نظم أمس، معهد تونس للسياسة وشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، ورشة عمل ضمت عدة فاعلين في منظمات وجمعيات وممثلين عن القطاع الخاص، للنقاش حول التطورات السياسية التي شهدتها البلاد منذ اعلان تدابير 25 جويلية الاستثنائية وخاصة بعد التصويت على دستور جديد للبلاد يمنح رئيس الدولة صلاحيات واسعة ويجرّد القضاء من سلطته ويحوّله الى وظيفة بالإضافة الى التصوّر الجديد للبرلمان والذي تمت ترجمته في القانون الانتخابي الجديد.
وكان الهدف من الورشة تحديد أثر التعديلات الدستورية على المستويين الاجتماعي والاقتصادي والنقاش حول الآليات المثلى لضمان مشاركة المجتمع المدني في حماية الديمقراطية وصون الحريات العامة والمشاركة في وضع السياسات العامة وإدارة الشأن العام.. وقد تناولت الورشة بالنقاش محاور ثلاثة تتلخّص في إبراز تأثير الدستور على المستوى الاجتماعية والاقتصادي وكيفية التعاطي مع ذلك، بالإضافة الى الخطوات التي يفترض القيام بها للحفاظ على الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات بشكل عام، الى جانب النقاش حول سؤال محوري وهو كيف يضمن المجتمع المدني حقه في المشاركة العادلة والفعلية بجميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
وقد افتتح الورشة التي كانت تحت عنوان "نحو حوار حول الدستور: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات" مدير معهد تونس للسياسة أحمد ادريس والذي قال أنه منذ 25 جويلية 2021 ونحن نتخبط في أزمة وأتى الدستور الجديد ليضع أقفال جديدة ، كما أشار صلاح الدين الجورشي عن شبكة المنظمات العربية غير الحكومية الى كون الشبكة ومنذ إعلان التدابير الاستثنائية وهي في حالة ذهول بعد الانتكاسة الكبيرة التي شهدتها تونس على مستوى الانتقال الديمقراطي.
وكان من بين المتدخلين في هذه الورشة، الأمين العام المساعد باتحاد الشغل أنور بن حسن الذي استهل حديثه بالقول أن الدستور الجديد يكرّس الحكم الفردي المطلق في تونس وانه بتنا اليوم نعيش أزمة مفاهيم في تعريف أبسط المصطلحات من ذلك مصطلح حوار وأنه لا بد من استعادة العمل المشترك بين جمعيات المجتمع المدني.. كما تحّدث أنور بن قدور على انحرافات كبيرة تشهدها تجربة تونس ما بعد الثورة والذي أرادها الجميع ان تكون تجربة ديمقراطية، ومن ذلك حديثه عن مجلس الحوار الاجتماعي الذي كان مكسبا مهما ولكنه اليوم تحوّل وجوده الى وجود شكلي لا أكثر بالإضافة الى كون الحق في الإضراب نص عليه الدستور الجديد والمنظمة الشغيلة متمسكة به ولكن هذا الحق تم المسّ به من خلال المسّ بحق التفاوض الاجتماعي وتقييده بالمنشور 20 الذي ترفض الحكومة سحبه، قائلا "اليوم حتى الولاة يرفضون التفاوض مع الاتحادات الجهوية في حين يجلسون ويتفاوضون مع التنسيقيات" .
أنور بن قدور أشار أيضا الى كونه تم ضرب الحق في النفاذ الى المعلومة وان الشعب التونسي لا يعرف على ماذا اتفقت الحكومة مع صندوق النقد الدولي ولا ما هي الإصلاحات التي التزمت بتنفيذها .
وفي ذات السياق أشار مجدي حسن المدير التنفيذي للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات ان هناك غياب تام لأي رؤية أو إستراتيجية على مستوى الاقتصاد .
