لا يمكن الجزم بأن القرار الذي اتخذه مجلس الهيئة العليا للانتخابات بالأمس والقاضي بتمديد فترة قبول الترشحات للانتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب القادم والانتخابات التشريعية المقررة في 17 ديسمبر القادم، قد يغيّر كثيرا من واقع الترشحات خاصة في علاقة بمسألة النوع الاجتماعي وترشّح النساء للبرلمان القادم .
فوفق الإحصائية التي أعلنتها الهيئة بتاريخ يوم الأحد وبعد غلق المكاتب الرئيسية للترشّح بلغ عدد المترشحين للانتخابات القادمة 891 ملفا، منها 774 رجالا و117 نساء، بعد أن انطلقت عملية الترشح منذ يوم 17 من الشهر الجاري، وفي انتظار أن تتولى هيئة الانتخابات الإعلان عن قائمات المترشحين المقبولين نهائيا بعد انقضاء الطعون وذلك في أجل لا يتجاوز 21 نوفمبر القادم.. فإن تمثيلية النساء في مرحلة الترشّح تبدو مخيبة لكل الانتظارات ودون تطلعات الحركة النسوية التي استطاعت في السنوات الأخيرة إثبات نفسها سياسيا في كل المحطات الانتخابية ولكن ما نستشفه اليوم هو نكوص وردة عن كل المنجزات والمكتسبات السياسية التي ناضلت من أجلها أجيال من النساء .
برلمان بحضور نسائي شبه منعدم
في برلمان سيضم 161 مقعدا فقط وبالنظر الى عدد الترشحات النسائية فإن حضور النساء في برلمان قيس سعيد سيكون محتشما ويكاد يكون منعدما ذلك ما أكدته سارة المديني محللة السياسات العامة في أصوات نساء وفي علاقة بمسألة ترشح النساء وحضورهنّ في البرلمان القادم قالت لـ"الصباح" أن البرلمان القادم سيكون برلمانا ذكوريا ورجاليا بامتياز وتضيف: "الحضور النسائي سيكون شبه منعدم وهذا ما تؤكده الأرقام الأخيرة المتعلّقة بنسبة ترشح النساء وهي نسبة هزيلة ونحن توقعنا ذلك عندما قدّمنا قراءة نسوية للمرسوم 55 المنظّم للانتخابات مع مختلف منظمات المجتمع المدني حتى تلك التي ليست نسوية مثل بوصلة ومراقبون، حيث اتفقت كل هذه المكونات على أن نظام الاقتراع على الأفراد وفي دوائر ضيقة سيقطع مع وصول النساء والشباب الى مواقع الحكم وأن من سيصل في تلك الدوائر الضيقة هم من يملكون الجاه أو النفوذ المالي والقبلي".
وفي ذات السياق تشير سارة المديني أن حضور النساء وتأثيرهن في علاقة بالشأن السياسي والشأن العام يتقلّص كلما ابتعدنا عن العاصمة وبالتالي فإن حضور النساء في المناطق الداخلية وفي تلك الدوائر الضيقة لن يكون مؤثرا ولا مسموعا حيث لا يمكن للنساء في تلك المناطق الدخول الى المقاهي أو التجمّعات التي تكون في العادة ذكورية لجمع التزكيات أو الأصوات، تضيف سارة المديني: "المرسوم 55 تراجع عن مكسب سياسي مهم حققته النساء بعد نضالات طويلة ومضنية وهو التناصف الذي تحقق بامتياز في الانتخابات البلدية الأخيرة ولكن مرسوم الانتخابات خرق حتى دستور قيس سعيد وتراجع عن هذا المكسب" .
وبالنسبة للمناخ السياسي فان سارة المديني ترى أن المناخ السياسي الحالي يعرقل وصول النساء لمواقع القرار والمناصب العليا في الدولة حتى على مستوى الإدارة، حيث تقول انه في 2020 صدر منشور وزاري ينصّ على يلزم المديرين العامين بمراعاة النوع الاجتماعي في التعيين لمناصب إدارية عليا مثل المدراء العامين ولكن مع حكومة نجلاء بودن لاحظت جمعية أصوات نساء انه تم القطع مع هذا المنشور ولم يتم احترام مسألة النوع الاجتماعي في التعيينات في المناصب الإدارية الرفيعة ،قائلة "في الحقيقة المناخ السياسي اليوم متعفّن بدرجة كبيرة خاصة وانه في الدكتاتوريات وفي زمن الأزمات عادة ما تكون الفئات الهشة مثل النساء والشباب والأطفال والأقليات هي التي تدفع الثمن" .
