إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تبادل اتهامات و"حرب" بيانات.. الصراع بين جناحي العدالة يطل مجددا... !!

تونس – الصباح

هل تساهم مبادرة وزارة العدل الأخيرة المتمثلة في بحث وزيرة العدل ليلى جفال مع توفيق شرف الدين وزير الداخلية سبل تعزيز أمن المحاكم وتكوين فريق عمل مشترك للنظر والسهر على متابعة حسن سير عملية وتأمينها، في إذابة جليد الأزمة القائمة بين طرفي "جناحي العدالة" القضاة من ناحية والمحامين من الناحية الثانية بعد دخول الطرفين في حرب "البيانات"، رغم تأكيد القائمين على الهياكل القطاعية أن الإشكال القائم لا يرتقي إلى "أزمة"، لاسيما أمام تكرر "الصدامات" بين الطرفين واختلاف مواقف وتعاطي كل منهما مع بعض القضايا المتعلقة بمرفق العدالة ككل أو غيرها من المسائل القطاعية نظرا لتشابك وتداخل الأدوار والمهام بينها وبين هياكل وقطاعات أخرى في منظومة العدالة؟

وتوتر العلاقة بين قطاعي المحاماة والقضاة ليست مستجدة بل لم تغفر العلاقة الجدلية والوجودية بين أحد جناحي مرفق العدالة من تسجيل خلافات والدخول في صدامات في السنوات الأخيرة كان لها تأثير بشكل أو بآخر على سير منظومة العدالة أرجع البعض أسبابها إلى التوظيف السياسي والحزبي للمرفق ككل ولقطاع القضاء بشكل خاص في العشرية الماضية باعتباره يمثل سلطة داخل الدولة.

حرب البيانات

على خلاف المناسبات التي أدت إلى توتر العلاقة بين قطاعي القضاء والمحاماة السابقة فقد عرف الخلاف بين الطرفين منعرجا آخر في الفترة الأخيرة، وذلك بعد إصدار الهيئة الوطنية للمحامين في تونس بيانا يوم 12 من الشهر الجاري عبرت في فيه "عن رفضها القطعي للإحالات والتتبعات الجزائية لأيّ محام أساسها أعمال أو مرافعات في إطار مباشرته لمهنته، أو بمناسبة أدائه لرسالته في الدفاع على منوبيه، وذلك تعليقا على إحالة كل من حياة الجزار وأيوب الغدامسي على التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس من أجل تهمة هضم جانب موظف من الصنف العدلي"، وفق نصّ البيان. معتبرة أن "تكرار مثل هذه الحالات في مخالفة للقانون والمرسوم المنظم لمهنة المحاماة والمبادئ الدولية لاستقلال القضاء والمحاماة ويشكّل انتكاسة لمقوّمات المحاكمة العادلة.

كما حذرت عمادة المحامين من "تكرّر فتح الأبحاث التحقيقية ضدّ المحامين من أجل أفعال تعدّ من صميم عمله وفي خرق واضح لأحكام الفصل 47 من المرسوم المنظم لمهنة المحاماة الذي كرّس ضمانات الدفاع". ودعت الهيئة أيضا إلى إحداث لجنة لفضّ الخلافات الطارئة بين جناحي العدالة طبقا للتقاليد المشتركة بينهما وتفاديا للتبعات الجزائية غير الملائمة.

