إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بين نفي الحكومة وتأكيد "النقد الدولي": المؤسسات العمومية بين براثن التفويت

-رغم انخراطها في الإصلاح.. وكالة التبغ والوقيد وبنك الإسكان والخطوط التونسية.. أولى عمليات الخوصصة

تعبئة أكثر من 7 مليار دينار منتظرة من عملية التفويت في عدد من المؤسسات العمومية ومساهمات الدولة في البنوك

بين ما يفضله السياسي لتوفير المال والابتعاد عن ضغط الزيادة في الأجور ورفض الاتحاد.. المؤسسات العمومية تحتضر..

ديون المؤسسات العمومية فاقت الـ11 مليار دينار

اتفاق وطني يؤكد ضرورة خروج الدولة من القطاعات الإستراتجية

غموض الحكومة في الملف يفتح التأويلات ويعطل برنامجها الإصلاحي

قيمة العجز الحاصل بالمنشآت العمومية يفوق نصف حاجيات البلاد من القروض المبرمجة للسنة الحالية

أكثر من 7 مليار دينار ديون المؤسسات العمومية لدى الدولة

خطة الاتحاد الإصلاحية، تبدأ بالتطهير المالي مرورا بالتطهير الاجتماعي وتسريح العمال في المؤسسات العمومية حالة بحالة

لابد للدولة أن تنسحب تماما من القطاعات غير الإستراتيجية ذات التنافسية وتكتفي فقط بالمساهمة في القطاعات الإستراتيجية

إعداد: وفاء بن محمد

تونس-الصباح

عاد ملف التفويت في المؤسسات العمومية الى الساحة الوطنية بكل ثقله، ليثير جدلا واسعا بين التونسيين في الآونة الأخيرة وتزامنا مع حصول الحكومة عل موافقة مبدئية من صندوق النقد لتمويلها بـ1.9 مليار دولار، سرعان ما غذته تصريحات المديرة العامة للصندوق كريستينا جورجيفا، والتي أكدت فيها أن الحكومة التونسية هي التي بادرت بتقديم هذا الملف وأبدت رغبتها في خوصصة عدد من المؤسسات العمومية، كأبرز الإصلاحات التي تنوي تفعيلها مقابل الحصول على تمويلات من الصندوق..

وخلافا لبقية الحكومات السابقة التي لم تنجح في حل هذا الملف وحتى الخوض فيه بالنظر الى حساسيته البالغة لدى الشعب التونسي، أصرت حكومة نجلاء بودن على إثارته باتجاه تفعيله والفصل فيه عبر التفويت في عدد من المؤسسات والمنشآت العمومية التي تعتبرها خاسرة وتستنزف موارد الدولة من جهة وبهدف تعبئة موارد جديدة من هذه العملية تحتاجها لتمويل ميزانيتها من جهة ثانية.

وفي الحقيقة، ما زاد في توسع رقعة التأويلات والمواقف الرافضة لهذا الطرح الجديد لملف التفويت في المؤسسات العمومية، غموض الحكومة وعدم الإدلاء  بأي موقف رسمي يوقف هذا السيل الجارف من الجدال بين التونسيين ويقطع مع كل محاولات تأليب الرأي العام وزعزعة السلم الاجتماعي.

واكتفت الحكومة على موقعها الرسمي بإبلاغ الشعب التونسي بأن مخرجات المفاوضات الرسمية بين تونس وصندوق النقد انتهت باتفاق مبدئي على مستو الخبراء بإبرام اتفاق تمويل جديد بقيمة تناهز الـ1.9 مليار دولار، دون تقديم أي توضيحات لا تقنية ولا سياسية حول الزيارة بمجملها التي قامت بها الحكومة الى واشنطن...

هذا الغموض وتكتم الحكومة عن برنامج الإصلاحات الذي قدمته الى الصندوق مقابل الحصول على تمويلات جديدة بقي محل جدال بين التونسيين لأكثر من الشهرين، حول الإجراءات المزمع تفعيلها والخطوط العريضة للبرنامج الإصلاحي والقطاعات التي سيشملها الإصلاح قريبا..

وبالرغم من تقديم الحكومة لبرنامجها الإصلاحي منذ فترة، إلا أنها لم توضح هل أن هذا البرنامج هو نفسه الذي تقدمت به للصندوق، حيث أن المحاور التي شملت البرنامج الحكومي الإصلاحي تحمل الكثير من الجرأة في ما يتعلق بالإجراءات المزمع تفعيلها خاصة في ما يتعلق بالدعم وكتلة الأجور والتفويت في المؤسسات العمومية.

وفي المحور الذي أكدته المسؤولة الأولى في الصندوق الذي يتعلق بخوصصة المؤسسات العمومية، اختلفت الآراء بين المراقبين في الشأن العام للبلاد بين رافض ومؤيد له.. كما تعالت الأصوات محليا بضرورة التفويت في البعض  من المؤسسات العمومية التي تكبد الدولة خسائر، حيث ذهب عدد من ساسة البلاد إلى أنها تجربة لا تمثل خطرا على البلاد خاصة أنها أثبتت نجاحها مع عدد من المنشآت التابعة للقطاع العمومي بعد بيعها في وقت سابق لتصبح اليوم شركات ربحية ومنتجة ولها قدرة تنافسية عالية في أسواقنا.

كما أكد عدد من المختصين في هذا السياق أن تمسك الدولة ببعض القطاعات لم يعد له أي مبرر خصوصا أن اغلب دول العالم أسندت هذه القطاعات إلى الخواص والأمثلة في ذلك عديدة، خاصة أن هذه المنشآت تكبد الدولة خسائر فادحة وتضطرها إلى التداين من أجل الإنفاق عليها.

وهذا ما ذهب إليه الوزير الأسبق للتجارة محسن حسن، الذي اعتبر أن خوصصة بعض المؤسسات العمومية الناشطة في قطاعات تنافسية يعد أمرا ضروريا، موضحا أن من بين الحلول التي قدمتها تونس لصندوق النقد هو التفويت في بعض المساهمات الصغرى التي تمتلكها الدولة في رأس مال بعض البنوك المشتركة مع دول عربية وبعض المؤسسات العمومية..

وأوضح حسن في هذا السياق أن الأهم من خوصصة بعض المؤسسات العمومية هو تخصيص الموارد المتأتية من عملية الخوصصة حتى لا يتم توجيهها لصرف الأجور والمنح والدعم، بل لا بد من توجيهها لهيكلة بقية نسيج المؤسسات العمومية، مؤكدا حاجة المؤسسات العمومية الأخرى الناشطة  في قطاعات إستراتيجية عمومية لدعم الدولة..

من جهتها، اقترحت الحكومة، "إجراءات عاجلة ضمن ميزانية 2023، للتحكم في كتلة الأجور وترشيدها من خلال تجميد الانتدابات وحصرها في الحاجيات الضرورية، ويعد إصلاح المؤسسات العمومية أحد ابرز الإصلاحات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي من قبل حتى تتمكن الدولة من إبرام اتفاق معه والحصول على تمويلات، الى جانب التقليص من كتلة الأجور والحد من نفقات الدعم وإصلاح المنظومة الجبائية.

ومن المنتظر أن يتقدم المجلس الوطني للحوار الاجتماعي بدراسة لوضعية المؤسسات العمومية حالة بحالة قريبا، مع المحافظة على ديمومتها وعلى اليد العاملة كشرط أساسي للإصلاح.. حسب ما أكدته الحكومة.

الاتحاد يتمسك بموقفه الرافض للتفويت

حول ملف التفويت في المؤسسات العمومية، يحافظ الاتحاد العام التونسي للشغل على موقفه الرافض مع كل الحكومات السابقة، ويؤكد عدم التفاعل في الوقت الراهن مادامت الحكومة لم تصدر أي موقف رسمي في هذه المسألة.

وهذا ما أكده الأستاذ الجامعي المختص في الاقتصاد والخبير لدى قسم الدراسات التابع للاتحاد العام التونسي للشغل، عبد الرحمان الاحقة، مبينا أن الاتحاد لا يرفض خطط الإصلاح التي من شأنها أن تحسن من وضع المؤسسات العمومية، بل هو يرفض التفويت لغايات أخرى.. حسب تعبيره.

كما أشار الاحقة في تصريحه لـ"الصباح" الى أن الاتحاد له برنامجا واضحا كان قد قدمه للحكومة من قبل لفائدة ملف المؤسسات العمومية، مؤكدا عل ضرورة المرور الى الإصلاح والاتحاد منفتح على أي برنامج إصلاح جدي.. حسب تعبيره.

وبشأن خطة الإصلاح التي تقدم بها الاتحاد فهي تتمثل بالأساس حسب تصريح ممثل المنظمة الشغيلة اللاحقة، في إعادة حوكمة المؤسسات والمنشآت العمومية ليتم تسييرها بنفس المقاربة لتسيير المؤسسات الخاصة من خلال عقد أهداف في تعيينات مسؤولين يتم على ضوئها المتابعة والمحاسبة، فضلا على التطهير المالي وهناك عدة حلول مالية تختلف من مؤسسة الى أخرى.. حسب ما أفاد به ممثل الاتحاد.

