدن بـ«أن النساء تملن إلى اعتبار الحمل والأمومة عقبة أمام المشاركة الكاملة في التعليم وفي مكان العمل»، وتصف «لوري أوكس» النسويات المناهضات للإجهاض في إيرلندا بأنهن «مواليات للأمومة» أكثر من كونهن "مواليات للمرأة"

وكتبت أوكس أنه في حين تُثّمن مناهضات الإجهاض الإيرلنديات حمل ورعاية الأطفال وينتقدن فكرة أن للمرأة «الحق في هوية خارج الأمومة»، فإن البعض أيضًا، مثل بريدا أوبراين، مؤسِّسة منظمة نسويات من أجل الحياة في إيرلندا فانها تقدم حججًا مستوحاة من الحركة النسوية مفادها أن مساهمات المرأة في المجتمع لا تقتصر على مثل هذه الوظائف.

ولا تميز المنظمات النسوية المناهضة للإجهاض في العموم بين وجهات النظر المتعلقة بالإجهاض كمسألة قانونية والإجهاض كمسألة أخلاقية والإجهاض كإجراء طبي في حين يُجرى هذا التمييز من قبل العديد من النساء، على سبيل المثال، النساء اللاتي لا تلجأن إلى الإجهاض ولكن تفضلن أن يظل إجراء الإجهاض متاحًا قانونيًا.

وتسعى المنظمات النسوية المناهضة للإجهاض إلى شخصنة الإجهاض عن طريق استخدام النساء اللاتي بالكاد «نجون» من عمليات الإجهاض في محاولة لإقناع الآخرين بحجتهن.

وتسعى منظمات نسوية أمريكية بارزة مناهضة للإجهاض إلى القضاء على الإجهاض في الولايات المتحدة، وذكرت منظمة (سوزان بي. أنتوني ليست) أن القضاء على الإجهاض هو «هدفها النهائي»، وقالت «سيرين فوستر» رئيسة منظمة (إي إف إل) إن المنظمة «تعارض الإجهاض في جميع الحالات، وذلك لأن العنف يُعد انتهاكًا للمبادئ النسوية الأساسية".

ائتلاف للدفاع عن حق المرأة في الاجهاض

وفي ذات السياق أسست سنة 2019 الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية "مالي"، تحالف شمال إفريقيا من أجل الحق في الإجهاض "CoDAVAN"، من أجل "التعريف بحق جميع النساء في الإجهاض بوصفه حقا إنسانيا عالميا غير قابل للمصادرة"، حسب ما جاء به البيان التأسيسي.

واعتبر الائتلاف المغاربي للدفاع عن حق النساء في الإجهاض الآمن صلب بيانه بان الحق في الإجهاض يعزز استقلالية المرأة بجسدها وحقها في اختيار ما يناسبها والإنجاب أو الإجهاض بطرق آمنة محمية دون حواجز أو معيقات قانونية تمنع ذلك أو تجرمه، معتبرا أن حق المرأة في الإجهاض "هو حق من حقوق المرأة الشخصية والكونية الذي يجب الدفاع عنه كباقي الحقوق الأخرى.

ودعا الائتلاف إلى ضرورة الالتزام بهذه المبادئ بالنسبة لجميع دول شمال إفريقيا، بغض النظر عن أي اعتبارات سياسية أو اقتصادية أو دينية، ومن أبرز الأهداف التي وضعها التحالف "عقد شراكات واتفاقيات مع مهنيين في قطاع الصحة وأخصائيين لتقديم إحصائيات ومعطيات دقيقة بخصوص عمليات التوقيف الطبي للحمل، وعن حقوق الإنسان المكفولة حسب المواثيق الدولية بشكل عام.

عوائق قانونية..

وفي ذات السياق أفاد تقرير بعنوان "الإجهاض في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، أعدّه صندوق الأمم المتحدة للسكان، بأن 1.5 مليون حالة إجهاض أجريت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في بيئة غير صحية ومن قبل أشخاص يفتقرون إلى المهارات، مما تسبب في وفاة 11 في المائة من الأمهات سنة 2004، وجاء بالتقرير أن جميع عمليات الإجهاض غير الآمنة تحدث في البلدان النامية بنسبة 98 بالمائة، حيث تكون قوانين الإجهاض مقيِّدةً، وأن واحدةً من كل أربعة سيدات تقوم بإجهاض غير آمن وتتعرض لمضاعفات تهدد حياتها.

