إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

التعليم الإعدادي والثانوي.. الشروع تدريجيا في تغيير البرامج بداية من سنة 2024

تونس-الصباح

بعد المصادقة النهائية على وثيقة الإطار المرجعي العام للتعلمات التي أعدتها لجنة قيادة مشروع تطوير البرامج بالمرحلة الإعدادية والتعليم الثانوي، والتوقيع عليها بصفة رسمية يوم 13 أكتوبر الجاري من قبل وزير التربية فتحي السلاوتي وعبد الله العش الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل في جلسة انعقدت بمقر وزارة التربية، من المنتظر أن يتم الشروع الفعلي في تغيير البرامج بصفة تدريجية بداية من سنة 2024.

وللاستفسار عن مضامين هذه الوثيقة التي أثارت احتراز بعض المختصين في الشأن التربوي لأنها قفزت على المقاربة بالمنهاج ولأنه لم يقع تشريكهم في إعدادها حتى أن هناك منهم من قال إنه تمت صياغتها في دهاليز وزارة التربية، اتصلت "الصباح" بالأستاذ عماد بن إبراهيم الكاتب العام للنقابة العامة لمتفقدي التعليم الثانوي الذي أكد أن الوثيقة تم إعدادها بصفة تشاركية وهي إطار مرجعي عام للتعلمات، وذكر أنه لأول مرة يتم اعتماد مقاربة تشاركية حقيقية في إعداد وثيقة ولأول مرة يتم اعتماد خبراء تونسيين بنسبة مائة بالمائة ولأول مرة تتم صياغة نص بهذه الأهمية في وقت قياسي وفي إطار من الشفافية. وأشار إلى انه قبل التوصل إلى الصيغة النهائية لهذه الوثيقة تم تمرير المسودة الأولى على خبراء ومتفقدين ومدرسين من جميع أنحاء الجمهورية وذلك بالتنسيق مع نقابات التعليم الثانوي والمتفقدين بالجهات ثم تم إعداد المسودة الثانية بالاعتماد على الملاحظات المنبثقة على المشاورات التي تمت في المرحلة الأولى، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تم عرض هذه المسودة الثانية على النقاش خلال ندوة وطنية وبعد ذلك تمت صياغة مسودة ثالثة ثم في مرحلة أخيرة تم عرض الوثيقة في صيغتها المعدلة على ممثلين عن المواد التعليمية والجهات والمدرسين والمتفقدين، وبعد النقاش تمت المصادقة عليها، وبهذه الكيفية لم تعد هذه الوثيقة وثيقة وزارة التربية أو النقابة بل أصبحت وثيقة تكتسي صبغة وطنية وهي تهدف إلى بناء تصور شامل ومضموني لبناء البرامج والتعلمات.

القانون التوجيهي لسنة 2002

وبين بن إبراهيم أن هذه الوثيقة ليست بمعزل عن الإصلاح التربوي، ففكرة الإصلاح التربوي انطلقت بعد الحراك الثوري 17 ديسمبرـ 14 جانفي 2011 وقد تم طيلة السنوات الماضية القيام بمحاولات إصلاحية مع كل وزير مر على وزارة التربية لكنها كانت محاولات متعثرة أو محاولات تم إجهاضها ويعود السبب بالأساس إلى غياب الاستقرار السياسي، وذكر أن هذا لا يعني وجود فراغ لأن إصلاح سنة 2002 والقانون التوجيهي المنبثق عنه ممتاز ولكنه لم ينفذ إذ لم يقع إصدار جميع نصوصه الترتيبية ولم يقع تقييمه بطريقة علمية، كما أنه لم يقع الشروع في تطبيقه إلا بداية من السنة الدراسية 2007ـ 2008.

وذكر أنه عند إعداد وثيقة الإطار المرجعي العام للتعلمات تم الانطلاق من القانون التوجيهي لسنة 2002 فهو قانون ساري المفعول ومرن ويسمح بانجاز تغييرات وإصلاحات وتطويرات للبرامج بشيء من الأريحية ودون كلفة مالية.