من جانبها أصدرت نقابة القضاة التونسيين منذ أيام إثر انعقاد هيئتها الإدارية في بحر هذا الأسبوع للتداول في ما اعتبرته في بيانها "المستجدات الخطيرة المتمثلة في جملة اعتداءات بعدد من المحاكم على القضاة من طرف بعض المحامين". و"دعت نقابة القضاة التونسيين في نفس البيان الجهات المسؤولة في البلاد إلى "التعاطي الجدي والسريع مع مسألة تأمين المحاكم وتوفير حماية للقضاة المنتصبين للبت في قضايا الحق العام عموما وقضايا الإرهاب خصوصا". واستنكرت "الاعتداءات التي طالت القضاة أثناء أدائهم لمهامهم خاصة أنها صادرة في جانب منها عن رجال قانون يفقهون مدى خطورة وجسامة تلك الأفعال بما تشكله من اعتداء على حرمة المحاكم ومساس من هيبة السلطة القضائية"، بحسب ما جاء في البيان ذاته. وطالبت نقابة القضاة "بفتح تحقيقات جدية وعاجلة في جميع التجاوزات ضد كل الجهات التي يثبت تورطها في تلك الاعتداءات سواء كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة" . وحملت النقابة "الهيئات المشرفة على مهنة المحاماة مسؤولية بعض الانفلاتات الخطيرة والمتكررة الحاصلة من قبل منظوريهم تجاه القضاة"، محذرة من خطورة تداعياتها على واجب الاحترام المفروض على الكافة"، و"مطالبة بمباشرة التتبعات التأديبية ضد كل محام ثبت قيامه بتجاوزات موجبة للتتبع الجزائي والعقاب". وأكدت في نفس البيان أن هذه الاعتداءات "تعتبر محاولة للضغط على القضاة قصد السعي لإرباكهم والتأثير على قراراتهم وأحكامهم، كما تعتبر تمردا على أجهزة الدولة وسلطاتها ومسا من امن البلاد عامة". مبينة أن "الضغط على القضاة في قراراتهم أو التدخل في سير أعمالهم يشكل خرقا واضحا للمبدأ الدستوري الذي ينص على أن لا سلطان على القضاة سوى القانون وانه يحجر التدخل في سير القضاء".

ويذهب بعض المتابعين للوضع في قراءتهم للعلاقة المتوترة بين قطاعي القضاء والمحاماة إلى سعي الطرف الأول للخروج من دائرة الضغط المسلط على القضاة ومحاولة بعض القائمين عليه من هياكل وغيرهم لإخراجه من دائرة التوظيف الحزبي والسياسي الذي كان عليه الوضع خلال العشرية الماضية وأزمة الثقة التي أصبح يعاني منها بعد حل رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى للقضاء وتغيير ببديل "مجلس أعلى مؤقت للقضاء" وقرار إعفاء 57 من القضاة في جوان الماضي وما خلفه من جدل واحتجاجات وتحركات ندد بها المحامون، إضافة إلى توجه اهتمام الرأي العام إلى فتح ملفات حارقة في هذه المرحلة يواجه فيها أسماء كانت ضالعة في الحكم خلال العشرية الماضية فضلا عن اختيار عمادة المحامين النأي بنفسها عن الدخول في معركة بين القضاة وسلطة الإشراف رأي البعض أنها سياسية بامتياز كلها كانت من العوامل التي ساهمت في تواصل الأزمة بين القطاعين لتكون حقيقة.

 

أيمن (شطيبة رئيس نقابة القضاة التونسيين) لـ"الصباح": تواتر التجاوزات لا يؤثر على علاقة الاحترام والثقة المتبادلة مع المحامين

نفى أيمن شطيبة، رئيس نقابة القضاة التونسيين في حديثه عن المسألة لـ"الصباح" أن تكون هناك أزم قائمة بين القضاة والمحامين وقال: "في الحقيقة العلاقة بين القضاة والمحامين ثابتة ومبنية على الاحترام والثقة المتبادلة حتى وإن كانت هناك بعض التجاوزات والتصرفات الفردية المبالغ فيها وهي في تقديري حالات معزولة لا يمكن أن تعكر صفو العلاقة بين أبناء القطاعين". وأفاد أن ما تضمنه البيان الصادر عن نقابته جاء على خلفية تواتر التجاوزات ضد القضاة. معتبرا أن ما حدث مؤخرا من تصرفات وصفها بـ"غير المقبولة" ضد بعض القضاة في مقرات عملهم تتجاوز أخلاقيات التعامل المهني. الأمر الذي دفع الهيكل النقابي إلى التنديد بذلك. وأضاف في نفس السياق قائلا: "على الهياكل المعنية أن تقوم بتوعية منظوريها حول ضرورة المحافظة على الاحترام المتبادل بما يخدم سير مرفق العدالة لأن مهامنا تتكامل وتتقاطع بما يضمن احترام السلطة القضائية حتى لا نضطر إلى العمل تحت الضغط".

