إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حسب المرصد التونسي للاقتصاد.. رفع الدعم عن المحروقات سيؤدي إلى فقدان الوظائف وانهيار الاقتصاد

تونس- الصباح

حذر المرصد التونسي للاقتصاد، في تقرير صادر حديثا، من تبعات رفع الدعم عن المحروقات، والتي وصفها بأنها ستؤدي الى انهيار اقتصادي غير مسبوق، فضلا عن فقدان آلاف الوظائف، وانهيار القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار، وتسارع التضخم، بالإضافة الى تعطل الجهاز الإنتاجي، لافتا الى أن تونس سجلت خلال السنة الجارية، ارتفاعا قياسيا في أسعار المحروقات بلغ قرابة 15%.

وقال المرصد التونسي لاقتصاد، أن تونس تعرضت لضغوط من صندوق النقد الدولي منذ سنة 2016، حيث اضطرت الى رفع أسعار المحروقات عدة مرات وقامت بانتهاج الرفع الآلي للدعم من خلال التعديل الآلي الشهري للأسعار من أجل تقليل الفجوة بين سعر البيع في المضخة وسعر الشراء الدولي، مشيرا الى انه منذ بداية العام الجاري، سجلت أسعار المحروقات ارتفاعا في 4 مناسبات بزيادة بلغت 3 بالمائة في فيفري و3 بالمائة في مارس و5 بالمائة في أفريل ثم 3.9 بالمائة في منتصف سبتمبر الماضي بعد انقطاع دام 5 أشهر، مبرزا أن هذه الزيادات في أسعار المحروقات بلغ ارتفاعها أكثر من 14.9٪.

ولفت المرصد، الى أن صندوق النقد الدولي اشترط على تونس تفعيل سياسة رفع الدعم عن المحروقات، مبررا ذلك بان السياسة المعتمدة حاليا، تخدم الأسر الأكثر ثراء والمالكة للسيارات على حساب بقية الفئات الهشة، في حين دعا الى توزيع عادل للدعم، الى هذه الفئات من خلال آليات جديدة تعتمدها الدولة التونسية في قادم السنوات.

وشدد ذات المصدر، على أن رفع الدعم، انطلاقا من السياسات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، سيؤدي في نهاية المطاف، إلى زيادة تكاليف الإنتاج الصناعي، وزيادة تكلفة المنتجات المحلية، وزيادة تكاليف توزيعها، فضلا عن زيادة تكاليف إنتاج المواد الغذائية الأساسية، وزيادة تكاليف التشغيل للمشغلين من القطاعين العام والخاص في قطاع النقل، ما يؤدي الى ارتفاع مشط في تكاليف النقل، كما سيؤدي رفع الدعم عن المواد الهيدروكربونية، إلى تسارع التضخم، وتدهور المقدرة الشرائية للتونسيين، محذرا من أن انتهاج هذه السياسات سيؤدي الى فقدان الوظائف في القطاعات المتأثرة بشكل مباشر، مثل قطاعات النقل والسياحة والخدمات مما يحد من تنقل الأشخاص، وأيضا في فقدان التونسيين لقوتهم اليومي.

واعتبر المرصد، أن تفعيل إجراءات صندوق النقد الدولي، برفع الدعم عن المحروقات وتحويل الدعم الى الأسر الأكثر فقرا لتعويضها عن آثار ارتفاع الأسعار، يبقى معضلة تواجهها السلطات التونسية، حيث من الصعب تحديد جميع الفئات الضعيفة والمفقرة، بالإضافة الى أن نجاعة اتخاذ مثل هذه الإجراءات تبقى غير مجدية على المدى القصير، وآثارها وانعكاساتها ستكون مباشرة وحادة على عموم التونسيين.