وتعقيبا عن سؤال حول سبب التخلي عن مقاربة المنهاج العام للتربية أجاب محدثنا أنه لا يوجد إلى حد الآن سند قانوني للمنهاج كما أن المنهاج لم يكن محل توافق الجميع ولم تقع المصادقة عليه علميا وقانونيا ولم يقع إعداده بصفة تشاركية وهو أيضا غير قابل للتطوير. وفسر أن وثيقة الإطار المرجعي العام للتعلمات لا يمكن أن تقوم على نص لم تقع المصادقة عليه، وذكر أنه لا يمكن أن ننسى أن مشروع الإصلاح التربوي الذي تم إعداده في عهد وزير التربية ناجي جلول لم يحظ بالتوافق كما أن هذا المشروع لم يطبق والمسار الإصلاحي وقتها توقف لأسباب مختلفة إذ لم تعد هناك شراكة بين وزارة التربية ونقابات الاتحاد العام التونسي للشغل أو بين الوزارة والإطار التربوي لأن القطاع التربوي لا يحتمل سياسة فرض الأمر الواقع لذلك لم تنجح وزارة التربية في إقرار إصلاحات فعلية وحتى المحاولات التي تمت في سرية وبإشراف خبراء أجانب فقد كانت محل رفض لذلك توقفت تلك المحاولات لكن هناك من مازال إلى اليوم يريد فرض وجهة نظره واعتماد مقاربة المنهاج.

إمكانية المراجعة متاحة

وأشار عماد بن إبرايهم إلى أن وثيقة الإطار المرجعي العام للتعلمات في نهاية الأمر ليست نصا منزلا بل هي وثيقة مرنة، وقوتها تكمن في مرونتها فهي قابلة لإمكانية التعديل كلما تقتضي الضرورة وكلما تبرز حاجة للتعديل ، فهذه الوثيقة حسب تأكيده تقوم على فلسفة المرونة وعلى أن البرامج يمكن تعديلها بصفة مستمرة عندما يستحق الأمر تغييرها كما أنها تقوم على أساس وجود علاقات بين مختلف المواد والمسائل والبرامج ومنظومة التكوين، فهي تنظر للمنظومة التربوية في إطارها الشامل تكوينا ومجالات تعليم وملامح متخرج، وستكون الوثيقة المذكورة كما قال بن إبراهيم منطلقا لإعداد وثائق أخرى ولتنظيم ورشات عمل لإعداد وصياغة هذه الوثائق، وذكر أن هذه الرؤية تفترض عدم الاشتغال في إطار مقاربة وحيدة ونظرية مغلقة بل هي تقوم على ضرورة مواكبة المستجدات لذلك تم الاستئناس بأحدث النظريات في المجال التربوي والبيداغوجي كما تم الاطلاع على تجارب العديد من الدول وخلافا لما يروج له البعض فقد تمت الاستعانة بالكتاب الأبيض ومقاربة المنهاج، وأشار إلى أنه بعد المصادقة على هذه الوثيقة سيتم في مرحلة أولى بناء بعض الأطر المرجعية للكتب المدرسية والبرامج والحياة المدرسية وطريقة التكوين فكل هذه المسائل في حاجة إلى دراستها في متسع من الوقت ودون تسرع وبتشريك الجميع على مستوى الجهات والأقاليم ثم على مستوى وطني.

وبخصوص ما إذا تم التخلي عن فكرة الإصلاح الشامل للمنظومة التربوية بين عماد بن ابراهيم أنه من منطلق المسؤولية ورغبة في القيام بإصلاح شامل يمس كل جوانب المنظومة التربوية تم الدفع نحو حلحلة ملف الإصلاح، ولكن بالنظر إلى الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الحالي، اتضح أنه يصعب انجاز إصلاح شامل من جهة ومن جهة أخرى سيستغرق الإصلاح وقتا طويلا لذلك حصل اتفاق بين وزارة التربية والطرف النقابي على الانطلاق في الإصلاح بداية بالبرامج والتعلمات التي لم تعد تواكب المستجدات، وهذه العملية بدورها تحتاج إلى مجهود كبير ولكنها ليست في حاجة إلى إصلاح بمفهومة الشامل لأن المنظومة التربوية والمدرسة التونسية وبما فيها من شوائب راكمت التجارب الإصلاحية وهي تجارب يمكن البناء عليها لإصلاح البرامج والتعلمات.

