إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

توقعات بـ"تمدّد" الفقر في ظل الغلاء الفاحش: نصف الشعب مُفقّر.. السنوات القادمة؟

تونس- الصباح

يأتي اليوم الدولي لمحاربة الفقر والذي يوافق 17 أكتوبر من كل سنة ليعمق أكثر المخاوف بشان استفحال هذه الآفة التي ما فتئت تتطور في بلادنا إلى الأسوإ من سنة إلى أخرى لا سيما بعد جائحة كورونا لترجح بذاك التوقعات الدولية كما المحلية نموا في مؤشرات الفقر بحلول سنة 2023..

في هذا الخصوص حذّر تقرير صادر مؤخرا عن البنك الدولي من تفاقم معدلات الفقر في تونس إذا استمرت الأسعار العالمية بالارتفاع والتضخم في الأشهر المتبقية من السنة الجارية بنفس الوتيرة التي كانت عليها في أشهره الأولى واستمر الدعم قائماً.

وتوقع البنك الدولي في هذا الإطار أن يرتفع معدل الفقر في تونس بمقدار 2.2 بالمائة بالإضافة إلى زيادة مستويات التفاوت وعدم المساواة إلى حدّ ما إذ سيرتفع مؤشر "جيني" من 32.82 إلى 32.9 نقطة.

حسب بيانات البنك الدولي المتعلقة بالآفاق الاقتصادية لتونس فانه من المتوقع وفقا لما تناقلته عديد الأوساط الإعلامية العالمية أن يصل معدل الفقر إلى 3.4 في المائة هذه السنة و3.1 في المائة في 2023 باستخدام خط 3.2 دولار (على أساس تعادل القوة الشرائية لعام 2011). ومن المتوقع أيضا أن ينخفض عدد الفقراء والبسطاء عند خط 5.5 دولار (على أساس تعادل القوة الشرائية لعام 2011) من 18.9 في المائة هذه السنة إلى 17.7 في المائة عام 2023.

وكانت دراسة أنجزها المعهد الوطني للإحصاء التونسي، بالتعاون مع البنك الدولي ونشرت في سبتمبر 2020 بعنوان "خارطة الفقر في تونس" كشفت عن ارتفاع نسب الفقر بشكل رئيسي في المناطق غير الساحلية وتحديدا بوسط البلاد وشمالها..

 يتّفق الأستاذ الجامعي المختص في الاقتصاد والخبير لدى الاتحاد العام التونسي للشغل عبد الرحمان اللاحقة مع الطرح الذي يؤشر الى تنامي معضلة الفقر في قادم الأيام حيث أورد في تصريح أمس لـ "الصباح" أن هذه المعضلة بصدد التطور جراء وجود ضعف حاصل في السياسات الاجتماعية وسياسات التشغيل مشيرا الى أن الفقر في تونس متمركز في مناطق ريفية وخاصة في مناطق الوسط الغربي بما أن السياسات لم تعالج ولم تستهدف المناطق المعروفة بفقرها. وأشار اللاحقة إلى أن ضعف السياسات الاجتماعية وتدهور الوضع أكثر بعد جائحة كورونا قد زاد الطين بلة في علاقة بتنامي ظاهرة الفقر خلال السنوات القادمة في ظل غياب سياسات ناجحة لاقتلاع الفقر قائلا :" متى لم توجد سياسات ناجحة للقضاء على الفقر فان الفقر سيورث من جيل الى جيل".

واعتبر اللاحقة أن الأمل الوحيد للقضاء على الفقر يتمثل في ضمان شغل لائق الى جانب كسر الحلقة المفرغة لتوارث الفقر واستثمار في الطفولة مع ضبط سياسات تعليم وعمل لائق مشددا في الإطار نفسه على أن القضاء على الفقر لن يأتي إلا بتوفير عمل لائق مٌوضّحا أن الدخل الشهري من قبيل 450 د لا يتماشى مطلقا مع ظروف المعيشة في الوقت الراهن ومن شانه أن يٌغذّي الفقر والتوتر والاحتقان الى جانب المشاكل والتحركات الاجتماعية كما يضرب ثقة المواطن في الدولة. لكن المؤسف من وجهة نظر الخبير في الاقتصاد انه لا وجود لخيارات جدية للقضاء على الفقر حيث لم تذهب الدولة في سياسات مترابطة ومتلاصقة لمحاربة الفقر .  

