يعيش العالم بأسره وقائع تؤكد مرّة أخرى أنّ التّاريخ بصدد إعادة نفسه، ولكن في شكل مهزلة. وإضافة إلى المهزلة، لن تسلم الجرّة ولن تكون في الحصيلة الغنيمة لمن غُرّر به ودُفع به إلى المغامرة وزُيّن له ركوب الأهوال ولا لمن وراءه. وبالطّبع، يحصل ذلك كلّه من أجل المصالح ولا شيء غير المصالح.
ما إن حطّت الحرب العراقيّة الإيرانية، التي دارت رحاها قرابة ثماني السّنوات، أوزارها ودخل الجيش العراقيّ وقيادته في فترة استراحة المحارب حتّى وقع الرّئيس الرّاحل صدّام حسين، رحمه الله، وقد خرج من الحرب منتصرا يُقرأ له ألف حساب وحساب، في الفخّ الذي نصبه له السّاسة الأمريكيّون وبنو صهيون. فكيف يصحّ أن يقود العالم ويسيطر عليه غير الأمريكان والصّهاينة، أو حتّى يُزاحمهم في ذلك أحد، ولهم ما لهم من أموال لا حدّ لها ولا عدّ بعد أن استحوذوا على تجارة السّلاح والمخدّرات والجنس والإعلام؟ǃ
لقد استفاق العالم يوم 2 أوت من سنة 1990 على أنباء تُفيد احتلال العراق للكويت لتبدأ بعد هذه الخطوة المشؤومة مسرحيّة السّاسة الأمريكيّين والصّهيونيّين الامبرياليّين المشؤومة وبطلاها صدّام حسين وقراراته التي تورّطه الواحدة بعد الأخرى في خسران قوّته العسكريّة وتقدّم بلاده التكنولوجيّ، بفضل نخبه وكوادره المتميّزة، خسرانا مبينا. ويسقط أبناء الشّعب العراقي تباعا وتتهدّم كلّ مقدّراته وبناه التّحتيّة لتكون الحصيلة خراب العراق الذي كان بالأمس شامخا محتلاّ مراتب متقدّمة في صفوف الدّول العظمى. وظلّت التّبعات إلى يوم النّاس هذا دماء تنزف دون انقطاع ووطن تحوّل إلى قاع صفصف قٌتل أبناؤه وتشرّدوا في كلّ أنحاء العالم. وبذلك حقّقت السياسة الأمريكيّة الصهيونيّة مآربها وضحكت على المغدور به صدّام حسين، رحمه الله. وبات مهندسو العمليّة قريري العيون، ضاربين عرض الحائط بكلّ القيم الإنسانية، إذ لم يعد صدّام حسين يشكّل خطرا على أمن إسرائيل ولا مسيطرا على المخزون النّفطي وإنتاجه. وهل لمثل هذا الرّهط من السياسيّين مثقال حبّة من الإنسانية؟
وتَكرّ الأيام كرّا فيجيء تاريخ الخميس 24 فيفري 2022 ليحوّل الحرب الباردة بين موسكو وكييف إلى حرب حقيقيّة تُمارس فيها كلتا العاصمتين قوّة السّلاح بجميع أنواعه. إلاّ أنّ الهلاك والدّمار في أوكرانيا أفظع مقارنة بما لحق بروسيا. فمنذ الأيام الأولى، تتالت الخسائر المادّية من تحطيم للبنى التّحتيّة والمؤسّسات الكبرى ذات الوزن الاقتصاديّ الثّقيل. وتعاظمت الخسائر البشريّة من الأوكرانيّين من قضى نحبه ومنهم من جُرح، فأصيب إصابات خطيرة أضحى بسببها معاقا، ومنهم من فرّ بجلده يطلب اللّجوء إلى أيّ مكان في العالم.
لقد كان الشّعب الأوكرانيّ آمنا مستقرّا. ثم تحوّل بين عشيّة وضحاها إلى جحيم لا يُطاق. زغرد حلف النّاتو في أذني الرّئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي وزيّن له الدّخول في الحرب ضدّ روسيا ورئيسها، بالتّحديد، لتكسير شوكته وحتّى تظلّ أمريكا وإسرائيل زعيمتا العالم تحكمان بمفردهما شعوبه ويأتمر حكامه بأوامرهما دون أن ينبسوا ببنت شفة.
