تونس الصباح
سيكون لزاما على متتبعي الشأن العربي التساؤل عما إذا كان يجب المضي قدما في عقد القمم العربية والحفاظ على هذا الموعد من سنة إلى أخرى رغم هشاشة الوضع العربي ورغم غياب الانجازات والقرارات أو ما إذا سيتعين مستقبلا التخلي عن عقد القمة العربية بكل ما يعنيه ذلك من تغييب للجامعة العربية ومؤسساتها.. والأرجح أن المسألة ليست بهذه البساطة ولا يمكن الانسياق بأي حال من الأحوال وراء الأفكار العدمية بأنه لا حاجة للدول العربية بالجامعة العربية أو القمة العربية إذ لو كان الأمر كذلك فان الأمر سينسحب على الأمم المتحدة التي تبقى وبرغم انحيازها وفشلها في الكثير من الملفات والقضايا الحارقة أساسية في تجنب الأسوأ.. نقول هذا الكلام ونحن درك أن إصلاح جامعة الدول العربية مسألة تأخرت أكثر مما ينبغي وأن غياب الجامعة العربية كما غياب الاتحاد المغاربي فاقم الأزمات وساهم في تردي واقع الأمم والشعوب منذ اجتياح العراق إلى تدمير اليمن وخراب سوريا وليبيا وقبل ذلك ضياع فلسطين..
ومن هذا المنطلق فان الحديث اليوم عن قمة الجزائر يفترض وأكثر من أي وقت مضى وضع النقاط على الحروف والتساؤل جديا ما إذا نحن إزاء خارطة عربية متضامنة حاضرا ومستقبلا ويربط بينها مصالح مشتركة أو ما إذا نحن إزاء مجموعة دول ما يفرق بينها أكثر مما يجمعها.. لا خلاف أن الحديث عن القمة العربية المرتقبة خلال الساعات القادمة في الجزائر تظل من المسائل التي لا تخلو من تعقيدات كثيرة والتشتت بين العاطفة التي تدفع إلى ضرورة إعلاء شأن المصلحة والمصالحة العربية والاستجابة لتطلعات الشعوب العربية في الانتصار للقضايا المشروعة واستعادة الكرامة المهدورة وبين المنطق الذي يعيدنا إلى الأمر الواقع ويذكر بحجم المآسي والانشقاقات والاختلافات والصراعات العربية -العربية التي تحكم على أي قمة عربية بالفشل قبل حتى انطلاقها بسبب المكابرة وغياب الإرادة السياسية ولكن أيضا بسبب الضغوطات الإقليمية والدولية ولعبة المصالح التي تقف دون التقدم في أي ملف من الملفات العربية العالقة.. ولا نكشف سرا إذا اعتبرنا أن قمة الجزائر تنعقد في ظروف دولية وإقليمية غير مسبوقة وبعد سنتين من تداعيات جائحة كورونا تأتي الحرب الروسية في أوكرانيا لتفرض على الدول العربية تحديات إضافية وغير مسبوقة تتعلق بأمنها الغذئي والطاقي كل ذلك طبعا دون اعتبار إلى أن القمة تأتي في مناخ معلن من التطبيع مع الكيان الإسرائيلي حيث باتت علاقات بعض العواصم العربية مع إسرائيل أكثر دفئا مما هي عليه مع الفلسطينيين أو حتى مع دول عربية ناهيك عن التدخلات الإقليمية من الجانب التركي والإيراني في أكثر من بلد منهك بفعل أزماته الداخلية منذ اندلاع موسم الربيع العربي قبل احد عشر عاما...
بعد أكثر من تأجيل يبدو أن قمة الجزائر في دورتها الـ31 تحت شعار "لم الشمل" باتت أمرا محسوما أيا كان مستوى الحضور والمشاركة في هذا الموعد العربي الأول منذ قمة تونس 2019 مع انطلاق اجتماعات اللجان الاقتصادية التقليدية ولقاءات وزراء خارجية الدول العربية التي تسبق اجتماع القادة العرب يوم غرة نوفمبر... وهي كلها تفاصيل ترتيبية بروتوكولية دأبت عليها القمم العربية على مدى عقود من تـأسيس جامعة الدول العربية..
صحيح أن الكثير من التشويق والغموض يهيمن على المشهد حتى اللحظات الأخيرة في انتظار أن تتضح مشاركة العاهل المغربي محمد السادس من عدمه بكل ما تعنيه هذه المشاركة من قراءات وتأويلات على ارض الواقع في علاقات المغرب والجزائر التي يتعين أن تضع حدا لحالة التوتر بينهما أو في العلاقات بين تونس والمغرب التي شهدت قطيعة غير مسبوقة بعد قمة "التيكاد" التي شهدت مشاركة زعيم جبهة البوليزاريو... أو كذلك على مستوى حضور قادة الخليج الذين يبدو أنهم يجدون في مجلس التعاون الخليجي الفضاء الأفضل للمصالح الخليجية..
سيكون من السذاجة الاعتقاد أن قمة الجزائر ستغير الواقع العربي أو تنهي التفكك الحاصل في العلاقات أو تمنع النزيف الدموي الحاصل أو تنقذ الأجيال الضائعة من براثن الفقر والتشرد والصراعات المسلحة أو تضع حدا للانهيار الحاصل أو تصنع مناعة جديدة للأمن الغذائي المهدد ولسيناريو الانقسامات والصراعات والنزيف الذي أنهك الأجيال.. لهذه الأسباب ولغيرها أيضا فقد ارتأينا في محاولة لقراءة مآلات قمة الجزائر وفك شيفرة الساعات القادمة استقراء مواقف وأراء زملاء ومحللين من عدد من الدول العربية من ليبيا إلى سوريا وغزة ورام الله والتي تعيش على واقع أزمات لا تنتهي وتتطلع بشكل أو بآخر إلى رصد بقية من أمل قد يظهر في نهاية النفق ويدفع إلى إعادة تحديد البوصلة والاختيار بين لم الشمل أو إراقة ما بقي من ماء الوجه..
إشراف: اسيا العتروس
عطالة النظام الإقليمي العربي ومرتكزات إصلاحه
بقلم: الدكتور عبد الله تركماني
قدمت ثورة التحرير الوطني الجزائرية في الفاتح من نوفمبر 1954 نموذجاً للمِّ شمل العرب حولها، ومع اقتراب موعد القمة العربية في الجزائر، تحت مسمى "قمة لمّ الشمل العربي"، يتجدد سؤال الشعوب العربية عن جدوى جامعة الدول العربية والقمم العربية في ظل تراجع دور العالم العربي في التعاطي المجدي مع التحديات التي تواجهه، إن كان على ضوء تحوّل العديد من دوله إلى دول فاشلة، بل وصول بعضها إلى حدِّ الكارثة الإنسانية كما هو حال سوريا. فهل يمكن لجزائر اليوم أن تلمَّ شمل العرب من أجل إصلاح حال نظامهم الإقليمي، أم أنّ قمتهم ستكون كما حال قممهم السابقة؟ ثمَّ أليس إعطاء المثل، من خلال المصالحة الحقيقية بين الجزائر والمغرب وتفعيل الاتحاد المغاربي، لبداية لمِّ الشمل المغاربي، أقرب إلى الإمكانية الواقعية من القفز إلى الشمولية العربية؟
إذ تتمثل إشكالية واقع جامعة الدول العربية، منذ تأسيسها في العام 1945 حتى اليوم، بعدم إيجاد صيغة لنوع من السيادة العربية الجماعية في بعض المجالات من دون التفريط بجوهر السيادة الوطنية لكل دولة عربية. خاصة على ضوء تعرّض النظام الإقليمي العربي إلى تهديد خطير من قبل النظام الإقليمي الشرق أوسطي، بعد بروز القوى الإقليمية الأخرى، إسرائيل وإيران وتركيا، وانحسار الدور العربي.