كما أضاف في ذات السياق أن من بين نقاط خطة الاتحاد الإصلاحية، المرور الى التطهير الاجتماعي وتسريح العمال في هذه المؤسسات العمومية حالة بحالة...

وفي ذات السياق، اعتبر الأمين العام المساعد المسؤول عن الدواوين والمنشآت العمومية بالاتحاد العام التونسي للشغل، صلاح الدين السالمي أن الاتحاد لم يغير موقفه وظل رافضا رفضا كليا لكل أشكال خوصصة المنشآت العمومية.

وأكد السالمي أن الخط الأحمر ما يزال قائما في هذا الموضوع ولاءات الاتحاد متواصلة، مبينا أن الاتحاد مصر على عدم التفويت والخوصصة الكلية أو الجزئية وله دوافعه في ذلك، دوافع تعود الى أزمة سنة 1986 في ملف الإصلاح الهيكلي وأزمة 1985 بناءً على البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي وضعه الاتحاد في مؤتمره الـ16 سنة 1984.. حسب تعبيره.

واعتبر السالمي بالمقابل، أن الأمر اليوم مختلف، وهو ما يتطلب ضرورة تغيير القوانين من اجل المحافظة على المؤسسات العمومية والتخلص من كل الضغوطات التي كانت مسلطة على الاتحاد وتغيير منوال التنمية القديم الذي كانت له سلبيات وخيمة اقتصاديا واجتماعيا حتى أدى إلى أحداث 14 جانفي واندلاع الثورة التي كان من أهم أسبابها ارتفاع نسبة البطالة وتهميش المناطق والجهات الداخلية، فضلا عن تضرر المؤسسات العمومية وانتقال التفويت في المؤسسات العمومية التي تعاني صعوبات الى التفويت في المؤسسات الرابحة ومن هناك تعمقت أزمة هذه المنشآت وهي التي لها الفضل الكبير في بناء الدولة بكل هياكلها ومؤسساتها المالية والصناعية وكان لها دور اجتماعي مهم..

وذهب الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، الى نفس التوجه، وأفاد بأنه من الضروري إعادة التفكير في هيكلة عالم العمل في تونس من أجل إنجاح التعافي بعد جائحة كورونا، مؤكدا أن الاتحاد لم يّطلع على البرنامج الإصلاحي للحكومة، وسيعرّب عن موقفه منه بمجرد عرضه عليه.

وبين الطبوبي أن مسألة التفويت في المؤسسات العمومية موقف لا يلزم الاتحاد في شيء، مؤكدا أن اتحاد الشغل يرفض التفويت في المؤسسات العمومية ويناهض رفع الدعم، مشير الى أن الاتفاق المبرم بين الاتحاد والحكومة يقتضي تعديل المقدرة الشرائية من خلال الترفيع في الأجر الأدنى والزيادة في الأجور..

والملفت أن الاتحاد لم يصرف النظر عن ملف المنشآت العمومية ومسألة التفويت فيها من قبل جميع الحكومات السابقة، ومازال ينبه من مغبة اتخاذ قرار التفويت فيها كلما سنحت الفرصة وكانت آخر مرة يحذر فيها الاتحاد في المشاورات بين الحكومة وصندوق النقد، أين عبر عن تمسكه بموقفه المبدئي للدفاع عن مكتسبات البلاد والتي على رأسها المنشآت العمومية ...

وكان الاتحاد قد أبدى رفضه القطعي لهذه الخطوة باعتبار أن هذا الموقف ثابت ونابع من مصلحة وطنية، معتبرا أن الدولة مطالبة اليوم بصفة ملحة بإنقاذ وإصلاح المنشآت العمومية التي تعاني من صعوبات مالية عبر العديد من الآليات ويعد الاقتراض احد هذه الحلول وبالتالي تجنب التفريط فيها لفائدة الخواص والأجانب حسب ما يراه الاتحاد.

حكومات سابقة انطلقت في الإصلاح.. لكنها فشلت

كانت الحكومات السابقة قد انطلقت في إصلاح ملف المؤسسات العمومية، إلا أنها لم تنجح في تفعيل الإجراءات المتفق بشأنها وبقيت في اغلبها حبرا على ورق الى يومنا هذا، باستثناء بعض الإجراءات التي رأت النور لكن لم تؤت أكلها لأنها جاءت بمفردها ولم تتكامل مع بقية الإجراءات التي أجهضت مع الحكومات التي جاءت في ما بعد.

حيث أفاد وزير الدولة لدى رئيس الحكومة مكلف بالوظيفة العمومية الحوكمة ومكافحة الفساد في حكومة الياس الفخفاخ محمد عبو في تصريح سابق لـ"الصباح" بأن الحكومة كانت قد انطلقت في حوكمة المؤسسات العمومية وذلك عن طريق منع تقديم امتيازات للوزارات أو المنظمات أو أي طرف كان وكذلك عن طريق حثهم على نشر المعطيات المالية تبعا للمنشور الذي أصدره رئيس الحكومة للتذكير بهذا الأمر...

الخطوط التونسية ووكالة التبغ والوقيد وبنك الإسكان ..أولى عمليات الخوصصة

من أبرز المؤسسات العمومية التي خضعت للإصلاح وتحسن نشاطها، شركة الخطوط الجوية التونسية والوكالة الوطنية للتبغ والوقيد، وفي متابعة للبرنامج الإصلاحي الذي يعود للاتفاق الحكومي مع اتحاد الشغل في حكومة المشيشي، افاد رئيس مدير عام الشركة التونسية للخطوط الجوية، خالد الشلي في تصريح سابق لـ"الصباح" بأن الشركة انطلقت في البرنامج الإصلاحي ومن أهم خطواته، الاتفاق مع شركة التموين "تينيزي كاترينغ" المزود الوحيد للوجبات للشركة حول تحسين جودة الأكلة المسداة للمسافرين على متن الطائرة في إطار عقد تجاري جديد ..

وفي ما يتعلق ببرنامج التطهير المالي، فقد أكد المسؤول أن الشركة ستقوم بإعادة تقييم أصولها كليا باعتبار أنها تملك العديد من العقارات والأراضي الفلاحية داخل تونس وخارجها.. كما سيتم فصل خطة الرئيس المدير العام للشركة عن خطة رئيس مجلس الإدارة، فضلا عن خلق منوال خاص بالشركة عن طريق تغيير منوال الحوكمة واستبدال وسائل العمل مواكبة للتطورات العالمية في المجال، في إطار التطهير المالي كذلك قامت الشركة باسترجاع 85 مليون دولار كانت قد منحتها كتسبقة لعملية اقتناء طائرات من شركة "ايرباص" لتوفر سيولة تحتاجها عبر تحويل حق الشراء لشركات الإيجار..

وأشار الرئيس المدير العام للشركة أن برنامج صيانة الطائرات، والتوجه في تفعيل خطة التقليص من معدل أعمار الطائرات على أن لا تتجاوز الـ10 سنوات مع التفريط في القديمة منها وتعزيز الأسطول بطائرات جديدة انطلقت فيها الشركة، ليصل العدد الى 17 طائرة حسب هدف الشركة مع العمل على تأجير عدد آخر من الطائرات التي لا يتجاوز معدل أعمارها الـ8 سنوات..

أما في ما يخص الديون المتراكمة لدى الشركة، فقد أفاد الشلي بأن التعامل مع مشكلة الديون التي بلغت الـ2200 مليون دينار،  1250مليون دينار منها تجاه ديوان الطيران المدني والمطارات، والمبلغ المتبقي يتوزع بين ديون تجاه الدولة وأخرى من البنوك المحلية والأجنبية وكلها في شكل قروض، فضلا عن ديون المزودين، فقد أوجدت الشركة حلولا لذلك تهدف الى التقليص منها مع التوجه الى البنوك للتفاوض معها حول جدولة الديون على 12 سنة..

وعلى هذا الأساس، تمكنت الخطوط الجوية التونسية من تسجيل ارتفاع ملحوظ في عائداتها خلال النصف الأول من سنة 2022 بنسبة 175 بالمائة، بما يعادل 512 مليار، مع استقرار في معدل العائدات وحصة السوق، وفق آخر البيانات المالية للخطوط التونسية الصادرة على الموقع الرسمي لبورصة تونس.

كما عرفت الشركة خلال الثلاثي الثاني من سنة 2022، انتعاشة في النشاط مع تحسن العرض مقارنة بنفس الفترة من سنة 2021 حيث ارتفع عدد المقاعد المعروضة بنسبة 142 بالمائة، وتراجعت الأعباء المالية للشركة بنسبة 20 بالمائة خلال السداسي الأول بعد إعادة هيكلة بعض الديون.

