* رفع نسبة الفائدة المديرية سيتسبب في انهيار القدرة الشرائية للتونسيين ويحد من نشاط المؤسسات
* مطالب بدراسة أعمق لتداعيات أي قرار محتمل للرفع من نسبة الفائدة المديرية مستقبلا
* المعالجة الميدانية للتضخم أفضل من المعالجة الإدارية في الوقت الراهن
* ارتفاع تكاليف النقل والمحروقات يعمق أزمة "التضخم" في تونس
تونس- الصباح
أعلن البنك المركزي، مساء الأربعاء الماضي، عن رفع نسبة الفائدة الرئيسية بـ25 نقطة أساسية لتصل إلى 7.25 في المائة، وذلك ضمن جهوده المتواصلة لكبح جماح التضخم الذي بلغ مستويات عالية جدا لم تشهدها تونس منذ عقود، خصوصا بعد أن أعلن المعهد الوطني للإحصاء أن نسبة التضخم بلغت موفى الشهر الماضي 9.1% ، الأمر الذي دفع بالبنك المركزي الى اتخاذ جملة من الإجراءات الاستباقية للحد من نزيف اخطر آفة على اقتصاد الدول.
وقال البنك في بيانه إن مجلس إدارته استعرض خلال اجتماعه الأخير التطورات الاقتصادية والمالية، وقرر الترفيع في نسبة الفائدة للبنك المركزي بـ25 نقطة أساسية لتبلغ 7.25 في المائة، كما قرر البنك "الترفيع في نسبتي الإيداع والقرض الهامشي لمدة 24 ساعة لتبلغ 6.25 في المائة و8.25 في المائة على التوالي، مع مواصلة توخي الحيطة في ما يخص التطورات القادمة لنسبة التضخم" ، كما قرر البنك المركزي أيضا "الترفيع في نسبة الفائدة على الادخار بـ25 نقطة أساسية لتبلغ 6.25 في المائة"، وكانت آخر زيادة في سعر الفائدة الرئيسية 75 نقطة أساس، وأقرها البنك المركزي في ماي الماضي، بعد أن لامس التضخم معدل 8%.
ومباشرة اثر قرر البنك المركزي، حذر خبراء الاقتصاد من تداعيات اللجوء الى رفع نسبة الفائدة المديرية من قبل البنك المركزي عقب اجتماع مجلس إدارته، خاصة وان قرار الرفع في نسبة الفائدة المديرية بمعدل 25 نقطة يؤشر لزيادات أخرى قد نشهدها موفى السنة الجارية، وسيؤثر ذلك بشكل لافت على المؤسسات والأفراد على حد سواء، وسيخلق حالة من الركود الاقتصادي طويل الأمد، حسب ما رصدته "الصباح" من أغلب خبراء الاقتصاد، الذين أكدوا مرارا، أن التضخم الذي تعيشه بلادنا، هو تضخم مستورد خلفته جائحة كورونا العالمية والحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة، ما جعل أسعار كافة المواد الأساسية ترتفع عالميا وتصل ارتداداتها الى بلادنا.
وتزامنا مع ارتفاع نسبة التضخم في البلاد الى 9.1% وفق آخر المعطيات الحديثة، شهد الدينار التونسي بدوره تراجعاً قياسياً أمام الدولار الأمريكي، وذلك بعد ان وافق البنك المركزي الأمريكي، الاحتياطي الفيدرالي، موفى الشهر الماضي، على رفع سعر الفائدة بمقدار 0.75 نقطة، لترتفع تكلفة الأموال المودعة قصيرة الأجل، علما وان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، قام برفع سعر الفائدة للمرة الخامسة منذ بداية العام والثالث على التوالي بمقدار 75 نقطة أساس، وهو ما رفع من تكلفة الواردات للبلاد، وهناك مخاوف جدية من استمرار تراجع الدينار التونسي، مجددا أمام الدولار، علما وان التراجع المسجل في أوت الماضي يعد سابقة تاريخية ، ورفع من منسوب الأزمة المالية والاقتصادية في البلاد، وتجاوز اليوم 3.3 دينار تونسي.
