إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد موافقة صندوق النقد الدولي على تمويل تونس.. حكومة بودن مجبرة على تقليص الموظفين والضغط على كتلة الأجور وإيقاف الانتدابات !

 صندوق النقد الدولي يطالب بتخفيض كتلة الأجور إلى حدود 12% من الناتج الداخلي الخام

تونس- الصباح

ستجد حكومة نجلاء بودن نفسها في الفترة القليلة القادمة في مواجهة مباشرة مع صندوق النقد الدولي الرافض قطعياً للزيادة في أجور الموظفين، التي تمثل لوحدها حوالي 40 في المائة من ميزانية البلاد، وقرابة 15 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وذلك على اثر اتفاق مبدئي على مستوى الخبراء بمنح تونس قرض جديد بحوالي 1.9 مليار دولار، علما وأن من بين شروط صندوق النقد الدولي، والتي طالب بها علنا، اغلب الحكومات المتعاقبة، هي تقليص كتلة الأجور وتخفيضها الى حدود 12% من الناتج الداخلي الخام، وهو ما تحاول تونس الالتزام به في ظل وضع اقتصادي واجتماعي صعب للغاية.

ويشترط الصندوق على تونس في مفاوضاته بخصوص الموافقة على منح تونس قرض بقيمة أربعة مليارات دولار، الضغط على كتلة الأجور والنزول بها إلى مستويات مقبولة فضلاً عن حزمة من الإجراءات الأخرى على غرار رفع الدعم عن المواد البترولية والكهرباء وإصلاح الشركات الحكومية.

وسجلت نسبة الأجور من الموارد الذاتية للدولة تطورا لافتا، حيث قفزت من 46% سنة 2010 الى 60,9% سنة 2021، وارتفع معها معدل الأجر الشهري الخام للموظف العمومي من 1298 دينار سنة 2010 إلى 2608 دينار سنة 2021، فيما ارتفعت كتلة الأجور من 6785 مليون دينار سنة 2010 الى 20118 مليون دينار في الميزانية العامة لسنة 2021 .

مقترح الحكومة

واقترحت الحكومة، "إجراءات عاجلة ضمن ميزانية 2023، للتحكم في كتلة الأجور وترشيدها من خلال تجميد الانتدابات وحصرها في الحاجيات الضرورية، مشيرة في منشور حول إعداد ميزانية الدولة للسنة المقبلة وجهته الى الوزراء ورؤساء الهياكل والهيئات الدستورية المستقلة والولاة ورؤساء البرامج، أن نفقات الأجور، وصلت الى مستوى قياسي خلال سنة 2022 في حدود 15,6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 10 بالمائة سنة 2010، وهو ما قلص من الاعتمادات ذات الصبغة التنموية وحدّ من قدرة الميزانية على تعزيز الاستثمار العمومي.

ويعد التخفيض من كتلة الأجور، أحد ابرز الإصلاحات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي تونس حتى تتمكن من إبرام اتفاق معه والحصول على تمويلات، الى جانب الحد من نفقات الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية وإصلاح المنظومة الجبائية.

واقترحت الحكومة في ميزانية 2023، حصر الانتدابات في الحاجيات المتأكدة وذات الأولوية القصوى مع التخفيض التدريجي في عدد خريجي مدارس التكوين خاصة بالنسبة إلى وزارات الدفاع والداخلية والعدل ويتم ضبط تراخيص التكوين والعدد الجملي للانتدابات للفترة 2023-2025 من قبل مجلس وزاري يعقد للغرض.

كما تتمثل الإجراءات المقترحة كذلك في "تحديد نسبة الترقيات العادية بـ20 بالمائة الى جانب عدم تعويض الشغورات والسعي الى تغطية الحاجيات المتأكدة بإعادة توظيف الموارد البشرية المتوفرة، فضلا عن مزيد التحكم في ساعات العمل الإضافية، الى جانب اعتماد برامج مستحدثة للتقليص من عدد الأعوان في الوظيفة العمومية من خلال مواصلة اعتماد البرنامج الخصوصي للإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية طبقا للفصل 14 من قانون المالية لسنة 2022.