وفي علاقة برزنامة تنفيذ وثيقة الإطار المرجعي العام للتعلمات أشار عماد بن إبراهيم إلى أنه لا يريد تقديم تفاصيل عن هذه الرزنامة لكنه يكتفي بالإشارة إلى أن الانطلاق الفعلي في التنفيذ وتغيير البرامج سيكون بداية من السنة الدراسية 2024ـ 2025 وسيتم تغيير هذه البرامج حسب قوله بصفة تدريجية وليس دفعة واحدة، لكن خلال السنة الدراسية المقبلة هناك أشياء ربما ستتغير في علاقة بالتكوين والزمن المدرسي، وذكر أنهم خيروا القيام بخطوة إلى الأمام عوضا عن البقاء في نفس المكان بتعلة التمسك بإصلاح تربوي شامل.

وثيقة الداهليز

لئن حظيت وثيقة الإطار المرجعي العام للتعلمات باستحسان عماد بن ابراهيم الكاتب العام للنقابة العامة للمتفقدين للتعليم الثانوي وبترحيب لسعد اليعقوبي الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي، فإن الأستاذة هدى الكافي المتفقدة العامة للتعليم الثانوي وعضو النقابة العامة لمتفقدي التعليم الثانوي قالت إن هذه الوثيقة تمت صياغتها في الدهاليز وذلك بعد أن تم استبعاد كل من له رأي مخالف وكل من تمسك بمقاربة المنهاج العام للتربية، فالمنهاج حسب تأكيدها يعطي رؤية متكاملة للتعلمات ويحمل تصورا جديدا للمدرسة، كما أن التعلمات في إطار المنهاج العام للتربية تتم مع بعضها البعض وليس كل مادة بمفردها إذ يجب تحديد الكفايات الأفقية لجميع المواد التي يدرسها التلميذ وبعد ذلك تحديد الكفايات الخاصة بكل مادة.

وفسرت الكافي قائلة إنه على سبيل الذكر لا الحصر هناك ترابط بين مادتي الرياضيات والفيزياء إذ هناك معادلة في مادة الرياضيات لا يمكن للتلميذ أن يفهم درس في مادة الفيزياء إلا عندما يكون متمكنا من هذه المعادلة وهو ما يقتضي بالضرورة أخذ هذه المسألة بعين الاعتبار في البرامج إذ يجب أن يكون التلميذ قد درس هذه المعادلة واستوعبها قبل أن يشرع في الدرس الموجود في مادة الفيزياء.

وأضافت هدى الكافي أن وثيقة المنهاج العام للتربية تم اعدادها بصفة تشاركية منذ عهد الوزير السابق ناجي جلول ولكن عندما حصل خلاف بين الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي وجلول غادرت النقابة مسار الإصلاح ورفضت المنهاج، ولكن بعد قدوم الوزير حاتم بن سالم وافق على تجديد بعض البرامج مثل الإعلامية والاقتصاد والتكنولوجيا لأنها لم تعد مواكبة للتطورات، وتم القيام بتطوير هذه البرامج وفق رؤية المنهاج التي تتيح القيام بتقاطعات مع بقية البرامج ولكن بقية المواد ظلت على حالها لأن نقابة التعليم الثانوي كانت رافضة للمنهاج.

وأشارت الكافي إلى إنه عند مقدم الوزير فتحي السلاوتي فتح باب الحوار من جديد مع نقابة التعليم الثانوي وعبرت النقابة في البداية عن تمسكها بالإصلاح التربوي الشامل لكنها لأسباب غير مفهومة تركت فكرة الإصلاح الشامل وانخرطت في مسار يركز على تجديد البرامج والحال أن مشكل المدرسة التونسية لا يمكن في البرامج وإنما في المقاربات البيداغوجية الخاطئة والاكتظاظ وغياب الحياة المدرسية والدروس الخصوصية وعدم مواكبة طرق التدريس لما هو متاح للتلميذ من تكنولوجيات حديثة.. وفسرت أنه تم ترك كل هذه المشاكل والتركيز فقط على تجديد البرامج والحال أن المقاربة هي التي تقادمت وليس المحتوى، والمطلوب هو تجديد المقاربة. وأضافت أنه عند الانطلاق في العمل على تجديد البرامج قيل إنه لا بد من إطار مرجعي لهذا العمل وبما أن نقابة التعليم الثانوي عادت للجلوس مع وزارة التربية وقبلت الإصلاح فقد كان كل الاهتمام منصبا على كيفية الترحيب بالنقابة وإرضاء اليعقوبي وفي المقابل تم تجميد كل من اشتغل على المنهاج وتمسك به وخالفهم الرأي.