وبين محدثنا أن القضاة عانوا في الفترة الأخيرة من العمل تحت الضغط المسلط عليهم من عدة جهات، مضيفا: "للأسف هناك قضايا على غاية من الأهمية والخطورة وتحقيقات تتسم بالسرية في قضايا وملفات حارقة تهم المصلحة العليا للبلاد تتعلق أغلبها بالإرهاب والاحتكار والفساد لكن للأسف نجد أطوارها منشورة ومتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي ونحن في فترة جد دقيقة يسعى فيها القضاء بمعية الهياكل المتداخلة للخروج من دائرة الضغط واستعادة ثقة المواطن، لكن نجد أنفسنا مرة أخرى أمام التشهير والضغط".

في جانب آخر من حديثه اعتبر أيمن شطيبة مبادرة وزيرة العدل بسعيها لبحث آلية تأمين المحاكم مع وزير الداخلية استجابة سريعة لدعوة نقابته وقال: " تصرف وزيرة العدل ليلى جفال محمود تشكر عليه، لأنه تفاعل كان سريعا من جانبها مع دعوتنا وهي في الحقيقة دعوة لطالما رفعها القضاة والمحامين على حد السواء نظرا لأهمية في ضمان سلامة الجميع بما في ذلك المتقاضين وكل رواد المحاكم". لأنه يعتبر ما ورد في البيان يهدف إلى تحسين العلاقة بين القضاة والمحامين وضمان حمايتهم وليس العكس.

وبين رئيس نقابة القضاة أن منظوريه عرفوا حملات تشويه في إطار حسابات سياسية وحزبية ضيقة بهدف الترهيب والضغط في تعاطيهم مع الملفات الحارقة والحساسة أساسا منها تلك التي ظلت مطلبا لكل التونسيين. ونزل ذلك في إطار السعي لزعزعة الثقة في هذا المرفق القضائي ولكنه شدد في المقابل على أن القضاة حريصون على تحمل مسؤولياتهم اليوم أكثر من أي وقت مضى لإعلاء راية القانون والحق والهياكل المتداخلة في المنظومة القضائية. واعتبر ذلك ليس مسؤولية القضاة وحدهم وإنما منوط أيضا بدور المحامين على اعتبار أن كلا القطاعين متكاملان. مشددا على ضرورة إعمال الحوكمة الرشيدة في المنظومة القضائية المبنية على التشاركية والحوار لكن ما يتعلق بالمسار المهني للقضاة قال:" هذا شان قضائي يهم القضاة فقط أما الشأن القضائي العام فهذا يهم كل الهياكل المتداخلة".

 

حسان التوكابري (كاتب عام عمادة المحامين) لـ"الصباح": لسنا في حاجة لتلقي الدروس من أي جهة

فيما أكد حسان التوكابري، كاتب عام الهيئة الوطنية للمحامين، لـ"الصباح"، أن المحامين ليسوا في حاجة إلى تلقي التعليمات والدروس من أي جهة كانت. معتبرة أنه "سوء التفاهم" القائم بين بعض المحامين وبعض القضاة جاء في سياق مهني لا يمكن حله بالتهديد والتشهير وإنما بالتفاهم. وأضاف قائلا: "المحاماة لا تأخذ درسا من أي جهة لأننا متشبعين بالقوانين ونحرص على احترام مهنتنا ومن العيب إظهارنا في موضع الفوضى". واعتبر محدثنا أن المحاماة بما تزخر به من رصيد نضالي منذ الاستقلال إلى اليوم ودور الذي اضطلعت به في بناء الدولة والدفاع عن الحقوق والحريات يجعلها بمنأى عن السقوط في الفوضى والتمرد على القانون. وأضاف قائلا: "تبقى المحاماة القطاع المنظم والمهيكل من خلال وجود هياكل منتخبة بشكل ديمقراطي يساهم في العجلة الاقتصادية فضلا عن دورها الوطني من العوامل التي تجعل القضاة الذين تتم إقالتهم ويغدرون مهنتهم يرغبون في الانضمام إلى هذه المهنة، لذلك نرفض كل محاولة لتشويه المحاماة".