وأدى الغزو الروسي على أوكرانيا، الذي أعقب جائحة COVID-19 ، إلى ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة الأمريكية التي وصلت إلى 8.3٪ على أساس سنوي في أوت الماضي، كما رفعت البنوك المركزية لدول الخليج وأوروبا أيضًا أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس، وارتفع مؤشر الدولار بنسبة 0.2٪ إلى مستوى 111.72٪ ، وكان يتدحرج منذ بداية العام ليسجل تحسنا بنسبة 17٪ . وجدير بالذكر أن اليورو انخفض إلى 0.9807 أمام الدولار الأمريكي، وهو أعلى مستوى له في عشرين عاما وسط مخاوف من تدهور الوضع المعيشي في أوروبا جراء الصراع في أوكرانيا بعد حشد جنود الاحتياط الروس، وهو الأول منذ الحرب العالمية الثانية.
دراسة أعمق للقرار
وطالب خبراء الاقتصاد في تونس، بضرورة التريث قبل اتخاذ أي خطوة على مستوى نسبة الفائدة المديرية، مشددين على أن اللجوء الى رفعها مجددا، سيخلف هذه المرة مخاوف جدية، وصفها الخبير الاقتصادي آرام بلحاج في تصريحات إعلامية بمثابة العملية الانتحارية، معتبرا انه من الضروري القيام بدراسة أعمق لأي قرار يتعلق برفع نسبة الفائدة المديرية مستقبلا، خاصة وانه من شأن ذلك، أن يحد من القدرة الشرائية للتونسيين، وأيضا يحد من نشاط المؤسسات التونسية.
بدوره، حذر المدير العام المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم، في تصريح لـ"الصباح"، من فقدان السيطرة على التضخم في تونس بعد ارتفاعه من 8.2٪ خلال شهر جويلية الماضي الى 8.6٪ خلال شهر أوت الماضي ويصل الى مستوى 9.1% ، مشيرا الى أن تدخل البنك المركزي برفع نسبة الفائدة ليس كافيا للسيطرة على التضخم، وعلى جميع الأطراف في الدولة التدخل، ووضع حد لأخطر آفة تهدد الدول وهي"آفة التضخم".
وقال سويلم، انه من الضروري أن تتدخل كافة أجهزة الدولة لكبح جماح التضخم، عبر تحديد سعر البيع أولا، ومراقبة مسالك التوزيع، والعمل في مرحلة ثانية على رفع الدعم عن بعض المواد، التي تستنزف الاحتياطي النقدي للبلاد، مشددا على ضرورة تكاتف جميع الأطراف الفاعلة في الدولة لرسم سياسات عامة جديدة للحد من ارتفاع التضخم في المستقبل القريب.
سياسات البنك المركزي لا تكفي
وأكد المدير العام المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم، أن سياسات البنك المركزي التونسي لوحدها غير كافية للحد من ارتفاع التضخم، والذي خرج عن السيطرة في كافة دول العالم منذ جائحة كوفيد-19، وهناك عديد الدول بدأت تعاني من آفة التضخم، على غرار تركيا والتي نجد فيها نسبة مرتفعة من التضخم، انضمت إليها دول أوروبا منذ اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية، وأيضا الولايات المتحدة الأمريكية.
وأضاف سويلم، أن جميع هذه الدول خيرت بنوكها المركزية اللجوء الى رفع نسبة الفائدة المديرية، في خطوة منها لإعادة التوازن الى اقتصادها، إلا أن ذلك بدا غير كافيا، حيث تشهد هذه الدول اليوم ارتفاعا لافتا في نسب التضخم، الأمر الذي أثر على اقتصادها، وساهم في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية لديها الى أضعاف تكلفتها، لافتا الى ضرورة ان يعمل البنك المركزي بالتنسيق مع الحكومة على وضع حد لارتفاع التضخم في البلاد من خلال الضغط على الأسعار وفق آليات محددة.
ووفق معطيات حديثة نشرها المعهد الوطني للإحصاء (INS) في 6 أفريل 2022 ، فقد أشار الى تسجيل أرقام قياسية لأسعار المستهلك لشهر مارس 2022 ، لافتا الى أن التضخم واصل اتجاهه التصاعدي من خلال الزيادة على أساس سنوي إلى 7.2٪ بعد 7٪ في فيفري و 6.7٪ في جانفي الماضي. ووصل الى 8.6% في أوت الماضي، و9.1% موفى سبتمبر الماضي.