رفض الوثيقة

وفندت هدى الكافي ما ذهب إليه عماد بن إبراهيم وقالت إنه لم يقع منحهم الوقت الكافي للإطلاع على وثيقة الإطار المرجعي إذ تم إرسال هذه الوثيقة إليهم يوم الأحد 30 أوت ليلا ودعوتهم لنقاشها يوم الثلاثاء أي بعد أقل من يومين. وذكرت أنه عند عرضها على النقاش كانت الوثيقة تقريبا محل رفض تام وهناك من قالوا إنهم لم يطلعوا عليها وهناك من الأساتذة من أشاروا إلى أنها صعبة وقالوا إنهم لم يفهموا محتواها، وأكدت أن أغلب المفقدين رفضوا هذا التوجه لكن بعد مدة تم تنظيم ندوة في الحمامات حضرها الموافقون فقط ثم تمت المصادقة على الوثيقة ولم يقع إرسالها إليهم في صيغتها النهائية، وحتى الخبر الذي نشرته وزارة التربية يوم 13 أكتوبر الجاري حول التوقيع عليها من قبل وزير التربية فتحي السلاوتي وعبد الله العش الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل فقد جاء مقتضبا ولا توجد فيه معطيات حول مضامين هذه الوثيقة التي تمت صياغتها بصفة سرية.

وبينت الكافي أنه في اجتماع هيئة نقابة متفقدي التعليم الثانوي المنعقد يوم 4 أكتوبر الجاري اتخذت الهيئة قرارا مفاده أن هذا الإطار المرجعي لا يلزم المتفقدين لأنه لا يمكن إعداده بتلك الطريقة وفي تجاهل تام للمنهاج الذي تم الاشتغال عليها طويلا وتنظيم دورات تكوينية حوله للمتفقدين ، وذكرت أنها تعرضت للإقصاء لأنها قالت إن المنهاج مقاربة جيدة وهي من إنتاج تونسيين وتعطي رؤية متكاملة تحمل تصورا جديدا للمدرسة والتعلمات وتضمن الترابط بين مجالات التعلم، وتأخذ بعين الاعتبار للتعلمات الجديدة الموجودة في العالم على غرار التربية على الصحة والتربية على وسائل الإعلام والتربية البيئية والمواطنة.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

التعليم الإعدادي والثانوي.. الشروع تدريجيا في تغيير البرامج بداية من سنة 2024

تونس-الصباح

بعد المصادقة النهائية على وثيقة الإطار المرجعي العام للتعلمات التي أعدتها لجنة قيادة مشروع تطوير البرامج بالمرحلة الإعدادية والتعليم الثانوي، والتوقيع عليها بصفة رسمية يوم 13 أكتوبر الجاري من قبل وزير التربية فتحي السلاوتي وعبد الله العش الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل في جلسة انعقدت بمقر وزارة التربية، من المنتظر أن يتم الشروع الفعلي في تغيير البرامج بصفة تدريجية بداية من سنة 2024.

وللاستفسار عن مضامين هذه الوثيقة التي أثارت احتراز بعض المختصين في الشأن التربوي لأنها قفزت على المقاربة بالمنهاج ولأنه لم يقع تشريكهم في إعدادها حتى أن هناك منهم من قال إنه تمت صياغتها في دهاليز وزارة التربية، اتصلت "الصباح" بالأستاذ عماد بن إبراهيم الكاتب العام للنقابة العامة لمتفقدي التعليم الثانوي الذي أكد أن الوثيقة تم إعدادها بصفة تشاركية وهي إطار مرجعي عام للتعلمات، وذكر أنه لأول مرة يتم اعتماد مقاربة تشاركية حقيقية في إعداد وثيقة ولأول مرة يتم اعتماد خبراء تونسيين بنسبة مائة بالمائة ولأول مرة تتم صياغة نص بهذه الأهمية في وقت قياسي وفي إطار من الشفافية. وأشار إلى انه قبل التوصل إلى الصيغة النهائية لهذه الوثيقة تم تمرير المسودة الأولى على خبراء ومتفقدين ومدرسين من جميع أنحاء الجمهورية وذلك بالتنسيق مع نقابات التعليم الثانوي والمتفقدين بالجهات ثم تم إعداد المسودة الثانية بالاعتماد على الملاحظات المنبثقة على المشاورات التي تمت في المرحلة الأولى، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تم عرض هذه المسودة الثانية على النقاش خلال ندوة وطنية وبعد ذلك تمت صياغة مسودة ثالثة ثم في مرحلة أخيرة تم عرض الوثيقة في صيغتها المعدلة على ممثلين عن المواد التعليمية والجهات والمدرسين والمتفقدين، وبعد النقاش تمت المصادقة عليها، وبهذه الكيفية لم تعد هذه الوثيقة وثيقة وزارة التربية أو النقابة بل أصبحت وثيقة تكتسي صبغة وطنية وهي تهدف إلى بناء تصور شامل ومضموني لبناء البرامج والتعلمات.