كما ستعمل الحكومة على تطبيق الأمر الرئاسي المتعلق بالتنقل الوظيفي للأعوان العموميين لفائدة الوزارات والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية فضلا عن التشجيع على الانتفاع بعطلة لبعث مؤسسة طبقا لمقتضيات الفصل 15 من قانون المالية لسنة 2022.

وشهدت نسبة التأجير العمومي من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية تطورا من 10,8% إلى 18,1% ، وهذه النسبة تعد من أعلى النسب في العالم، بالنظر الى أنها متأتية من موارد الدولة الذاتية، وهو ما دفع بصندوق النقد الدولي في أكثر من مناسبة الى التنصيص على أهمية التقليص من كتلة الأجور لخلق التوازن بين نفقات الدولة وخلاص الأجور، وهي خطوة تحتاج الى موارد مالية إضافية لتنفيذها، حسب ما يؤكده المسؤولون بوزارة المالية.

وأمام التطور اللافت في موارد الأجور المتأتية من نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وتجاوزت حاجز النصف، فإن مخاطر هذه العملية تتسبب في حالة من القلق لدى المسؤولين بالدولة، وخاصة واضعي السياسات النقدية، حيث أن تطور كتلة الأجور وارتفاعها وتأثيرها على الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، دون ارتباط بزيادة مماثلة في الإنتاجية أسهمت في مزيد غلاء المعيشة على عموم التونسيين، وساهمت بشكل مباشر في تدهور القدرة الشرائية.

مراجعة نموذج الميزانية

وهناك حاجة ملحة اليوم إلى مراجعة نموذج ميزانية الدولة أكثر من أي وقت مضى، للحد من كتلة الأجور، أو البحث عن موارد مالية إضافية بمعزل عن الناتج القومي الخام للبلاد التونسية، وذلك حتى تتمكن الدولة التونسية من توفير نفقاتها الذاتية. ويرى بعض الخبراء انه من الضروري توسيع القاعدة الضريبية، وتقليل العبء الضريبي على متوسط الأجور، ومحاربة الاقتصاد غير الرسمي بشكل أكبر، وضمان قدر أكبر من العدالة الضريبية ومحاربة التهرب الضريبي بقبضة من حديد، وخصخصة المؤسسات، وتغيير نموذج الإدارة والحوكمة للمنشآت العامة، والتحرير الكامل لقطاع الطاقات المتجددة، والذي اقتصر على الشركة التونسية للكهرباء والغاز لنقل الطاقة، بالإضافة الى شن حرب واسعة على الفساد في كافة أجهزة الدولة.

وتواجه تونس منذ بداية العام الحالي، معضلة جديدة في توفير أجور آلاف الموظفين، وذلك بعد تسجيل زيادة بـ217 مليون دينار لهذا العام، ما رفع من حجم التوقعات لبلوغ نفقات الأجور معدلات كبيرة من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد التونسية.

وأثار العجز المسجل في كتلة الأجور مخاوف الخبراء والمؤسسات المالية العالمية من انفلات نفقات الأجور وعدم قدرة الحكومة على تعبئة الموارد لتمويل ميزانية العام الحالي، وذلك بسبب سوء السياسات المنتهجة للحكومات المتعاقبة والتي أدت الى التوظيف العشوائي دون وجود موارد مالية كافية.

كتلة الأجور التحدي الصعب

وتعد كتلة الأجور العائق الأبرز لتونس اليوم، خاصة بعد ارتفاعها هذا العام لتبلغ حوالي 16.6% من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة الى نفقات الدعم والبالغة 3.4 مليار دينار في ميزانية 2021 ، الأمر الذي دفع بوزراء سابقين الى التأكيد في تصريحات إعلامية، على ضرورة التقليص من كتلة الأجور ومراجعة الدعم الموجه للعديد من القطاعات، وذلك حتى تتمكن تونس من الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي.

ولم تنجح تونس خلال السنوات الأربع الأخيرة من التقليص في كتلة الأجور الى حدود 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وفق اتفاق موقّع مع صندوق النقد الدولي عام 2016، وعدم التزامها بتعهداتها، وضع بلادنا اليوم، أمام اختبار إقناع شركاء تونس الماليين بوجاهة قرار زيادة رواتب موظفي القطاع، والذي ينطلق العمل به بداية من سنة 2023.