رفض نسائي لمزاج سياسي ذكوري
في إطار توحيد جهودها دعت منظمات نسوية وفي إطار حراك الديناميكية النسوية الى مراجعة القانون الانتخابي الجديد، بعد صدور المرسوم الرئاسي المتعلق بالانتخابات منتصف شهر سبتمبر الماضي وإلى اعتماد نظام اقتراع زوجي في جميع الاستحقاقات الانتخابية القادمة بما في ذلك مجلس الجهات والأقاليم والمجالس البلدية بما يضمن احترام مبدأ التناصف في الترشّح تحقيقا لمشاركة فعلية للنساء وولوجهن إلى مواقع اتخاذ القرار. وقد أكّدت هذه المنظمات النسوية التابعة للديناميكية في بيان لها، أنّ اعتماد نظام الاقتراع على الأفراد دون اعتماد التناصف في الترشح وإقرار الضمانات القانونية المستوجبة لتحقيق المساواة ونفاذ النساء إلى مواقع القرار سيفتح الباب أمام إقصاء النساء من الترشح، معتبرة إياه خرقا جسيما لأحكام الفصل 51 من الدستور الجديد.
وهذا ما حصل بالضبط مع قرب غلق باب الترشحات حيث بدا الحضور النسوي محتشما وعدد النساء المترشحات قليلا بالنظر الى عدد المترشحين من الرجال وقد اعتبرت الديناميكية النسوية في بيانها، أنّ القانون الانتخابي الجديد سيساهم في ترشح أصحاب الوجاهة والمال المبني على علاقات "القرابة وعلى العروشية والزبونية" كما سيفرز مشهدا سياسيا لا يختلف كثيرا عن المشهد السياسي الذي أفرزته الانتخابات التشريعية لسنة 2019 "إن لم يكن أسوأ منه"، حسب البيان. ولفتت الديناميكية الى أنّ اعتماد مبدأ التناصف في الترشح في الانتخابات السابقة يعدّ أحد أبرز المكاسب التي حصلت عليها النساء في تونس في اتّجاه التجسيم العملي للمساواة ولتكافؤ الفرص بين الجنسين في مجتمع "أبوي" يحاول إزاحة النساء من الفضاء العام وتحوّلهن إلى مواطنات من درجة ثانية.
منية العرفاوي
تونس- الصباح
لا يمكن الجزم بأن القرار الذي اتخذه مجلس الهيئة العليا للانتخابات بالأمس والقاضي بتمديد فترة قبول الترشحات للانتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب القادم والانتخابات التشريعية المقررة في 17 ديسمبر القادم، قد يغيّر كثيرا من واقع الترشحات خاصة في علاقة بمسألة النوع الاجتماعي وترشّح النساء للبرلمان القادم .
فوفق الإحصائية التي أعلنتها الهيئة بتاريخ يوم الأحد وبعد غلق المكاتب الرئيسية للترشّح بلغ عدد المترشحين للانتخابات القادمة 891 ملفا، منها 774 رجالا و117 نساء، بعد أن انطلقت عملية الترشح منذ يوم 17 من الشهر الجاري، وفي انتظار أن تتولى هيئة الانتخابات الإعلان عن قائمات المترشحين المقبولين نهائيا بعد انقضاء الطعون وذلك في أجل لا يتجاوز 21 نوفمبر القادم.. فإن تمثيلية النساء في مرحلة الترشّح تبدو مخيبة لكل الانتظارات ودون تطلعات الحركة النسوية التي استطاعت في السنوات الأخيرة إثبات نفسها سياسيا في كل المحطات الانتخابية ولكن ما نستشفه اليوم هو نكوص وردة عن كل المنجزات والمكتسبات السياسية التي ناضلت من أجلها أجيال من النساء .
برلمان بحضور نسائي شبه منعدم
في برلمان سيضم 161 مقعدا فقط وبالنظر الى عدد الترشحات النسائية فإن حضور النساء في برلمان قيس سعيد سيكون محتشما ويكاد يكون منعدما ذلك ما أكدته سارة المديني محللة السياسات العامة في أصوات نساء وفي علاقة بمسألة ترشح النساء وحضورهنّ في البرلمان القادم قالت لـ"الصباح" أن البرلمان القادم سيكون برلمانا ذكوريا ورجاليا بامتياز وتضيف: "الحضور النسائي سيكون شبه منعدم وهذا ما تؤكده الأرقام الأخيرة المتعلّقة بنسبة ترشح النساء وهي نسبة هزيلة ونحن توقعنا ذلك عندما قدّمنا قراءة نسوية للمرسوم 55 المنظّم للانتخابات مع مختلف منظمات المجتمع المدني حتى تلك التي ليست نسوية مثل بوصلة ومراقبون، حيث اتفقت كل هذه المكونات على أن نظام الاقتراع على الأفراد وفي دوائر ضيقة سيقطع مع وصول النساء والشباب الى مواقع الحكم وأن من سيصل في تلك الدوائر الضيقة هم من يملكون الجاه أو النفوذ المالي والقبلي".