ودعا كاتب عام عمادة المحامين القضاة إلى تغليب صوت الحكمة والرصانة وتجنب القطاعية المقيتة على اعتبار أن ذلك يضر بمنظومة العدالة ككل ويحول دون نجاح أي محاولة للإصلاح معتبر أن "الجميع يتوق إلى قضاء ناجز وجريء ونظيف" على حد تعبيره وذلك عبر سعي الهياكل القضائية إلى الانخراط في مشروع إصلاحي شامل تكون كل القطاعات المتداخلة في المنظومة القضائية طرفا فيها.

كما اعتبر محدثنا أن عمادة المحامين كانت قد اقترحت تكوين لجنة مشتركة بين القضاة والمحامين تتركز مهامها بالأساس على تطويق الخلافات بين القطاعين وتساهم في تطوير مرفق العدالة وخدماته لأنه يعتبر أن العلاقة بين القطاعين لا يجب أن تنبني على العداوة بل على التكامل وفي كنف الاحترام المتبادل.

في جانب آخر من حديثه اعتبر حسان التوكابري أن المجلس الأعلى للقضاة ولكي ينجح في أداء مهامه يجب أن لا يكون مجلس أعلى للقضاء تتكون تركيبته من ممثلي كل الهياكل المتداخل من وفي مقدمتهم المحامين لأنه يعتبر إصلاح المنظومة القضائية هي مسؤولية شاملة يجب أن توحد كل القطاعات وليس العكس.

نزيهة الغضباني

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تبادل اتهامات و"حرب" بيانات.. الصراع بين جناحي العدالة يطل مجددا... !!

تونس – الصباح

هل تساهم مبادرة وزارة العدل الأخيرة المتمثلة في بحث وزيرة العدل ليلى جفال مع توفيق شرف الدين وزير الداخلية سبل تعزيز أمن المحاكم وتكوين فريق عمل مشترك للنظر والسهر على متابعة حسن سير عملية وتأمينها، في إذابة جليد الأزمة القائمة بين طرفي "جناحي العدالة" القضاة من ناحية والمحامين من الناحية الثانية بعد دخول الطرفين في حرب "البيانات"، رغم تأكيد القائمين على الهياكل القطاعية أن الإشكال القائم لا يرتقي إلى "أزمة"، لاسيما أمام تكرر "الصدامات" بين الطرفين واختلاف مواقف وتعاطي كل منهما مع بعض القضايا المتعلقة بمرفق العدالة ككل أو غيرها من المسائل القطاعية نظرا لتشابك وتداخل الأدوار والمهام بينها وبين هياكل وقطاعات أخرى في منظومة العدالة؟

وتوتر العلاقة بين قطاعي المحاماة والقضاة ليست مستجدة بل لم تغفر العلاقة الجدلية والوجودية بين أحد جناحي مرفق العدالة من تسجيل خلافات والدخول في صدامات في السنوات الأخيرة كان لها تأثير بشكل أو بآخر على سير منظومة العدالة أرجع البعض أسبابها إلى التوظيف السياسي والحزبي للمرفق ككل ولقطاع القضاء بشكل خاص في العشرية الماضية باعتباره يمثل سلطة داخل الدولة.