القانون التوجيهي لسنة 2002

وبين بن إبراهيم أن هذه الوثيقة ليست بمعزل عن الإصلاح التربوي، ففكرة الإصلاح التربوي انطلقت بعد الحراك الثوري 17 ديسمبرـ 14 جانفي 2011 وقد تم طيلة السنوات الماضية القيام بمحاولات إصلاحية مع كل وزير مر على وزارة التربية لكنها كانت محاولات متعثرة أو محاولات تم إجهاضها ويعود السبب بالأساس إلى غياب الاستقرار السياسي، وذكر أن هذا لا يعني وجود فراغ لأن إصلاح سنة 2002 والقانون التوجيهي المنبثق عنه ممتاز ولكنه لم ينفذ إذ لم يقع إصدار جميع نصوصه الترتيبية ولم يقع تقييمه بطريقة علمية، كما أنه لم يقع الشروع في تطبيقه إلا بداية من السنة الدراسية 2007ـ 2008.

وذكر أنه عند إعداد وثيقة الإطار المرجعي العام للتعلمات تم الانطلاق من القانون التوجيهي لسنة 2002 فهو قانون ساري المفعول ومرن ويسمح بانجاز تغييرات وإصلاحات وتطويرات للبرامج بشيء من الأريحية ودون كلفة مالية.

وتعقيبا عن سؤال حول سبب التخلي عن مقاربة المنهاج العام للتربية أجاب محدثنا أنه لا يوجد إلى حد الآن سند قانوني للمنهاج كما أن المنهاج لم يكن محل توافق الجميع ولم تقع المصادقة عليه علميا وقانونيا ولم يقع إعداده بصفة تشاركية وهو أيضا غير قابل للتطوير. وفسر أن وثيقة الإطار المرجعي العام للتعلمات لا يمكن أن تقوم على نص لم تقع المصادقة عليه، وذكر أنه لا يمكن أن ننسى أن مشروع الإصلاح التربوي الذي تم إعداده في عهد وزير التربية ناجي جلول لم يحظ بالتوافق كما أن هذا المشروع لم يطبق والمسار الإصلاحي وقتها توقف لأسباب مختلفة إذ لم تعد هناك شراكة بين وزارة التربية ونقابات الاتحاد العام التونسي للشغل أو بين الوزارة والإطار التربوي لأن القطاع التربوي لا يحتمل سياسة فرض الأمر الواقع لذلك لم تنجح وزارة التربية في إقرار إصلاحات فعلية وحتى المحاولات التي تمت في سرية وبإشراف خبراء أجانب فقد كانت محل رفض لذلك توقفت تلك المحاولات لكن هناك من مازال إلى اليوم يريد فرض وجهة نظره واعتماد مقاربة المنهاج.

إمكانية المراجعة متاحة

وأشار عماد بن إبرايهم إلى أن وثيقة الإطار المرجعي العام للتعلمات في نهاية الأمر ليست نصا منزلا بل هي وثيقة مرنة، وقوتها تكمن في مرونتها فهي قابلة لإمكانية التعديل كلما تقتضي الضرورة وكلما تبرز حاجة للتعديل ، فهذه الوثيقة حسب تأكيده تقوم على فلسفة المرونة وعلى أن البرامج يمكن تعديلها بصفة مستمرة عندما يستحق الأمر تغييرها كما أنها تقوم على أساس وجود علاقات بين مختلف المواد والمسائل والبرامج ومنظومة التكوين، فهي تنظر للمنظومة التربوية في إطارها الشامل تكوينا ومجالات تعليم وملامح متخرج، وستكون الوثيقة المذكورة كما قال بن إبراهيم منطلقا لإعداد وثائق أخرى ولتنظيم ورشات عمل لإعداد وصياغة هذه الوثائق، وذكر أن هذه الرؤية تفترض عدم الاشتغال في إطار مقاربة وحيدة ونظرية مغلقة بل هي تقوم على ضرورة مواكبة المستجدات لذلك تم الاستئناس بأحدث النظريات في المجال التربوي والبيداغوجي كما تم الاطلاع على تجارب العديد من الدول وخلافا لما يروج له البعض فقد تمت الاستعانة بالكتاب الأبيض ومقاربة المنهاج، وأشار إلى أنه بعد المصادقة على هذه الوثيقة سيتم في مرحلة أولى بناء بعض الأطر المرجعية للكتب المدرسية والبرامج والحياة المدرسية وطريقة التكوين فكل هذه المسائل في حاجة إلى دراستها في متسع من الوقت ودون تسرع وبتشريك الجميع على مستوى الجهات والأقاليم ثم على مستوى وطني.