كما بيّن التقرير أن المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تواجه عوائق قانونيةً ضد الإجهاض، لأن 80 بالمائة منهن يعشن في بلدان تقيّد الإجهاض، و55 بالمائة يعشن في بلدان يُحظر فيها الإجهاض إلا لإنقاذ الأم، و24 بالمائة يعشن في بلدان يُسمح فيها بالإجهاض للحفاظ على الصحة البدنية والعقلية للأم، و20 بالمائة يعشن في تونس وتركيا وهما الدولتان الوحيدتان اللتان تسمحان بالإجهاض بشكل قانوني بناءً على طلب الأم.

وخلص التقرير إلى أن القانون التونسي الذي يبيح الإجهاض اختفت بموجبه حالات الإجهاض غير الآمن، وأصبحت العملية تتم بمعايير طبية مرتفعة، كما ساهمت في انخفاض معدل الإجهاض من 11 إلى سبعة حالات إجهاض لكل ألف امرأة بين سنتي 1990 و2004 ولاحظ التقرير بأن تونس أول دولة تسمح بالإجهاض الدوائي كبديل للطرق الجراحية منذ سنة 2001.

 

الكاتبة العامة لمجموعة توحيدة بن الشيخ لـ"الصباح" : النقص في الدواء وامتناع بعض الأطباء من أبرز الصعوبات التي تواجه الراغبات في الاجهاض

 

وحول واقع الإجهاض في تونس وأهم الصعوبات التي تواجهها المرأة في هذا الصدد ذكرت الدكتورة سلمى الحجري الكاتبة العامة لمجموعة توحيدة بن الشيخ في تصريح لـ" الصباح" بأنه من الناحية القانونية فان الإجهاض بعد حمل ثلاثة أشهر لا يكون الا تحت إشراف إطار طبي مع الاخذ بعدة اعتبارات وهي ان تكون صحة المرأة او المولود الذي لم يتكون بعد تمنع من مواصلة الحمل وهذا النوع من الاجهاض ليس ممنوعا تماما ولكنه ممنوع اذا لم يكن هناك "سبب طبي" لذلك.

 اما قبل الثلاثة أشهر من الحمل فالاجهاض مسموح في كل الحالات دون أي تدخل من اي طرف فالمرأة تستطيع أن تقرر القيام بالإجهاض الذي يجب أن يكون من طرف طبيب في القطاع العام أو الخاص.

وأكدت الحجري بأنهم يرون بان المرأة يجب أن تتحكم في جسدها ولا أحد يستطيع أن ينتزع منها هذا الحق لأنها هي أدرى شخص بما يصلح بها، اما بالنسبة للإجهاض فهو حق في تونس منذ اكثر من أربعين سنة فمنذ سنة 1973 أصبح الإجهاض حقا من حقوق المرأة التونسية وهو موجود ومتوفر في البلاد وهم يدافعون عن هذا الحق لانه من الأشياء التي يجب أن تتمكن بها المرأة لكي تستطيع أن تحقق حياتها وتكونها مثل ما تريد.

نقص في الدواء..

أما بالنسبة لتوفر خدمات الإجهاض من عدمها فذكرت الحجري بأن المشكل حاليا هو أن الإجهاض غير موجود في المستشفيات بل هو موجود فقط في مصحة التنظيم العائلي وهو يتم بطريقتين وهما التدخل شبه الجراحي اما الطريقة الثانية فهي ان يتم الإجهاض عن طريق تناول الحبوب وأوضحت محدثتنا في خصوص الطريقة الثانية بأن هناك نقصا كبيرا في الحبوب يعود إلى عدة أسباب وهي ان الدواء غير متوفر بصفة دائمة وهناك نقص فيه في بلادنا وتحديدا دواء الإجهاض.