وإذا كانت محاولات إصلاح هيكلية الجامعة وتفعيل دورها قد جرت مرات عديدة في الماضي، فإنّ هذا الإصلاح أصبح اليوم أكثر إلحاحاً وأهمية. ويبدو أنّ الإصلاح المنشود يثير مجموعة من الأسئلة والفرضيات حول: تقييم عمل الجامعة وهيكلتها، وطبيعة التغيّرات التي ينبغي إدخالها لتحسين الأداء بهدف الاستجابة للتحديات.
إنّ الحاجة ماسّة إلى نظام إقليمي عربي جديد يتكيّف إيجابياً مع التغيّرات الإقليمية والدولية، ويتمكن من التعاطي المجدي مع التحديات، ويستند إلى دول عربية عصرية تقوم على أسس الحق والقانون والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويدرك عناصر القوة الكامنة لدى الدول العربية ويفعّلها لما يخدم الأهداف المشتركة.
لقد أثّرت مجموعة عوامل في إضعاف أداء الجامعة، ومن أهمها:
(1) - غياب التمثيل الشعبي والمشاركة الشعبية في أجهزة الجامعة ومؤسساتها، إذ بقيت الجامعة ممثلة لسلطات الدول العربية فقط.
(2) - عدم وجود آلية لمتابعة مدى التزام الدول بقرارات الجامعة، وعدم الأخذ بالمنهج الوظيفي لتحقيق الأهداف المشتركة المقرّة في إطار الجامعة.
وهكذا، إنّ تحديد أهم العوامل التي أضعفت أداء جامعة الدول العربية يشير إلى خلل بنيوي وسلوكي، إذ يبدو أنّ الأمر يتعلق بضرورة إعطاء الجامعة سلطة "ما فوق وطنية" مقابل تنازل الدول الأعضاء عن جزء من سيادتها، كما أنّ تحوّلاً سلوكياً في اتجاه التوافق بين الدول الأعضاء على الحلول الوسط يبدو ضرورياً أيضاً.
إنّ إحياء دور النظام العربي يتطلب تعامله بنجاح مع تحديات خمسة:
(1) - المصالحة بين منطق الدولة ومنطق الأمة، إذ إنّ الدولة الوطنية تبقى المدماك(الأساس) لتحويل الأمة من انتماء وجداني إلى واقع حي وفعّال، خاصة من خلال التطور المؤسسي الشامل الذي يحقق المشاركة الفاعلة للقوى الاجتماعية والسياسية داخل كل قطر عربي والنجاح في إنجاز تنمية شاملة مجدية.
(2) - المصالحة السياسية، من خلال إطلاق حوار سياسي عربي ممأسس ومبرمج يضم فعاليات حكومية وغير حكومية، بغية إعادة صياغة العلاقات على قواعد ثابتة وواضحة ومستقرة، تسمح بإعادة تشكيل السياج الواقي للنظام العربي، وتساهم في إيقاف الانهيار والتفكك الحاصلين.
(3) - تجديد البناء المؤسسي وتكييفه مع التحديات السياسية والوظيفية الجديدة ليستطيع التعامل معها بفعالية، ومما قد يسهّل هذا التجديد أنّ ميثاق الجامعة يتيح المجال لإمكانية اعتماد مبدأ الملاحق لمأسسة بعض الوظائف والأدوار الجديدة، كما أنّ العالم يعيش ثورة تنظيمية هائلة تساعد في هذا المجال، وكذلك وجود العنصر الثقافي المشترك الذي يسهّل لغة وطبيعة التفاعلات بين مكوّنات الجامعة، خاصة إذا ما توفّرت الإرادة السياسية لذلك. أما مجالات التجديد التي تستوجب تركيز الإصلاحات عليها فهي:
(أ)- تطوير وظيفة الديبلوماسية الوقائية، من خلال إيجاد آلية لتسوية الخلافات العربية – العربية وإدارتها، وتفعيل ميثاق الشرف للأمن والتعاون العربي الذي أُنجز منذ سنة 1995، وإحداث محكمة العدل العربية بعد أن تبين أنّ وسيلتي الوساطة والتحكيم القائمتين على الترضية السطحية والوقتية غير كافيتين لتسوية النزاعات، والنظر في نظام القرارات في الجامعة.
(ب)- المجتمع المدني العربي، من خلال صيرورة الجامعة "حزام نقل" في الاتجاهين بين القرار العربي الرسمي من جهة وهيئات ومنظمات المجتمع المدني من جهة أخرى، بما يفتح في المجال للقيم السياسية الحديثة مثل: الديمقراطية وعناصر الحوكمة الرشيدة، وبما يعزز البعد الشعبي العربي للجامعة ويوفّر الآليات لمشاركة كافة هيئات المجتمع في صياغة القرارات المشتركة. ولعلَّ تحقيق هذا التواصل يتطلب تطعيم أجهزة الجامعة بالخبرات العربية من خارج "الكوتا" الرسمية، كما يتطلب تفعيل "الميثاق العربي لحقوق الإنسان"، وإحداث سلطة برلمانية شعبية عربية تمثل الدول الأعضاء عن طريق الانتخابات المباشرة الشفافة والنزيهة.
(4) - صياغة العلاقات العربية مع دول الجوار، فإذا كان مستقبل العلاقات مع إسرائيل مرتبط بمدى فشل أو نجاح عملية السلام، طبقاً لمبادرة السلام العربية، وما يحمله كل من الاحتمالين من تحديات، فإنّ العلاقة مع إيران وتركيا تستوجب صياغة رؤية عربية إستراتيجية لتحديد العلاقة مع كل من الدولتين ضمن أطر شاملة وذات آفاق مستقبلية، على أن نحذر من تغلغل النفوذ الإيراني في سورية ولبنان والعراق واليمن، وضرورة كف يدها عن التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، ومع محاولة إيجاد حلول عادلة لمشكلة المياه بين تركيا وكل من سورية والعراق ومتابعة تنامي العلاقات التركية – الإسرائيلية وتأثيرها على التوازنات الإستراتيجية في الشرق الأوسط.
(5) - إعادة صياغة علاقات النظام العربي على الصعيد الدولي انطلاقاً من المتغيّرات الدولية، التي ستؤول بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وذلك من خلال إجراء تقويم بشأن كل علاقة ثنائية مع قوى العالم الجديد.
وإذا ما تم كل ذلك يمكن القول: إنّ الجامعة العربية منظمة إقليمية لها أهدافها ورؤيتها، وتمتلك آليات تنفيذ قراراتها، وتتمكن من إيجاد توازن من نوع جديد بين العالم العربي ودول إقليم الشرق الأوسط، قد يمكّن من فرض سلام عادل للصراع العربي – الإسرائيلي ونقل الصراع إلى مواجهة حضارية تتماشى مع قواعد اللعبة الدولية الجديدة.
