لمَّا سُئل الشاعر أحمد فؤاد نجم لماذا بعضٌ من شعره بذيء، أجاب أنه ليس بقدر بذاءة الوضع الذي أصبحنا نعيشه! أما أنا، فلم ولن أكون بذيئة مهما حصل، لكنني أعترف أن الوضع الكارثي الذي وصلت إليه بلادنا، أصبح بذيئا إلى درجة أن عدم الحديث عنه، بنفس قدر بذاءته، يُمكن أن يُعتبر تواطؤ.
لقد وصلنا إلى قاع البحر الذي يغرق فيه يوميا أبناء شعبنا، وَليَلعَنُنَا التاريخ جميعا لصمتنا وتراخينا ولامبالاتنا، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس!
لما طَلَعَ بدر الدستور الجديد علينا، في هاته الصائفة، نشرت العديد من المقالات، والعديد من المداخلات الإذاعية، مُحذِّرة من تداعيات تأويلات الفصل الخامس، ليس فقط من طرف السلطات المحلية والمركزية، لكن أيضا من طرف عموم الشعب. وكنت أتمنى أن أكون مُخطئة، لكن للأسف، تحذيراتي كانت في محلّها، وما حصل يوم الأحد 23 أكتوبر في القيروان، لدليل صارخ لخطورة ما يمكن أن ينجرَّ عنه من تأويلات خاطئة لعبارة "مقاصد الإسلام"، المُضَمنَةُ في الفصل الخامس، والتي تسبَّبت في مقتل مواطن تونسي، أب لعائلة كانت في أمسِّ الحاجة لحنانه ورعايته لها.
حين سمعت بهذه الجريمة النكراء، أوّل صورة تَبادرت إلى ذهني، هي صورة الأيادي الآثمة للشرطي الديني الإيراني، الذي ضرب فتاة الـ22 ربيعا على رأسها، لمجرد رؤيته لخصلة من شعرها، ظهرت من تحت الحجاب التي كانت تُغَطِّي به رأسها. فعلة شنيعة لا يمكن أن تُفسَّر إلا بإصابة هذا الشرطي بمرض نفسي جعله، عوض أن يحمي أفراد الشعب الذي استَأمَنَهُ على حياته، ينقلب إلى مُجرم يقتل لأتفه الأسباب.
لماذا، وكيف، ومَن غسل دماغ هذا الشرطي وجعله يؤمن أن الدين الإسلامي يستبيح القتل خوفا من خصلة شعر ملاك برئ لم تَعش إلا عَشريتين مُرعبتين لحكم الأصولية الدينية في بلادها، التي قتلت واعتقلت ما طاب لها، مختفية وراء تأويلاتها المُهينة للدين. لماذا، وكيف ومَن سمح أن تُحوِّلَ تأويلاتٌ للدين الإسلامي، أشخاصا مُنِحوا سلطة، هم ليسوا أهلا لها، إلى وحوش بدون شفقة ولا رحمة. وحوش لا ترتقي إلى مستوى الحيوانات، لأنني لم أقابل في حياتي حيوانا جبانا إلى درجة أن يقتل لمجرد رؤية شعر أنثى حيوان آخر، أو من نفس الفصيلة!
نفس هذه التأويلات جعلت رجلا في القيروان، وبمجرد رؤية فتاة ترتدي فستانا لم يعجبه طوله، يقتل أب عائلة قرَّر أن يسمح لهذه الفتاة أن تركب في سيارة أجرته، لأنه يعتبر أن اختيار أي لباس هو مسألة شخصية وحرية فردية.
وهنا تَكمن خطورة الفصل الخامس من الدستور الجديد لأنه بمثابة "إذن بالقتل" لأي مُختل عقليا، يُقرِّرُ أن يُؤوِّل الدين حسب فهمه العقيم وجهله العميق، والذي على أساسه، يُنفِذُ حكم الإعدام على أي شخص إذا لم يشاطره نفس التأويل. وهذا بالضبط ما يقوم به الإرهابيون حين يقتلون أي شخص لا يشاطرهم الرأي، أو العقيدة أو اللون أو لأي تعلة أخرى، لا يجدون لها صدى في قاموس وعيهم المَهووس والمُعتل.
