إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

فيما تؤكد "بودن" تعافي الاقتصاد الوطني: التقارير والأرقام تشكك .. والقادم أصعب

 

تونس- الصباح

كشفت رئيسة الحكومة نجلاء بودن، أمس الاثنين، في كلمة على هامش مشاركتها في ندوة وطنية حول "إعادة التفكير في هيكلة عالم العمل في تونس"، إن الاقتصاد التونسي في طريقه للتعافي والاستقرار، مؤكدة العزم على استرجاع التوازنات المالية، واستكمال مسار الاصلاحات التي شرعت الحكومة في تنفيذها.

وأكدت نجلاء بودن، عزم الحكومة على توفير أحسن الظروف للتكوين وإعادة التأهيل المهني والتمكين الاقتصادي لخلق باب الرزق، مشددة على "دور المنظّمات العماليّة وأصحاب الأعمال في بلورة حلول مُشتركة لتجاوز تداعيات الأزمة وتعزيز قدرة مجتمعنا على الصمود"، مبينة حرص الحكومة على الحوار الاجتماعي من ذلك إمضاء اتفاقية الزيادة في الأجور وتحسين الأجر الأدنى.

وألمحت رئيسة الحكومة إلى أن "منوال التنمية المعتمد في تونس منذ عقود غير قادر على مواجهة التحديات الاقتصاديّة والاجتماعيّة معتبرة أنّ "هذا المنوال أفرز إشكاليّات هيكليّة عديدة، وتسبب في تفاوت جهوي واجتماعي ، الأمر الذي أدى إلى تنامي التهميش والإقصاء.

تصريحات بودن حول التعافي القريب للاقتصاد تصطدم بواقع الأرقام الصادرة عن المؤسسات المالية العالمية ، بالإضافة إلى الدراسات العلمية الوطنية، والتي أشارت إلى أن بطء وتيرة تعافي الاقتصاد من جائحة كورونا، والتأخير في تنفيذ الإصلاحات الرئيسية بما في ذلك إصلاح منظومة الدعم، سيؤديان على الأرجح إلى ضغوط إضافية على المالية العمومية للبلاد وزيادة عجز الميزانية والميزان التجاري.

وأدى العجز المتراكم واختلال توازن المالية العمومية الذي شهدته تونس في السنوات السابقة إلى زيادة حجم وقيمة المديونية الذي ارتفع من 68.2 سنة 2017 إلى 107.8 مليار دينار سنة 2021 أي بنسبة ارتفاع قدرها البنك الدولي في آخر تقرير له حول الوضع الاقتصادي في تونس بنحو 12 % من الناتج المحلي الإجمالي، مع توقّع تسجيل معدل نمو في حدود 2٪، مما يبين أن الاقتصاد يسير على مسار نمو أقل مما كان متوقعاً سابقاً، وسيؤدي ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية إلى زيادة عجز الميزانية.

وقد واصل الدين العمومي ارتفاعه ليبلغ 82.4 % من الناتج الداخلي الخام لكامل سنة 2021، كما بلغت قيمته في الربع الأول من سنة 2022 نحو 105.8 مليار دينار وبذلك ترتفع خدمة الدين لتبلغ نحو 14.8 مليار دينار سنة 2021 أي ما يعادل 11.3 % من الناتج الداخلي الخام، وهي مستويات تظل مرتفعة جدا، ومخاطرها وخيمة على الاقتصاد الوطني.

وحسب ما أكده البنك الدولي فقد بلغت خدمة الدين 3.8 مليار دينار خلال الربع الأول من السنة الحالية ، 2.6 منها لسداد أصل الدين و 1.2 لسداد الفوائد التي ارتفعت لتصل إلى حدود 13.5 % مقارنة بنفس الفترة من سنة 2021 وتمثل بذلك 53 % من إجمالي الزيادة في الإنفاق دون اعتبار سداد أصل الدين .

وحسب ما نقلته، مؤخرا، وكالة فرانس براس الفرنسية عن جورج غراي مولينا كبير خبراء الاقتصاد في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي أشار إلى إنّ ثلث الاقتصاديات النامية، تم تصنيف ديونها من قبل وكالات التصنيف على أنها “مخاطرة كبيرة، ومن الوارد التخلّف عن السداد”، لافتا إلى أن الدول الأكثر عرضة للخطر هي سيريلانكا وباكستان وتونس والتشاد وزامبيا.