لكن هذا لا يمنع ظهور حملات تشويه في الآونة الأخيرة وجهت الى الناقلة الوطنية بسبب التأخير في الرحلات وتراجع مستوى وجودة الخدمات حتى أن هناك دعوات جدية لخوصصتها والتشجيع على تشريك مساهمين في رأس مال الشركة ...

ونأتي الى الشركة الأخرى التي توجهت إليها الأنظار أكثر من بقية المؤسسات العمومية للتسريع في خوصصتها، وهي الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد خاصة تبعا للمستجدات التي عرفتها في الشهرين الأخيرين والتي أدت الى تأزم وضعها بعد أن كانت قد تخلصت من براثن التفويت منذ سنتين وأصبحت تحقق عائدات هامة للدولة بمعدل 200 مليون دينار شهريا مع مطلع السنة الحالية 2022.

فقد فعلت الوكالة منذ سنتين برنامجها الإصلاحي لتسجل مع نهاية السنة الأولى من تفعيل البرنامج عائدات هامة لخزينة الدولة تناهز الـ1330 م.د، محققة زيادة بـ35 م.د مقارنة بسنة 2019، وحجم عائدات للوكالة بـ434 م.د و112 م.د مداخيل لتجار القطاع، محققة رقم معاملات ناهز الـ1877 مليون دينار...

كما حقق البرنامج الإصلاحي نتائج ايجابية مكنت الشركة من تقليص الخسائر المنجرة عن منظومة استيراد السجائر الأجنبية التي ناهزت الـ90 مليون دينار، إلى الثلث أي بـ30 مليون دينار دفعة واحدة، إلى جانب الترفيع في هامش ربح  السجائر المحلية بحوالي 60 بالمائة..

كذلك تم الترفيع في الإنتاج الفلاحي المحلي بتوفير  461 مليون علبة سجائر للسوق التونسية المحلية مع طرح نوعين جديدين،  في إطار تنويع المنتوج الوطني، ولاحتواء السوق الموازية التي تضم اليوم في حدود الـ529 مليون دينار، قيمة السجائر مجهولة المصدر..

وتمكنت الشركة من تحقيق ربح صاف بـ40 مليون دينار خلال سنة 2021، وهامش ربح في تسويق السجائر المحلية ايجابي بقيمة تناهز الـ70 مليون دينار مع التقليص في الخسائر التي تسببت فيها منظومة استيراد السجائر الأجنبية الى حدود الـ30 مليون دينار.

لكن الوكالة عجزت مؤخرا عن خلاص مستحقات مزوديها في محاولة لإفلاسها والتوجه إلى خوصصتها في اقرب الآجال وهي المؤسسة العمومية تقريبا الوحيدة التي بدأت تتعافى وتحقق عائدات هامة للدولة، حسب ما ذهب إليه العديد من المراقبين في الشأن المالي.

وكان الكاتب العام للنقابة الأساسية لمصنع التبغ والوقيد التابعة لاتحاد الشغل حسن الطرهوني، دعا وزارة المالية إلى الإسراع في ضّخ مستحّقات الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد، محّذرا من إمكانية توّقف الإنتاج وإحالة أعوانها على البطالة التقنية. وقال الطرهوني إن وزارة المالية لم تضخ أرباح الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد منذ أكثر من شهرين، موّضحا أن الوكالة غير قادرة في الظرف الحالي على سداد مستحّقات المزّودين سواء المحليين أو الأجانب.

وتبلغ مساهمة الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد في الموارد الذاتية للدولة والمودعة بخزينة الدولة، شهريا 200 مليون دينار، مع بلوغ حجم عائدات الوكالة الموجهة إلى خزينة الدولة خلال العام الجاري، نحو 5.2 مليار دينار، وتستفيد الدولة بنسبة 69 %من العائدات المالية لبيع التبغ والوقيد..

وبالرغم من خطة الإصلاح التي قامت بها الحكومات السابقة منذ 2013 في ما يتعلق بإعادة رسملة البنوك العمومية الثلاثة التي تعاني من عجز واسع لحقها إبان ثورة 2011، إلا أنها لم تؤت أكلها على المدى الطويل واليوم مازالت تعاني من صعوبات مالية كبيرة.

وفي هذا الإطار، أفاد الخبير في الشأن الاقتصادي، محمد الجراية لـ"الصباح" بان إعادة الرسملة للبنوك لم تكن ناجحة وهو ما نحصده اليوم من خسائر، باعتبار ان مساهمة الدولة في البنوك التجارية يضطرها إلى تسجيل الربح والخسارة مع تحمل أعباء مالية كبيرة أهمها تلك الخاصة بالتشغيل.. وهنا من غير المنطقي أن تساهم الدولة في مؤسسات تسجل خسائر لان تكاليف الخسارة ستكون بالنسبة إليها مضاعفة  في الأرباح وفي الاداءات.. حسب تعبيره.

وأشار الجراية في ذات التصريح إلى أن الدولة لابد أن تنسحب تماما من المساهمة في القطاعات غير الإستراتيجية ذات التنافسية وتكتفي فقط بالمساهمة في القطاعات الإستراتيجية على غرار قطاع المياه مثلا لضمان السلم القومي، مبينا انه من الضروري اليوم أن تفوت الدولة في مساهماتها في البنوك التجارية باعتبارها قطاعات تنافسية.

وأفاد الجراية في هذا السياق بأنه بإمكان الدولة الحفاظ فقط على بنك وحيد والأقرب هو البنك الوطني الفلاحي باعتبار أهمية وخصوصية الفلاحة في بلادنا، مؤكدا أن بقية القطاعات لا موجب لدخول الدولة في رأس مالها ..

وبين الجراية أن الدولة تساهم في 6 بنوك تجارية بمساهمات تعتبر ضعيفة لا تتجاوزها أكبرها الـ36 بالمائة في بنك الإسكان، معتبرا أن هذه البنك وغيرها من البنوك هي قطاعات تنافسية لابد أن تخرج منها الدولة وتتركها للقطاع الخاص...

وأكد الجراية في ذات التصريح انه من غير المعقول أن تساهم الدولة في قطاع البناء والتبغ والوقيد وغيرها من القطاعات التنافسية، مذكرا بان خروج الدولة من المؤسسات الناشطة في قطاع الاسمنت غير القطاع نحو الأفضل وأصبحت المؤسسات الخاصة تدفع الأداءات على الأرباح للدولة وعدلت السوق بالسلع والمواد المرتبطة بقطاع البناء ولم نشهد بعد ذلك مشاكل بالمرة. حسب تعبيره. وفي ما يخص الموارد المزمع تعبئتها من برنامج التفويت في مساهمات الدولة في البنوك، أكد الخبير في الشأن الاقتصادي أنها لن تقل عن الـ3 مليار دينار قادرة على إنعاش الميزانية والتقليص من العجز الحاصل بها بأكثر من 3 نقاط، مذكرا بأنه من غير المنطقي أن تبني الدولة فرضيات قانونها المالية على تعبئة موارد لتغطية نفقات المؤسسات العمومية الخاسرة.

وفي صورة تفعيل الدولة لبرنامجها الإصلاحي في ما يخص التفويت في عدد من المؤسسات العمومية ومساهماتها في البنوك التجارية، من المنتظر أن تصل حجم التمويلات إلى أكثر من 7 مليار دينار. حسب ما أفاد به الجراية.

وكالة التصرف فكرة قديمة.. هل تنجح مع حكومة بودن؟

تعتبر فكرة إنشاء وكالة للتصرف في المؤسسات العمومية التي أعلنت عنها حكومة نجلاء بودن فكرة قديمة أتت بها من قبل حكومات سابقة كان آخرها حكومة الياس الفخفاخ والمتمثلة في خلق هيكل إداري مختلف يتولى التصرف في المنشآت العمومية على غرار الكرامة القابضة التي تتصرف في الممتلكات المصادرة..

وهذا ما أكده الوزير الأسبق المكلف بالإصلاحات توفيق الراجحي في تصريح سابق لـ"السابق"، مبينا أن حكومته كانت قد انطلقت بالحوكمة العامة وأسست لجنة لإصلاح المؤسسات العمومية ممثلة من عديد الأطراف وتم إنشاء لجنة تصرف عبر الأهداف من أجل تطبيق خطة إصلاح المنشآت العمومية.. كما وقع التفكير في إنشاء هيئة تشبه هيئة الوظيفة العمومية في رئاسة الحكومة مهمتها التنسيق، وتكون هذه الهيئة إدارية وليست هيئة تصرف تجمع في ذلك بين التجربة المغربية والتجربة الفرنسية.

وأكد الراجحي في ذات السياق أن الحكومات السابقة لم تقدم الكثير في هذه المسالة وخاصة في ما يتعلق بالإصلاح المالي في كل ما يتعلق بإصلاح مالي وليس تفويت في المنشآت العمومية الذي لم تتعرض له حكومته بالمرة.