إننا نعيش مرحلة انتقالية منفتحة على مختلف الاحتمالات خاصة على ضوء تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، إضافة إلى مآلات الاتفاق حول نووي إيران، وحالات فشل بعض الدول (العراق، سوريا، لبنان، اليمن..). ولن يكون لنا ما نريد سوى بالتخطيط والعمل الاستراتيجي في المديين القريب والبعيد، للتعاطي المجدي مع الامتحان العسير في الأفق المنظور، فإما أن نتدارك مفاعيل الانفجار القادم بشكل إيجابي، أو تُفرَض نظم إقليمية أخرى تمسخ الطابع العربي للمنطقة.
القدس وفلسطين على أجندة القمة العربية في الجزائر...!
الإرادة السياسية العربية تحت الاختبار والشعوب تريد قرارات بأنياب..؟!!!!
بقلم: نواف الزرو(*)
جملة من الأسئلة والتساؤلات الكبيرة تطرح نفسها بقوة ملموسة على الأجندة الرسمية العربية في قمتها الجزائرية، في أعقاب الهجمات الصهيونية الاحتلالية الجامحة على فلسطين والقدس والقضية والدولة والحقوق المشروعة، مستغلة في ذلك انهيار الدول والأوضاع والأحوال العربية وفي مقدمتها انهيار الأمن القومي العربي والمناعة العربية، في التصدي لمشاريع ومخططات وحروب الكيان الصهيوني، بل والأنكى أن البيئة الإستراتيجية العربية التي كانت مناهضة للمشروع الصهيوني تحولت على المستوى الرسمي إلى بيئة إستراتيجية مطبعة مع العدو وهذا هو البعد الأخطر في المشهد العربي اليوم.
الإرادة السياسية العربية
في ضوء هذا المشهد المكثف أعلاه، يتبين لنا يوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، بأن الغائب المغيب الأكبر في المشهد العربي والإقليمي والدولي بشكل عام، وفي مواجهة دولة الاحتلال، بشكل خاص هو الإرادة السياسية العربية.
فكلما "دق الكوز بالجرة" على سبيل المثال في قصة الحرب الإسرائيلية المفتوحة على الشعب الفلسطيني أو في قصة المفاوضات الفلسطينية –الإسرائيلية، واصطدمنا بالتالي بالعناد والصلف والغرور والاستخفاف الإسرائيلي أحسسنا بالنقص والضعف والعجز المرعب في التعامل مع هذا الـ"البلدوزر" الصهيوني المنفلت في كل شيء معنا.. أحسسنا بمنتهى القهر بفقداننا للإرادة السياسية العربية في التصدي له. فهو الذي يصول ويجول ويعربد عنفاً وقتلاً وتدميراً واستيطاناً وتهويداً وتنكيلاً واستخفافاً، وهو الذي يماطل ويسوف ويشترط وينسف.. وهو الذي يلوح ويهدد ويجمح.. وهو الذي يجرجرنا وراءه ويفرض علينا التباحث معه في صيغه واشتراطاته ويتوهنا مع سبق التخطيط في الأمور الهامشية، والإجرائية وهو الذي يعمل على تيئيسنا. هو الذي يفعل كل ذلك وأكثر بمبادرة وتصميم واستهتار.. في حين أننا دائماً نحس بغياب الإرادة السياسية في المواجهة..!
وكذلك تنسحب هذه الصورة مع بالغ الأسف على المستوى الدولي، حيث نتابع بشديد الدهشة والذهول كيف تهيمن الولايات المتحدة على المنظمة الدولية وكيف توجهها وكيف تفرض عليها مواقفها، وكيف تجبرها على اتخاذ قرارات فرض العقوبات الجماعية على الأمة العربية..
ونتابع كيف تفرض الولايات المتحدة على مجلس الأمن الدولي أن يكون استخدام الفيتو فقط ضد المصالح العربية ومن أجل حماية إسرائيل".
نتابع ونشاهد الطغيان والظلم والعداء السافر لكل ما هو عربي، في الوقت الذي نحس بالشلل والخنوع وفقدان الإرادة العربية..
فأين الإرادة السياسية العربية في مواجهة دولة الاحتلال الإسرائيلي المتفرعنة المنفلتة بصورة لم يسبق أن شهد التاريخ مثيلاً لها.. الدولة التي تعتبر نفسها فوق كل المواثيق والقوانين والمساءلات الدولية..؟!
وأين الإرادة السياسية العربية في الارتقاء إلى مستوى الحدث على المستوى الدولي، لنشعر بالحضور والوزن العربي في مؤسسات الشرعية الدولية بدل أن يستفرد بنا في هذه المؤسسات لنبقى لا حول ولا قوة لنا..؟! وأين المرجعيات القومية العربية؟ وأين المسؤولية العربية؟ وأين الحماية العربية للفلسطينيين في ظل غياب الحماية الدولية؟
تحديات وأخطار
وإن كان المشهد الفلسطيني بكافة عناوينه يفتقد إلى الإرادة والمسؤولية القومية العربية فان الباب مفتوح أيضا على مصراعيه أمام زخم هائل من الأسئلة والتساؤلات الكبيرة الملحة: الاستفهامية الاستنكارية بالغة الغضب والاستياء على حد سواء، حول ذلك التحالف الصهيوني –الأمريكي الذي بلغ ذروة تجلياته في الخطاب الأمريكي المتصهين الذي يقصفنا على مدار الساعة إما بالتهديدات أو بالفيتوات ويهدد فيه الفلسطينيين بالويل والثبور...!
ونحن إذ نتوقف هنا في هذه العجالة أمام مشهد الصمت العربي الرسمي الكارثي الذي ظهر بتميز خلال السنوات الماضية وخلال أحداث الانتفاضة والحروب الاحتلالية وجرائم الحرب المستمرة منذ انتفاضة الأقصى، فذلك على أرضية الحرص البالغ على رؤية مشهد وواقع عربي آخر مختلف جوهرياً عن هذا الذي نكابد تحته اليوم.
فبلا أوهام فنحن على امتداد الخريطة العربية مع بالغ الأسى أمام أوضاع عربية شديدة التفكك والإحباط واللوحة العربية الماثلة أمامنا مزدحمة بالهزائم والنكسات وخيبات الأمل والمفارقات المرعبة.. وكذلك بالحقائق والمعطيات والأحداث المتراكمة يوماً عن يوم والتي تشير في مقدمة ما تشير إلى فقدان العرب لبوصلتهم ووجهتهم الصحيحة، وإلى أن حاضرهم ومستقبلهم في مهب الرياح التاريخية العاصفة الجارفة، ثم فقدانهم قدرتهم على استشعار المهمات العاجلة والأولويات الملحة على طريق التصدي والبقاء والنهوض.
فهل تعمل قمة الجزائر يا ترى على أن يستعيد العرب بوصلتهم القومية العروبية..؟!
على أجندة القمة والأمة والدول العربية إذن.. في ضوء هذا الزخم من المعطيات والتحديات والأخطار الكبيرة الحاسمة المصيرية.. فإننا نتساءل حقاً:
هل يا ترى من نهاية لهذا الخدر العربي المرعب؟
وهل من أمل في تدليك أطراف الجسم العربي المثخن بالجراح البليغة..؟!