هل فَكّر الشخص أو الأشخاص الذين كتبوا دستور 2022، في احتمالية خطورة تأويل الدين حسب مزاج أي جاهل بصحيح النصوص الدينية. هل فكَّروا في الأشخاص، مثل هذا الرجل، الذين يظنُّون أنهم أوصياء على حماية الدين، وأن دورهم في الحياة، هو منع ظهور أي جزء من جسد أي امرأة، إلى درجة أن يستبيحوا قتلها،أو قتل أي شخص يدافع على حريات النساء الفردية وحقوقها الكونية؟ وما هي مسؤولية هؤلاء المُشرعين حين تُرتكب مثل هذه الجرائم بالاعتماد على تأويل أي مُختل عقلي للفصل الخامس من الدستور التونسي؟ كيف يمكن لهذا المُشرِّع أن ينام، وهو يعلم أن فصله هذا تسبَّب في قتل المُعيل الوحيد لعائلة، ويحرم أطفاله وزوجته من حب وحنان ورعاية هذا الأب؟ هل يُقدِّر هذا المُشرّع هول المصيبة التي حلَّت بهذه العائلة وبكل أصدقائها وجيرانها، من جراء إضافة فصل لم يوجد في أي دستور تونسي منذ الاستقلال، ضاربا عرض الحائط بكل النضالات النسوية من أجل المساواة؟ مساواة لا يمكن ضمانها إلا في ظل قانون وضعي يساوي بين الحقوق والواجبات والفرص لكل المواطنين والمواطنات؟؟
وما دور المجتمع في حماية أفراده حينما يتخلى أصحاب القرار عن تلك الحماية؟ لا بل حينما يتسبّب صاحب القرار، عن وعي أو غير وعي، وعن قصد أو غير قصد، في كوارث وجرائم مثل جريمة القيروان؟
هل ستقبل نساء تونس أن نُقتل الواحدة منَّا تلو الأخرى، لمُجرد ألا يوافق أي معتوهٍ عن لباسنا؟ هل سَتَسكُت نساء تونس عن التهديد الذي سوف يمارس ضدَّهن، كل يوم، وضدَّ بناتهن وحفيداتهن؟
لا أتصور أن حرائر تونس تَقبَلنَ أن يعبث بحياتهن وبحياة أي رجل تونسي يقف صدًا منيعا لحماية حريتهن الشخصية وحقوقهن الكونية. لن تقبل نساء تونس أن تعشن في محيط مخيف، وتحت تهديد كل من تسائله نفسُه بتأويل الدين حسب غسيل الدماغ الذي مُورس عليه من كل الأصوليين الدينين، والذين أقنعوه أن جسد المرأة عورة، وصوتها عورة، وخُروجها للشارع حرام، وعِلمها وعملها يتحدى غباء بعضهم، وجهله يستهزئ بكل تضحياتها للتفوق علما ومعرفة ورتبا مهنية.
لقد تمتعت جدَّاتنا وأمهاتنا بكل حقوقهن منذ فجر الاستقلال. وكنَّا ننتظر أن يُتمِّمَ كل صاحب قرار، ما نَقُصَ منها. ولكن لم تتصور،أي امرأة في أبشع كوابيسها، أن يُشرِّع أي شخص لحرمانها من أي حق اكتسبناه بفضل نضال أجيال من النساء والرجال الوطنيين. وسوف يقف كل المواطنين والمواطنات الوطنيين صَدًا منيعا لحماية حقوق كل أفراد مجتمعنا كاملة، غير منقوصة. وسوف تواصل المجموعة الوطنية التنديد بوجود مثل هذا الفصل الذي يُبرِّر كل الانتهاكات ضد حقوق المرأة، الموجودة في كل دول المنطقة، من جراء فصول مشابهة. انتهاكات مثل "جرائم اللاَّشرف"، والعنف بكل أنواعه المُسلط ضد النساء. وهذا النضال مبني على مبدأ أن المساواة هي الشرط الأساسي لضمان المُواطنة، وتوفير التنمية والعدل بين جميع أفراد المجتمع. ومبدأ المساواة مُقتَرِنٌ اقترانا كليا بمبدأ مَدنيَّة الدولة، لضمان المُواطنة المُتساوية والكاملة بين جميع أفراد المجتمع.
فليتذكر أي صاحب قرار أن السلطة مسؤولية أو لا تكون، وعدم تحملها كاملة، يُمثل خيانة مؤتمن!