بعيدا عن التفويت فيها.. إعادة الهيكلة والإصلاح مع الحكومات السابقة

قام عدد من الحكومات السابقة بتفعيل إجراءات إصلاحية هامة للمؤسسات العمومية خاصة تلك التي شارفت على الإفلاس في السنوات السابقة عل غرار البنوك العمومية وبعض المؤسسات الحيوية في البلاد، وكانت تجربة البنوك العمومية ناجحة وهي تجربة انطلقت منذ سنة 2013 وتمت إعادة الرسملة في 2015 -2016 ونجحت عملية الإصلاح بعد إن وقعت البنوك الثلاثة على 3 عقود برامج وعقود أهداف.. لكن هذه التجربة لم تطبق على منشآت عمومية أخرى التي كان من المفروض إخضاع بعضها إلى إعادة الرسملة والحوكمة.

وواجهت الحكومات السابقة صعوبات كبيرة في الهيكلة المالية، وهو ما تسبب في أن كل حكومة تترك للحكومة التي تأتي بعدها هذا الملف ومرت البلاد بـ7 برامج لإعادة هيكلة المنشآت العمومية خاصة بالخطوط التونسية دون طرح فكرة الخوصصة بالمرة بل تم الاكتفاء فقط بإدخال ديون ديوان الطيران المدني والمطارات وهي بقيمة 800 مليون دينار في رأس مال الشركة مع إيجاد سيولة بـ200 مليون دينار.

وعلى حساسيته وأهميته في تامين السلم الاجتماعي، بقي  ملف المؤسسات العمومیة من أهم الملفات التي تحوم حولها صعوبات كبیرة استعصى حلها على جميع الحكومات المتعاقبة ما بعد ثورة 14 جانفي 2011 التي اكتفت فقط بضخ تمويلات كبيرة لتغطیة عجزها دون إصلاحها وإعادة هيكلتها..

ويضم قطاع المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية 104 منشأة تنشط في ما لا يقل عن 21  قطاعا في مختلف الميادين الاقتصادية (نقل – تجارة – صناعة – خدمات مختلفة مثل الماء والكهرباء...). وشهد القطاع عموما خلال العشرية الأخيرة تراجعا متواصلا في المردودية واختلال التوازن بعد أن كان منذ الاستقلال سندا هاما وإيجابيا في التنمية الاقتصادية المستدامة.

ومازالت المؤسسات العمومية في تونس تعيش صعوبات مالية كبيرة، لم تجد لها الدولة إلى حد اليوم حلولا، بالرغم من الخطط والبرامج التي أتت بها الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة لإصلاح وإعادة هيكلة هذه المنشات لتصل قيمة العجز الحاصل بها مع موفى سنة 2021، إلى ما يناهز الـ7 مليار دينار...

وكانت من أهم أسباب تردي الوضع الذي آلت إليه المنشآت العمومية تضخم فاتورة الأجور منذ الثورة في 2011 والتي ارتفعت بنسبة 35 بالمائة من جهة  وتراجع النشاط الاقتصادي للبلاد من جهة ثانية، لتصل ديون هذه المؤسسات العمومية اليوم الى ما يناهز الـ11 مليار دينار.

ومع تواصل تزايد حجم الديون المتراكمة لدى المؤسسات العمومية، ستضطر الدولة للتكفل بسداد هذه الديون مهما كان حجمها باعتبار أنها الضامن الوحيد لها وهو ما من شانه أن يثقل كاهلها أكثر مع ارتفاع ديونها، وهو ما سيفتح جبهة جديدة بين الدولة والاتحاد العام التونسي للشغل...

وكانت الدولة قد انطلقت بصفة رسمية في البرامج والخطط الإصلاحية منذ سنة 2014، إلا أنها باءت بالفشل في اغلبها بعد أن واجهت معارضة شرسة من قبل المنظمة الشغيلية لأنها تعتبرها  تهديدا للقطاع العمومي وتجريدا للدولة من أسلحتها الاقتصادية والتنموية.

واهم هذه المنشآت العمومية، شركة الخطوط الجوية التونسية "تونيسار" وشركة "الفولاذ" وشركة "نقل تونس"  و"الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية" التي لم تكن عمليات إصلاحها بالأمر الهيّن لعدة اعتبارات والتي على رأسها تمسك المنظمة الشغيلة بحق العمال فيها وهو عدم خصخصتها.

وكانت الآونة الأخيرة قد شهدت جدلا واسعا بين ساسة البلاد والأوساط التونسية عموما عاد حول مسالة التفويت في المؤسسات العمومية، كأحد الحلول التي طرحت لإصلاحها بعد أن تواترت الأنباء حول اتفاق الحكومة المبدئي مع صندوق النقد الدولي بشان الحصول على قرض جديد تشترط فيه المؤسسة المالية إصلاح المنشآت العمومية التي تعاني من عجز واسع ومديونية كبيرة بسبب ارتفاع كتلة الأجور فيها ونسبة التأجير.

وكان الصندوق قد أوصى تونس ولأول مرة في تقريره الأخير مع موفى السنة المنقضية أن إنعاش الاقتصاد التونسي، يستدعي بالضرورة القيام ببعض الإصلاحات، على غرار إعادة تأهيل المؤسسات العمومية التي تحتاج أن تكون أكثر ديناميكية ونجاعة حتى تكون قادرة على الرفع من إنتاجية الاقتصاد.

كما اكد الصندوق على ضرورة ان يجري دفع الاقتصاد وتنفيذ الإصلاحات عبر حوار وطني، يكون بمثابة العقد الاجتماعي الذي يجمع كل القوى الحية، على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والمجتمع المدني والشباب وخبراء الاقتصاد ...

وبقي ملف المؤسسات العمومية من أهم الملفات التي تحوم حولها صعوبات كبيرة استعصت على حلها الحكومات المتعاقبة ما بعد ثورة 14 جانفي 2011، واكتفت فقط بضخ تمويلات هامة لتغطية عجزها دون إصلاحها وإعادة هيكلتها واختلفت طريقة التعامل مع هذا الملف مع حكومة الوحدة الوطنية عن طريق التجائها منذ مطلع السنة المنقضية إلى التفكير جديا في إصلاحها بخوصصة البعض من مساهمات الدولة والتفويت فيها خاصة تلك التي تعتبرها غير إستراتيجية وتنشط في قطاع تنافسي باعتبارها مؤسسات تجارية مفتوحة لرأس المال الخاص.. فهل ستفعل حكومة بودن كل الإجراءات الخاصة بخوصصة المؤسسات العمومية والتي عجزت عنها بقية الحكومات السابقة؟...

وعلى ما يبدو هذا التوجه سائرة فيه الحكومة بكل ثقلها في الأيام القليلة القادمة بتأكيد صريح لم يسبق للاتحاد أن أعلن عنه أول أمس في شخص أمينه العام نور الدين الطبوبي، عندما أكد أن الحكومة تعهدت لصندوق النقد الدولي بالتفويت في بنك الإسكان ووكالة التبغ والوقيد وبعض الأرصفة من ميناء رادس .

المؤسسات العمومية.. قطاع يصارع أزمات متتالية

المؤسسات العمومية ذات الصبغة العمومية التي تنشط في قطاعات إستراتيجية إلى جانب الخمس مؤسسات التي انطلقت الحكومة في إعادة هيكلتها، هذه قائمة المؤسسات العمومية التي أثارت جدلا واسعا بين التونسيين في ما يتعلق بنية الدولة التفريط فيها حسب وثيقة رسمية كانت قد فندتها الحكومة فيما بعد والتي تضم 32 مؤسسة وهي:

المطبعة الرسمية للجمهورية الرسمية- وكالة تونس إفريقيا للأنباء -الوكالة البلدية للخدمات البيئية- الوكالة البلدية للتصرف التابعة لبلدية تونس- شركة شبكة تونس للتجارة- الشركة التونسية للكهرباء والغاز -الوكالة العقارية الصناعية- الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه -وكالة موانئ وتجهيزات الصيد البحري -شركة استغلال قنال وأنابيب مياه الشمال -الشركة الوطنية لحماية النباتات -الوكالة العقارية للسكنى -الشركات الوطنية العقارية- وكالة التهذيب والتجديد العمراني -ديوان قيس الأراضي والمسح العقاري-شركة النهوض بالمساكن الاجتماعية-الديوان الوطني للتطهير-الديوان الوطني للبريد ''البريد التونسي''-الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي-الشركات الجهوية للنقل -شركة النقل بتونس -شركة تونس للشبكة الحديدية السريعة -الديوان الوطني للمعابر الحدودية -مركز النهوض بالصادرات -الشركة التونسية لأسواق الجملة -الوكالة العقارية للسياحة -المركز الوطني البيداغوجي -الصيدلية المركزية للبلاد التونسية-الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري-الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية -الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي -الصندوق الوطني للتأمين على المرض.