وفي ما يتعلق بمأزق تامين الأجور، فقد نجحت تونس في الفترة الأخيرة في تأمين كتلة الأجور للأشهر المتبقية من العام الحالي والمقدرة 1.6 مليار دينار شهريا، وهي مبالغ جلها متأت من الموارد الجبائية للدولة التي سجلت ارتفاعا في النصف الأول من العام الحالي لتتجاوز 14.7 مليار دينار، وحسب تقرير صادر عن وزارة المالية، اطلعت عليه "الصباح"، فإن كتلة الأجور لما تبقى من العام متوفرة في خزينة الدولة، إلا أن هناك إشكالا يرافق الخزينة العامة للدولة منذ العام الفارط والمتمثل في نفقات الدولة التي بدأت تشهد صعوبات مع منتصف العام الحالي، بالإضافة الى تراجع نفقات الاستثمار الى مستويات متدنية للغاية، أجبرت الدولة على تعليق العشرات من المشاريع في أغلب ولايات الجمهورية.

ارتفاع عدد الموظفين

وحسب الميزانية التعديلية لعام 2021 التي أصدرتها وزارة المالية التونسية مؤخرا، عن آخر الأرقام الرسمية لعدد الموظفين العامين في البلاد، فقد ارتفع عددهم اليوم ليبلغ 661 ألفاً و703 موظفا موزعين على مختلف الوزارات، بمصالحها المركزية والجهوية وبالمؤسسات الحكومية. وبلغت كتلة أجور الموظفين 20.3 مليار دينار (7.2 مليار دولار) أي ما يعادل حوالي 40 في المائة من إجمالي الميزانية العامة لتونس.

ومازال ملف ارتفاع عدد الموظفين الحكوميين الكبير في تونس يدفع بصراعات سياسية واقتصادية ونقابية، علما وانه حسب القاعدة الاقتصادية فإنه عندما ترتفع نسبة الميزانية من الناتج المحلي الخام، فهذا دليل على أن الاقتصاد يعيش على وقع أزمة خانقة، وسجلت الميزانية في تونس، ارتفاعا من 7 مليارات دولار في عام 2010 إلى 19.4 مليار دولار في عام 2021، وهو ارتفاع تزامن مع زيادة هائلة في كتلة الأجور التي وصلت الى حدود 40 في المائة من الميزانية العامة.

تخوفات من تواصل أزمة الأجور

ولمح، مؤخرا، عدد من خبراء الاقتصاد لـ"الصباح"، عن تخوفهم من عدم قدرة تونس على مواصلة تأمين خلاص أجور الموظفين بداية من السنة القادمة بسبب الصعوبات التي تعرفها البلاد في تعبئة الموارد المالية الضرورية في ظل انسداد الأفق السياسية والمالية، حيث أن توقف المفاوضات تماما مع صندوق النقد الدولي وصعوبة الخروج الى الأسواق المالية الدولية يقلصان من هامش تحرك تونس في توفير الموارد المالية لسنة 2022، ورغم الموافقة التي أبداها النقد الدولي على مستوى الخبراء، فإن المخاوف مازالت قائمة، باعتبار أن تونس مطالبة بالالتزام بتعهداتها تجاه هذه المؤسسة المالية والحد من كتلة الأجور الى حدود 12% من الناتج الإجمالي الخام للبلاد.

وتضاعفت كتلة الأجور أكثر من ثلاث مرات مقارنة بسنة 2010 إذ لم تتجاوز ستة مليارات دينار سنة 2010، لتبلغ اليوم أكثر من 20 مليار دينار، فيما تحملت الميزانية العامة للدولة وحدها، وزر الضغط الاجتماعي، من خلال فتح باب الانتدابات بشكل عشوائي في القطاع العام لتفادي مزيد من الاحتقان الاجتماعي... وهو ما أثر بشكل لافت على ميزانية الدولة للسنة الحالية، وأيضا للسنوات القادمة.

