إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

وهل بعد هذا يتواصل التّشكيك في استحقاق نجيب محفوظ نيله جائزة نوبل؟

بقلم: مصدق الشريف

يرجو كلّ من له باع وذراع في ميدان الفنون والآداب والاختراعات والنظريات وغيرها أن تكون جائزة نوبل من نصيبه. وكم تمنّى مريدو المناضل الفذّ بالكلمة الملتزمة، نصرة لقضية شعبه، محمود درويش وأحباؤه أن ينالها، فهو جدير بها وأكثر. لكنّ المنيّة كانت أسرع.

وحين تحصّل الأديب نجيب محفوظ، رحمه الله، على جائزة نوبل للآداب سنة 1988 كان عمره سبعا وسبعين سنة. ومنذ ذلك التاريخ إلى مماته، في أوت 2006، عن عمر ناهز خمسة وتسعين عاما، لم يسلم من ألسنة المشكّكين في استحقاقه نيل هذه الجائزة. وإلى يوم النّاس هذا، وقد ووري نجيب محفوظ التّراب منذ أمد، بقيت تلاحقه الألسنة الشّداد مستنقصة قيمته مستكثرة عليه الوقوف على سيرته الأدبية.

وللتّذكير، فقد كتب نجيب محفوظ، رحمه الله، أكثر من ثلاثين رواية اشتهرت غالبيتها، وتم تحويلها سينمائيا أو تلفزيونيا، وأول رواياته "عبث الأقدار" ثم رادوبيس 1943، ومن أشهر رواياته: الثلاثية "بين القصرين- قصر الشوق- السكرية"، و"ثرثرة فوق النيل" و"الكرنك" و"بداية ونهاية"، و"اللّصّ والكلاب"، و"أولاد حارتنا"، و"الحرافيش".

وقد اعتبر جمهور من المثقفين العرب وغيرهم أن التّتويج العالمي لنجيب محفوظ جاء مكافأة لمصر ورئيسها بعد الاعتراف التاريخي بالكيان الصّهيوني واللّقاء الشّهير الذي جمع بين السّادات ورئيس الوزراء الصّهيوني مناحين بيجين في 17 ديسمبر 1978 ولا يزالون. وكان ذلك سببا في عزل مصر عن مجموع الدّول العربية. وعلى إثره نُقل مقرّ الجامعة العربيّة من مصر إلى تونس.

أعترف أنّني كنت، ربّما من كثرة القيل والقال أو عن عمى أيديولوجي، غير مرتاح لنيل نجيب محفوظ هذه الجائزة. وكنت أعتبرها ملطّخة بالذّل والهوان تحوم حولها الكثير من الشّبهات. واليوم أتذكّر قول والدتي، رحمها الله، "ماذا من متهوم في الحبس". وأستحضر أيضا ما تعلّمته في دروس الفلسفة من وجوب أن نكون حذرين من الأفكار المسبقة وأنّ انفجار قنبلة أهون من إلقاء التّهم جزافا.

واليوم، وبعد أن هاجمت الصّحافة الاسرائيليّة الرّوائيّة الفرنسية آني أرنو على إثر تحصّلها على جائزة نوبل للآداب سنة 2022 واستشاطت غضبا وشنّت هجوما عنيفا عليها، لم يعد لمن يشكّكون في استحقاق نجيب محفوظ حصوله على جائزة نوبل أيّة وجاهة لادّعاءاتهم المؤكّدة أنّ نيل جائزة نوبل يخضع لرضا الكيان الصّهيوني عن كتابات المترشّح ومواقفه السياسيّة والايديولوجيّة. وقد تداولت الكثير من الصّحف الغربيّة والعالميّة مواقف الرّوائيّة آني أرنو التي لا تفتأ تنتقد انتهاكات الكيان الصّهيوني للشعب الفلسطيني انتقادا صارخا وما يقوم به من جرائم يوميّة على مدى عقود متتالية أهلكت البشر والشجر والحجر. ويذكر أنّ أرنو وقّعت على رسالة تطالب بالإفراج عن المناضل اللبناني المعتقل في فرنسا منذ الثمانينيات جورج عبد الله، ووصفته بأنه شارك في تأسيس الفصائل الثورية المسلحة اللبنانية عام 1980، وحُكم عليه بالسجن المؤبد عام 1982 لاغتيال الملحق العسكري الأميركي المقدم تشارلز آر راي، والدبلوماسي الإسرائيلي يعقوب بار سيمانتوف. ووصفت الرسالة التي وقعتها أديبة نوبل الملحق العسكري الأميركي والدبلوماسي الإسرائيلي بأنهما "عملاء نشطون للموساد ووكالة المخابرات المركزية"، بينما وصفت عبد الله بأنه "ملتزم تجاه الشعب الفلسطيني وضد الاستعمار". ووقعت الروائية في عام 2021 على رسالة بعنوان "خطاب ضد الفصل العنصري، شجبت فيه الحرب الإسرائيلية على غزة. وجاء في الرسالة "تأطير (الأحداث) على أنها حرب بين طرفين متساويين هو أمر خاطئ ومضلل. إسرائيل هي القوة المستعمرة. فلسطين مستعمَرة. هذا ليس صراعًا: هذا فصل عنصري"، بحسب جيروزاليم بوست.

 أديبنا، أيّها الرّوائيّ العالمي، نرجو أن تصفح عنّا وتتجاوز عمّا نزغ في صدورنا. ولك أن تنام قرير العينين فقامتك الأدبيّة هي التي منحتك الجائزة رغم أنف جميع النّاس. وإن تواصلت الشّكوك والاتّهامات والانتقادات فلأنّ أصحابها قد أصيبوا بمرض عضال استفحل في أفكارهم أيّما استفحال من العسير جدّا استئصاله.