دستور يكرّس السلطوية
وفي علاقة بالدستور الجديد الذي صاغه رئيس الدولة قيس سعيد واستفتى بشأنه الشعب قال أستاذ القانون العام عبد الرزاق المختار قراءة حول التداعيات الحقوقية للدستور الجديد وقدم مداخلة بعنوان "الحريات في خطر" وقال انه عنوان تحذيري ليس من الانتهاكات المرتكبة اليوم والتي تمس من منظومة الحقوق والحريات ولكنه هو تحذير من خطر وجودي وان دستور 2022 هو ما يجعل الحريات في خطر مقارنة بدستور 2014 ، الذي قال عنه انه لم يكن أحسن دستور في العالم ولكن كانت صياغته ساحة للسجال الحقوقي، وان وصف أي دستور بأنه دستور ديمقراطي يقتضي الفصل بين السلطات والتنصيص على مدنية الدولة وتكريس مبدأ التداول السلمي على السلطة وتقديم ضمانات للقوى المضادة للسلطة حتى تقوم بأدوارها ومهامها.. وأنه وبناء على ذلك لا يمكن وصف دستور 2022 بأنه دستور ديمقراطي. وان هذا الدستور بُني على "تهشيش" المرجعية والتي تتجلى في مستويات معينة منها تغييب المرجعية الدولية لحقوق الإنسان وتغييب المرجعية التحرّرية والحقوقية للقضاء كسلطة والإحالة المفتوحة على القوانين، كما أشار عبد الرزاق المحتار الى أن هذا الدستور دون أفق اجتماعي لأنه بني على وعود وانه اقتصاديا دستور دون وجهة وذلك لأنه في مجمل دستور دون عقل اجتماعي واقتصادي .
وفي مداخلتها في ذات الورشة أشارت المختصة في علم الاجتماع فتحية السعيدي عن جمعية نساء ديمقراطيات ان الدستور الجديد يكرّس السلطوية وان قيس سعيد استولى على الدستور بالقوة وباستغلال مصطلح الشعب الذي تحوّل الى مفهوم مركزي في التيارات الشعبوية وان هذه التيارات تستعمل الشعب ككتلة هلامية تؤثث بها خطاباتها وان قيس سعيد يقدم اليوم صورة الرجل الشعب وانه استغل الخلاف بين الحداثيين والإسلاميين لإرساء نظام شعبوي وان في علاقة بالتجربة التونسية تحولت الشعبوية مع قيس سعيد الى آلية للوصول الى السلطة وهي جوهر العمل السياسي وان هذه الشعبوية كانت لها حاضنة في الثقافة الاجتماعية السائدة .
أما رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان عبد الباسط بن حسن فانه في مداختله تطرق الى مسألة أننا في ثقافة تؤمن بالمحو والتدمير .
وفي ختام أعمال هذه الورشة دار النقاش العام حول البدائل المطروحة اليوم للخروج من المأزق السياسي والاقتصادي الحاصل.
منية العرفاوي
تونس – الصباح
نظم أمس، معهد تونس للسياسة وشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، ورشة عمل ضمت عدة فاعلين في منظمات وجمعيات وممثلين عن القطاع الخاص، للنقاش حول التطورات السياسية التي شهدتها البلاد منذ اعلان تدابير 25 جويلية الاستثنائية وخاصة بعد التصويت على دستور جديد للبلاد يمنح رئيس الدولة صلاحيات واسعة ويجرّد القضاء من سلطته ويحوّله الى وظيفة بالإضافة الى التصوّر الجديد للبرلمان والذي تمت ترجمته في القانون الانتخابي الجديد.
وكان الهدف من الورشة تحديد أثر التعديلات الدستورية على المستويين الاجتماعي والاقتصادي والنقاش حول الآليات المثلى لضمان مشاركة المجتمع المدني في حماية الديمقراطية وصون الحريات العامة والمشاركة في وضع السياسات العامة وإدارة الشأن العام.. وقد تناولت الورشة بالنقاش محاور ثلاثة تتلخّص في إبراز تأثير الدستور على المستوى الاجتماعية والاقتصادي وكيفية التعاطي مع ذلك، بالإضافة الى الخطوات التي يفترض القيام بها للحفاظ على الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات بشكل عام، الى جانب النقاش حول سؤال محوري وهو كيف يضمن المجتمع المدني حقه في المشاركة العادلة والفعلية بجميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
وقد افتتح الورشة التي كانت تحت عنوان "نحو حوار حول الدستور: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات" مدير معهد تونس للسياسة أحمد ادريس والذي قال أنه منذ 25 جويلية 2021 ونحن نتخبط في أزمة وأتى الدستور الجديد ليضع أقفال جديدة ، كما أشار صلاح الدين الجورشي عن شبكة المنظمات العربية غير الحكومية الى كون الشبكة ومنذ إعلان التدابير الاستثنائية وهي في حالة ذهول بعد الانتكاسة الكبيرة التي شهدتها تونس على مستوى الانتقال الديمقراطي.