سفيان المهداوي

بعد موافقة صندوق النقد الدولي على تمويل تونس.. حكومة بودن مجبرة على تقليص الموظفين والضغط على كتلة الأجور وإيقاف الانتدابات !

 صندوق النقد الدولي يطالب بتخفيض كتلة الأجور إلى حدود 12% من الناتج الداخلي الخام

تونس- الصباح

ستجد حكومة نجلاء بودن نفسها في الفترة القليلة القادمة في مواجهة مباشرة مع صندوق النقد الدولي الرافض قطعياً للزيادة في أجور الموظفين، التي تمثل لوحدها حوالي 40 في المائة من ميزانية البلاد، وقرابة 15 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وذلك على اثر اتفاق مبدئي على مستوى الخبراء بمنح تونس قرض جديد بحوالي 1.9 مليار دولار، علما وأن من بين شروط صندوق النقد الدولي، والتي طالب بها علنا، اغلب الحكومات المتعاقبة، هي تقليص كتلة الأجور وتخفيضها الى حدود 12% من الناتج الداخلي الخام، وهو ما تحاول تونس الالتزام به في ظل وضع اقتصادي واجتماعي صعب للغاية.

ويشترط الصندوق على تونس في مفاوضاته بخصوص الموافقة على منح تونس قرض بقيمة أربعة مليارات دولار، الضغط على كتلة الأجور والنزول بها إلى مستويات مقبولة فضلاً عن حزمة من الإجراءات الأخرى على غرار رفع الدعم عن المواد البترولية والكهرباء وإصلاح الشركات الحكومية.

وسجلت نسبة الأجور من الموارد الذاتية للدولة تطورا لافتا، حيث قفزت من 46% سنة 2010 الى 60,9% سنة 2021، وارتفع معها معدل الأجر الشهري الخام للموظف العمومي من 1298 دينار سنة 2010 إلى 2608 دينار سنة 2021، فيما ارتفعت كتلة الأجور من 6785 مليون دينار سنة 2010 الى 20118 مليون دينار في الميزانية العامة لسنة 2021 .

مقترح الحكومة

واقترحت الحكومة، "إجراءات عاجلة ضمن ميزانية 2023، للتحكم في كتلة الأجور وترشيدها من خلال تجميد الانتدابات وحصرها في الحاجيات الضرورية، مشيرة في منشور حول إعداد ميزانية الدولة للسنة المقبلة وجهته الى الوزراء ورؤساء الهياكل والهيئات الدستورية المستقلة والولاة ورؤساء البرامج، أن نفقات الأجور، وصلت الى مستوى قياسي خلال سنة 2022 في حدود 15,6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 10 بالمائة سنة 2010، وهو ما قلص من الاعتمادات ذات الصبغة التنموية وحدّ من قدرة الميزانية على تعزيز الاستثمار العمومي.

ويعد التخفيض من كتلة الأجور، أحد ابرز الإصلاحات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي تونس حتى تتمكن من إبرام اتفاق معه والحصول على تمويلات، الى جانب الحد من نفقات الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية وإصلاح المنظومة الجبائية.

واقترحت الحكومة في ميزانية 2023، حصر الانتدابات في الحاجيات المتأكدة وذات الأولوية القصوى مع التخفيض التدريجي في عدد خريجي مدارس التكوين خاصة بالنسبة إلى وزارات الدفاع والداخلية والعدل ويتم ضبط تراخيص التكوين والعدد الجملي للانتدابات للفترة 2023-2025 من قبل مجلس وزاري يعقد للغرض.

كما تتمثل الإجراءات المقترحة كذلك في "تحديد نسبة الترقيات العادية بـ20 بالمائة الى جانب عدم تعويض الشغورات والسعي الى تغطية الحاجيات المتأكدة بإعادة توظيف الموارد البشرية المتوفرة، فضلا عن مزيد التحكم في ساعات العمل الإضافية، الى جانب اعتماد برامج مستحدثة للتقليص من عدد الأعوان في الوظيفة العمومية من خلال مواصلة اعتماد البرنامج الخصوصي للإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية طبقا للفصل 14 من قانون المالية لسنة 2022.