 من جانب آخر وفي رصد لتوقعات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمدى تطور معضلة الفقر خلال الأشهر والسنوات القادمة، يشير عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين في تصريح أمس لـ "الصباح" أن مؤشر الفقر في تونس  بصدد التزايد من سنة الى أخرى  موضحا أن المنتدى كان قد حذّر من تنامي هذه الظاهرة لا سيما بعد جائحة كورونا التي ساهمت في تدعيم هذه الآفة خاصة وأن كثيرين فقدوا مواطن شغلهم جراء الحجر الصحي الشامل آنذاك.

 وفي هذا الخصوص يشير حسين الى أن تقديرات وزارة الشؤون الاجتماعية تشير الى وجود 4 ملايين تونسي فقير غير أن تداعيات كورونا والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد جعلت نسبة الفقر بصدد التزايد كاشفا في هذا الجانب أن خبراء صندوق النقد الدولي يرجحون أن نسبة الفقر في تونس تتجه حاليا نحو 50 بالمائة. وفسر حسين أن المؤشرات التي تقاس بها نسبة الفقر في تونس والتي يعتمدها معهد الإحصاء تعتبر اقل بكثير من المؤشرات العالمية (حيث تعتبر مؤشرات معهد الإحصاء أن الفرد الذي يتحصل يوميا على 4,800 من الدنانير يعتبر فقيرا والحال أن هذا الرقم يعتبر اقل من المؤشر العالمي المعتمد في قياس نسبة الفقر) كما أن من يتقاضى أجرا شهريا يقدر بـ 600 د يعتبر فقيرا بحسب مؤشرات الأمم المتحدة  المعتمدة لقياس نسبة الفقر.

ويتوقع عضو الهيئة المديرة للمنتدى صعوبات كبيرة في قادم الأشهر جراء الارتفاع المهول في الأسعار الذي سينعكس سلبا على نسب الفقر وسيؤشر الى زيادة فيها مٌعرّجا في الإطار نفسه على الزيادة التي شملت هذه السنة أسعار المستلزمات المدرسية والتي بلغت 50 بالمائة في سعر الكراسات وهو ما لا تتحمله مطلقا العائلات الفقيرة. وأشار محدثنا الى أن  هذه الوضعية تدفع الى الخوض فيما يسمى الفقر المتعدد الأبعاد والذي يشمل جملة من الحقوق الأساسية على غرار الحق في التعليم والصحة والسكن والخدمات الأساسية والحق في الغذاء معتبرا أن نعيش مسارا خاطئا في معالجة آفة الفقر فكل المقاربات التي اعتمدت فشلت وبالتالي فان هناك زحفا خطيرا ومهولا لمؤشرات الفقر في قادم الأيام. 

ولمعالجة هذه الآفة يرى حسين أن المطلوب اليوم هو تغيير المنوال التنموي بالاعتماد على مقاربات تنموية جديدة تمكن مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية في الاندماج في الاقتصاد بشكل عادل الى جانب خلق نماذج تعتمد على آليات جديدة قائلا:"أرى أن الاقتصاد الاجتماعي التضامني الذي لم يتم تفعيله بعد هو آلية من آليات محاربة الفقر خاصة وان الآليات التنموية الاقتصادية المعمول بها هي آليات تكرس الفوارق الاجتماعية وتساهم في تكديس الثروة لدى أقلية هذا بالتوازي مع تفقير ممنهج تجاوز الفئات الهشة ليطال الفئات المتوسطة التي ستلتحق أفواجا أفواجا بصفوف المفقرين".

يذكر أن آخر الإحصائيات الرسمية حول الفقر تعود الى تصريحات وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي الذي أورد  خلال شهر ماي الماضي أن 963 ألف عائلة تضم نحو 4 ملايين تونسي يعانون من الفقر من حوالي 12 مليونا إجمالي سكان البلاد ..

