إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

661 ألف موظف.. "جيش الدولة الإداري" الذي تحوّل إلى عبء !

تونس – الصباح

بأسلوب لا يخلو من المناورة أحيانا ومحاولة تقليص وقع صدمة الإصلاحات الموجعة التي تعتزم الحكومة تنفيذها مع صندوق النقد الدولي، حاولت وزيرة المالية سهام نمصية في حوارها على قناة التاسعة شرح تفاصيل هذا الاتفاق وحيثياته وأهم بنوده للرأي العام، بعد غموض استمر إلى أسابيع بعد عودة الوفد التونسي من واشنطن وبعد أشهر من بداية مسار التفاوض الذي أثار الكثير من الجدل والرفض والنقاش.

في بداية حديثها قالت وزيرة المالية أن "المفاوضات مع صندوق النقد الدولي كانت دقيقة وصعبة باعتبار أن الجانب التونسي كان متمسكا بخياراته وأنه لم تكن هناك املاءات كما قال البعض"، حسب تعبيرها، مشيرة إلى أنّ النسخة النهائية للاتفاق مع صندوق النقد الدولي هي لدى مجلس إدارة الصندوق وهي التي ستُصادق نهائيا على الاتفاق. كما أكدت سهام نمصية أنّ الغاية من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي هو ضمان للمموّلين وللدول الشقيقة معلنة أنّ هناك وعودا بالتمويل من الشركاء الذين ظلوا ينتظرون في اتفاق تونس مع صندوق النقد الدولي وشدّدت قائلة: ''هو ضمان كي نستطيع التواصل مع شركائنا لأخذ التمويلات و1.9 مليار دولار أمريكي هو حصة تونس في التمويل وسنأخذها على أقساط والاتفاق مهم جدا للتمويل''.

ولكن رسائل الطمأنة التي بذلت وزيرة المالية جهدا لتمريرها لم تكن كافية لتخفيف وطأة الإصلاحات التي تنوي الحكومة تنفيذها في علاقة بالحياة اليومية للتونسيين ناهيك وأن هذه الإصلاحات تمس حياتهم بشكل مباشر، ومن أبرز المحاور التي تطرقت لها وزيرة المالية هي مسألة كتلة الأجور والوظيفة العمومية وهما المحوران اللذان طالما كانا ضمن اهتمامات الصندوق وضمن توصياته الأساسية لتركيز حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي التزمت بها اليوم حكومة بودن.

وقد تحدثت سهام نمصية على نقاط الضعف التي تعاني منها الوظيفة العمومية في إطار تشخيصها للوضع بشكل عام من ذلك تفاقم مسألة الانتدابات العشوائية وإسناد مواقع القيادة دون الالتزام بمعيار الكفاءة وضرورة أن يكون التأجير على أساس العمل المنجز، مشيرة إلى أن ما وصفته بالعشرية السوداء شهدت الكثير من الانتدابات العشوائية وهو ما شكّل ضغطا مضاعفا على كتلة الأجور، وأن الحكومة اليوم بصدد مراجعة القانون الأساسي للوظيفة العمومية واتخاذ جملة من الإجراءات مثل الذهاب في آلية إقرار التقاعد المبكر كما نصّ عليه قانون المالية لسنة 2022، وقالت نمصية أن الهدف من إقرار التقاعد المبكر هو خروج 6 آلاف موظف تقاعد مبكر كل سنة علما وأن أمر التقاعد المبكر لم يصدر بعد..

وترى الحكومة أن اعتماد آلية التقاعد المبكر سيضغط على كتلة الأجور بالإضافة الى إجراءات أخرى مثل التمديد في عطلة بعث مؤسسة خاصة والانتقال من العمومي إلى الخاص، كما أشارت نمصية إلى أن كتلة الأجور تلتهم حوالي 15.1 بالمائة من الناتج المحلي الخام و65 بالمائة من مداخيل الدولة وأن ترشيد هذا الأمر بات ضرورة.

وحسب احصائيات قدمتها الحكومة في 2021 فإن عدد الموظفين في تونس يبلغ 661.7 ألف موظف بكتلة أجور سنوية في حدود 20.3 مليار دينار أي ما يعادل 7.2 مليار دولار وهو ما يعادل 38 بالمائة من اجمالي الميزانية حسب تلك الإحصائيات الرسمية.

صندوق النقد وكتلة الأجور

منذ سنوات لجأت أغلب الحكومات المتعاقبة إلى تجميد الانتدابات والتعيينات وتعليق الترقيات، ومع حكومة بودن كان الاتجاه نحو تبني خيار التقاعد المبكر بشكل اختياري في الوظيفة العمومية.

ومنذ سنوات كان صندوق النقد الدولي يشدّد على ضرورة أن تجد الدولة التونسية والحكومة آليات للتحكم في تضخّم كتلة الأجور والانتدابات بمرافق الدولة وهذا الأمر ليس خاصا بتونس بل كان ضمن توصيات النقد الدولي لأكثر من حكومة عربية كانت في حاجة لدعم الصندوق مثل مصر والأردن، ويعتقد الصندوق أن الضغط على الانتدابات وترشيد التوظيف العمومي يمكن أن يكون أحد أبرز الإصلاحات التي يمكن تبنيها في ظل الحالة الاقتصادية المأزومة في المنطقة العربية.