كما ستعمل الحكومة على تطبيق الأمر الرئاسي المتعلق بالتنقل الوظيفي للأعوان العموميين لفائدة الوزارات والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية فضلا عن التشجيع على الانتفاع بعطلة لبعث مؤسسة طبقا لمقتضيات الفصل 15 من قانون المالية لسنة 2022.

وشهدت نسبة التأجير العمومي من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية تطورا من 10,8% إلى 18,1% ، وهذه النسبة تعد من أعلى النسب في العالم، بالنظر الى أنها متأتية من موارد الدولة الذاتية، وهو ما دفع بصندوق النقد الدولي في أكثر من مناسبة الى التنصيص على أهمية التقليص من كتلة الأجور لخلق التوازن بين نفقات الدولة وخلاص الأجور، وهي خطوة تحتاج الى موارد مالية إضافية لتنفيذها، حسب ما يؤكده المسؤولون بوزارة المالية.

وأمام التطور اللافت في موارد الأجور المتأتية من نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وتجاوزت حاجز النصف، فإن مخاطر هذه العملية تتسبب في حالة من القلق لدى المسؤولين بالدولة، وخاصة واضعي السياسات النقدية، حيث أن تطور كتلة الأجور وارتفاعها وتأثيرها على الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، دون ارتباط بزيادة مماثلة في الإنتاجية أسهمت في مزيد غلاء المعيشة على عموم التونسيين، وساهمت بشكل مباشر في تدهور القدرة الشرائية.

مراجعة نموذج الميزانية

وهناك حاجة ملحة اليوم إلى مراجعة نموذج ميزانية الدولة أكثر من أي وقت مضى، للحد من كتلة الأجور، أو البحث عن موارد مالية إضافية بمعزل عن الناتج القومي الخام للبلاد التونسية، وذلك حتى تتمكن الدولة التونسية من توفير نفقاتها الذاتية. ويرى بعض الخبراء انه من الضروري توسيع القاعدة الضريبية، وتقليل العبء الضريبي على متوسط الأجور، ومحاربة الاقتصاد غير الرسمي بشكل أكبر، وضمان قدر أكبر من العدالة الضريبية ومحاربة التهرب الضريبي بقبضة من حديد، وخصخصة المؤسسات، وتغيير نموذج الإدارة والحوكمة للمنشآت العامة، والتحرير الكامل لقطاع الطاقات المتجددة، والذي اقتصر على الشركة التونسية للكهرباء والغاز لنقل الطاقة، بالإضافة الى شن حرب واسعة على الفساد في كافة أجهزة الدولة.

وتواجه تونس منذ بداية العام الحالي، معضلة جديدة في توفير أجور آلاف الموظفين، وذلك بعد تسجيل زيادة بـ217 مليون دينار لهذا العام، ما رفع من حجم التوقعات لبلوغ نفقات الأجور معدلات كبيرة من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد التونسية.

وأثار العجز المسجل في كتلة الأجور مخاوف الخبراء والمؤسسات المالية العالمية من انفلات نفقات الأجور وعدم قدرة الحكومة على تعبئة الموارد لتمويل ميزانية العام الحالي، وذلك بسبب سوء السياسات المنتهجة للحكومات المتعاقبة والتي أدت الى التوظيف العشوائي دون وجود موارد مالية كافية.

كتلة الأجور التحدي الصعب

وتعد كتلة الأجور العائق الأبرز لتونس اليوم، خاصة بعد ارتفاعها هذا العام لتبلغ حوالي 16.6% من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة الى نفقات الدعم والبالغة 3.4 مليار دينار في ميزانية 2021 ، الأمر الذي دفع بوزراء سابقين الى التأكيد في تصريحات إعلامية، على ضرورة التقليص من كتلة الأجور ومراجعة الدعم الموجه للعديد من القطاعات، وذلك حتى تتمكن تونس من الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي.

ولم تنجح تونس خلال السنوات الأربع الأخيرة من التقليص في كتلة الأجور الى حدود 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وفق اتفاق موقّع مع صندوق النقد الدولي عام 2016، وعدم التزامها بتعهداتها، وضع بلادنا اليوم، أمام اختبار إقناع شركاء تونس الماليين بوجاهة قرار زيادة رواتب موظفي القطاع، والذي ينطلق العمل به بداية من سنة 2023.