ارتفاع نفقات الدعم

وسجلت نفقات الدعم في تونس عام 2022 ارتفاعا بنحو 7.26 مليار دينار، أي ما يعادل 15.4٪ من جملة نفقات ميزانية الدولة وقرابة 5.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وفق ما كشفت عنه ميزانية سنة 2022، وقدرت حاجيات منظومة الدعم للمحروقات والكهرباء والغاز في عام 2022 نحو 5.13 مليار دينار، أعدت بناء على فرضيات معدل سعر النفط 75 دولاراً للبرميل "برنت"، علما وأن أي زيادة بدولار واحد في أسعار النفط تكلف ميزانية الدولة اليوم قرابة 140 مليون دينار، وهو ما يزيد في استنزاف الميزانية ويحرم الدولة من تحقيق التوازنات المالية المطلوبة في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي.

وارتفعت الاعتمادات المرصودة لدعم المواد الأساسية والغذائية لسنة 2022 الى نحو 3.7 مليار دينار، مقابل 2.2 مليار دينار خلال سنة 2021، بالإضافة الى 600 مليون دينار لدعم النقل العمومي، علما وان هذه الاعتمادات تضاعفت ثلاث مرات مقارنة بالسنوات العشر الماضية، وتجاوزت 6 مليارات دينار في عام 2010، لتبلغ 22 مليار دينار إجمالا خلال 2022، وتعد من أحد الأسباب الرئيسية في اختلال التوازنات المالية في تونس.

وأمام موجة ارتفاع الأسعار الأخيرة في مختلف المنتوجات الأساسية والحيوية ، خرج العديد من الخبراء إلى المنابر الإعلامية للتحذير من تواصل ارتفاع الأسعار، والذي طال أيضا مختلف القطاعات الإنتاجية، داعين الحكومة إلى الضغط على حركة الأسعار التي قفزت إلى مستويات تهدد السلم الاجتماعي.

تهديد السلم الاجتماعي

وكان الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، قد حذر مؤخرا، من انتهاج سياسة رفع الدعم في أي قطاع كان، وذلك لحساسية المسألة لدى التونسيين، كما أن مجرد الذهاب في هذه الإجراءات سيؤدي الى حالة احتقان شديدة في المجتمع التونسي، ويؤدي في النهاية الى تهديد السلم الاجتماعي.

وتتخوف الأطراف الاقتصادية اليوم من مسألة رفع الدعم الذي قد تنتهجه الدولة التونسية مستقبلا إذعانا لشروط صندوق النقد الدولي، حيث أن إبقاء الدعم على حاله، يبقي التوازنات المالية للشركات الكبرى الأجنبية الناشطة في بلادنا والتي تعتمد بالأساس على استقطاب اليد العاملة بأجور زهيدة، وفي حال رفع الدعم فإن هذه الشركات مضطرة لرفع الأجور الى مستويات لن تقدر على مجاراتها الأمر الذي يدفعها الى الرحيل.

ونبّه اتحاد الصناعة والتجارة، مؤخرا، الى أن الوضع المالي والاقتصادي الراهن ينذر بالأسوأ ويفرض الانطلاق في الإصلاحات العاجلة والهيكلية، مؤكدا أن لا حل لتونس سوى إقرار خطة طوارئ للإنقاذ الاقتصادي تقوم على تحسين المناخ العام للأعمال ودفع الاستثمار، وتشجيع التصدير وتنشيط الديبلوماسية الاقتصادية بما يساعد على اقتحام الأسواق الخارجية ويدعم جاذبية الوجهة التونسية لاستقطاب المستثمرين، ومراجعة منوال التصرف في موارد البلاد، بالإضافة الى مراجعة سياسة الدعم وتوجيهه نحو مستحقيه دون الإضرار بمصلحة الفئات الهشة.

كما دعت منظمة الأعراف الحكومة الى التركيز على القطاعات الواعدة وخاصة الطاقات المتجددة، وحل مشكلة تمويل المشاريع التي أصبحت تعاني منها المؤسسات بسبب شح السيولة، ودفع المستحقات المالية للقطاعات المتخلدة لدى الدولة ومؤسساتها، والتصدي للتجارة الموازية والإسراع بإدماجها في الاقتصاد المنظم.