حرب البيانات

على خلاف المناسبات التي أدت إلى توتر العلاقة بين قطاعي القضاء والمحاماة السابقة فقد عرف الخلاف بين الطرفين منعرجا آخر في الفترة الأخيرة، وذلك بعد إصدار الهيئة الوطنية للمحامين في تونس بيانا يوم 12 من الشهر الجاري عبرت في فيه "عن رفضها القطعي للإحالات والتتبعات الجزائية لأيّ محام أساسها أعمال أو مرافعات في إطار مباشرته لمهنته، أو بمناسبة أدائه لرسالته في الدفاع على منوبيه، وذلك تعليقا على إحالة كل من حياة الجزار وأيوب الغدامسي على التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس من أجل تهمة هضم جانب موظف من الصنف العدلي"، وفق نصّ البيان. معتبرة أن "تكرار مثل هذه الحالات في مخالفة للقانون والمرسوم المنظم لمهنة المحاماة والمبادئ الدولية لاستقلال القضاء والمحاماة ويشكّل انتكاسة لمقوّمات المحاكمة العادلة.

كما حذرت عمادة المحامين من "تكرّر فتح الأبحاث التحقيقية ضدّ المحامين من أجل أفعال تعدّ من صميم عمله وفي خرق واضح لأحكام الفصل 47 من المرسوم المنظم لمهنة المحاماة الذي كرّس ضمانات الدفاع". ودعت الهيئة أيضا إلى إحداث لجنة لفضّ الخلافات الطارئة بين جناحي العدالة طبقا للتقاليد المشتركة بينهما وتفاديا للتبعات الجزائية غير الملائمة.

من جانبها أصدرت نقابة القضاة التونسيين منذ أيام إثر انعقاد هيئتها الإدارية في بحر هذا الأسبوع للتداول في ما اعتبرته في بيانها "المستجدات الخطيرة المتمثلة في جملة اعتداءات بعدد من المحاكم على القضاة من طرف بعض المحامين". و"دعت نقابة القضاة التونسيين في نفس البيان الجهات المسؤولة في البلاد إلى "التعاطي الجدي والسريع مع مسألة تأمين المحاكم وتوفير حماية للقضاة المنتصبين للبت في قضايا الحق العام عموما وقضايا الإرهاب خصوصا". واستنكرت "الاعتداءات التي طالت القضاة أثناء أدائهم لمهامهم خاصة أنها صادرة في جانب منها عن رجال قانون يفقهون مدى خطورة وجسامة تلك الأفعال بما تشكله من اعتداء على حرمة المحاكم ومساس من هيبة السلطة القضائية"، بحسب ما جاء في البيان ذاته. وطالبت نقابة القضاة "بفتح تحقيقات جدية وعاجلة في جميع التجاوزات ضد كل الجهات التي يثبت تورطها في تلك الاعتداءات سواء كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة" . وحملت النقابة "الهيئات المشرفة على مهنة المحاماة مسؤولية بعض الانفلاتات الخطيرة والمتكررة الحاصلة من قبل منظوريهم تجاه القضاة"، محذرة من خطورة تداعياتها على واجب الاحترام المفروض على الكافة"، و"مطالبة بمباشرة التتبعات التأديبية ضد كل محام ثبت قيامه بتجاوزات موجبة للتتبع الجزائي والعقاب". وأكدت في نفس البيان أن هذه الاعتداءات "تعتبر محاولة للضغط على القضاة قصد السعي لإرباكهم والتأثير على قراراتهم وأحكامهم، كما تعتبر تمردا على أجهزة الدولة وسلطاتها ومسا من امن البلاد عامة". مبينة أن "الضغط على القضاة في قراراتهم أو التدخل في سير أعمالهم يشكل خرقا واضحا للمبدأ الدستوري الذي ينص على أن لا سلطان على القضاة سوى القانون وانه يحجر التدخل في سير القضاء".