بين نفي الحكومة وتأكيد "النقد الدولي": المؤسسات العمومية بين براثن التفويت

-رغم انخراطها في الإصلاح.. وكالة التبغ والوقيد وبنك الإسكان والخطوط التونسية.. أولى عمليات الخوصصة

تعبئة أكثر من 7 مليار دينار منتظرة من عملية التفويت في عدد من المؤسسات العمومية ومساهمات الدولة في البنوك

بين ما يفضله السياسي لتوفير المال والابتعاد عن ضغط الزيادة في الأجور ورفض الاتحاد.. المؤسسات العمومية تحتضر..

ديون المؤسسات العمومية فاقت الـ11 مليار دينار

اتفاق وطني يؤكد ضرورة خروج الدولة من القطاعات الإستراتجية

غموض الحكومة في الملف يفتح التأويلات ويعطل برنامجها الإصلاحي

قيمة العجز الحاصل بالمنشآت العمومية يفوق نصف حاجيات البلاد من القروض المبرمجة للسنة الحالية

أكثر من 7 مليار دينار ديون المؤسسات العمومية لدى الدولة

خطة الاتحاد الإصلاحية، تبدأ بالتطهير المالي مرورا بالتطهير الاجتماعي وتسريح العمال في المؤسسات العمومية حالة بحالة

لابد للدولة أن تنسحب تماما من القطاعات غير الإستراتيجية ذات التنافسية وتكتفي فقط بالمساهمة في القطاعات الإستراتيجية

إعداد: وفاء بن محمد

تونس-الصباح

عاد ملف التفويت في المؤسسات العمومية الى الساحة الوطنية بكل ثقله، ليثير جدلا واسعا بين التونسيين في الآونة الأخيرة وتزامنا مع حصول الحكومة عل موافقة مبدئية من صندوق النقد لتمويلها بـ1.9 مليار دولار، سرعان ما غذته تصريحات المديرة العامة للصندوق كريستينا جورجيفا، والتي أكدت فيها أن الحكومة التونسية هي التي بادرت بتقديم هذا الملف وأبدت رغبتها في خوصصة عدد من المؤسسات العمومية، كأبرز الإصلاحات التي تنوي تفعيلها مقابل الحصول على تمويلات من الصندوق..

وخلافا لبقية الحكومات السابقة التي لم تنجح في حل هذا الملف وحتى الخوض فيه بالنظر الى حساسيته البالغة لدى الشعب التونسي، أصرت حكومة نجلاء بودن على إثارته باتجاه تفعيله والفصل فيه عبر التفويت في عدد من المؤسسات والمنشآت العمومية التي تعتبرها خاسرة وتستنزف موارد الدولة من جهة وبهدف تعبئة موارد جديدة من هذه العملية تحتاجها لتمويل ميزانيتها من جهة ثانية.

وفي الحقيقة، ما زاد في توسع رقعة التأويلات والمواقف الرافضة لهذا الطرح الجديد لملف التفويت في المؤسسات العمومية، غموض الحكومة وعدم الإدلاء  بأي موقف رسمي يوقف هذا السيل الجارف من الجدال بين التونسيين ويقطع مع كل محاولات تأليب الرأي العام وزعزعة السلم الاجتماعي.

واكتفت الحكومة على موقعها الرسمي بإبلاغ الشعب التونسي بأن مخرجات المفاوضات الرسمية بين تونس وصندوق النقد انتهت باتفاق مبدئي على مستو الخبراء بإبرام اتفاق تمويل جديد بقيمة تناهز الـ1.9 مليار دولار، دون تقديم أي توضيحات لا تقنية ولا سياسية حول الزيارة بمجملها التي قامت بها الحكومة الى واشنطن...

هذا الغموض وتكتم الحكومة عن برنامج الإصلاحات الذي قدمته الى الصندوق مقابل الحصول على تمويلات جديدة بقي محل جدال بين التونسيين لأكثر من الشهرين، حول الإجراءات المزمع تفعيلها والخطوط العريضة للبرنامج الإصلاحي والقطاعات التي سيشملها الإصلاح قريبا..

وبالرغم من تقديم الحكومة لبرنامجها الإصلاحي منذ فترة، إلا أنها لم توضح هل أن هذا البرنامج هو نفسه الذي تقدمت به للصندوق، حيث أن المحاور التي شملت البرنامج الحكومي الإصلاحي تحمل الكثير من الجرأة في ما يتعلق بالإجراءات المزمع تفعيلها خاصة في ما يتعلق بالدعم وكتلة الأجور والتفويت في المؤسسات العمومية.

وفي المحور الذي أكدته المسؤولة الأولى في الصندوق الذي يتعلق بخوصصة المؤسسات العمومية، اختلفت الآراء بين المراقبين في الشأن العام للبلاد بين رافض ومؤيد له.. كما تعالت الأصوات محليا بضرورة التفويت في البعض  من المؤسسات العمومية التي تكبد الدولة خسائر، حيث ذهب عدد من ساسة البلاد إلى أنها تجربة لا تمثل خطرا على البلاد خاصة أنها أثبتت نجاحها مع عدد من المنشآت التابعة للقطاع العمومي بعد بيعها في وقت سابق لتصبح اليوم شركات ربحية ومنتجة ولها قدرة تنافسية عالية في أسواقنا.

كما أكد عدد من المختصين في هذا السياق أن تمسك الدولة ببعض القطاعات لم يعد له أي مبرر خصوصا أن اغلب دول العالم أسندت هذه القطاعات إلى الخواص والأمثلة في ذلك عديدة، خاصة أن هذه المنشآت تكبد الدولة خسائر فادحة وتضطرها إلى التداين من أجل الإنفاق عليها.

وهذا ما ذهب إليه الوزير الأسبق للتجارة محسن حسن، الذي اعتبر أن خوصصة بعض المؤسسات العمومية الناشطة في قطاعات تنافسية يعد أمرا ضروريا، موضحا أن من بين الحلول التي قدمتها تونس لصندوق النقد هو التفويت في بعض المساهمات الصغرى التي تمتلكها الدولة في رأس مال بعض البنوك المشتركة مع دول عربية وبعض المؤسسات العمومية..

وأوضح حسن في هذا السياق أن الأهم من خوصصة بعض المؤسسات العمومية هو تخصيص الموارد المتأتية من عملية الخوصصة حتى لا يتم توجيهها لصرف الأجور والمنح والدعم، بل لا بد من توجيهها لهيكلة بقية نسيج المؤسسات العمومية، مؤكدا حاجة المؤسسات العمومية الأخرى الناشطة  في قطاعات إستراتيجية عمومية لدعم الدولة..

من جهتها، اقترحت الحكومة، "إجراءات عاجلة ضمن ميزانية 2023، للتحكم في كتلة الأجور وترشيدها من خلال تجميد الانتدابات وحصرها في الحاجيات الضرورية، ويعد إصلاح المؤسسات العمومية أحد ابرز الإصلاحات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي من قبل حتى تتمكن الدولة من إبرام اتفاق معه والحصول على تمويلات، الى جانب التقليص من كتلة الأجور والحد من نفقات الدعم وإصلاح المنظومة الجبائية.

ومن المنتظر أن يتقدم المجلس الوطني للحوار الاجتماعي بدراسة لوضعية المؤسسات العمومية حالة بحالة قريبا، مع المحافظة على ديمومتها وعلى اليد العاملة كشرط أساسي للإصلاح.. حسب ما أكدته الحكومة.

الاتحاد يتمسك بموقفه الرافض للتفويت

حول ملف التفويت في المؤسسات العمومية، يحافظ الاتحاد العام التونسي للشغل على موقفه الرافض مع كل الحكومات السابقة، ويؤكد عدم التفاعل في الوقت الراهن مادامت الحكومة لم تصدر أي موقف رسمي في هذه المسألة.

وهذا ما أكده الأستاذ الجامعي المختص في الاقتصاد والخبير لدى قسم الدراسات التابع للاتحاد العام التونسي للشغل، عبد الرحمان الاحقة، مبينا أن الاتحاد لا يرفض خطط الإصلاح التي من شأنها أن تحسن من وضع المؤسسات العمومية، بل هو يرفض التفويت لغايات أخرى.. حسب تعبيره.

كما أشار الاحقة في تصريحه لـ"الصباح" الى أن الاتحاد له برنامجا واضحا كان قد قدمه للحكومة من قبل لفائدة ملف المؤسسات العمومية، مؤكدا عل ضرورة المرور الى الإصلاح والاتحاد منفتح على أي برنامج إصلاح جدي.. حسب تعبيره.

وبشأن خطة الإصلاح التي تقدم بها الاتحاد فهي تتمثل بالأساس حسب تصريح ممثل المنظمة الشغيلة اللاحقة، في إعادة حوكمة المؤسسات والمنشآت العمومية ليتم تسييرها بنفس المقاربة لتسيير المؤسسات الخاصة من خلال عقد أهداف في تعيينات مسؤولين يتم على ضوئها المتابعة والمحاسبة، فضلا على التطهير المالي وهناك عدة حلول مالية تختلف من مؤسسة الى أخرى.. حسب ما أفاد به ممثل الاتحاد.

