بقلم:مصدّق الشّريف
نطق وزير التربية فتحي السلاوتي وقال بعظمة لسانه: الآلاف من أبنائنا التلاميذ لم تطأ بعد أقدامهم قاعة الدّرس وقد مرّت على انطلاق السّنة الدّراسية ستّة أسابيع.
ويأتي ذلك على إثر قرار الجامعة العامة للتعليم الأساسي مقاطعة الدّروس احتجاجا على عدم استجابة وزارة التّربية لمطالبها المتمثّلة في تسوية وضعية دفعة سبتمبر 2022 من المعلّمين النّواب ودفعتي 2021 و2022 من خريجي الإجازة التطبيقية للتربية والتعليم وترسیم كافة الأعوان الوقتيين (دفعات من 2018 إلى 2022) وإلغاء هذه الصفة نهائيا. بالإضافة إلى انتداب النّواب خارج الاتفاقية وفقا للنظام الأساسي القطاعي وتسوية وضعية الأعوان الوقتيين المصنفين في الصنف الفرعي أ3 وذلك بإعادة ترتيبهم بوصفهم أعوانا وقتيين منظرين بأستاذ مدارس ابتدائية صنف أ2. وبالتالي فإننا أمام حقّ مهضوم هو الحقّ في التّمدرس والتّعلّم.
هذا الحقّ، في رأينا، ليس ككلّ الحقوق. هذا الحقّ، في رأينا، مقدّس. هذا الحق، في رأينا، لا يقبل النّقاش ولا التّأويل ولا التّعطيل ولا التّأخير إلى أن يناله أصحابه. ويخطئ من يظنّ أنّه يمكن تجاهله أو التّغافل عنه لأنّ أصحابه قصّر أو يقطنون في قرى منسيّة شوارعها عزلاء منسيّة بلا أسماء. ويخطئ أيضا من يظنّ أنّ الأًصوات المنادية بالحقّ في توفير السّكر والقهوة والحليب والزّيت المدعم أعلى من الأصوات المنادية بما يكفله القانون من حقّ في التّعلم ونادت بأحقّيته المواثيق الدّولية كلّها. إنّ في مرور أكثر من شهر ونصف على بقاء المئات من مدارسنا موصدة الأبواب أمام جيل المستقبل، العمود الفقري للبلاد، لا يمكن بحال من الأحوال أن يبقى موضوع جدالات أو مناكفات أو حسابات سياسية كانت أو حزبية بين النّقابات ووزارة الإشراف. ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون موضوعا تُؤثّث به البرامج التلفزية والإذاعية ليخرج في الأخير المتحاورون بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها.
وفي اعتقادنا أنّ هذه القضيّة التي لا تعلو عليها كلّ القضايا، بما في ذلك قضيّة الحياة أو الموت، أصبحت الآن وهنا من مشمولات رئيس الجمهورية. وإنّ ما تعيشه المؤسسة التّربوية اليوم في هذا الموضوع بالذّات يمثل لحظة فارقة. فالمسألة ليست من قبيل الزّيادة في الأجور أو إصلاح بُنى المدارس التّحتية أو غيرها من المطالب المادّية التي يمكن تأخيرها إلى حين.
سيّدي رئيس الجمهورية، لا بدّ أن تتحرّك لإيقاف جريمة السّطو على حقّ أبنائنا في الدّراسة. لا بدّ أن تنشط ولو على مدى أربع وعشرين ساعة دون انقطاع حتّى يلتحق أبناؤنا، فلذات أكبادنا، بقاعة الدّرس. لا بدّ أن تصنع المستحيل. لا بدّ أن تفعل أيّ شيء وكلّ شيء حتّى تجعل حدّا لهذه المصيبة.
سيّدي رئيس الجمهورية، سأتوجّه إليك باقتراح ولا يهمّني أن أتهم بأنّ ما أقترحه هو من قبيل الحلّ الشعبويّ. أرجو منك أن تتبرع بقسط مهمّ من مرتّبك. وعلى الوزراء وكتّاب الدّولة ومديري الدّواوين والرّؤساء والمديرين العامّين وكلّ الإطارات العليا والوسطى أن يسيروا على منوالك وأن يحذوا حذوك. وينبغي أن تفرض على أصحاب البنوك والشّركات الكبرى والدّواوين وأصحاب رؤوس الأموال أن يتبرّعوا هم أيضا بنصيب من أموالهم. وبذلك تنشئ اكتتابا يُخصّص للمعلّمين النّواب في انتظار أن تدور عجلة الاقتصاد وتخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية الخانقة.
سيّدي رئيس الجمهورية، أناشدك التّحرك. إنّها قضيّة حياة أو موت إن آمنّا أنّ الموت ليس فقط بانقطاع التنفّس أو توقّف دقّات القلب. إنّ الموت كذلك في أن نحرم أبناءنا من حقّهم في التعلّم والتّمتّع كغيرهم من أبناء الوطن بأجواء الدّراسة.
قد ينسى التّاريخ ومن ورائه عموم النّاس في يوم من الأيام غلاء المعيشة المشطّ وانقطاع المواد الغذائيّة والأساسية من الأسواق. ولكنّ التّاريخ لن ينسى حرمان أبنائنا من حقّهم في التّمدرس ولن يتسامح في محاسبة أوّل مسؤول عن حرمان آلاف التّلاميذ من القراءة والكتابة وبلوغ مدارج المعرفة والعرفان.
سيّدي رئيس الجمهورية، أختم بما أنشده الشاعر معروف الرّصافي:
كفى بالعلم في الظلمات نورا *** يُبيّن في الحياة لنا الأمورا
فكم وجد الذليل به اعتزازاً *** وكم لبِس الحزين به سرورا