ويذهب بعض المتابعين للوضع في قراءتهم للعلاقة المتوترة بين قطاعي القضاء والمحاماة إلى سعي الطرف الأول للخروج من دائرة الضغط المسلط على القضاة ومحاولة بعض القائمين عليه من هياكل وغيرهم لإخراجه من دائرة التوظيف الحزبي والسياسي الذي كان عليه الوضع خلال العشرية الماضية وأزمة الثقة التي أصبح يعاني منها بعد حل رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى للقضاء وتغيير ببديل "مجلس أعلى مؤقت للقضاء" وقرار إعفاء 57 من القضاة في جوان الماضي وما خلفه من جدل واحتجاجات وتحركات ندد بها المحامون، إضافة إلى توجه اهتمام الرأي العام إلى فتح ملفات حارقة في هذه المرحلة يواجه فيها أسماء كانت ضالعة في الحكم خلال العشرية الماضية فضلا عن اختيار عمادة المحامين النأي بنفسها عن الدخول في معركة بين القضاة وسلطة الإشراف رأي البعض أنها سياسية بامتياز كلها كانت من العوامل التي ساهمت في تواصل الأزمة بين القطاعين لتكون حقيقة.

 

أيمن (شطيبة رئيس نقابة القضاة التونسيين) لـ"الصباح": تواتر التجاوزات لا يؤثر على علاقة الاحترام والثقة المتبادلة مع المحامين

نفى أيمن شطيبة، رئيس نقابة القضاة التونسيين في حديثه عن المسألة لـ"الصباح" أن تكون هناك أزم قائمة بين القضاة والمحامين وقال: "في الحقيقة العلاقة بين القضاة والمحامين ثابتة ومبنية على الاحترام والثقة المتبادلة حتى وإن كانت هناك بعض التجاوزات والتصرفات الفردية المبالغ فيها وهي في تقديري حالات معزولة لا يمكن أن تعكر صفو العلاقة بين أبناء القطاعين". وأفاد أن ما تضمنه البيان الصادر عن نقابته جاء على خلفية تواتر التجاوزات ضد القضاة. معتبرا أن ما حدث مؤخرا من تصرفات وصفها بـ"غير المقبولة" ضد بعض القضاة في مقرات عملهم تتجاوز أخلاقيات التعامل المهني. الأمر الذي دفع الهيكل النقابي إلى التنديد بذلك. وأضاف في نفس السياق قائلا: "على الهياكل المعنية أن تقوم بتوعية منظوريها حول ضرورة المحافظة على الاحترام المتبادل بما يخدم سير مرفق العدالة لأن مهامنا تتكامل وتتقاطع بما يضمن احترام السلطة القضائية حتى لا نضطر إلى العمل تحت الضغط".

وبين محدثنا أن القضاة عانوا في الفترة الأخيرة من العمل تحت الضغط المسلط عليهم من عدة جهات، مضيفا: "للأسف هناك قضايا على غاية من الأهمية والخطورة وتحقيقات تتسم بالسرية في قضايا وملفات حارقة تهم المصلحة العليا للبلاد تتعلق أغلبها بالإرهاب والاحتكار والفساد لكن للأسف نجد أطوارها منشورة ومتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي ونحن في فترة جد دقيقة يسعى فيها القضاء بمعية الهياكل المتداخلة للخروج من دائرة الضغط واستعادة ثقة المواطن، لكن نجد أنفسنا مرة أخرى أمام التشهير والضغط".

في جانب آخر من حديثه اعتبر أيمن شطيبة مبادرة وزيرة العدل بسعيها لبحث آلية تأمين المحاكم مع وزير الداخلية استجابة سريعة لدعوة نقابته وقال: " تصرف وزيرة العدل ليلى جفال محمود تشكر عليه، لأنه تفاعل كان سريعا من جانبها مع دعوتنا وهي في الحقيقة دعوة لطالما رفعها القضاة والمحامين على حد السواء نظرا لأهمية في ضمان سلامة الجميع بما في ذلك المتقاضين وكل رواد المحاكم". لأنه يعتبر ما ورد في البيان يهدف إلى تحسين العلاقة بين القضاة والمحامين وضمان حمايتهم وليس العكس.