بقلم:خديجة توفيق معلَّى
لمَّا سُئل الشاعر أحمد فؤاد نجم لماذا بعضٌ من شعره بذيء، أجاب أنه ليس بقدر بذاءة الوضع الذي أصبحنا نعيشه! أما أنا، فلم ولن أكون بذيئة مهما حصل، لكنني أعترف أن الوضع الكارثي الذي وصلت إليه بلادنا، أصبح بذيئا إلى درجة أن عدم الحديث عنه، بنفس قدر بذاءته، يُمكن أن يُعتبر تواطؤ.
لقد وصلنا إلى قاع البحر الذي يغرق فيه يوميا أبناء شعبنا، وَليَلعَنُنَا التاريخ جميعا لصمتنا وتراخينا ولامبالاتنا، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس!
لما طَلَعَ بدر الدستور الجديد علينا، في هاته الصائفة، نشرت العديد من المقالات، والعديد من المداخلات الإذاعية، مُحذِّرة من تداعيات تأويلات الفصل الخامس، ليس فقط من طرف السلطات المحلية والمركزية، لكن أيضا من طرف عموم الشعب. وكنت أتمنى أن أكون مُخطئة، لكن للأسف، تحذيراتي كانت في محلّها، وما حصل يوم الأحد 23 أكتوبر في القيروان، لدليل صارخ لخطورة ما يمكن أن ينجرَّ عنه من تأويلات خاطئة لعبارة "مقاصد الإسلام"، المُضَمنَةُ في الفصل الخامس، والتي تسبَّبت في مقتل مواطن تونسي، أب لعائلة كانت في أمسِّ الحاجة لحنانه ورعايته لها.
حين سمعت بهذه الجريمة النكراء، أوّل صورة تَبادرت إلى ذهني، هي صورة الأيادي الآثمة للشرطي الديني الإيراني، الذي ضرب فتاة الـ22 ربيعا على رأسها، لمجرد رؤيته لخصلة من شعرها، ظهرت من تحت الحجاب التي كانت تُغَطِّي به رأسها. فعلة شنيعة لا يمكن أن تُفسَّر إلا بإصابة هذا الشرطي بمرض نفسي جعله، عوض أن يحمي أفراد الشعب الذي استَأمَنَهُ على حياته، ينقلب إلى مُجرم يقتل لأتفه الأسباب.
لماذا، وكيف، ومَن غسل دماغ هذا الشرطي وجعله يؤمن أن الدين الإسلامي يستبيح القتل خوفا من خصلة شعر ملاك برئ لم تَعش إلا عَشريتين مُرعبتين لحكم الأصولية الدينية في بلادها، التي قتلت واعتقلت ما طاب لها، مختفية وراء تأويلاتها المُهينة للدين. لماذا، وكيف ومَن سمح أن تُحوِّلَ تأويلاتٌ للدين الإسلامي، أشخاصا مُنِحوا سلطة، هم ليسوا أهلا لها، إلى وحوش بدون شفقة ولا رحمة. وحوش لا ترتقي إلى مستوى الحيوانات، لأنني لم أقابل في حياتي حيوانا جبانا إلى درجة أن يقتل لمجرد رؤية شعر أنثى حيوان آخر، أو من نفس الفصيلة!
نفس هذه التأويلات جعلت رجلا في القيروان، وبمجرد رؤية فتاة ترتدي فستانا لم يعجبه طوله، يقتل أب عائلة قرَّر أن يسمح لهذه الفتاة أن تركب في سيارة أجرته، لأنه يعتبر أن اختيار أي لباس هو مسألة شخصية وحرية فردية.
وهنا تَكمن خطورة الفصل الخامس من الدستور الجديد لأنه بمثابة "إذن بالقتل" لأي مُختل عقليا، يُقرِّرُ أن يُؤوِّل الدين حسب فهمه العقيم وجهله العميق، والذي على أساسه، يُنفِذُ حكم الإعدام على أي شخص إذا لم يشاطره نفس التأويل. وهذا بالضبط ما يقوم به الإرهابيون حين يقتلون أي شخص لا يشاطرهم الرأي، أو العقيدة أو اللون أو لأي تعلة أخرى، لا يجدون لها صدى في قاموس وعيهم المَهووس والمُعتل.