كما أضاف في ذات السياق أن من بين نقاط خطة الاتحاد الإصلاحية، المرور الى التطهير الاجتماعي وتسريح العمال في هذه المؤسسات العمومية حالة بحالة...

وفي ذات السياق، اعتبر الأمين العام المساعد المسؤول عن الدواوين والمنشآت العمومية بالاتحاد العام التونسي للشغل، صلاح الدين السالمي أن الاتحاد لم يغير موقفه وظل رافضا رفضا كليا لكل أشكال خوصصة المنشآت العمومية.

وأكد السالمي أن الخط الأحمر ما يزال قائما في هذا الموضوع ولاءات الاتحاد متواصلة، مبينا أن الاتحاد مصر على عدم التفويت والخوصصة الكلية أو الجزئية وله دوافعه في ذلك، دوافع تعود الى أزمة سنة 1986 في ملف الإصلاح الهيكلي وأزمة 1985 بناءً على البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي وضعه الاتحاد في مؤتمره الـ16 سنة 1984.. حسب تعبيره.

واعتبر السالمي بالمقابل، أن الأمر اليوم مختلف، وهو ما يتطلب ضرورة تغيير القوانين من اجل المحافظة على المؤسسات العمومية والتخلص من كل الضغوطات التي كانت مسلطة على الاتحاد وتغيير منوال التنمية القديم الذي كانت له سلبيات وخيمة اقتصاديا واجتماعيا حتى أدى إلى أحداث 14 جانفي واندلاع الثورة التي كان من أهم أسبابها ارتفاع نسبة البطالة وتهميش المناطق والجهات الداخلية، فضلا عن تضرر المؤسسات العمومية وانتقال التفويت في المؤسسات العمومية التي تعاني صعوبات الى التفويت في المؤسسات الرابحة ومن هناك تعمقت أزمة هذه المنشآت وهي التي لها الفضل الكبير في بناء الدولة بكل هياكلها ومؤسساتها المالية والصناعية وكان لها دور اجتماعي مهم..

وذهب الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، الى نفس التوجه، وأفاد بأنه من الضروري إعادة التفكير في هيكلة عالم العمل في تونس من أجل إنجاح التعافي بعد جائحة كورونا، مؤكدا أن الاتحاد لم يّطلع على البرنامج الإصلاحي للحكومة، وسيعرّب عن موقفه منه بمجرد عرضه عليه.

وبين الطبوبي أن مسألة التفويت في المؤسسات العمومية موقف لا يلزم الاتحاد في شيء، مؤكدا أن اتحاد الشغل يرفض التفويت في المؤسسات العمومية ويناهض رفع الدعم، مشير الى أن الاتفاق المبرم بين الاتحاد والحكومة يقتضي تعديل المقدرة الشرائية من خلال الترفيع في الأجر الأدنى والزيادة في الأجور..

والملفت أن الاتحاد لم يصرف النظر عن ملف المنشآت العمومية ومسألة التفويت فيها من قبل جميع الحكومات السابقة، ومازال ينبه من مغبة اتخاذ قرار التفويت فيها كلما سنحت الفرصة وكانت آخر مرة يحذر فيها الاتحاد في المشاورات بين الحكومة وصندوق النقد، أين عبر عن تمسكه بموقفه المبدئي للدفاع عن مكتسبات البلاد والتي على رأسها المنشآت العمومية ...

وكان الاتحاد قد أبدى رفضه القطعي لهذه الخطوة باعتبار أن هذا الموقف ثابت ونابع من مصلحة وطنية، معتبرا أن الدولة مطالبة اليوم بصفة ملحة بإنقاذ وإصلاح المنشآت العمومية التي تعاني من صعوبات مالية عبر العديد من الآليات ويعد الاقتراض احد هذه الحلول وبالتالي تجنب التفريط فيها لفائدة الخواص والأجانب حسب ما يراه الاتحاد.

حكومات سابقة انطلقت في الإصلاح.. لكنها فشلت

كانت الحكومات السابقة قد انطلقت في إصلاح ملف المؤسسات العمومية، إلا أنها لم تنجح في تفعيل الإجراءات المتفق بشأنها وبقيت في اغلبها حبرا على ورق الى يومنا هذا، باستثناء بعض الإجراءات التي رأت النور لكن لم تؤت أكلها لأنها جاءت بمفردها ولم تتكامل مع بقية الإجراءات التي أجهضت مع الحكومات التي جاءت في ما بعد.

حيث أفاد وزير الدولة لدى رئيس الحكومة مكلف بالوظيفة العمومية الحوكمة ومكافحة الفساد في حكومة الياس الفخفاخ محمد عبو في تصريح سابق لـ"الصباح" بأن الحكومة كانت قد انطلقت في حوكمة المؤسسات العمومية وذلك عن طريق منع تقديم امتيازات للوزارات أو المنظمات أو أي طرف كان وكذلك عن طريق حثهم على نشر المعطيات المالية تبعا للمنشور الذي أصدره رئيس الحكومة للتذكير بهذا الأمر...

الخطوط التونسية ووكالة التبغ والوقيد وبنك الإسكان ..أولى عمليات الخوصصة

من أبرز المؤسسات العمومية التي خضعت للإصلاح وتحسن نشاطها، شركة الخطوط الجوية التونسية والوكالة الوطنية للتبغ والوقيد، وفي متابعة للبرنامج الإصلاحي الذي يعود للاتفاق الحكومي مع اتحاد الشغل في حكومة المشيشي، افاد رئيس مدير عام الشركة التونسية للخطوط الجوية، خالد الشلي في تصريح سابق لـ"الصباح" بأن الشركة انطلقت في البرنامج الإصلاحي ومن أهم خطواته، الاتفاق مع شركة التموين "تينيزي كاترينغ" المزود الوحيد للوجبات للشركة حول تحسين جودة الأكلة المسداة للمسافرين على متن الطائرة في إطار عقد تجاري جديد ..

وفي ما يتعلق ببرنامج التطهير المالي، فقد أكد المسؤول أن الشركة ستقوم بإعادة تقييم أصولها كليا باعتبار أنها تملك العديد من العقارات والأراضي الفلاحية داخل تونس وخارجها.. كما سيتم فصل خطة الرئيس المدير العام للشركة عن خطة رئيس مجلس الإدارة، فضلا عن خلق منوال خاص بالشركة عن طريق تغيير منوال الحوكمة واستبدال وسائل العمل مواكبة للتطورات العالمية في المجال، في إطار التطهير المالي كذلك قامت الشركة باسترجاع 85 مليون دولار كانت قد منحتها كتسبقة لعملية اقتناء طائرات من شركة "ايرباص" لتوفر سيولة تحتاجها عبر تحويل حق الشراء لشركات الإيجار..

وأشار الرئيس المدير العام للشركة أن برنامج صيانة الطائرات، والتوجه في تفعيل خطة التقليص من معدل أعمار الطائرات على أن لا تتجاوز الـ10 سنوات مع التفريط في القديمة منها وتعزيز الأسطول بطائرات جديدة انطلقت فيها الشركة، ليصل العدد الى 17 طائرة حسب هدف الشركة مع العمل على تأجير عدد آخر من الطائرات التي لا يتجاوز معدل أعمارها الـ8 سنوات..

أما في ما يخص الديون المتراكمة لدى الشركة، فقد أفاد الشلي بأن التعامل مع مشكلة الديون التي بلغت الـ2200 مليون دينار،  1250مليون دينار منها تجاه ديوان الطيران المدني والمطارات، والمبلغ المتبقي يتوزع بين ديون تجاه الدولة وأخرى من البنوك المحلية والأجنبية وكلها في شكل قروض، فضلا عن ديون المزودين، فقد أوجدت الشركة حلولا لذلك تهدف الى التقليص منها مع التوجه الى البنوك للتفاوض معها حول جدولة الديون على 12 سنة..

وعلى هذا الأساس، تمكنت الخطوط الجوية التونسية من تسجيل ارتفاع ملحوظ في عائداتها خلال النصف الأول من سنة 2022 بنسبة 175 بالمائة، بما يعادل 512 مليار، مع استقرار في معدل العائدات وحصة السوق، وفق آخر البيانات المالية للخطوط التونسية الصادرة على الموقع الرسمي لبورصة تونس.

كما عرفت الشركة خلال الثلاثي الثاني من سنة 2022، انتعاشة في النشاط مع تحسن العرض مقارنة بنفس الفترة من سنة 2021 حيث ارتفع عدد المقاعد المعروضة بنسبة 142 بالمائة، وتراجعت الأعباء المالية للشركة بنسبة 20 بالمائة خلال السداسي الأول بعد إعادة هيكلة بعض الديون.