وبخصوص ما إذا تم التخلي عن فكرة الإصلاح الشامل للمنظومة التربوية بين عماد بن ابراهيم أنه من منطلق المسؤولية ورغبة في القيام بإصلاح شامل يمس كل جوانب المنظومة التربوية تم الدفع نحو حلحلة ملف الإصلاح، ولكن بالنظر إلى الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الحالي، اتضح أنه يصعب انجاز إصلاح شامل من جهة ومن جهة أخرى سيستغرق الإصلاح وقتا طويلا لذلك حصل اتفاق بين وزارة التربية والطرف النقابي على الانطلاق في الإصلاح بداية بالبرامج والتعلمات التي لم تعد تواكب المستجدات، وهذه العملية بدورها تحتاج إلى مجهود كبير ولكنها ليست في حاجة إلى إصلاح بمفهومة الشامل لأن المنظومة التربوية والمدرسة التونسية وبما فيها من شوائب راكمت التجارب الإصلاحية وهي تجارب يمكن البناء عليها لإصلاح البرامج والتعلمات.

وفي علاقة برزنامة تنفيذ وثيقة الإطار المرجعي العام للتعلمات أشار عماد بن إبراهيم إلى أنه لا يريد تقديم تفاصيل عن هذه الرزنامة لكنه يكتفي بالإشارة إلى أن الانطلاق الفعلي في التنفيذ وتغيير البرامج سيكون بداية من السنة الدراسية 2024ـ 2025 وسيتم تغيير هذه البرامج حسب قوله بصفة تدريجية وليس دفعة واحدة، لكن خلال السنة الدراسية المقبلة هناك أشياء ربما ستتغير في علاقة بالتكوين والزمن المدرسي، وذكر أنهم خيروا القيام بخطوة إلى الأمام عوضا عن البقاء في نفس المكان بتعلة التمسك بإصلاح تربوي شامل.

وثيقة الداهليز

لئن حظيت وثيقة الإطار المرجعي العام للتعلمات باستحسان عماد بن ابراهيم الكاتب العام للنقابة العامة للمتفقدين للتعليم الثانوي وبترحيب لسعد اليعقوبي الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي، فإن الأستاذة هدى الكافي المتفقدة العامة للتعليم الثانوي وعضو النقابة العامة لمتفقدي التعليم الثانوي قالت إن هذه الوثيقة تمت صياغتها في الدهاليز وذلك بعد أن تم استبعاد كل من له رأي مخالف وكل من تمسك بمقاربة المنهاج العام للتربية، فالمنهاج حسب تأكيدها يعطي رؤية متكاملة للتعلمات ويحمل تصورا جديدا للمدرسة، كما أن التعلمات في إطار المنهاج العام للتربية تتم مع بعضها البعض وليس كل مادة بمفردها إذ يجب تحديد الكفايات الأفقية لجميع المواد التي يدرسها التلميذ وبعد ذلك تحديد الكفايات الخاصة بكل مادة.

وفسرت الكافي قائلة إنه على سبيل الذكر لا الحصر هناك ترابط بين مادتي الرياضيات والفيزياء إذ هناك معادلة في مادة الرياضيات لا يمكن للتلميذ أن يفهم درس في مادة الفيزياء إلا عندما يكون متمكنا من هذه المعادلة وهو ما يقتضي بالضرورة أخذ هذه المسألة بعين الاعتبار في البرامج إذ يجب أن يكون التلميذ قد درس هذه المعادلة واستوعبها قبل أن يشرع في الدرس الموجود في مادة الفيزياء.