وتتواصل الجهود لتمويل الميزانية في تونس إذ سيصل الدين إلى 114 مليار دينار (34.5 مليار دولار)، ما يساوي 78.3 في المائة من الناتج الداخلي، واعتبر البنك الدولي أن الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة لتسريع النمو، تحتاج إلى تطبيق إصلاحات ملموسة، وهو الأمر الذي عجزت تونس عن تطبيقه مع العديد من الحكومات.

ويؤكد اغلب الخبراء الذين التقتهم "الصباح"، أن تعافي الاقتصاد يمر عبر إجراءات مؤلمة تتعلق بالضغط على كتلة الأجور وتصريح الموظفين والحد من عجز الميزان التجاري ووضع منوال تنموي جديد، معتبرين أن مجرد الحديث عن رفع الدعم، أو إعادة توجيهه هو خطر اجتماعي كبير يهدد السلم والأمن في البلاد.

ولعل لجوء تونس إلى الاستفادة من حقوق السحب من صندوق النقد الدولي واستغلال مخصصاتها المقدرة 741 مليون دولار، في سداد أجور الموظفين، وأيضا على نفقات الدولة، يعكس حجم الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تمر بها البلاد، خاصة وأن هذه المخصصات كان من المفروض إنفاقها على مشاريع استثمارية تولد ايرادات جديدة، تخفف من الأزمة المالية التي تشهدها البلاد خلال الفترة الأخيرة، علما، وان اتفاق القرض مع صندوق النقد الدولي والبالغ 1.9 مليار دولار، لا يلبي طموحات تونس لتحقيق انتعاشة اقتصادية ومالية، خصوصا وان جزءا منه سيذهب إلى سداد مستحقات تونس من ديونها الخارجية خلال 2023.

ويظهر جليا، انه أمام هذه المعطيات الصادرة عن الجهات الرسمية والدولية، فإن الحديث عن التعافي الاقتصادي خلال الفترة القليلة القادمة يبقى محل شكوك من الجميع، وما تزال تونس في حاجة إلى إصلاحات ملموسة تعيد التوازنات المالية للبلاد إلى المستويات المطمئنة وتدفع بمحرك الاستثمار، الذي تراجع بفعل الجائحة الصحية وتداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي العالمي الصعب والذي أرهق اقتصاد الدول النامية.

سفيان المهداوي

فيما تؤكد "بودن"  تعافي الاقتصاد الوطني: التقارير  والأرقام تشكك .. والقادم أصعب

 

تونس- الصباح

كشفت رئيسة الحكومة نجلاء بودن، أمس الاثنين، في كلمة على هامش مشاركتها في ندوة وطنية حول "إعادة التفكير في هيكلة عالم العمل في تونس"، إن الاقتصاد التونسي في طريقه للتعافي والاستقرار، مؤكدة العزم على استرجاع التوازنات المالية، واستكمال مسار الاصلاحات التي شرعت الحكومة في تنفيذها.

وأكدت نجلاء بودن، عزم الحكومة على توفير أحسن الظروف للتكوين وإعادة التأهيل المهني والتمكين الاقتصادي لخلق باب الرزق، مشددة على "دور المنظّمات العماليّة وأصحاب الأعمال في بلورة حلول مُشتركة لتجاوز تداعيات الأزمة وتعزيز قدرة مجتمعنا على الصمود"، مبينة حرص الحكومة على الحوار الاجتماعي من ذلك إمضاء اتفاقية الزيادة في الأجور وتحسين الأجر الأدنى.

وألمحت رئيسة الحكومة إلى أن "منوال التنمية المعتمد في تونس منذ عقود غير قادر على مواجهة التحديات الاقتصاديّة والاجتماعيّة معتبرة أنّ "هذا المنوال أفرز إشكاليّات هيكليّة عديدة، وتسبب في تفاوت جهوي واجتماعي ، الأمر الذي أدى إلى تنامي التهميش والإقصاء.

تصريحات بودن حول التعافي القريب للاقتصاد تصطدم بواقع الأرقام الصادرة عن المؤسسات المالية العالمية ، بالإضافة إلى الدراسات العلمية الوطنية، والتي أشارت إلى أن بطء وتيرة تعافي الاقتصاد من جائحة كورونا، والتأخير في تنفيذ الإصلاحات الرئيسية بما في ذلك إصلاح منظومة الدعم، سيؤديان على الأرجح إلى ضغوط إضافية على المالية العمومية للبلاد وزيادة عجز الميزانية والميزان التجاري.