لكن هذا لا يمنع ظهور حملات تشويه في الآونة الأخيرة وجهت الى الناقلة الوطنية بسبب التأخير في الرحلات وتراجع مستوى وجودة الخدمات حتى أن هناك دعوات جدية لخوصصتها والتشجيع على تشريك مساهمين في رأس مال الشركة ...

ونأتي الى الشركة الأخرى التي توجهت إليها الأنظار أكثر من بقية المؤسسات العمومية للتسريع في خوصصتها، وهي الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد خاصة تبعا للمستجدات التي عرفتها في الشهرين الأخيرين والتي أدت الى تأزم وضعها بعد أن كانت قد تخلصت من براثن التفويت منذ سنتين وأصبحت تحقق عائدات هامة للدولة بمعدل 200 مليون دينار شهريا مع مطلع السنة الحالية 2022.

فقد فعلت الوكالة منذ سنتين برنامجها الإصلاحي لتسجل مع نهاية السنة الأولى من تفعيل البرنامج عائدات هامة لخزينة الدولة تناهز الـ1330 م.د، محققة زيادة بـ35 م.د مقارنة بسنة 2019، وحجم عائدات للوكالة بـ434 م.د و112 م.د مداخيل لتجار القطاع، محققة رقم معاملات ناهز الـ1877 مليون دينار...

كما حقق البرنامج الإصلاحي نتائج ايجابية مكنت الشركة من تقليص الخسائر المنجرة عن منظومة استيراد السجائر الأجنبية التي ناهزت الـ90 مليون دينار، إلى الثلث أي بـ30 مليون دينار دفعة واحدة، إلى جانب الترفيع في هامش ربح  السجائر المحلية بحوالي 60 بالمائة..

كذلك تم الترفيع في الإنتاج الفلاحي المحلي بتوفير  461 مليون علبة سجائر للسوق التونسية المحلية مع طرح نوعين جديدين،  في إطار تنويع المنتوج الوطني، ولاحتواء السوق الموازية التي تضم اليوم في حدود الـ529 مليون دينار، قيمة السجائر مجهولة المصدر..

وتمكنت الشركة من تحقيق ربح صاف بـ40 مليون دينار خلال سنة 2021، وهامش ربح في تسويق السجائر المحلية ايجابي بقيمة تناهز الـ70 مليون دينار مع التقليص في الخسائر التي تسببت فيها منظومة استيراد السجائر الأجنبية الى حدود الـ30 مليون دينار.

لكن الوكالة عجزت مؤخرا عن خلاص مستحقات مزوديها في محاولة لإفلاسها والتوجه إلى خوصصتها في اقرب الآجال وهي المؤسسة العمومية تقريبا الوحيدة التي بدأت تتعافى وتحقق عائدات هامة للدولة، حسب ما ذهب إليه العديد من المراقبين في الشأن المالي.

وكان الكاتب العام للنقابة الأساسية لمصنع التبغ والوقيد التابعة لاتحاد الشغل حسن الطرهوني، دعا وزارة المالية إلى الإسراع في ضّخ مستحّقات الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد، محّذرا من إمكانية توّقف الإنتاج وإحالة أعوانها على البطالة التقنية. وقال الطرهوني إن وزارة المالية لم تضخ أرباح الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد منذ أكثر من شهرين، موّضحا أن الوكالة غير قادرة في الظرف الحالي على سداد مستحّقات المزّودين سواء المحليين أو الأجانب.

وتبلغ مساهمة الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد في الموارد الذاتية للدولة والمودعة بخزينة الدولة، شهريا 200 مليون دينار، مع بلوغ حجم عائدات الوكالة الموجهة إلى خزينة الدولة خلال العام الجاري، نحو 5.2 مليار دينار، وتستفيد الدولة بنسبة 69 %من العائدات المالية لبيع التبغ والوقيد..

وبالرغم من خطة الإصلاح التي قامت بها الحكومات السابقة منذ 2013 في ما يتعلق بإعادة رسملة البنوك العمومية الثلاثة التي تعاني من عجز واسع لحقها إبان ثورة 2011، إلا أنها لم تؤت أكلها على المدى الطويل واليوم مازالت تعاني من صعوبات مالية كبيرة.

وفي هذا الإطار، أفاد الخبير في الشأن الاقتصادي، محمد الجراية لـ"الصباح" بان إعادة الرسملة للبنوك لم تكن ناجحة وهو ما نحصده اليوم من خسائر، باعتبار ان مساهمة الدولة في البنوك التجارية يضطرها إلى تسجيل الربح والخسارة مع تحمل أعباء مالية كبيرة أهمها تلك الخاصة بالتشغيل.. وهنا من غير المنطقي أن تساهم الدولة في مؤسسات تسجل خسائر لان تكاليف الخسارة ستكون بالنسبة إليها مضاعفة  في الأرباح وفي الاداءات.. حسب تعبيره.

وأشار الجراية في ذات التصريح إلى أن الدولة لابد أن تنسحب تماما من المساهمة في القطاعات غير الإستراتيجية ذات التنافسية وتكتفي فقط بالمساهمة في القطاعات الإستراتيجية على غرار قطاع المياه مثلا لضمان السلم القومي، مبينا انه من الضروري اليوم أن تفوت الدولة في مساهماتها في البنوك التجارية باعتبارها قطاعات تنافسية.

وأفاد الجراية في هذا السياق بأنه بإمكان الدولة الحفاظ فقط على بنك وحيد والأقرب هو البنك الوطني الفلاحي باعتبار أهمية وخصوصية الفلاحة في بلادنا، مؤكدا أن بقية القطاعات لا موجب لدخول الدولة في رأس مالها ..

وبين الجراية أن الدولة تساهم في 6 بنوك تجارية بمساهمات تعتبر ضعيفة لا تتجاوزها أكبرها الـ36 بالمائة في بنك الإسكان، معتبرا أن هذه البنك وغيرها من البنوك هي قطاعات تنافسية لابد أن تخرج منها الدولة وتتركها للقطاع الخاص...

وأكد الجراية في ذات التصريح انه من غير المعقول أن تساهم الدولة في قطاع البناء والتبغ والوقيد وغيرها من القطاعات التنافسية، مذكرا بان خروج الدولة من المؤسسات الناشطة في قطاع الاسمنت غير القطاع نحو الأفضل وأصبحت المؤسسات الخاصة تدفع الأداءات على الأرباح للدولة وعدلت السوق بالسلع والمواد المرتبطة بقطاع البناء ولم نشهد بعد ذلك مشاكل بالمرة. حسب تعبيره. وفي ما يخص الموارد المزمع تعبئتها من برنامج التفويت في مساهمات الدولة في البنوك، أكد الخبير في الشأن الاقتصادي أنها لن تقل عن الـ3 مليار دينار قادرة على إنعاش الميزانية والتقليص من العجز الحاصل بها بأكثر من 3 نقاط، مذكرا بأنه من غير المنطقي أن تبني الدولة فرضيات قانونها المالية على تعبئة موارد لتغطية نفقات المؤسسات العمومية الخاسرة.

وفي صورة تفعيل الدولة لبرنامجها الإصلاحي في ما يخص التفويت في عدد من المؤسسات العمومية ومساهماتها في البنوك التجارية، من المنتظر أن تصل حجم التمويلات إلى أكثر من 7 مليار دينار. حسب ما أفاد به الجراية.

وكالة التصرف فكرة قديمة.. هل تنجح مع حكومة بودن؟

تعتبر فكرة إنشاء وكالة للتصرف في المؤسسات العمومية التي أعلنت عنها حكومة نجلاء بودن فكرة قديمة أتت بها من قبل حكومات سابقة كان آخرها حكومة الياس الفخفاخ والمتمثلة في خلق هيكل إداري مختلف يتولى التصرف في المنشآت العمومية على غرار الكرامة القابضة التي تتصرف في الممتلكات المصادرة..

وهذا ما أكده الوزير الأسبق المكلف بالإصلاحات توفيق الراجحي في تصريح سابق لـ"السابق"، مبينا أن حكومته كانت قد انطلقت بالحوكمة العامة وأسست لجنة لإصلاح المؤسسات العمومية ممثلة من عديد الأطراف وتم إنشاء لجنة تصرف عبر الأهداف من أجل تطبيق خطة إصلاح المنشآت العمومية.. كما وقع التفكير في إنشاء هيئة تشبه هيئة الوظيفة العمومية في رئاسة الحكومة مهمتها التنسيق، وتكون هذه الهيئة إدارية وليست هيئة تصرف تجمع في ذلك بين التجربة المغربية والتجربة الفرنسية.

وأكد الراجحي في ذات السياق أن الحكومات السابقة لم تقدم الكثير في هذه المسالة وخاصة في ما يتعلق بالإصلاح المالي في كل ما يتعلق بإصلاح مالي وليس تفويت في المنشآت العمومية الذي لم تتعرض له حكومته بالمرة.