كما أنه في التنظيم العائلي هناك صعوبات تتعرض لها النساء لان بعض الأطباء والممرضين يمكن أن يرفضوا تمكين النساء من حبوب الإجهاض او القيام بعملية الإجهاض في حد ذاتها فالمرأة يمكن أن تجد صعوبات في القيام بالإجهاض في الوقت الذي ترغب فيه.

وأضافت الحجري بأن الإجهاض مرخص في تونس بصفة رسمية ومتوفر في القطاعين الخاص والعمومي ولكن الفتيات العازبات والفتيات القاصرات اللواتي اعمارهن دون 18 سنة فيواجهن مشكلا كبيرا فعندما يتفطن إلى انهن حوامل وللقيام بعملية الإجهاض يجب أن يحصلن على ترخيص من والديهما ومن السلط وهذا يمثل مشكلا في حد ذاته باعتبار أن الفتاة يجب أن تقوم بعملية الإجهاض حال تفطنها للحمل ولا يمكنها الانتظار طويلا لان الوقت ليس في صالحها باعتبار أن الجنين يكبر في بطنها ويمكن ان يصبح غير متاح اجهاضه في حال تقدم الوقت وتجاوز الوقت المصرح.

واوضحت بأنه خاصة بالنسبة للفتيات القاصرات فعندما تتدخل السلط تصبح المسألة صعبة جدا فهؤلاء الفتيات يتفطن لانفسهن حوامل ولا يمكنهن إيقاف هذا الحمل، وأضافت كذلك بأنه عند الخروج من المدن الكبرى فان هناك أحيانا صعوبات كبرى في العثور على حبوب الإجهاض والقيام بالإجهاض حتى في القطاع الخاص وليس فقط في معاهد التنظيم العائلي بل حتى في المصحات لان الأطباء غير قادرين دائما على القيام بالإجهاض.

تراجع..

وأكدت الحجري ان الوضعية في تونس بالنسبة للإجهاض وللتنظيم العائلي أحسن بكثير من بقية البلدان ولكنها حاليا في تراجع مستمر لان عقلية الأشخاص بدورها تسير نسبيا نحو الانغلاق اذا ما تدخل الدين وكذلك بسبب تاثير المستوى العالمي الذي يسير نحو التراجع بالنسبة للدول العربية في هذا المجال.

صعوبات..

وأوضحت محدثتنا بأن هناك صعوبات جديدة تواجهها المرأة التونسية بالنسبة لخدمات الصحة الجنسية والانجابية وخاصة الإجهاض، واضافت بانهم كجمعية يدافعون عن حقوق المرأة فهم يقومون ببحوث على مستوى الصحة تتعلق بدراسة أسباب رفض الأطباء والممرضين تقديم مثل هذه الخدمات ويقومون بايصال النتائج للحكومة والمجتمع المدني كما قاموا بعديد الدراسات العلمية وقاموا بايصالها للحكومة والمجتمع المدني على المستوى الوطني والدولي كما قاموا كذلك بعديد الدورات التكوينية للممرضات والقابلات والأطباء المختصين في الصحة الجنسية والانجابية ويسمى هذا التكوين ب " clarification des valeurs" لتوضيح القيم في المستوى الطبي وعلى مستوى الممرضات لتغيير العقلية والنظرة والتشجيع على تقديم الخدمات المذكورة للنساء.

وأوضحت الحجري بأن هذا التكوين انطلقوا في القيام به منذ سنة 2013 إلى الآن وهم يتقدمون في هذا الصدد كما قاموا بصياغة ادلة تكوين عن الصحة الجنسية والانجابية مخصصين للجمعيات لفهم الصحة الجنسية والانجابية والحقوق المتعلقة بها وتبسيط هذه المفاهيم للمجتمع كما اتموا مؤخرا إعداد دليل مخصص للتغذية الجنسية والانجابية وهو دليل لتوعية الجيل الجديد بمفهوم الصحة الجنسية والانجابية وقد انطلقوا في توزيعه لدى الجمعيات وسيحاولون توزيعه اكثر ما يمكن في صفوف المجتمع.