لقد وعد حلف النّاتو بأنّه سيقف إلى جانب أوكرانيا في حربها ضدّ روسيا مادّيا ومعنويّا. ولكن لم يحصل شيء من ذلك. بل ظلّ واقفا في الأسابيع الأولى يتفرّج ولا يحرّك ساكنا. وحين اشتدّت الأزمة وألقت بظلالها الوحشيّة على أمريكا وحلفائها الأوروبيّين اجتماعيّا وسياسيّا واقتصاديّا، التفت حلف الناتو إلى كييف ورئيسها وانبرى يمدّه بالمساعدات على جميع الأصعدة. وبذلك توسّعت رقعة الحرب واحتدّت لهجة الخطاب بين النّاتو وروسيا والصّين والهند. وأصبح واضحا أنّنا نعيش حربا عالميّة ثالثة حقيقيّة لا باردة تُنذر بالأخطار في مستقبل الأيّام والشّهور. وعلى وقع هذه التّحوّلات، انتفضت الشعوب في كامل أوروبا وأمريكا ضدّ حكامهم المساندين للحرب ضدّ روسيا. وأصبحت احتجاجاتهم يوميّة يزداد عددها وانتشارها في كلّ المدن محذّرة من مغبّة الانسياق وراء قرارات ستعصف بأمنهم الغذائي والاجتماعي، لا سيّما بعد نقص إمدادات الغاز الرّوسيّ وتوقّف 70 % من إنتاج الغاز في أوروبا وما سينجرّ عنه من أزمة تدفئة تُنبئ بشتاء قارس. وحذّرت هذه الشعوب من الغباء الأعمى الذي لن تجني منه غير المصائب.
وبالرّغم من أنّ الإعلام الأمريكي الغربي يعمل جاهدا على تضليل الرّأي العام وتسويق نزيف الواقع المرير المفضوح على أنّه أمر ظرفيّ مشروع يكاد يكون عاديّا، فإنّنا نعتقد جازمين أنّ الدّائرة ستدور على أمريكا والامبراطوريّة العجوز والسّائرين في ركابهما. وأبدا لن تسلم الجرّة هذه المرّة. بل إنّ الخريطة الجغراسياسيّة ستتغيّر قطعا، في رأينا، وسيُمنى هؤلاء الذي حرصوا على التّقاتل وإعلان الحرب ضدّ روسيا بحصيلة خائبة ثقيلة. وإنّ "انتصارهم" المغشوش على العراق لن يُكتب له العودة في هذه الجولة.
بقلم: مصدّق الشّريف
يعيش العالم بأسره وقائع تؤكد مرّة أخرى أنّ التّاريخ بصدد إعادة نفسه، ولكن في شكل مهزلة. وإضافة إلى المهزلة، لن تسلم الجرّة ولن تكون في الحصيلة الغنيمة لمن غُرّر به ودُفع به إلى المغامرة وزُيّن له ركوب الأهوال ولا لمن وراءه. وبالطّبع، يحصل ذلك كلّه من أجل المصالح ولا شيء غير المصالح.
ما إن حطّت الحرب العراقيّة الإيرانية، التي دارت رحاها قرابة ثماني السّنوات، أوزارها ودخل الجيش العراقيّ وقيادته في فترة استراحة المحارب حتّى وقع الرّئيس الرّاحل صدّام حسين، رحمه الله، وقد خرج من الحرب منتصرا يُقرأ له ألف حساب وحساب، في الفخّ الذي نصبه له السّاسة الأمريكيّون وبنو صهيون. فكيف يصحّ أن يقود العالم ويسيطر عليه غير الأمريكان والصّهاينة، أو حتّى يُزاحمهم في ذلك أحد، ولهم ما لهم من أموال لا حدّ لها ولا عدّ بعد أن استحوذوا على تجارة السّلاح والمخدّرات والجنس والإعلام؟ǃ
لقد استفاق العالم يوم 2 أوت من سنة 1990 على أنباء تُفيد احتلال العراق للكويت لتبدأ بعد هذه الخطوة المشؤومة مسرحيّة السّاسة الأمريكيّين والصّهيونيّين الامبرياليّين المشؤومة وبطلاها صدّام حسين وقراراته التي تورّطه الواحدة بعد الأخرى في خسران قوّته العسكريّة وتقدّم بلاده التكنولوجيّ، بفضل نخبه وكوادره المتميّزة، خسرانا مبينا. ويسقط أبناء الشّعب العراقي تباعا وتتهدّم كلّ مقدّراته وبناه التّحتيّة لتكون الحصيلة خراب العراق الذي كان بالأمس شامخا محتلاّ مراتب متقدّمة في صفوف الدّول العظمى. وظلّت