بعيدا عن التفويت فيها.. إعادة الهيكلة والإصلاح مع الحكومات السابقة

قام عدد من الحكومات السابقة بتفعيل إجراءات إصلاحية هامة للمؤسسات العمومية خاصة تلك التي شارفت على الإفلاس في السنوات السابقة عل غرار البنوك العمومية وبعض المؤسسات الحيوية في البلاد، وكانت تجربة البنوك العمومية ناجحة وهي تجربة انطلقت منذ سنة 2013 وتمت إعادة الرسملة في 2015 -2016 ونجحت عملية الإصلاح بعد إن وقعت البنوك الثلاثة على 3 عقود برامج وعقود أهداف.. لكن هذه التجربة لم تطبق على منشآت عمومية أخرى التي كان من المفروض إخضاع بعضها إلى إعادة الرسملة والحوكمة.

وواجهت الحكومات السابقة صعوبات كبيرة في الهيكلة المالية، وهو ما تسبب في أن كل حكومة تترك للحكومة التي تأتي بعدها هذا الملف ومرت البلاد بـ7 برامج لإعادة هيكلة المنشآت العمومية خاصة بالخطوط التونسية دون طرح فكرة الخوصصة بالمرة بل تم الاكتفاء فقط بإدخال ديون ديوان الطيران المدني والمطارات وهي بقيمة 800 مليون دينار في رأس مال الشركة مع إيجاد سيولة بـ200 مليون دينار.

وعلى حساسيته وأهميته في تامين السلم الاجتماعي، بقي  ملف المؤسسات العمومیة من أهم الملفات التي تحوم حولها صعوبات كبیرة استعصى حلها على جميع الحكومات المتعاقبة ما بعد ثورة 14 جانفي 2011 التي اكتفت فقط بضخ تمويلات كبيرة لتغطیة عجزها دون إصلاحها وإعادة هيكلتها..

ويضم قطاع المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية 104 منشأة تنشط في ما لا يقل عن 21  قطاعا في مختلف الميادين الاقتصادية (نقل – تجارة – صناعة – خدمات مختلفة مثل الماء والكهرباء...). وشهد القطاع عموما خلال العشرية الأخيرة تراجعا متواصلا في المردودية واختلال التوازن بعد أن كان منذ الاستقلال سندا هاما وإيجابيا في التنمية الاقتصادية المستدامة.

ومازالت المؤسسات العمومية في تونس تعيش صعوبات مالية كبيرة، لم تجد لها الدولة إلى حد اليوم حلولا، بالرغم من الخطط والبرامج التي أتت بها الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة لإصلاح وإعادة هيكلة هذه المنشات لتصل قيمة العجز الحاصل بها مع موفى سنة 2021، إلى ما يناهز الـ7 مليار دينار...

وكانت من أهم أسباب تردي الوضع الذي آلت إليه المنشآت العمومية تضخم فاتورة الأجور منذ الثورة في 2011 والتي ارتفعت بنسبة 35 بالمائة من جهة  وتراجع النشاط الاقتصادي للبلاد من جهة ثانية، لتصل ديون هذه المؤسسات العمومية اليوم الى ما يناهز الـ11 مليار دينار.

ومع تواصل تزايد حجم الديون المتراكمة لدى المؤسسات العمومية، ستضطر الدولة للتكفل بسداد هذه الديون مهما كان حجمها باعتبار أنها الضامن الوحيد لها وهو ما من شانه أن يثقل كاهلها أكثر مع ارتفاع ديونها، وهو ما سيفتح جبهة جديدة بين الدولة والاتحاد العام التونسي للشغل...

وكانت الدولة قد انطلقت بصفة رسمية في البرامج والخطط الإصلاحية منذ سنة 2014، إلا أنها باءت بالفشل في اغلبها بعد أن واجهت معارضة شرسة من قبل المنظمة الشغيلية لأنها تعتبرها  تهديدا للقطاع العمومي وتجريدا للدولة من أسلحتها الاقتصادية والتنموية.

واهم هذه المنشآت العمومية، شركة الخطوط الجوية التونسية "تونيسار" وشركة "الفولاذ" وشركة "نقل تونس"  و"الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية" التي لم تكن عمليات إصلاحها بالأمر الهيّن لعدة اعتبارات والتي على رأسها تمسك المنظمة الشغيلة بحق العمال فيها وهو عدم خصخصتها.

وكانت الآونة الأخيرة قد شهدت جدلا واسعا بين ساسة البلاد والأوساط التونسية عموما عاد حول مسالة التفويت في المؤسسات العمومية، كأحد الحلول التي طرحت لإصلاحها بعد أن تواترت الأنباء حول اتفاق الحكومة المبدئي مع صندوق النقد الدولي بشان الحصول على قرض جديد تشترط فيه المؤسسة المالية إصلاح المنشآت العمومية التي تعاني من عجز واسع ومديونية كبيرة بسبب ارتفاع كتلة الأجور فيها ونسبة التأجير.

وكان الصندوق قد أوصى تونس ولأول مرة في تقريره الأخير مع موفى السنة المنقضية أن إنعاش الاقتصاد التونسي، يستدعي بالضرورة القيام ببعض الإصلاحات، على غرار إعادة تأهيل المؤسسات العمومية التي تحتاج أن تكون أكثر ديناميكية ونجاعة حتى تكون قادرة على الرفع من إنتاجية الاقتصاد.

كما اكد الصندوق على ضرورة ان يجري دفع الاقتصاد وتنفيذ الإصلاحات عبر حوار وطني، يكون بمثابة العقد الاجتماعي الذي يجمع كل القوى الحية، على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والمجتمع المدني والشباب وخبراء الاقتصاد ...

وبقي ملف المؤسسات العمومية من أهم الملفات التي تحوم حولها صعوبات كبيرة استعصت على حلها الحكومات المتعاقبة ما بعد ثورة 14 جانفي 2011، واكتفت فقط بضخ تمويلات هامة لتغطية عجزها دون إصلاحها وإعادة هيكلتها واختلفت طريقة التعامل مع هذا الملف مع حكومة الوحدة الوطنية عن طريق التجائها منذ مطلع السنة المنقضية إلى التفكير جديا في إصلاحها بخوصصة البعض من مساهمات الدولة والتفويت فيها خاصة تلك التي تعتبرها غير إستراتيجية وتنشط في قطاع تنافسي باعتبارها مؤسسات تجارية مفتوحة لرأس المال الخاص.. فهل ستفعل حكومة بودن كل الإجراءات الخاصة بخوصصة المؤسسات العمومية والتي عجزت عنها بقية الحكومات السابقة؟...

وعلى ما يبدو هذا التوجه سائرة فيه الحكومة بكل ثقلها في الأيام القليلة القادمة بتأكيد صريح لم يسبق للاتحاد أن أعلن عنه أول أمس في شخص أمينه العام نور الدين الطبوبي، عندما أكد أن الحكومة تعهدت لصندوق النقد الدولي بالتفويت في بنك الإسكان ووكالة التبغ والوقيد وبعض الأرصفة من ميناء رادس .

المؤسسات العمومية.. قطاع يصارع أزمات متتالية

المؤسسات العمومية ذات الصبغة العمومية التي تنشط في قطاعات إستراتيجية إلى جانب الخمس مؤسسات التي انطلقت الحكومة في إعادة هيكلتها، هذه قائمة المؤسسات العمومية التي أثارت جدلا واسعا بين التونسيين في ما يتعلق بنية الدولة التفريط فيها حسب وثيقة رسمية كانت قد فندتها الحكومة فيما بعد والتي تضم 32 مؤسسة وهي:

المطبعة الرسمية للجمهورية الرسمية- وكالة تونس إفريقيا للأنباء -الوكالة البلدية للخدمات البيئية- الوكالة البلدية للتصرف التابعة لبلدية تونس- شركة شبكة تونس للتجارة- الشركة التونسية للكهرباء والغاز -الوكالة العقارية الصناعية- الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه -وكالة موانئ وتجهيزات الصيد البحري -شركة استغلال قنال وأنابيب مياه الشمال -الشركة الوطنية لحماية النباتات -الوكالة العقارية للسكنى -الشركات الوطنية العقارية- وكالة التهذيب والتجديد العمراني -ديوان قيس الأراضي والمسح العقاري-شركة النهوض بالمساكن الاجتماعية-الديوان الوطني للتطهير-الديوان الوطني للبريد ''البريد التونسي''-الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي-الشركات الجهوية للنقل -شركة النقل بتونس -شركة تونس للشبكة الحديدية السريعة -الديوان الوطني للمعابر الحدودية -مركز النهوض بالصادرات -الشركة التونسية لأسواق الجملة -الوكالة العقارية للسياحة -المركز الوطني البيداغوجي -الصيدلية المركزية للبلاد التونسية-الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري-الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية -الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي -الصندوق الوطني للتأمين على المرض.