وأدى العجز المتراكم واختلال توازن المالية العمومية الذي شهدته تونس في السنوات السابقة إلى زيادة حجم وقيمة المديونية الذي ارتفع من 68.2 سنة 2017 إلى 107.8 مليار دينار سنة 2021 أي بنسبة ارتفاع قدرها البنك الدولي في آخر تقرير له حول الوضع الاقتصادي في تونس بنحو 12 % من الناتج المحلي الإجمالي، مع توقّع تسجيل معدل نمو في حدود 2٪، مما يبين أن الاقتصاد يسير على مسار نمو أقل مما كان متوقعاً سابقاً، وسيؤدي ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية إلى زيادة عجز الميزانية.

وقد واصل الدين العمومي ارتفاعه ليبلغ 82.4 % من الناتج الداخلي الخام لكامل سنة 2021، كما بلغت قيمته في الربع الأول من سنة 2022 نحو 105.8 مليار دينار وبذلك ترتفع خدمة الدين لتبلغ نحو 14.8 مليار دينار سنة 2021 أي ما يعادل 11.3 % من الناتج الداخلي الخام، وهي مستويات تظل مرتفعة جدا، ومخاطرها وخيمة على الاقتصاد الوطني.

وحسب ما أكده البنك الدولي فقد بلغت خدمة الدين 3.8 مليار دينار خلال الربع الأول من السنة الحالية ، 2.6 منها لسداد أصل الدين و 1.2 لسداد الفوائد التي ارتفعت لتصل إلى حدود 13.5 % مقارنة بنفس الفترة من سنة 2021 وتمثل بذلك 53 % من إجمالي الزيادة في الإنفاق دون اعتبار سداد أصل الدين .

وحسب ما نقلته، مؤخرا، وكالة فرانس براس الفرنسية عن جورج غراي مولينا كبير خبراء الاقتصاد في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي أشار إلى إنّ ثلث الاقتصاديات النامية، تم تصنيف ديونها من قبل وكالات التصنيف على أنها “مخاطرة كبيرة، ومن الوارد التخلّف عن السداد”، لافتا إلى أن الدول الأكثر عرضة للخطر هي سيريلانكا وباكستان وتونس والتشاد وزامبيا.

وتتواصل الجهود لتمويل الميزانية في تونس إذ سيصل الدين إلى 114 مليار دينار (34.5 مليار دولار)، ما يساوي 78.3 في المائة من الناتج الداخلي، واعتبر البنك الدولي أن الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة لتسريع النمو، تحتاج إلى تطبيق إصلاحات ملموسة، وهو الأمر الذي عجزت تونس عن تطبيقه مع العديد من الحكومات.

ويؤكد اغلب الخبراء الذين التقتهم "الصباح"، أن تعافي الاقتصاد يمر عبر إجراءات مؤلمة تتعلق بالضغط على كتلة الأجور وتصريح الموظفين والحد من عجز الميزان التجاري ووضع منوال تنموي جديد، معتبرين أن مجرد الحديث عن رفع الدعم، أو إعادة توجيهه هو خطر اجتماعي كبير يهدد السلم والأمن في البلاد.

ولعل لجوء تونس إلى الاستفادة من حقوق السحب من صندوق النقد الدولي واستغلال مخصصاتها المقدرة 741 مليون دولار، في سداد أجور الموظفين، وأيضا على نفقات الدولة، يعكس حجم الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تمر بها البلاد، خاصة وأن هذه المخصصات كان من المفروض إنفاقها على مشاريع استثمارية تولد ايرادات جديدة، تخفف من الأزمة المالية التي تشهدها البلاد خلال الفترة الأخيرة، علما، وان اتفاق القرض مع صندوق النقد الدولي والبالغ 1.9 مليار دولار، لا يلبي طموحات تونس لتحقيق انتعاشة اقتصادية ومالية، خصوصا وان جزءا منه سيذهب إلى سداد مستحقات تونس من ديونها الخارجية خلال 2023.

ويظهر جليا، انه أمام هذه المعطيات الصادرة عن الجهات الرسمية والدولية، فإن الحديث عن التعافي الاقتصادي خلال الفترة القليلة القادمة يبقى محل شكوك من الجميع، وما تزال تونس في حاجة إلى إصلاحات ملموسة تعيد التوازنات المالية للبلاد إلى المستويات المطمئنة وتدفع بمحرك الاستثمار، الذي تراجع بفعل الجائحة الصحية وتداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي العالمي الصعب والذي أرهق اقتصاد الدول النامية.

سفيان المهداوي