التّبعات إلى يوم النّاس هذا دماء تنزف دون انقطاع ووطن تحوّل إلى قاع صفصف قٌتل أبناؤه وتشرّدوا في كلّ أنحاء العالم. وبذلك حقّقت السياسة الأمريكيّة الصهيونيّة مآربها وضحكت على المغدور به صدّام حسين، رحمه الله. وبات مهندسو العمليّة قريري العيون، ضاربين عرض الحائط بكلّ القيم الإنسانية، إذ لم يعد صدّام حسين يشكّل خطرا على أمن إسرائيل ولا مسيطرا على المخزون النّفطي وإنتاجه. وهل لمثل هذا الرّهط من السياسيّين مثقال حبّة من الإنسانية؟
وتَكرّ الأيام كرّا فيجيء تاريخ الخميس 24 فيفري 2022 ليحوّل الحرب الباردة بين موسكو وكييف إلى حرب حقيقيّة تُمارس فيها كلتا العاصمتين قوّة السّلاح بجميع أنواعه. إلاّ أنّ الهلاك والدّمار في أوكرانيا أفظع مقارنة بما لحق بروسيا. فمنذ الأيام الأولى، تتالت الخسائر المادّية من تحطيم للبنى التّحتيّة والمؤسّسات الكبرى ذات الوزن الاقتصاديّ الثّقيل. وتعاظمت الخسائر البشريّة من الأوكرانيّين من قضى نحبه ومنهم من جُرح، فأصيب إصابات خطيرة أضحى بسببها معاقا، ومنهم من فرّ بجلده يطلب اللّجوء إلى أيّ مكان في العالم.
لقد كان الشّعب الأوكرانيّ آمنا مستقرّا. ثم تحوّل بين عشيّة وضحاها إلى جحيم لا يُطاق. زغرد حلف النّاتو في أذني الرّئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي وزيّن له الدّخول في الحرب ضدّ روسيا ورئيسها، بالتّحديد، لتكسير شوكته وحتّى تظلّ أمريكا وإسرائيل زعيمتا العالم تحكمان بمفردهما شعوبه ويأتمر حكامه بأوامرهما دون أن ينبسوا ببنت شفة.
لقد وعد حلف النّاتو بأنّه سيقف إلى جانب أوكرانيا في حربها ضدّ روسيا مادّيا ومعنويّا. ولكن لم يحصل شيء من ذلك. بل ظلّ واقفا في الأسابيع الأولى يتفرّج ولا يحرّك ساكنا. وحين اشتدّت الأزمة وألقت بظلالها الوحشيّة على أمريكا وحلفائها الأوروبيّين اجتماعيّا وسياسيّا واقتصاديّا، التفت حلف الناتو إلى كييف ورئيسها وانبرى يمدّه بالمساعدات على جميع الأصعدة. وبذلك توسّعت رقعة الحرب واحتدّت لهجة الخطاب بين النّاتو وروسيا والصّين والهند. وأصبح واضحا أنّنا نعيش حربا عالميّة ثالثة حقيقيّة لا باردة تُنذر بالأخطار في مستقبل الأيّام والشّهور. وعلى وقع هذه التّحوّلات، انتفضت الشعوب في كامل أوروبا وأمريكا ضدّ حكامهم المساندين للحرب ضدّ روسيا. وأصبحت احتجاجاتهم يوميّة يزداد عددها وانتشارها في كلّ المدن محذّرة من مغبّة الانسياق وراء قرارات ستعصف بأمنهم الغذائي والاجتماعي، لا سيّما بعد نقص إمدادات الغاز الرّوسيّ وتوقّف 70 % من إنتاج الغاز في أوروبا وما سينجرّ عنه من أزمة تدفئة تُنبئ بشتاء قارس. وحذّرت هذه الشعوب من الغباء الأعمى الذي لن تجني منه غير المصائب.
وبالرّغم من أنّ الإعلام الأمريكي الغربي يعمل جاهدا على تضليل الرّأي العام وتسويق نزيف الواقع المرير المفضوح على أنّه أمر ظرفيّ مشروع يكاد يكون عاديّا، فإنّنا نعتقد جازمين أنّ الدّائرة ستدور على أمريكا والامبراطوريّة العجوز والسّائرين في ركابهما. وأبدا لن تسلم الجرّة هذه المرّة. بل إنّ الخريطة الجغراسياسيّة ستتغيّر قطعا، في رأينا، وسيُمنى هؤلاء الذي حرصوا على التّقاتل وإعلان الحرب ضدّ روسيا بحصيلة خائبة ثقيلة. وإنّ "انتصارهم" المغشوش على العراق لن يُكتب له العودة في هذه الجولة.