ثم أمام هذه اللوحة العربية البائسة وأمام هذه التحديات والأخطار الداهمة الماثلة أمامنا، نتساءل كما تساءلنا دوماً ببالغ الشرعية:
أين مؤسسة القمة العربية؟
وأين دورها في المواجهة مع المشروع الصهيوني الغاشم؟· ولماذا هذا القدر المفجع من السلبية العربية في التعاطي مع التحديات الماثلة أمام الأمة والتهديدات المحيقة بها..؟
ولماذا يضع بعض العرب العصي في عجلة اليقظة والنهضة والانتفاضة العربية...؟ ولصالح من؟
وهل يا ترى سنجد أنفسنا أمام مسؤولية عربية حقيقية أخيراً من أجل القدس وفلسطين بعد أن تواصل العقم العربي على مدى السنوات الماضية خاصة فيما يتعلق بعملية السلام المزيف واستحقاقاتها والتصدي للانتهاكات والخروقات والتماديات الإسرائيلية بالغة الاستخفاف والاستهتار بالعرب والحقوق العربية..؟!!
والذي لا شك فيه أن كل الشعوب العربية تترقب باهتمام بالغ كافة التحركات العربية، على أمل أن ترتقي المسؤولية العربية إلى مستوى التحديات والأخطار الداهمة الإستراتيجية وفي مقدمتها الحروب الإجرامية الدموية التطهيرية التركيعية المفتوحة، وذلك البرنامج السياسي الإسرائيلي/الصهيوني الذي حظي بالدعم والغطاء الأمريكي، وتلك البنود المتعلقة بالاستيطان اليهودي وتهويد المدينة المقدسة والهيمنة الإستراتيجية على المنطقة برمتها.
وبالتالي من الطبيعي والمنطقي أن يظهر العرب مسؤولية كبيرة وتقدماً ملموساً محترما في إظهار "العين الحمرا" العربية إن جاز القول في التعامل مع لغة الحرب والدم والنار والابتزاز التي تشنها الدولة الصهيونية..
ومن الطبيعي أن تنتظر الأمة العربية من القمة أن تتخذ قرارات بأنياب ضد الاحتلال الصهيوني والطغيان الأمريكي على نحو خاص...!
فهل ترتقي هذه القمة الجزائرية يا ترى إلى هذا المستوى من المسؤولية التاريخية...؟. أم تواصل نهج القمم السابقة في العجز والضعف وإصدار البيانات والقرارات -الأرشيفية- بلا أنياب...؟!.
تتوجه أنظار العرب العروبيين في القمة إلى أن يقوموا بدور حقيقي وكبير في استعادة البوصلة العروبية المفقودة في ظل أنظمة التطبيع...؟!
• كاتب وباحث ومؤرخ فلسطيني وأسير سابق
أسئلة عربية بريئة
بقلم: معن بشور(*)
ترى لو كانت القمة العربية منعقدة من أجل تعليق عضوية عضو مؤسس في جامعة الدول العربية كسورية هل كان سيتغيب أحد من أصحاب الجلالة والسمو وربما الفخامة، كما هي الحال مع قمة لم الشمل في الجزائر؟
وترى لو كانت القمة منعقدة من أجل دعوة حلف الناتو إلى تدمير بلد عربي عزيز كليبيا هل كان سيعتذر من اعتذر من الحكام العرب عن حضور قمة فلسطين في الجزائر؟..
لو كان الأمر متصلا بتغطية حرب مجنونة على بلد كاليمن وفيه.. أو لتبرير حصار وحروب واستدعاء قوات أجنبية لتدمير العراق، هل كان واحد من المتغيبين عن قمة الجزائر سيتغيب كما هي حال بعض الحكام اليوم..
كيف نرى حكاما يعتبرون أنفسهم "سيوف العروبة وتروسها".. ويمتنعون عن المشاركة في قمة هي أعلى مستويات العمل العربي؟
وهل يعتقد أحد من الحكام المتغيبين عن قمة الجزائر أن هناك من إطار يحميهم ويضمن أمنهم ومصالح بلادهم أكثر من الإطار العربي؟
إلا يعتقد هؤلاء المتغيبون انه كان من الواجب أن تنعقد قمة طارئة في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها الأمة لا سيما في القدس وفلسطين.. فكيف إذا كانت القمة منعقدة فعلا من اجل ذلك، وفي بلد بمكانة الجزائر وأهميتها عربيا وإسلامي وأفريقيا وعالم ثالثيا؟
أسئلة عربية بريئة يطرحها المواطن العربي الذي لا يثق أساسا بالأنظمة الحاكمة..
فهل من جواب؟
• مفكر وكاتب سياسي، والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي
قمة الجزائر فرصة لبناء نظام عربي جديد
بقلم: هاني مبارك(*)
قد لا يكون بمقدور أي كان إقناع المواطن العربي بجدوى وأهمية انعقاد القمة العربية الحادية والثلاثين في الجزائر، لسبب بسيط وهو أن تاريخ أعمال إحدى أهم مؤسسات النظام الإقليمي العربي لم تكن سوى قرارات - ورغم أنها كانت خارج سياق تطلعات وانتظارات هذا المواطن - ميتة الولادة ولم تجد طريقها للنفاذ.
ولئن يطول شرح أسباب ذلك إلا أن أهمها كان دائما عمودية تفاعلات النظام الدولي مع النظام العربي وسيولة حدود هذا الأخير أمامها مما خلق ورسخ تبعية شبه دائمة له جعلت من تلك القرارات وغيرها من الاختيارات السياسية الأخرى حبيسة استراتيجيات النظام الدولي وخادمة لمصالحه العليا.
بيد أن الظروف الدولية والإقليمية التي تنعقد في ظلها قمة الجزائر توفر لها ولأول مرة فرصة الإفلات من تلك التبعية وإمكانية بلورة شخصية سياسية عربية قادرة على تغيير طبيعة تفاعلات النظام العربي مع النظام الدولي، وخلق معنى حقيقيا لمفهوم النظام الإقليمي من حيث قدرته على بناء تفاعلات ذات خصوصية نسبية تعطيه القدر الكافي من الاستقلالية التي تعد احد أهم الشروط الضرورية لاعتراف النظام الدولي به كنظام إقليمي فرعي يشكل احد أنساقه الفاعلة.
وينقل الحديث عن الاعتراف الدولي بالنظام العربي إلى اعتراف آخر مباشر وغير قابل للظن وينطوي على قدر عال من الاهتمام بخصوصية معظم العناصر التي تشكل أساس تفاعلاته مع النظام الدولي على المستويين الأمني والاقتصادي وعلى ضرورة إعادة النظر فيها وإيجاد الحلول المناسبة لها من اجل المحافظة على حيوية تلك التفاعلات العربية في بنية وهياكل النظام الدولي.
من هنا فان ظروف انعقاد قمة الجزائر توفر لها كل الإمكانيات اللازمة لإعادة تموضع عربي يكون خارج السياق المأزوم لولادة هذا النظام والذي طبع مختلف مراحل بقائه واستمراره كنظام تابع لمراكز القوة في النظام الدولي سواء كان ثنائي القطبية أو أحاديها كما هو الحال بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وهيمنة الولايات المتحدة على قيادته.