هل فَكّر الشخص أو الأشخاص الذين كتبوا دستور 2022، في احتمالية خطورة تأويل الدين حسب مزاج أي جاهل بصحيح النصوص الدينية. هل فكَّروا في الأشخاص، مثل هذا الرجل، الذين يظنُّون أنهم أوصياء على حماية الدين، وأن دورهم في الحياة، هو منع ظهور أي جزء من جسد أي امرأة، إلى درجة أن يستبيحوا قتلها،أو قتل أي شخص يدافع على حريات النساء الفردية وحقوقها الكونية؟ وما هي مسؤولية هؤلاء المُشرعين حين تُرتكب مثل هذه الجرائم بالاعتماد على تأويل أي مُختل عقلي للفصل الخامس من الدستور التونسي؟ كيف يمكن لهذا المُشرِّع أن ينام، وهو يعلم أن فصله هذا تسبَّب في قتل المُعيل الوحيد لعائلة، ويحرم أطفاله وزوجته من حب وحنان ورعاية هذا الأب؟ هل يُقدِّر هذا المُشرّع هول المصيبة التي حلَّت بهذه العائلة وبكل أصدقائها وجيرانها، من جراء إضافة فصل لم يوجد في أي دستور تونسي منذ الاستقلال، ضاربا عرض الحائط بكل النضالات النسوية من أجل المساواة؟ مساواة لا يمكن ضمانها إلا في ظل قانون وضعي يساوي بين الحقوق والواجبات والفرص لكل المواطنين والمواطنات؟؟
وما دور المجتمع في حماية أفراده حينما يتخلى أصحاب القرار عن تلك الحماية؟ لا بل حينما يتسبّب صاحب القرار، عن وعي أو غير وعي، وعن قصد أو غير قصد، في كوارث وجرائم مثل جريمة القيروان؟
هل ستقبل نساء تونس أن نُقتل الواحدة منَّا تلو الأخرى، لمُجرد ألا يوافق أي معتوهٍ عن لباسنا؟ هل سَتَسكُت نساء تونس عن التهديد الذي سوف يمارس ضدَّهن، كل يوم، وضدَّ بناتهن وحفيداتهن؟
لا أتصور أن حرائر تونس تَقبَلنَ أن يعبث بحياتهن وبحياة أي رجل تونسي يقف صدًا منيعا لحماية حريتهن الشخصية وحقوقهن الكونية. لن تقبل نساء تونس أن تعشن في محيط مخيف، وتحت تهديد كل من تسائله نفسُه بتأويل الدين حسب غسيل الدماغ الذي مُورس عليه من كل الأصوليين الدينين، والذين أقنعوه أن جسد المرأة عورة، وصوتها عورة، وخُروجها للشارع حرام، وعِلمها وعملها يتحدى غباء بعضهم، وجهله يستهزئ بكل تضحياتها للتفوق علما ومعرفة ورتبا مهنية.
لقد تمتعت جدَّاتنا وأمهاتنا بكل حقوقهن منذ فجر الاستقلال. وكنَّا ننتظر أن يُتمِّمَ كل صاحب قرار، ما نَقُصَ منها. ولكن لم تتصور،أي امرأة في أبشع كوابيسها، أن يُشرِّع أي شخص لحرمانها من أي حق اكتسبناه بفضل نضال أجيال من النساء والرجال الوطنيين. وسوف يقف كل المواطنين والمواطنات الوطنيين صَدًا منيعا لحماية حقوق كل أفراد مجتمعنا كاملة، غير منقوصة. وسوف تواصل المجموعة الوطنية التنديد بوجود مثل هذا الفصل الذي يُبرِّر كل الانتهاكات ضد حقوق المرأة، الموجودة في كل دول المنطقة، من جراء فصول مشابهة. انتهاكات مثل "جرائم اللاَّشرف"، والعنف بكل أنواعه المُسلط ضد النساء. وهذا النضال مبني على مبدأ أن المساواة هي الشرط الأساسي لضمان المُواطنة، وتوفير التنمية والعدل بين جميع أفراد المجتمع. ومبدأ المساواة مُقتَرِنٌ اقترانا كليا بمبدأ مَدنيَّة الدولة، لضمان المُواطنة المُتساوية والكاملة بين جميع أفراد المجتمع.
فليتذكر أي صاحب قرار أن السلطة مسؤولية أو لا تكون، وعدم تحملها كاملة، يُمثل خيانة مؤتمن!