 

وهل بعد هذا يتواصل التّشكيك في استحقاق نجيب محفوظ نيله جائزة نوبل؟

بقلم: مصدق الشريف

يرجو كلّ من له باع وذراع في ميدان الفنون والآداب والاختراعات والنظريات وغيرها أن تكون جائزة نوبل من نصيبه. وكم تمنّى مريدو المناضل الفذّ بالكلمة الملتزمة، نصرة لقضية شعبه، محمود درويش وأحباؤه أن ينالها، فهو جدير بها وأكثر. لكنّ المنيّة كانت أسرع.

وحين تحصّل الأديب نجيب محفوظ، رحمه الله، على جائزة نوبل للآداب سنة 1988 كان عمره سبعا وسبعين سنة. ومنذ ذلك التاريخ إلى مماته، في أوت 2006، عن عمر ناهز خمسة وتسعين عاما، لم يسلم من ألسنة المشكّكين في استحقاقه نيل هذه الجائزة. وإلى يوم النّاس هذا، وقد ووري نجيب محفوظ التّراب منذ أمد، بقيت تلاحقه الألسنة الشّداد مستنقصة قيمته مستكثرة عليه الوقوف على سيرته الأدبية.

وللتّذكير، فقد كتب نجيب محفوظ، رحمه الله، أكثر من ثلاثين رواية اشتهرت غالبيتها، وتم تحويلها سينمائيا أو تلفزيونيا، وأول رواياته "عبث الأقدار" ثم رادوبيس 1943، ومن أشهر رواياته: الثلاثية "بين القصرين- قصر الشوق- السكرية"، و"ثرثرة فوق النيل" و"الكرنك" و"بداية ونهاية"، و"اللّصّ والكلاب"، و"أولاد حارتنا"، و"الحرافيش".

وقد اعتبر جمهور من المثقفين العرب وغيرهم أن التّتويج العالمي لنجيب محفوظ جاء مكافأة لمصر ورئيسها بعد الاعتراف التاريخي بالكيان الصّهيوني واللّقاء الشّهير الذي جمع بين السّادات ورئيس الوزراء الصّهيوني مناحين بيجين في 17 ديسمبر 1978 ولا يزالون. وكان ذلك سببا في عزل مصر عن مجموع الدّول العربية. وعلى إثره نُقل مقرّ الجامعة العربيّة من مصر إلى تونس.

أعترف أنّني كنت، ربّما من كثرة القيل والقال أو عن عمى أيديولوجي، غير مرتاح لنيل نجيب محفوظ هذه الجائزة. وكنت أعتبرها ملطّخة بالذّل والهوان تحوم حولها الكثير من الشّبهات. واليوم أتذكّر قول والدتي، رحمها الله، "ماذا من متهوم في الحبس". وأستحضر أيضا ما تعلّمته في دروس الفلسفة من وجوب أن نكون حذرين من الأفكار المسبقة وأنّ انفجار قنبلة أهون من إلقاء التّهم جزافا.

واليوم، وبعد أن هاجمت الصّحافة الاسرائيليّة الرّوائيّة الفرنسية آني أرنو على إثر تحصّلها على جائزة نوبل للآداب سنة 2022 واستشاطت غضبا وشنّت هجوما عنيفا عليها، لم يعد لمن يشكّكون في استحقاق نجيب محفوظ حصوله على جائزة نوبل أيّة وجاهة لادّعاءاتهم المؤكّدة أنّ نيل جائزة نوبل يخضع لرضا الكيان الصّهيوني عن كتابات المترشّح ومواقفه السياسيّة والايديولوجيّة. وقد تداولت الكثير من الصّحف الغربيّة والعالميّة مواقف الرّوائيّة آني أرنو التي لا تفتأ تنتقد انتهاكات الكيان الصّهيوني للشعب الفلسطيني انتقادا صارخا وما يقوم به من جرائم يوميّة على مدى عقود متتالية أهلكت البشر والشجر والحجر. ويذكر أنّ أرنو وقّعت على رسالة تطالب بالإفراج عن المناضل اللبناني المعتقل في فرنسا منذ الثمانينيات جورج عبد الله، ووصفته بأنه شارك في تأسيس الفصائل الثورية المسلحة اللبنانية عام 1980، وحُكم عليه بالسجن المؤبد عام 1982 لاغتيال الملحق العسكري الأميركي المقدم تشارلز آر راي، والدبلوماسي الإسرائيلي يعقوب بار سيمانتوف. ووصفت الرسالة التي وقعتها أديبة نوبل الملحق العسكري الأميركي والدبلوماسي الإسرائيلي بأنهما "عملاء نشطون للموساد ووكالة المخابرات المركزية"، بينما وصفت عبد الله بأنه "ملتزم تجاه الشعب الفلسطيني وضد الاستعمار". ووقعت الروائية في عام 2021 على رسالة بعنوان "خطاب ضد الفصل العنصري، شجبت فيه الحرب الإسرائيلية على غزة. وجاء في الرسالة "تأطير (الأحداث) على أنها حرب بين طرفين متساويين هو أمر خاطئ ومضلل. إسرائيل هي القوة المستعمرة. فلسطين مستعمَرة. هذا ليس صراعًا: هذا فصل عنصري"، بحسب جيروزاليم بوست.

 أديبنا، أيّها الرّوائيّ العالمي، نرجو أن تصفح عنّا وتتجاوز عمّا نزغ في صدورنا. ولك أن تنام قرير العينين فقامتك الأدبيّة هي التي منحتك الجائزة رغم أنف جميع النّاس. وإن تواصلت الشّكوك والاتّهامات والانتقادات فلأنّ أصحابها قد أصيبوا بمرض عضال استفحل في أفكارهم أيّما استفحال من العسير جدّا استئصاله.