وفي جانفي أثار تصريح جيروم فاشيه ممثل صندوق النقد الدولي في تونس عدة استفهامات وقتها عندما تحدث لوكالة الأنباء الفرنسية أنه على تونس وحتى تحصل على تمويلات دولية لاقتصادها، أن تقوم بإصلاحات عميقة وأن تخفّض من حجم قطاع الوظيفة العمومية الذي سجّل أعلى مستوياته على الصعيد العالمي. وقتها ما زالت الحكومة لم تعلن عن محادثاتها مع صندوق النقد الدولي إلا أن منظمة "أنا يقظ" نشرت حينها وثيقة سرية تتعلق بهذه المفاوضات وتتضمن الوثيقة السرية تلك تعهدات بتجميد الأجور لثلاث سنوات وتجميد الانتدابات في الوظيفة العمومية.

ولم تلتزم حكومة بودن فيما بعد بهذه الوثيقة حيث توصلت مع الاتحاد العام التونسي للشغل، منذ حوالي شهر، إلى اتفاق لزيادة أجور القطاع العام بـ3.5 بالمائة في السنوات الثلاث المقبلة، في محاولة لامتصاص غضب المنظمة النقابية، وقد تمضي الحكومة في تنفيذ التزاماتها مع صندوق النقد الدولي وتعهداتها على أمل تأمين خطة تأمين مالي بتمويل خارجي في إطار محادثات بشأن إصلاحات اقتصادية أوسع، تهدف إلى تأمين خطة إنقاذ مالي خارجية. ووفق ذلك الاتفاق فانه سيتم رفع أجور موظفي الدولة بنسبة 3.5 بالمائة بين سنتي 2023 و2025 وهذه الخطوة وإن كان الهدف منها هو التقليص من حدّة التوترات الاجتماعية، إلا أن هناك من انتقد هذه النسبة واعتبرها هزيلة جدا مع ارتفاع الأسعار وتقليص الدعم على عدة مواد أساسية..

وهو ما أعاد الجميع الى المربع الأول وهو أن الأجور حتى بالزيادات الأخيرة من الصعب ان تتحمّل عبء رفع الدعم أو ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية المفقودة في أغلبها، مما أفضى إلى مناخ اجتماعي شديد التوتر والاحتقان وغير مهيأ بالمرة لتنفيذ الإصلاحات المتفق عليها.

منية العرفاوي

 

 

 

 

661 ألف موظف.. "جيش الدولة الإداري" الذي تحوّل إلى عبء !

تونس – الصباح

بأسلوب لا يخلو من المناورة أحيانا ومحاولة تقليص وقع صدمة الإصلاحات الموجعة التي تعتزم الحكومة تنفيذها مع صندوق النقد الدولي، حاولت وزيرة المالية سهام نمصية في حوارها على قناة التاسعة شرح تفاصيل هذا الاتفاق وحيثياته وأهم بنوده للرأي العام، بعد غموض استمر إلى أسابيع بعد عودة الوفد التونسي من واشنطن وبعد أشهر من بداية مسار التفاوض الذي أثار الكثير من الجدل والرفض والنقاش.

في بداية حديثها قالت وزيرة المالية أن "المفاوضات مع صندوق النقد الدولي كانت دقيقة وصعبة باعتبار أن الجانب التونسي كان متمسكا بخياراته وأنه لم تكن هناك املاءات كما قال البعض"، حسب تعبيرها، مشيرة إلى أنّ النسخة النهائية للاتفاق مع صندوق النقد الدولي هي لدى مجلس إدارة الصندوق وهي التي ستُصادق نهائيا على الاتفاق. كما أكدت سهام نمصية أنّ الغاية من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي هو ضمان للمموّلين وللدول الشقيقة معلنة أنّ هناك وعودا بالتمويل من الشركاء الذين ظلوا ينتظرون في اتفاق تونس مع صندوق النقد الدولي وشدّدت قائلة: ''هو ضمان كي نستطيع التواصل مع شركائنا لأخذ التمويلات و1.9 مليار دولار أمريكي هو حصة تونس في التمويل وسنأخذها على أقساط والاتفاق مهم جدا للتمويل''.

ولكن رسائل الطمأنة التي بذلت وزيرة المالية جهدا لتمريرها لم تكن كافية لتخفيف وطأة الإصلاحات التي تنوي الحكومة تنفيذها في علاقة بالحياة اليومية للتونسيين ناهيك وأن هذه الإصلاحات تمس حياتهم بشكل مباشر، ومن أبرز المحاور التي تطرقت لها وزيرة المالية هي مسألة كتلة الأجور والوظيفة العمومية وهما المحوران اللذان طالما كانا ضمن اهتمامات الصندوق وضمن توصياته الأساسية لتركيز حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي التزمت بها اليوم حكومة بودن.