وكان من بين المتدخلين في هذه الورشة، الأمين العام المساعد باتحاد الشغل أنور بن حسن الذي استهل حديثه بالقول أن الدستور الجديد يكرّس الحكم الفردي المطلق في تونس وانه بتنا اليوم نعيش أزمة مفاهيم في تعريف أبسط المصطلحات من ذلك مصطلح حوار وأنه لا بد من استعادة العمل المشترك بين جمعيات المجتمع المدني.. كما تحّدث أنور بن قدور على انحرافات كبيرة تشهدها تجربة تونس ما بعد الثورة والذي أرادها الجميع ان تكون تجربة ديمقراطية، ومن ذلك حديثه عن مجلس الحوار الاجتماعي الذي كان مكسبا مهما ولكنه اليوم تحوّل وجوده الى وجود شكلي لا أكثر بالإضافة الى كون الحق في الإضراب نص عليه الدستور الجديد والمنظمة الشغيلة متمسكة به ولكن هذا الحق تم المسّ به من خلال المسّ بحق التفاوض الاجتماعي وتقييده بالمنشور 20 الذي ترفض الحكومة سحبه، قائلا "اليوم حتى الولاة يرفضون التفاوض مع الاتحادات الجهوية في حين يجلسون ويتفاوضون مع التنسيقيات" .
أنور بن قدور أشار أيضا الى كونه تم ضرب الحق في النفاذ الى المعلومة وان الشعب التونسي لا يعرف على ماذا اتفقت الحكومة مع صندوق النقد الدولي ولا ما هي الإصلاحات التي التزمت بتنفيذها .
وفي ذات السياق أشار مجدي حسن المدير التنفيذي للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات ان هناك غياب تام لأي رؤية أو إستراتيجية على مستوى الاقتصاد .
دستور يكرّس السلطوية
وفي علاقة بالدستور الجديد الذي صاغه رئيس الدولة قيس سعيد واستفتى بشأنه الشعب قال أستاذ القانون العام عبد الرزاق المختار قراءة حول التداعيات الحقوقية للدستور الجديد وقدم مداخلة بعنوان "الحريات في خطر" وقال انه عنوان تحذيري ليس من الانتهاكات المرتكبة اليوم والتي تمس من منظومة الحقوق والحريات ولكنه هو تحذير من خطر وجودي وان دستور 2022 هو ما يجعل الحريات في خطر مقارنة بدستور 2014 ، الذي قال عنه انه لم يكن أحسن دستور في العالم ولكن كانت صياغته ساحة للسجال الحقوقي، وان وصف أي دستور بأنه دستور ديمقراطي يقتضي الفصل بين السلطات والتنصيص على مدنية الدولة وتكريس مبدأ التداول السلمي على السلطة وتقديم ضمانات للقوى المضادة للسلطة حتى تقوم بأدوارها ومهامها.. وأنه وبناء على ذلك لا يمكن وصف دستور 2022 بأنه دستور ديمقراطي. وان هذا الدستور بُني على "تهشيش" المرجعية والتي تتجلى في مستويات معينة منها تغييب المرجعية الدولية لحقوق الإنسان وتغييب المرجعية التحرّرية والحقوقية للقضاء كسلطة والإحالة المفتوحة على القوانين، كما أشار عبد الرزاق المحتار الى أن هذا الدستور دون أفق اجتماعي لأنه بني على وعود وانه اقتصاديا دستور دون وجهة وذلك لأنه في مجمل دستور دون عقل اجتماعي واقتصادي .
وفي مداخلتها في ذات الورشة أشارت المختصة في علم الاجتماع فتحية السعيدي عن جمعية نساء ديمقراطيات ان الدستور الجديد يكرّس السلطوية وان قيس سعيد استولى على الدستور بالقوة وباستغلال مصطلح الشعب الذي تحوّل الى مفهوم مركزي في التيارات الشعبوية وان هذه التيارات تستعمل الشعب ككتلة هلامية تؤثث بها خطاباتها وان قيس سعيد يقدم اليوم صورة الرجل الشعب وانه استغل الخلاف بين الحداثيين والإسلاميين لإرساء نظام شعبوي وان في علاقة بالتجربة التونسية تحولت الشعبوية مع قيس سعيد الى آلية للوصول الى السلطة وهي جوهر العمل السياسي وان هذه الشعبوية كانت لها حاضنة في الثقافة الاجتماعية السائدة .
أما رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان عبد الباسط بن حسن فانه في مداختله تطرق الى مسألة أننا في ثقافة تؤمن بالمحو والتدمير .
وفي ختام أعمال هذه الورشة دار النقاش العام حول البدائل المطروحة اليوم للخروج من المأزق السياسي والاقتصادي الحاصل.