منال حرزي

توقعات بـ"تمدّد" الفقر في ظل الغلاء الفاحش: نصف الشعب مُفقّر.. السنوات القادمة؟

تونس- الصباح

يأتي اليوم الدولي لمحاربة الفقر والذي يوافق 17 أكتوبر من كل سنة ليعمق أكثر المخاوف بشان استفحال هذه الآفة التي ما فتئت تتطور في بلادنا إلى الأسوإ من سنة إلى أخرى لا سيما بعد جائحة كورونا لترجح بذاك التوقعات الدولية كما المحلية نموا في مؤشرات الفقر بحلول سنة 2023..

في هذا الخصوص حذّر تقرير صادر مؤخرا عن البنك الدولي من تفاقم معدلات الفقر في تونس إذا استمرت الأسعار العالمية بالارتفاع والتضخم في الأشهر المتبقية من السنة الجارية بنفس الوتيرة التي كانت عليها في أشهره الأولى واستمر الدعم قائماً.

وتوقع البنك الدولي في هذا الإطار أن يرتفع معدل الفقر في تونس بمقدار 2.2 بالمائة بالإضافة إلى زيادة مستويات التفاوت وعدم المساواة إلى حدّ ما إذ سيرتفع مؤشر "جيني" من 32.82 إلى 32.9 نقطة.

حسب بيانات البنك الدولي المتعلقة بالآفاق الاقتصادية لتونس فانه من المتوقع وفقا لما تناقلته عديد الأوساط الإعلامية العالمية أن يصل معدل الفقر إلى 3.4 في المائة هذه السنة و3.1 في المائة في 2023 باستخدام خط 3.2 دولار (على أساس تعادل القوة الشرائية لعام 2011). ومن المتوقع أيضا أن ينخفض عدد الفقراء والبسطاء عند خط 5.5 دولار (على أساس تعادل القوة الشرائية لعام 2011) من 18.9 في المائة هذه السنة إلى 17.7 في المائة عام 2023.

وكانت دراسة أنجزها المعهد الوطني للإحصاء التونسي، بالتعاون مع البنك الدولي ونشرت في سبتمبر 2020 بعنوان "خارطة الفقر في تونس" كشفت عن ارتفاع نسب الفقر بشكل رئيسي في المناطق غير الساحلية وتحديدا بوسط البلاد وشمالها..

 يتّفق الأستاذ الجامعي المختص في الاقتصاد والخبير لدى الاتحاد العام التونسي للشغل عبد الرحمان اللاحقة مع الطرح الذي يؤشر الى تنامي معضلة الفقر في قادم الأيام حيث أورد في تصريح أمس لـ "الصباح" أن هذه المعضلة بصدد التطور جراء وجود ضعف حاصل في السياسات الاجتماعية وسياسات التشغيل مشيرا الى أن الفقر في تونس متمركز في مناطق ريفية وخاصة في مناطق الوسط الغربي بما أن السياسات لم تعالج ولم تستهدف المناطق المعروفة بفقرها. وأشار اللاحقة إلى أن ضعف السياسات الاجتماعية وتدهور الوضع أكثر بعد جائحة كورونا قد زاد الطين بلة في علاقة بتنامي ظاهرة الفقر خلال السنوات القادمة في ظل غياب سياسات ناجحة لاقتلاع الفقر قائلا :" متى لم توجد سياسات ناجحة للقضاء على الفقر فان الفقر سيورث من جيل الى جيل".

واعتبر اللاحقة أن الأمل الوحيد للقضاء على الفقر يتمثل في ضمان شغل لائق الى جانب كسر الحلقة المفرغة لتوارث الفقر واستثمار في الطفولة مع ضبط سياسات تعليم وعمل لائق مشددا في الإطار نفسه على أن القضاء على الفقر لن يأتي إلا بتوفير عمل لائق مٌوضّحا أن الدخل الشهري من قبيل 450 د لا يتماشى مطلقا مع ظروف المعيشة في الوقت الراهن ومن شانه أن يٌغذّي الفقر والتوتر والاحتقان الى جانب المشاكل والتحركات الاجتماعية كما يضرب ثقة المواطن في الدولة. لكن المؤسف من وجهة نظر الخبير في الاقتصاد انه لا وجود لخيارات جدية للقضاء على الفقر حيث لم تذهب الدولة في سياسات مترابطة ومتلاصقة لمحاربة الفقر .  