ولعل من أهم هذه الظروف أن نتائج المواجهة التي يدور رحاها اليوم على الأراضي الأوكرانية وبعيدا عن مآلاتها العسكرية ستكون ليس فقط انتهاء لمرحلة الأحادية القطبية بل بداية فعلية لتفكك المكون الثاني من نظام القطبية الثنائية -الذي تحول بسبب غياب معادل قوي في النظام الدولي في تلك الأثناء إلى نظام أحادي القطبية – وتغير عناصر ومستويات الأمن القومي للاتحاد الأوروبي الآخذة في التبلور التدريجي مع تعمق أزمة الطاقة وارتفاع مستويات التضخم والأسعار وانتقال الثقل الاقتصادي إلى الفضاء الآسيوي، حيث يصار حاليا إلى التفكير من قبل منظري الجيوبوليتيك بتغير شروط سيطرة منطقة قلب العالم على جزيرة العالم وفقا للثلاثي الذهبي راتزل وماكندر وسبيكمان من الاتجاه الاوراسي الأوروبي أو الأطلسي إلى الاتجاه الاوراسي الآسيوي، وبناء عزلة تدريجية لحجم وطبيعة التفاعلات الأمريكية في هياكل النظام الدولي.
فقد بدأت تتبلور ملامح ذلك ليس فقط على مستويات الخطاب السياسي لقادة الدول المناوئة لاستمرار النظام أحادي القطبية، بل أن ذلك تحول إلى هياكل قائمة الذات لها نظام تفاعلاتها الخاصة، إن نجح فسيكون بديلا عن الهياكل والتفاعلات القائمة الآن.
يضاف إلى ذلك أن النظام العربي أيضا يشهد تغيرات عميقة على مستويي تعدد عناصر القوة وانتشارها وانتقال مراكز التفكير في قيادة النظام بصورة كلية في المدى المنظور إلى الرياض والجزائر حيث اتضح في الآونة الأخيرة الإصرار السعودي الجزائري على أكثر من مستوى لتولي قيادة النظام وإعطائها مضمونا مختلفا يشي بقدر كبير من الوضوح عن وجود نية في بناء نظام عربي مختلف أو أن نتائج ذلك ستفضي إلى هكذا نتيجة.
ولعل السعودية وعلى لسان ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان كانت أكثر وضوحا حيث سجلت توجهات بن سلمان خلال أكثر من عام نزوعا استقلاليا تجاوز في الإعلان عن رغبة السعودية بالانضمام إلى بريكس خلافا محدودا مع الديمقراطيين لمصلحة الجمهوريين قبيل انتخابات التجديد النصفي كما ذهبت إلى ذلك بعض الآراء، نحو بناء تحالف مع المجموعة الصاعدة دوليا واستبدال التحالفات القديمة بأخرى جديدة.
كذلك فان التمنع السعودي أمام الضغط الأمريكي للانخراط في مسار اتفاقات ابراهام والتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي يصب في نفس الاتجاه إذ تدرك السعودية جيدا ورغم صراعها مع إيران في إطار المواجهة في النظام الإقليمي الخليجي أن الحقوق الفلسطينية تبقى أهم نقاط جدول اهتمامات الشارع العربي وان قيادة النظام العربي خارج السياق الفلسطيني محتومة بالفشل الذريع إذ انه كان احد أهم أسباب فشل مصر وانعزالها وخروجها من قيادة النظام العربي بعد اتفاقيات كامب ديفيد.
وحيث أن قيادة أي نظام إقليمي كما تبين دراسات العلاقات الدولية تكون اقل تهديدية لبقية أعضاء النظام وأكثر تعاونية في بناء مستقبل مشترك عندما تكون ثنائية أو ثلاثية، فان تنسيقا جزائريا سعوديا من شأنه أن يساهم في بناء نظام إقليمي عربي تعاوني متين يوسع من نطاق تفاعلاته الأفقية بدلا من تلك العمودية التي تتركه فريسة لتفاعلات النظام الدولي وتلك مهمة يمكن لقمة الجزائر وضع حجر الأساس لها.
• أستاذ الإعلام والاتصال في جامعة منوبة
رسالة ليبيا إلى قمة الجزائر العربية
بقلم: د. فاطمة غندور(*)
الذاكرة التاريخية الليبية، تُحضر الجزائر الشقيقة، ضمن وقائع موثقة جرت على الأرض، شهادات وسير مدونة، مجاهدون ليبيون متطوعون، وفيهم من خاطروا وهربوا أسلحة عبر الحدود الصحراوية، ونهج تبرعات شعبية -رغم ضيق الحال وقتها-،لأخوة الجوار، والهم النضالي المشترك، ففي طفولتي بيتنا كان والدي الناصري العروبي لمرات صدح بمقطع ظل في سمعي "وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر"، تكشفت لاحقا مع تفتح الوعي، أنها جملة من النشيد الوطني الجزائري. وفي انشغالي بتوثيق ذاكرة، وسير بديلة لنساء بلدي، المؤسسات في أكثر من مجال، جهودهن المنسية منذ العشرية الأولى للقرن العشرين، حدثتني الرائدة في نهضة المرأة الليبية السيدة صالحة ظافر المدني حين جالستها ببيتها رفقة عائلتها، عن تأجريهما لتاكسي، وزميلتها المعلمة المبكرة في مشوارها المعرفي جميلة الازمرلي، قاطعتان شوارع طرابلس، طارقتان على البيوت التي كانت على جاهزية ملفتة، نزعت النساء حليهن العزيزة على قلوبهن، وسلمنها بلا تردد لتصل جمعيات تنشط في إيصالها للجزائر.
أما الرائدة المعلمة والناشطة السياسية، بهيجة المشيرقي حائزة جائزة القصة عام 1958، فصالون العائلة ما قاده والدها عبد الهادي المشيرقي سيشهد جلسات موضوعها الرئيس كيفية الدعم المعنوي والمادي لنضال الشعب الجزائري، ورفع الصوت بمواجهة مظالم وبشاعات المستعمر الفرنسي، بهيجة سيجري استقبالها، وستكرم من الجزائر لجهودها التي سجلتها كأول امرأة عربية تجعل مشروعها القومي قضية تحرر الجزائر.
وفي الجزائر، بملتقى دولي نظمته جامعة الجزائر عام 2013 حول "الصحافة في الأوضاع الانتقالية"، وعلى طاولة الغذاء في اليوم الأول، تفاجأت بأساتذة وطلاب، أسمعوني أخبار متابعتهم لأصداء الثورة في ليبيا لحظة فبراير2011، ورددوا معلوماتهم عن أحداث ومناخات الخطر التي تابعوها، ما حصلت بمدن ليبية، بنغازي، مصراته، طرابلس، وأنهم وضعوا أيديهم على قلوبهم، وتلاحقت أنفاسهم، حين فتح القذافي مخازنه ووزع السلاح، وصار عند الطرفين الثوار، وأنصاره.
هذا السلاح معضلة المسألة الليبية إلى يومنا هذا، خيضت به حروب أهلية خلال عقد كامل، صراعا على السلطة والثروة، فالاتحاد الأوروبي أعلن أن بليبيا اثنين وعشرين مليون قطعة سلاح!، تسببت في تفاقم الأزمة، وأوصلتها إلى نفق مظلم، مع تعمق التجاذبات الإقليمية والدولية، فكل من طرفي الأزمة، يشحذ تمسكه باللاوفاق وإبقاء الحال بما هو عليه، دول متدخلة، حصل ذلك منذ انطلاق الثورة الليبية .