وفي ما يتعلق بمأزق تامين الأجور، فقد نجحت تونس في الفترة الأخيرة في تأمين كتلة الأجور للأشهر المتبقية من العام الحالي والمقدرة 1.6 مليار دينار شهريا، وهي مبالغ جلها متأت من الموارد الجبائية للدولة التي سجلت ارتفاعا في النصف الأول من العام الحالي لتتجاوز 14.7 مليار دينار، وحسب تقرير صادر عن وزارة المالية، اطلعت عليه "الصباح"، فإن كتلة الأجور لما تبقى من العام متوفرة في خزينة الدولة، إلا أن هناك إشكالا يرافق الخزينة العامة للدولة منذ العام الفارط والمتمثل في نفقات الدولة التي بدأت تشهد صعوبات مع منتصف العام الحالي، بالإضافة الى تراجع نفقات الاستثمار الى مستويات متدنية للغاية، أجبرت الدولة على تعليق العشرات من المشاريع في أغلب ولايات الجمهورية.

ارتفاع عدد الموظفين

وحسب الميزانية التعديلية لعام 2021 التي أصدرتها وزارة المالية التونسية مؤخرا، عن آخر الأرقام الرسمية لعدد الموظفين العامين في البلاد، فقد ارتفع عددهم اليوم ليبلغ 661 ألفاً و703 موظفا موزعين على مختلف الوزارات، بمصالحها المركزية والجهوية وبالمؤسسات الحكومية. وبلغت كتلة أجور الموظفين 20.3 مليار دينار (7.2 مليار دولار) أي ما يعادل حوالي 40 في المائة من إجمالي الميزانية العامة لتونس.

ومازال ملف ارتفاع عدد الموظفين الحكوميين الكبير في تونس يدفع بصراعات سياسية واقتصادية ونقابية، علما وانه حسب القاعدة الاقتصادية فإنه عندما ترتفع نسبة الميزانية من الناتج المحلي الخام، فهذا دليل على أن الاقتصاد يعيش على وقع أزمة خانقة، وسجلت الميزانية في تونس، ارتفاعا من 7 مليارات دولار في عام 2010 إلى 19.4 مليار دولار في عام 2021، وهو ارتفاع تزامن مع زيادة هائلة في كتلة الأجور التي وصلت الى حدود 40 في المائة من الميزانية العامة.

تخوفات من تواصل أزمة الأجور

ولمح، مؤخرا، عدد من خبراء الاقتصاد لـ"الصباح"، عن تخوفهم من عدم قدرة تونس على مواصلة تأمين خلاص أجور الموظفين بداية من السنة القادمة بسبب الصعوبات التي تعرفها البلاد في تعبئة الموارد المالية الضرورية في ظل انسداد الأفق السياسية والمالية، حيث أن توقف المفاوضات تماما مع صندوق النقد الدولي وصعوبة الخروج الى الأسواق المالية الدولية يقلصان من هامش تحرك تونس في توفير الموارد المالية لسنة 2022، ورغم الموافقة التي أبداها النقد الدولي على مستوى الخبراء، فإن المخاوف مازالت قائمة، باعتبار أن تونس مطالبة بالالتزام بتعهداتها تجاه هذه المؤسسة المالية والحد من كتلة الأجور الى حدود 12% من الناتج الإجمالي الخام للبلاد.

وتضاعفت كتلة الأجور أكثر من ثلاث مرات مقارنة بسنة 2010 إذ لم تتجاوز ستة مليارات دينار سنة 2010، لتبلغ اليوم أكثر من 20 مليار دينار، فيما تحملت الميزانية العامة للدولة وحدها، وزر الضغط الاجتماعي، من خلال فتح باب الانتدابات بشكل عشوائي في القطاع العام لتفادي مزيد من الاحتقان الاجتماعي... وهو ما أثر بشكل لافت على ميزانية الدولة للسنة الحالية، وأيضا للسنوات القادمة.

سفيان المهداوي