*سفيان المهداوي

حسب المرصد التونسي للاقتصاد.. رفع الدعم عن المحروقات سيؤدي إلى فقدان الوظائف وانهيار الاقتصاد

تونس- الصباح

حذر المرصد التونسي للاقتصاد، في تقرير صادر حديثا، من تبعات رفع الدعم عن المحروقات، والتي وصفها بأنها ستؤدي الى انهيار اقتصادي غير مسبوق، فضلا عن فقدان آلاف الوظائف، وانهيار القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار، وتسارع التضخم، بالإضافة الى تعطل الجهاز الإنتاجي، لافتا الى أن تونس سجلت خلال السنة الجارية، ارتفاعا قياسيا في أسعار المحروقات بلغ قرابة 15%.

وقال المرصد التونسي لاقتصاد، أن تونس تعرضت لضغوط من صندوق النقد الدولي منذ سنة 2016، حيث اضطرت الى رفع أسعار المحروقات عدة مرات وقامت بانتهاج الرفع الآلي للدعم من خلال التعديل الآلي الشهري للأسعار من أجل تقليل الفجوة بين سعر البيع في المضخة وسعر الشراء الدولي، مشيرا الى انه منذ بداية العام الجاري، سجلت أسعار المحروقات ارتفاعا في 4 مناسبات بزيادة بلغت 3 بالمائة في فيفري و3 بالمائة في مارس و5 بالمائة في أفريل ثم 3.9 بالمائة في منتصف سبتمبر الماضي بعد انقطاع دام 5 أشهر، مبرزا أن هذه الزيادات في أسعار المحروقات بلغ ارتفاعها أكثر من 14.9٪.

ولفت المرصد، الى أن صندوق النقد الدولي اشترط على تونس تفعيل سياسة رفع الدعم عن المحروقات، مبررا ذلك بان السياسة المعتمدة حاليا، تخدم الأسر الأكثر ثراء والمالكة للسيارات على حساب بقية الفئات الهشة، في حين دعا الى توزيع عادل للدعم، الى هذه الفئات من خلال آليات جديدة تعتمدها الدولة التونسية في قادم السنوات.

وشدد ذات المصدر، على أن رفع الدعم، انطلاقا من السياسات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، سيؤدي في نهاية المطاف، إلى زيادة تكاليف الإنتاج الصناعي، وزيادة تكلفة المنتجات المحلية، وزيادة تكاليف توزيعها، فضلا عن زيادة تكاليف إنتاج المواد الغذائية الأساسية، وزيادة تكاليف التشغيل للمشغلين من القطاعين العام والخاص في قطاع النقل، ما يؤدي الى ارتفاع مشط في تكاليف النقل، كما سيؤدي رفع الدعم عن المواد الهيدروكربونية، إلى تسارع التضخم، وتدهور المقدرة الشرائية للتونسيين، محذرا من أن انتهاج هذه السياسات سيؤدي الى فقدان الوظائف في القطاعات المتأثرة بشكل مباشر، مثل قطاعات النقل والسياحة والخدمات مما يحد من تنقل الأشخاص، وأيضا في فقدان التونسيين لقوتهم اليومي.

واعتبر المرصد، أن تفعيل إجراءات صندوق النقد الدولي، برفع الدعم عن المحروقات وتحويل الدعم الى الأسر الأكثر فقرا لتعويضها عن آثار ارتفاع الأسعار، يبقى معضلة تواجهها السلطات التونسية، حيث من الصعب تحديد جميع الفئات الضعيفة والمفقرة، بالإضافة الى أن نجاعة اتخاذ مثل هذه الإجراءات تبقى غير مجدية على المدى القصير، وآثارها وانعكاساتها ستكون مباشرة وحادة على عموم التونسيين.