اليوم ونحن نقارب قمة الجزائر،(في الدورة العادية لمجلس الجامعة العربية على مستوى القمة، يومي 1و2 نوفمبر 2022)، تعلق الآمال وتعلو مطالبات الليبيين الملحة للقادة العرب في اجتماعاتهم، لتبني مخرج من أزمتهم، وسط صراع المصالح والنفوذ الدوليين، ووسط ارتدادات مخاطر حرب قائمة بين روسيا وأوكرانيا، ما تهدد مصائر شعوب في غذائها وأمنها وبيئتها. وفي هذه اللحظة العالمية الحرجة، نتطلع لتوحيد المواقف، والعمل العربي المشترك لأجل دعم حقيقي لانفكاك عقال الأزمة، والذهاب بها إلى الأمام، لا المراوحة في ذات الوضعية،الجزائر الدولة الجارة، أبانت عن موقف لم تتزحزح عنه، منحازة فيه لطرف غرب البلاد دون كسر لجمودها في هذا الموقف. وحتى وهي حكومة معترف بها دوليا، وتمت شرعنتها وفق موعد تم تحديده لانتخابات، جرى النكوص عنها من ذات حكومة بعثة الأمم المتحدة بليبيا!. وليس لنا أن ننفي أثر حدة الانقسام الحاصل على الأرض منذ عام 2014، وما أعقبه من عقد لقائي الصخيرات، وجنيف، ما تمخضت عنه حكومتي السراج ثم الدبيبة، ولم تحققا الوفاق المرتجى لتوحيد البلاد، وظلت الجهود العربية ممثلة بجامعة الدول العربية قاصرة وغير جادة، في أن تكون جامعة للصف في ليبيا. التي خارطة طريق حل أزماتها يتوازى فيه الليبي/ليبي، مع الإقليمي الدولي لا فكاك من ذلك، وإذا صح باب التفاؤل الذي شرعه الرئيس تبون في تصريحاته، من أن العام المقبل هو عام حلحلة لأزمة ليبيا باتجاه الانتخابات، فالمعول عليه هو الضغط وإخلاص النوايا باتجاه ذلك مع عقد هذا الاجتماع. ففي المسار السياسي لابد من خلق قواعد ملزمة لأجل التسوية والتفاوض بين طرفي الأزمة، ومن ورائهما دور القوى الإقليمية والدولية التي وضعت ثقلها السياسي وفيها العسكري. ونذكر أنه في المسار العسكري، الخلل والفراغ الأمني في ليبيا مهدد لكل جيرانها، وقد هدد الإرهاب والتطرف دولنا، الإرهاب لا دين له ولا جغرافيا، وما لم تتضافر الجهود، وتعزز الدفاعات بالتحالف والتشبيك عربيا بإعلان مواقف وخلق آليات، فلن نخرج جميعنا من ثقل هذه المسألة.
ونلفت إلى أنه في هذه القمة دولتين كُبريين، جارتين لليبيا، مؤثرتين، مصر والجزائر، لو نجحتا في دفعهما للأزمة الليبية باتجاه الحل، لحالة ما يمكن تسميتها بالسهل الممكن، وأن ليبيا فيها مؤهلة للحل، فمؤتمر القمة العربي بالجزائر قد يتوج بذلك، في مسعى إيجابي عربي، وعلى مستوى أولي في نتائجه دفع ومعاضدة لموقف الجارة الشقيقة تونس تجاه ليبيا، تونس قاعدة الليبيين في مسارب عدة، وقد قدمت الكثير من أجل حل المسألة الليبية، والتي يهمها ذلك، اليوم وغدا، وباعتبار أنها امتداد للمسألة الليبية، كما وأن الانفراج بليبيا، له انعكاس على الجارة الحدودية السودان.
ولعل التطلع المأمول للذهاب لحل المسألة الليبية والتركيز عليها، عملية ايجابية إن توجت بها أعمال هذه القمة، ليبيا ليست إلا نموذج لواقع الحال المضطرب في منطقتنا، ما ينعكس انفراجها بشكل ما على هؤلاء، إخوتنا في سوريا ولبنان، واليمن والعراق، والسودان والصومال، من يعانون الجوع والفقر والجريمة، والصراعات السياسية الداخلية، بأثر الانقسام وظلاله القاتمة، منزعها إقليمي دولي، فهل من إرادة ومفاعيل تجتمع صوبها مستهدفات جلسات هذه "القمة" المهمة بعد جفوة وغياب؟. والتي تنعقد، ونحن على وقع مؤشرات تنذر بحرب طويلة في القارة العجوز، وفيها الأوروبيون مجتمعون، ملتفتون لقارتهم المهددة، منشغلون بأدق تفاصيلها غذاءً وطاقة وأمنا، أليست هي اللحظة السانحة، وأن علينا أن نلتفت "مجتمعين" لقضايانا المشتركة الشائكة، واجتراع حلول لأزماتنا؟.
• صحافية وكاتبة ليبية
-ملاحظات أولية حول القمة العربية الـ31 بالعاصمة الجزائرية
بقلم: عبد الحميد صيام(*)
الأجواء العامة في العاصمة الجزائرية هذه الأيام هي أجواء احتفالية حيث تستعد لاستقبال الزعماء العرب في القمة العادية الواحدة والثلاثين بعد انقطاع دام ثلاث سنوات بسبب جائحة كورونا. تتزيين الطرقات ومنطقة الاجتماعات بأعلام الدول العربية جميعها كما جرت عمليات إصلاح وتنظيف وطلاء للمباني المحاذية للطريق الذي ستمر فيه مواكب الزعماء العرب. كما اختارت الجزائر أن تضع قبالة الجامع الكبير مجسمات تمثل كل واحدة منها دولة عربية. وقد تفنن الحرفيون الجزائريون في إنتاج مجسم ضخم لقبة الصخرة المشرفة في القدس الشريف رمزا لفلسطين ورسالة للقادة العرب بأن "قمة جمع الشمل" ستكون فلسطين هي نقط لقاء بين الجميع وستظل كذلك واسطة العقد في الأعمال العربية المشتركة.
انطلقت الاجتماعات يوم الأربعاء 26 من شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي باجتماع لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين والخبراء للتحضير أولا لاجتماعات وزراء الخارجية يومي السبت والأحد لوضع اللمسات الأخيرة على البيان الختامي والقرارات المتوقع اعتمادها بالإجماع من زعماء الدول العربية المشاركين في القمة العربية يومي الفاتح والثاني من نوفمبر/تشرين الثاني.
اختارت الجزائر أن تنطلق القمة يوم 1 نوفمبر/تشرين الأول والذي يصادف الذكرى الثامنة والستين لثورة الجزائر العظيمة ضد الاستعمار الفرنسي وهذا التاريخ يمثل نقطة ضوء في تاريخ الأمة العربية الحديث يذكرهم بالعمل العربي المشترك في دعم ثورة الشعب الجزائري المظفرة. أما موعد انتهائها في اليوم التالي الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني فيصادف الذكرى 105 لوعد بلفور البريطاني المشؤوم الذي أسس لقيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين. تاريخان لهما رمزية كبيرة واحد يذكر الأمة بانتصاراتها عندما تتحد وتعمل معا وتواجه القوى الخارجية المعادية وتسقيها كأس الهزيمة وواحد يذكر بتفكك الأمة والسماح لأعدائها بتمزيق وحدتها والاعتداء على سيادتها وسلب أرضها وإنشاء كيان هجين في موقع القلب منها.
ما يجمع الأمة وما يفرقها
دعا مندوب تونس الدائم لدى الجامعة العربية، محمد بن يوسف، بصفة بلاده رئيسة للقمة السابقة، وهو يسلم الرئاسة للجزائر إلى مواصلة السير على نفس الدرب الساعي إلى وحدة الصف إزاء قضية العرب الأولى من أجل إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني ووضع حد للسياسات العدوانية لسلطات الاحتلال. وأكد أن ما يوحد الأمة أكثر بكثير مما يفرقها.