وقد تحدثت سهام نمصية على نقاط الضعف التي تعاني منها الوظيفة العمومية في إطار تشخيصها للوضع بشكل عام من ذلك تفاقم مسألة الانتدابات العشوائية وإسناد مواقع القيادة دون الالتزام بمعيار الكفاءة وضرورة أن يكون التأجير على أساس العمل المنجز، مشيرة إلى أن ما وصفته بالعشرية السوداء شهدت الكثير من الانتدابات العشوائية وهو ما شكّل ضغطا مضاعفا على كتلة الأجور، وأن الحكومة اليوم بصدد مراجعة القانون الأساسي للوظيفة العمومية واتخاذ جملة من الإجراءات مثل الذهاب في آلية إقرار التقاعد المبكر كما نصّ عليه قانون المالية لسنة 2022، وقالت نمصية أن الهدف من إقرار التقاعد المبكر هو خروج 6 آلاف موظف تقاعد مبكر كل سنة علما وأن أمر التقاعد المبكر لم يصدر بعد..

وترى الحكومة أن اعتماد آلية التقاعد المبكر سيضغط على كتلة الأجور بالإضافة الى إجراءات أخرى مثل التمديد في عطلة بعث مؤسسة خاصة والانتقال من العمومي إلى الخاص، كما أشارت نمصية إلى أن كتلة الأجور تلتهم حوالي 15.1 بالمائة من الناتج المحلي الخام و65 بالمائة من مداخيل الدولة وأن ترشيد هذا الأمر بات ضرورة.

وحسب احصائيات قدمتها الحكومة في 2021 فإن عدد الموظفين في تونس يبلغ 661.7 ألف موظف بكتلة أجور سنوية في حدود 20.3 مليار دينار أي ما يعادل 7.2 مليار دولار وهو ما يعادل 38 بالمائة من اجمالي الميزانية حسب تلك الإحصائيات الرسمية.

صندوق النقد وكتلة الأجور

منذ سنوات لجأت أغلب الحكومات المتعاقبة إلى تجميد الانتدابات والتعيينات وتعليق الترقيات، ومع حكومة بودن كان الاتجاه نحو تبني خيار التقاعد المبكر بشكل اختياري في الوظيفة العمومية.

ومنذ سنوات كان صندوق النقد الدولي يشدّد على ضرورة أن تجد الدولة التونسية والحكومة آليات للتحكم في تضخّم كتلة الأجور والانتدابات بمرافق الدولة وهذا الأمر ليس خاصا بتونس بل كان ضمن توصيات النقد الدولي لأكثر من حكومة عربية كانت في حاجة لدعم الصندوق مثل مصر والأردن، ويعتقد الصندوق أن الضغط على الانتدابات وترشيد التوظيف العمومي يمكن أن يكون أحد أبرز الإصلاحات التي يمكن تبنيها في ظل الحالة الاقتصادية المأزومة في المنطقة العربية.

وفي جانفي أثار تصريح جيروم فاشيه ممثل صندوق النقد الدولي في تونس عدة استفهامات وقتها عندما تحدث لوكالة الأنباء الفرنسية أنه على تونس وحتى تحصل على تمويلات دولية لاقتصادها، أن تقوم بإصلاحات عميقة وأن تخفّض من حجم قطاع الوظيفة العمومية الذي سجّل أعلى مستوياته على الصعيد العالمي. وقتها ما زالت الحكومة لم تعلن عن محادثاتها مع صندوق النقد الدولي إلا أن منظمة "أنا يقظ" نشرت حينها وثيقة سرية تتعلق بهذه المفاوضات وتتضمن الوثيقة السرية تلك تعهدات بتجميد الأجور لثلاث سنوات وتجميد الانتدابات في الوظيفة العمومية.

ولم تلتزم حكومة بودن فيما بعد بهذه الوثيقة حيث توصلت مع الاتحاد العام التونسي للشغل، منذ حوالي شهر، إلى اتفاق لزيادة أجور القطاع العام بـ3.5 بالمائة في السنوات الثلاث المقبلة، في محاولة لامتصاص غضب المنظمة النقابية، وقد تمضي الحكومة في تنفيذ التزاماتها مع صندوق النقد الدولي وتعهداتها على أمل تأمين خطة تأمين مالي بتمويل خارجي في إطار محادثات بشأن إصلاحات اقتصادية أوسع، تهدف إلى تأمين خطة إنقاذ مالي خارجية. ووفق ذلك الاتفاق فانه سيتم رفع أجور موظفي الدولة بنسبة 3.5 بالمائة بين سنتي 2023 و2025 وهذه الخطوة وإن كان الهدف منها هو التقليص من حدّة التوترات الاجتماعية، إلا أن هناك من انتقد هذه النسبة واعتبرها هزيلة جدا مع ارتفاع الأسعار وتقليص الدعم على عدة مواد أساسية..

وهو ما أعاد الجميع الى المربع الأول وهو أن الأجور حتى بالزيادات الأخيرة من الصعب ان تتحمّل عبء رفع الدعم أو ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية المفقودة في أغلبها، مما أفضى إلى مناخ اجتماعي شديد التوتر والاحتقان وغير مهيأ بالمرة لتنفيذ الإصلاحات المتفق عليها.

منية العرفاوي