وأضافت هدى الكافي أن وثيقة المنهاج العام للتربية تم اعدادها بصفة تشاركية منذ عهد الوزير السابق ناجي جلول ولكن عندما حصل خلاف بين الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي وجلول غادرت النقابة مسار الإصلاح ورفضت المنهاج، ولكن بعد قدوم الوزير حاتم بن سالم وافق على تجديد بعض البرامج مثل الإعلامية والاقتصاد والتكنولوجيا لأنها لم تعد مواكبة للتطورات، وتم القيام بتطوير هذه البرامج وفق رؤية المنهاج التي تتيح القيام بتقاطعات مع بقية البرامج ولكن بقية المواد ظلت على حالها لأن نقابة التعليم الثانوي كانت رافضة للمنهاج.

وأشارت الكافي إلى إنه عند مقدم الوزير فتحي السلاوتي فتح باب الحوار من جديد مع نقابة التعليم الثانوي وعبرت النقابة في البداية عن تمسكها بالإصلاح التربوي الشامل لكنها لأسباب غير مفهومة تركت فكرة الإصلاح الشامل وانخرطت في مسار يركز على تجديد البرامج والحال أن مشكل المدرسة التونسية لا يمكن في البرامج وإنما في المقاربات البيداغوجية الخاطئة والاكتظاظ وغياب الحياة المدرسية والدروس الخصوصية وعدم مواكبة طرق التدريس لما هو متاح للتلميذ من تكنولوجيات حديثة.. وفسرت أنه تم ترك كل هذه المشاكل والتركيز فقط على تجديد البرامج والحال أن المقاربة هي التي تقادمت وليس المحتوى، والمطلوب هو تجديد المقاربة. وأضافت أنه عند الانطلاق في العمل على تجديد البرامج قيل إنه لا بد من إطار مرجعي لهذا العمل وبما أن نقابة التعليم الثانوي عادت للجلوس مع وزارة التربية وقبلت الإصلاح فقد كان كل الاهتمام منصبا على كيفية الترحيب بالنقابة وإرضاء اليعقوبي وفي المقابل تم تجميد كل من اشتغل على المنهاج وتمسك به وخالفهم الرأي.

رفض الوثيقة

وفندت هدى الكافي ما ذهب إليه عماد بن إبراهيم وقالت إنه لم يقع منحهم الوقت الكافي للإطلاع على وثيقة الإطار المرجعي إذ تم إرسال هذه الوثيقة إليهم يوم الأحد 30 أوت ليلا ودعوتهم لنقاشها يوم الثلاثاء أي بعد أقل من يومين. وذكرت أنه عند عرضها على النقاش كانت الوثيقة تقريبا محل رفض تام وهناك من قالوا إنهم لم يطلعوا عليها وهناك من الأساتذة من أشاروا إلى أنها صعبة وقالوا إنهم لم يفهموا محتواها، وأكدت أن أغلب المفقدين رفضوا هذا التوجه لكن بعد مدة تم تنظيم ندوة في الحمامات حضرها الموافقون فقط ثم تمت المصادقة على الوثيقة ولم يقع إرسالها إليهم في صيغتها النهائية، وحتى الخبر الذي نشرته وزارة التربية يوم 13 أكتوبر الجاري حول التوقيع عليها من قبل وزير التربية فتحي السلاوتي وعبد الله العش الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل فقد جاء مقتضبا ولا توجد فيه معطيات حول مضامين هذه الوثيقة التي تمت صياغتها بصفة سرية.

وبينت الكافي أنه في اجتماع هيئة نقابة متفقدي التعليم الثانوي المنعقد يوم 4 أكتوبر الجاري اتخذت الهيئة قرارا مفاده أن هذا الإطار المرجعي لا يلزم المتفقدين لأنه لا يمكن إعداده بتلك الطريقة وفي تجاهل تام للمنهاج الذي تم الاشتغال عليها طويلا وتنظيم دورات تكوينية حوله للمتفقدين ، وذكرت أنها تعرضت للإقصاء لأنها قالت إن المنهاج مقاربة جيدة وهي من إنتاج تونسيين وتعطي رؤية متكاملة تحمل تصورا جديدا للمدرسة والتعلمات وتضمن الترابط بين مجالات التعلم، وتأخذ بعين الاعتبار للتعلمات الجديدة الموجودة في العالم على غرار التربية على الصحة والتربية على وسائل الإعلام والتربية البيئية والمواطنة.

سعيدة بوهلال