 من جانب آخر وفي رصد لتوقعات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمدى تطور معضلة الفقر خلال الأشهر والسنوات القادمة، يشير عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين في تصريح أمس لـ "الصباح" أن مؤشر الفقر في تونس  بصدد التزايد من سنة الى أخرى  موضحا أن المنتدى كان قد حذّر من تنامي هذه الظاهرة لا سيما بعد جائحة كورونا التي ساهمت في تدعيم هذه الآفة خاصة وأن كثيرين فقدوا مواطن شغلهم جراء الحجر الصحي الشامل آنذاك.

 وفي هذا الخصوص يشير حسين الى أن تقديرات وزارة الشؤون الاجتماعية تشير الى وجود 4 ملايين تونسي فقير غير أن تداعيات كورونا والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد جعلت نسبة الفقر بصدد التزايد كاشفا في هذا الجانب أن خبراء صندوق النقد الدولي يرجحون أن نسبة الفقر في تونس تتجه حاليا نحو 50 بالمائة. وفسر حسين أن المؤشرات التي تقاس بها نسبة الفقر في تونس والتي يعتمدها معهد الإحصاء تعتبر اقل بكثير من المؤشرات العالمية (حيث تعتبر مؤشرات معهد الإحصاء أن الفرد الذي يتحصل يوميا على 4,800 من الدنانير يعتبر فقيرا والحال أن هذا الرقم يعتبر اقل من المؤشر العالمي المعتمد في قياس نسبة الفقر) كما أن من يتقاضى أجرا شهريا يقدر بـ 600 د يعتبر فقيرا بحسب مؤشرات الأمم المتحدة  المعتمدة لقياس نسبة الفقر.

ويتوقع عضو الهيئة المديرة للمنتدى صعوبات كبيرة في قادم الأشهر جراء الارتفاع المهول في الأسعار الذي سينعكس سلبا على نسب الفقر وسيؤشر الى زيادة فيها مٌعرّجا في الإطار نفسه على الزيادة التي شملت هذه السنة أسعار المستلزمات المدرسية والتي بلغت 50 بالمائة في سعر الكراسات وهو ما لا تتحمله مطلقا العائلات الفقيرة. وأشار محدثنا الى أن  هذه الوضعية تدفع الى الخوض فيما يسمى الفقر المتعدد الأبعاد والذي يشمل جملة من الحقوق الأساسية على غرار الحق في التعليم والصحة والسكن والخدمات الأساسية والحق في الغذاء معتبرا أن نعيش مسارا خاطئا في معالجة آفة الفقر فكل المقاربات التي اعتمدت فشلت وبالتالي فان هناك زحفا خطيرا ومهولا لمؤشرات الفقر في قادم الأيام. 

ولمعالجة هذه الآفة يرى حسين أن المطلوب اليوم هو تغيير المنوال التنموي بالاعتماد على مقاربات تنموية جديدة تمكن مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية في الاندماج في الاقتصاد بشكل عادل الى جانب خلق نماذج تعتمد على آليات جديدة قائلا:"أرى أن الاقتصاد الاجتماعي التضامني الذي لم يتم تفعيله بعد هو آلية من آليات محاربة الفقر خاصة وان الآليات التنموية الاقتصادية المعمول بها هي آليات تكرس الفوارق الاجتماعية وتساهم في تكديس الثروة لدى أقلية هذا بالتوازي مع تفقير ممنهج تجاوز الفئات الهشة ليطال الفئات المتوسطة التي ستلتحق أفواجا أفواجا بصفوف المفقرين".

يذكر أن آخر الإحصائيات الرسمية حول الفقر تعود الى تصريحات وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي الذي أورد  خلال شهر ماي الماضي أن 963 ألف عائلة تضم نحو 4 ملايين تونسي يعانون من الفقر من حوالي 12 مليونا إجمالي سكان البلاد ..

منال حرزي