وبين رئيس نقابة القضاة أن منظوريه عرفوا حملات تشويه في إطار حسابات سياسية وحزبية ضيقة بهدف الترهيب والضغط في تعاطيهم مع الملفات الحارقة والحساسة أساسا منها تلك التي ظلت مطلبا لكل التونسيين. ونزل ذلك في إطار السعي لزعزعة الثقة في هذا المرفق القضائي ولكنه شدد في المقابل على أن القضاة حريصون على تحمل مسؤولياتهم اليوم أكثر من أي وقت مضى لإعلاء راية القانون والحق والهياكل المتداخلة في المنظومة القضائية. واعتبر ذلك ليس مسؤولية القضاة وحدهم وإنما منوط أيضا بدور المحامين على اعتبار أن كلا القطاعين متكاملان. مشددا على ضرورة إعمال الحوكمة الرشيدة في المنظومة القضائية المبنية على التشاركية والحوار لكن ما يتعلق بالمسار المهني للقضاة قال:" هذا شان قضائي يهم القضاة فقط أما الشأن القضائي العام فهذا يهم كل الهياكل المتداخلة".

 

حسان التوكابري (كاتب عام عمادة المحامين) لـ"الصباح": لسنا في حاجة لتلقي الدروس من أي جهة

فيما أكد حسان التوكابري، كاتب عام الهيئة الوطنية للمحامين، لـ"الصباح"، أن المحامين ليسوا في حاجة إلى تلقي التعليمات والدروس من أي جهة كانت. معتبرة أنه "سوء التفاهم" القائم بين بعض المحامين وبعض القضاة جاء في سياق مهني لا يمكن حله بالتهديد والتشهير وإنما بالتفاهم. وأضاف قائلا: "المحاماة لا تأخذ درسا من أي جهة لأننا متشبعين بالقوانين ونحرص على احترام مهنتنا ومن العيب إظهارنا في موضع الفوضى". واعتبر محدثنا أن المحاماة بما تزخر به من رصيد نضالي منذ الاستقلال إلى اليوم ودور الذي اضطلعت به في بناء الدولة والدفاع عن الحقوق والحريات يجعلها بمنأى عن السقوط في الفوضى والتمرد على القانون. وأضاف قائلا: "تبقى المحاماة القطاع المنظم والمهيكل من خلال وجود هياكل منتخبة بشكل ديمقراطي يساهم في العجلة الاقتصادية فضلا عن دورها الوطني من العوامل التي تجعل القضاة الذين تتم إقالتهم ويغدرون مهنتهم يرغبون في الانضمام إلى هذه المهنة، لذلك نرفض كل محاولة لتشويه المحاماة".

ودعا كاتب عام عمادة المحامين القضاة إلى تغليب صوت الحكمة والرصانة وتجنب القطاعية المقيتة على اعتبار أن ذلك يضر بمنظومة العدالة ككل ويحول دون نجاح أي محاولة للإصلاح معتبر أن "الجميع يتوق إلى قضاء ناجز وجريء ونظيف" على حد تعبيره وذلك عبر سعي الهياكل القضائية إلى الانخراط في مشروع إصلاحي شامل تكون كل القطاعات المتداخلة في المنظومة القضائية طرفا فيها.

كما اعتبر محدثنا أن عمادة المحامين كانت قد اقترحت تكوين لجنة مشتركة بين القضاة والمحامين تتركز مهامها بالأساس على تطويق الخلافات بين القطاعين وتساهم في تطوير مرفق العدالة وخدماته لأنه يعتبر أن العلاقة بين القطاعين لا يجب أن تنبني على العداوة بل على التكامل وفي كنف الاحترام المتبادل.

في جانب آخر من حديثه اعتبر حسان التوكابري أن المجلس الأعلى للقضاة ولكي ينجح في أداء مهامه يجب أن لا يكون مجلس أعلى للقضاء تتكون تركيبته من ممثلي كل الهياكل المتداخل من وفي مقدمتهم المحامين لأنه يعتبر إصلاح المنظومة القضائية هي مسؤولية شاملة يجب أن توحد كل القطاعات وليس العكس.

نزيهة الغضباني