وأشار إلى أن انتشار بؤر التوتر في منطقتنا العربية واستمرار النزاعات المسلحة، يبعث على الانشغال ويحتم على العرب أن يكثفوا الجهود من أجل تقويض الأزمات والبحث عن تسويات وحلول سياسية للصراعات والانقسامات داخل بعض الدول بما يحقق الأمن ويعزز مقومات الاستقرار ويحصن الأمة من التدخلات الخارجية.
تسلم السفير نذير العرباوي، المندوب الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، رئاسة دورة المندوبين الدائمين التمهيدية للقمة الـ31 فتحدث عن موقف بلده ورؤيتها لهذا الحدث الكبير: “إننا نريدها قمة عربية توافقية تنطلق من الثوابت المشتركة وتعكس تطلعات شعوبنا التواقة إلى قدر كبير من التضامن والتآزر والتكامل، قمة تستفيد من دروس الماضي وتواجه بشكل جماعي تحديات الحاضر وتنظر إلى المستقبل برؤية إستراتيجية شاملة من أجل تعزيز الأمن والاستقرار، في ظل مد جسور التعاون البناء والإيجابي مع محيطنا الإسلامي والإفريقي”. وقال ما يحتاجه العرب الآن إلى مقاربة متجددة للتعامل مع جدول الأعمال الحافل بالقضايا والمسائل السياسية المختلفة، والعمل على معالجة هذه القضايا ورفع مشاريع قرارات وتوصيات وجيهة وعملية وبناءة للقمة العربية الواعدة.
-نقاط اللقاء والخلاف
ما طفح لغاية الآن من مسائل توافقية تتعلق بالموقف من دعم القضية الفلسطينية وإعادة التأكيد على مبادرة السلام العربية لعام 2002 والتي تصر على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وحل مشكلة اللاجئين حلا عادلا. القمة تدرك أن الأحداث تجاوزت بعض بنود مبادرة السلام العربية لكن التوجه هو إبعاد نقاط الخلاف، خاصة فيما يتعلق بالتطبيع، من أجل الوصول إلى توافق. وستؤكد القمة على دعم الشعب الفلسطيني وصموده وشد أزره في مواجهة آلة البطش الإسرائيلية.
كما أن مسألة الأمن الغذائي والتي تفرض نفسها على العالم أجمع ستحظى باهتمام كبير في القمة وما من شك أن هناك توافقا حول الخروج بمقاربة موحدة حول هذه المسألة وما يتعلق بها من تكامل اقتصادي وإقامة مشاريع مشتركة وتنفيذ كثير من الاتفاقيات التي أنجزتها الجامعة العربية دون أن ترى النور.
ومن القضايا المهمة التي قد تحظى بنوع من الإجماع هو الأمن القومي العربي ورفض التدخلات والإملاءات الخارجية وضرورة أن يكون للعرب كيان جامع قوي في ظل التناحرات الدولية والتي سلطت الضوء على هشاشة المنظومة الدولية والتفرد بالقرارات لمجموعة صغيرة جدا من الدول. يدرك القادة العرب ألا ضامن لأمنهم إلا أنفسهم والاعتماد على الغير في ضمان الأمن جرّ ويجرّ ويلات كبرى كثيرة لهذه الدول. العالم الآن يعيش مرحلة المصالح. الكل يريد تحقيق مصالحه الوطنية. لكن التجربة أثبتت أن العمل ضمن مجموعة دول الإقليم أو المنطقة أكثر نجاعة وفاعلية، كما هو الحال في منظمة الدول الأمريكية ومجموعة آسيان للدول الآسيوبة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي. فما الذي يمنع أن يتفق العرب على التعاون الاقتصادي والاجتماعي حتى لو كان هناك خلافات سياسية. ومن قال إن دول الاتحاد الأفريقي قد قبرت خلافاتها السياسية؟
وهناك شبه توافق على الاستفادة من الوضع المستجد لقوة الطاقة وتأثيرها في العلاقات الدولية حيث تتسابق الدول الفقيرة في مصادر الطاقة بخطب ودّ الدول العربية الغنية بهذا المصدر الإستراتيجي والذي إذا استخدم بطريقة صحيحة سينعكس على الأمة قوة سياسية واقتصادية ومعنوية وقوة تأثير في العلاقات الدولية. ويرتبط بهذا البند الانتقال إلى مرحلة الطاقة النظيفة والتفاهم الجمعي حول درء أخطار التغير المناخي والذي لا تنجو منه دولة أو منطقة أو إقليم.
ما زال هناك بعض القضايا العالقة. والتي قد تؤثر على حجم وقوة مخرجات القمة. ومن بين القضايا التي تحتاج إلى توافق حول ثلاث مسائل: الموقف من التدخلات الإيرانية والتركية في الشأن العربي. وهناك من يريد أن يصدر عن القمة موقف واضح يدين هذا التدخل وهناك من يرفض هذا الموقف مشيرا إلى أن الأخطر من البلدين المذكورين التدخلات الإسرائيلية في الشؤون العربية. فكيف نغفل عنها ونثير قضايا التدخلات الإيرانية والتركية فقط؟ ونتوقع أن يتم تذليل هذا البند بالإشارة إلى رفض جميع التدخلات في شؤون الأمة العربية.
ومن النقاط الخلافية قضية سد النهضة والموقف من إثيوبيا فمصر والسودان تريدان موقفا واضحا لا لبس فيه في تأييد البلدين في موقفهما من السد وانتقاد الموقف الإثيوبي المتعنت. وأعتقد أن هذه المسألة سهلة التذليل بإبداء التضامن مع مصر والسودان ودعوة إثيوبيا للمفاوضات بنية سليمة تحت سقف الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية للتوصل إلى موقف يقوم على مبدأ "لا ضرر ولا ضرار".
والملف الآخر هو عضوية سوريا وعضويتها في الجامعة العربية ونعتقد أن هناك تقاربا في المواقف العربية بضرورة إيجاد مخرج يحفظ ماء الوجه للجميع، المعترض على عودتها والمؤيد لتلك العودة.