ارتفاع نفقات الدعم

وسجلت نفقات الدعم في تونس عام 2022 ارتفاعا بنحو 7.26 مليار دينار، أي ما يعادل 15.4٪ من جملة نفقات ميزانية الدولة وقرابة 5.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وفق ما كشفت عنه ميزانية سنة 2022، وقدرت حاجيات منظومة الدعم للمحروقات والكهرباء والغاز في عام 2022 نحو 5.13 مليار دينار، أعدت بناء على فرضيات معدل سعر النفط 75 دولاراً للبرميل "برنت"، علما وأن أي زيادة بدولار واحد في أسعار النفط تكلف ميزانية الدولة اليوم قرابة 140 مليون دينار، وهو ما يزيد في استنزاف الميزانية ويحرم الدولة من تحقيق التوازنات المالية المطلوبة في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي.

وارتفعت الاعتمادات المرصودة لدعم المواد الأساسية والغذائية لسنة 2022 الى نحو 3.7 مليار دينار، مقابل 2.2 مليار دينار خلال سنة 2021، بالإضافة الى 600 مليون دينار لدعم النقل العمومي، علما وان هذه الاعتمادات تضاعفت ثلاث مرات مقارنة بالسنوات العشر الماضية، وتجاوزت 6 مليارات دينار في عام 2010، لتبلغ 22 مليار دينار إجمالا خلال 2022، وتعد من أحد الأسباب الرئيسية في اختلال التوازنات المالية في تونس.

وأمام موجة ارتفاع الأسعار الأخيرة في مختلف المنتوجات الأساسية والحيوية ، خرج العديد من الخبراء إلى المنابر الإعلامية للتحذير من تواصل ارتفاع الأسعار، والذي طال أيضا مختلف القطاعات الإنتاجية، داعين الحكومة إلى الضغط على حركة الأسعار التي قفزت إلى مستويات تهدد السلم الاجتماعي.

تهديد السلم الاجتماعي

وكان الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، قد حذر مؤخرا، من انتهاج سياسة رفع الدعم في أي قطاع كان، وذلك لحساسية المسألة لدى التونسيين، كما أن مجرد الذهاب في هذه الإجراءات سيؤدي الى حالة احتقان شديدة في المجتمع التونسي، ويؤدي في النهاية الى تهديد السلم الاجتماعي.

وتتخوف الأطراف الاقتصادية اليوم من مسألة رفع الدعم الذي قد تنتهجه الدولة التونسية مستقبلا إذعانا لشروط صندوق النقد الدولي، حيث أن إبقاء الدعم على حاله، يبقي التوازنات المالية للشركات الكبرى الأجنبية الناشطة في بلادنا والتي تعتمد بالأساس على استقطاب اليد العاملة بأجور زهيدة، وفي حال رفع الدعم فإن هذه الشركات مضطرة لرفع الأجور الى مستويات لن تقدر على مجاراتها الأمر الذي يدفعها الى الرحيل.

ونبّه اتحاد الصناعة والتجارة، مؤخرا، الى أن الوضع المالي والاقتصادي الراهن ينذر بالأسوأ ويفرض الانطلاق في الإصلاحات العاجلة والهيكلية، مؤكدا أن لا حل لتونس سوى إقرار خطة طوارئ للإنقاذ الاقتصادي تقوم على تحسين المناخ العام للأعمال ودفع الاستثمار، وتشجيع التصدير وتنشيط الديبلوماسية الاقتصادية بما يساعد على اقتحام الأسواق الخارجية ويدعم جاذبية الوجهة التونسية لاستقطاب المستثمرين، ومراجعة منوال التصرف في موارد البلاد، بالإضافة الى مراجعة سياسة الدعم وتوجيهه نحو مستحقيه دون الإضرار بمصلحة الفئات الهشة.

كما دعت منظمة الأعراف الحكومة الى التركيز على القطاعات الواعدة وخاصة الطاقات المتجددة، وحل مشكلة تمويل المشاريع التي أصبحت تعاني منها المؤسسات بسبب شح السيولة، ودفع المستحقات المالية للقطاعات المتخلدة لدى الدولة ومؤسساتها، والتصدي للتجارة الموازية والإسراع بإدماجها في الاقتصاد المنظم.

*سفيان المهداوي