وفي ذات السياق تشير سارة المديني أن حضور النساء وتأثيرهن في علاقة بالشأن السياسي والشأن العام يتقلّص كلما ابتعدنا عن العاصمة وبالتالي فإن حضور النساء في المناطق الداخلية وفي تلك الدوائر الضيقة لن يكون مؤثرا ولا مسموعا حيث لا يمكن للنساء في تلك المناطق الدخول الى المقاهي أو التجمّعات التي تكون في العادة ذكورية لجمع التزكيات أو الأصوات، تضيف سارة المديني: "المرسوم 55 تراجع عن مكسب سياسي مهم حققته النساء بعد نضالات طويلة ومضنية وهو التناصف الذي تحقق بامتياز في الانتخابات البلدية الأخيرة ولكن مرسوم الانتخابات خرق حتى دستور قيس سعيد وتراجع عن هذا المكسب" .
وبالنسبة للمناخ السياسي فان سارة المديني ترى أن المناخ السياسي الحالي يعرقل وصول النساء لمواقع القرار والمناصب العليا في الدولة حتى على مستوى الإدارة، حيث تقول انه في 2020 صدر منشور وزاري ينصّ على يلزم المديرين العامين بمراعاة النوع الاجتماعي في التعيين لمناصب إدارية عليا مثل المدراء العامين ولكن مع حكومة نجلاء بودن لاحظت جمعية أصوات نساء انه تم القطع مع هذا المنشور ولم يتم احترام مسألة النوع الاجتماعي في التعيينات في المناصب الإدارية الرفيعة ،قائلة "في الحقيقة المناخ السياسي اليوم متعفّن بدرجة كبيرة خاصة وانه في الدكتاتوريات وفي زمن الأزمات عادة ما تكون الفئات الهشة مثل النساء والشباب والأطفال والأقليات هي التي تدفع الثمن" .
رفض نسائي لمزاج سياسي ذكوري
في إطار توحيد جهودها دعت منظمات نسوية وفي إطار حراك الديناميكية النسوية الى مراجعة القانون الانتخابي الجديد، بعد صدور المرسوم الرئاسي المتعلق بالانتخابات منتصف شهر سبتمبر الماضي وإلى اعتماد نظام اقتراع زوجي في جميع الاستحقاقات الانتخابية القادمة بما في ذلك مجلس الجهات والأقاليم والمجالس البلدية بما يضمن احترام مبدأ التناصف في الترشّح تحقيقا لمشاركة فعلية للنساء وولوجهن إلى مواقع اتخاذ القرار. وقد أكّدت هذه المنظمات النسوية التابعة للديناميكية في بيان لها، أنّ اعتماد نظام الاقتراع على الأفراد دون اعتماد التناصف في الترشح وإقرار الضمانات القانونية المستوجبة لتحقيق المساواة ونفاذ النساء إلى مواقع القرار سيفتح الباب أمام إقصاء النساء من الترشح، معتبرة إياه خرقا جسيما لأحكام الفصل 51 من الدستور الجديد.
وهذا ما حصل بالضبط مع قرب غلق باب الترشحات حيث بدا الحضور النسوي محتشما وعدد النساء المترشحات قليلا بالنظر الى عدد المترشحين من الرجال وقد اعتبرت الديناميكية النسوية في بيانها، أنّ القانون الانتخابي الجديد سيساهم في ترشح أصحاب الوجاهة والمال المبني على علاقات "القرابة وعلى العروشية والزبونية" كما سيفرز مشهدا سياسيا لا يختلف كثيرا عن المشهد السياسي الذي أفرزته الانتخابات التشريعية لسنة 2019 "إن لم يكن أسوأ منه"، حسب البيان. ولفتت الديناميكية الى أنّ اعتماد مبدأ التناصف في الترشح في الانتخابات السابقة يعدّ أحد أبرز المكاسب التي حصلت عليها النساء في تونس في اتّجاه التجسيم العملي للمساواة ولتكافؤ الفرص بين الجنسين في مجتمع "أبوي" يحاول إزاحة النساء من الفضاء العام وتحوّلهن إلى مواطنات من درجة ثانية.