بقي أن ننتظر اللمسات الأخيرة لهذه الرؤى وما الذي سينبثق عن هذه القمة والتي تنظر إليها الشعوب العربية بعين الشك بسبب تجارب القمم السابقة والتي عادة تأخذ القرارات ولا تتابع أيا منها. فهل ستكون قمة الجزائر مختلفة تماما وتعيد الثقة للمواطن العربي في العمل العربي المشترك والممثل في الجامعة العربية وأجهزتها المختلفة؟
• أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي
صرخة غزة المثخنة بالجراح إلى القمة العربية
بقلم: محمد سعد العجلة(*)
بداية، نتمنى، لدولة الجزائر الشقيقة، النجاح والتوفيق في تنظيم واستضافة الدورة الـحادية والثلاثين للقمة العربية. ونسأل الله أن تتم أعمالها على أكل وجه، وأن يوفق الله الزعماء العرب إلى ما فيه خير ومصلحة أمتنا العربية المجيدة وفلسطيننا الجريحة. أما عن رسالة غزة، فهي للأسف رسالة مثخنة بالجراح، وخاصة أن مكان انعقاد القمة لا يبعد كثيراً عن مأساة الفلسطينيين السبعة من غزة، الذين غرقوا في مياه البحر قبل أقل من أسبوع، قرب الشواطئ التونسية، وهم يحاولون البحث عن مكان في هذا العالم يؤمّن لهم حياة كريمة، هرباً من حصار مطبق طويل على غزة، وانقسام بشع أنهك الأرواح قبل الأجساد، وما نتج عنهما من نسب مرعبة للفقر والبطالة، وخاصة في صفوف الخريجين الجامعيين. غزة بحاجة إلى انتباهكم، وتدخلكم العاجل، فبين جدرانها يقطن مليونا إنسان عربي، يعيشون في أكبر سجن في العالم، يعانون ويلات الحروب العدوانية المتكررة التي يشنها الاحتلال من فترة لأخرى. هذا الواقع البائس في غزة، وتأخر الإعمار بعد كل هذه الحروب، دفعت بالشباب للهجرة رغم ما يحفها من مخاطر كثيرة. وحتى الخروج من غزة أصبح مرهقاً جداً جداً للناس، لأن السفر لا يتم إلاّ من خلال المنفذ الوحيد، وهو معبر معبر رفح البري، الذي تكتنفه صعوبات نعجز عن وصفها. أيها السادة الكرام غزة، تعاني الآن من ملوحة مياه الشرب، وتلوث مياه البحر نتيجة ضخ مياه الصرف الصحي غير المعالجة، بسبب عدم إدخال الأجهزة اللازمة وعدم توفر الكهرباء. فأزمة الكهرباء الخانقة تعصف بقطاع غزة منذ بداية حصاره المشدد عام 2006. وتعاني غزة من بنية تحتية مهترئة، لعدم دخول المواد اللازمة لتجديدها، والقيود والإجراءات المشددة على التحويلات المالية. والآثار النفسية والاجتماعية المدمرة تعصف بسكان قطاع غزة نتيجة الحصار الطويل والانقسام المرير. ناهيك عن إحجام المستثمرين الفلسطينيين المغتربين، عن الاستثمار في قطاع غزة بسبب المخاطر العالية نتيجة الحصار الطويل والحروب المتكررة، وعدم توفر المواد اللازمة للبناء والصناعة، وكذلك إحجام المغتربين الغزيين عن القدوم لقطاع غزة لزيارة أهاليهم، خوفا من عدم قدرتهم على مغادرة القطاع والعودة لأعمالهم خارج فلسطين أو تأخرهم، بسبب إجراءات السفر المعقدة. كما أن عدم حصول المرضى على حقهم في العلاج بالخارج، وخاصة ذوي الأمراض الخطيرة، يزيد من تفاقم الأوضاع في غزة، علماً أن القطاع الصحي في غزة يعاني من نقص شديد في الأجهزة والمعدات الطبية والعلاجات. سكان غزة محرومون من الوصول لمدينة القدس المحتلة وزيارة المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة. إننا نتطلع أن تنجح القمة العربية، وأن يكون للزعماء العرب المحترمين دورهم في إنقاذ غزة، وفك الحصار عنها، وإنهاء الانقسام بالتأثير والتدخل الإيجابي، لدى طرفي الانقسام.
• كاتب فلسطيني من غزة
قمة الجزائر.. والحلم المغاربي الكبير
بقلم: نايف شرار (*)
تقوم العلاقات بين الدول العربية على وحدة اللغة والدين والعيش المشترك، وترتكز إلى مبادئ حسن الجوار وتقاسم العوامل التاريخية والحضارية والمصير الواحد، فضلا عن الاستفادة من فرص النمو والتكامل الاقتصادي والتجاري والتي يؤطرها الاندماج وتتلاشى في ظل ارتفاع مؤشرات التوتر وانهيار الروابط بين البلدان. منذ القدم كانت دول المغرب العربي الكبير ولا تزال نموذجاً للبلدان المتآخية المتشابهة في العادات والتقاليد، يعزز ترابطها العلاقات الأخوية بين مواطنيها، إلا أن الأزمة التي تعيشها حالياً تتطلب مواجهة موجات الانكسار والانهيار والتحديات العديدة مثل الهجرة والنزوح والأزمة الديموغرافية، في ظل عالم مضطرب تسوده الخلافات والحروب ويعيش في أشد اللحظات قتامة، لكي تحفظ الدول المغاربية خيراتها سالمة للأجيال القادمة في جو من التآزر والود بين شعوبها. من نافلة القول تصاعد التوترات في الأوساط المغاربية السنوات الأخيرة، فلا يكاد يمر شهر أو اقل بدون حدث أو جدل جديد، يخيم على العلاقات المغاربية- المغاربية، مما ينذر بوضع الأجيال القادمة من المغاربة والجزائريين والتونسيين والموريتانيين والليبيين في أتون من الأوضاع الصعبة حيث تبقى الأجيال المقبلة رهينة الخلافات السياسية، خلافات التاريخ أو الجغرافيا، مما يكون معه المغرب العربي مجرد أفق مهجور أو جزر منعزلة وخنادق من الوهم، كل ذلك يستلزم من النخب السياسية والفاعلين في دول المغرب العربي الكبير الانتباه الجيد إلى أن عدم الاندماج يكلف ببلدانهم ثمنا غاليا.. فالواقع – إن بقى كما هو- يبدو محزناً ومثيرا للقلق إزاء حالة العنف والصراعات الموروثة التي تجري إحداثها بين دول المغرب الكبير. ولا ننسى العديد من النقاط المشتركة التي يمكنها تهدئة حدة "عواصف" الشقاق بين دول الاتحاد المغاربي مثل اللغات، والدين، والتاريخ، وجمال الطبيعة، والتضامن بين الأجداد ضد المستعمر وحتى فن العيش. ودعم كل المبادرات لصالح تكامل أفضل وبناء واقعي وواضح. وهناك العديد من الأمثلة على اتحادات وتكتلات إقليمية عالمية ناجحة مثل الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون لدول الخليج العربي ، فقد أثبتت التجربة أنه "لا يوجد أبدا صراع يستعصى على الحل". المطلوب أيضا حماية الشباب المغاربي من خطر الموت وهم يحاولون العبور إلى الجنوب الأوروبي، وأنه يمكنهم إيجاد حلول مشتركة للمخاوف التي تؤثر عليهم، كما أن هذا الحلم المغاربي يجب أن يحقق لم شمل التجمع المغاربي من خلال استخدام الثقافة والرياضة والقوة الناعمة ،حيث هناك إمكانية أنْ نحلم بكأس العالم في المنطقة المغاربية، وقطار TGV من طبرق شرق ليبيا إلى الترارزة جنوب موريتانيا. أخيراً .. يجب أن يعلم قادة الدول المغاربية أنهم أمام مسؤولية تاريخية، تتطلب منهم القيام بكل ما يمكنهم لتعيش الأجيال القادمة في سلام ورخاء، ولا يكونوا أسرى ضغائن الماضي، على أن يتم القيام بذلك بالحوار المتبادل، وحماية المغاربيين من التهديدات المتزايدة، لاسيما في منطقة الساحل والصحراء.. أن بلدان المنطقة تعيش أزمة ثقة متسائلين عن حالة هذا اللااتحاد المغاربي.. وفي ظل تعالي الأصوات الداعية إلى الانقسام، يجب الترفع عن الخلافات من أجل مغرب عربي موحد ذو أفـق يتسع للجميع، فهل يتحقق ذلك من خلال مخرجات قمة الجزائر؟!،.. نأمل ذلك.
• كاتب كويتي وباحث مهتم بالشأن المغاربي