وتزامنا مع تسارع معدلات التضخم عند الاستهلاك، أضافت الحرب الروسية-الأوكرانية، أزمة جديدة، فمعظم أسعارِ المواد الخام التي تُستخدم في صناعةِ كلِ شيء من بناءِ المنازل لصناعةِ القهوة ارتفعت أسعارها بشكل جنوني، وباتت تهدد بأزمة عالمية جديدة اشد وقعا من الأزمة الصحية التي خلفتها جائحة كورونا منذ سنتين.
ركود اقتصادي وامتصاص الأجور
وتزامن ارتفاع التضخم عند الاستهلاك، مع ارتفاع حجم إعادة التمويل من 9.6 مليار دينار في 22 مارس 2022 إلى 11.4 مليار دينار في 4 افريل 2022 ، بزيادة تجاوزت 1.7 مليار دينار، ما رفع من حدة الضغوطات المالية على البنك المركزي، بالإضافة الى اكبر محفز جديد للتضخم وهو ارتفاع أسعار السلع في الأسواق الدولية، وخاصة النفط والحبوب، والتي زادت على التوالي منذ بداية العام لتبلغ نسبة 39.1٪ ، ومن المتوقع أن تظل أسعار النفط والغاز مرتفعة، بينما قد ترتفع أسعار المواد الغذائية أكثر، مع توقعات بتواصل تراجع الدينار التونسي أمام الدولار الأمريكي في أسواق الصرف العالمية، بالإضافة الى تنامي عجز الحساب الجاري الذي بلغ -10.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022، مقارنة مع -6.6 في المائة في عام 2021.
وتشير جل التوقعات الصادرة عن العديد من الخبراء الدوليين وجهات رسمية الى تواصل التضخم في الارتفاع بنهاية عام 2022، وستتجاوز وفق بعض الخبراء حاجز 10٪، وهو مايستدعي من البنك المركزي التونسي، التدخل للحفاظ على استقرار الأسعار ومحاربة التضخم، علما وانه قد قام في الآونة الأخيرة برفع سعر الفائدة الرئيسي الى 7% خلال شهر ماي الماضي، وهو قرار أثار موجة من السخط في الأوساط الاقتصادية، والتي اعتبرت ان الزيادة في نسبة الفائدة المديرية، ستمتص الزيادات في الأجور، مشددين على ان معالجة التضخم بقرار إداري بالرفع لن يعالج الأزمة وسيخلق حالة من الركود الاقتصادي وعدم اليقين ، ما سيؤثر على الاستثمارات مستقبلا، ويهدد النشاط الاقتصادي في البلاد.
النقل والمحروقات يعمقان الأزمة
وأرجع المعهد الوطني للإحصاء ارتفاع وتيرة التضخم "إلى تسارع نسق ارتفاع أسعار مجموعة التغذية والمشروبات لتسجل 13 في المائة في سبتمبر، بعد أن كانت 11.9 في المائة في أوت الماضي، وأسعار السكن والطاقة المنزلية بنسبة 6.4 في المائة في سبتمبر، بعد أن كانت 6.2 في المائة في أوت الماضي".
ولفت المعهد أن جزءا من التضخم الحاصل جاء "نتيجة للتعديل الأخير في أسعار النفط المنزلي وقوارير الغاز، كما ارتفعت أسعار النقل بنسبة 8.3 في المائة في سبتمبر، بعد أن كانت 8.1 في المائة في أوت الماضي بمفعول إدراج التعريفة الجديدة للمحروقات حيّز التطبيق".
وسجلت عديد المواد الاستهلاكية التي يحتاجها المواطن، ارتفاعا مشطا، وذلك بسبب الضعف الذي طال أجهزة الرقابة ومحاولات ردع تجاوزات المحتكرين، وزاد ذلك من معاناة المواطن تزامنا مع تفشي الحائحة الصحية، والتي أدت الى غلاء المعيشة.
ورغم توفر عديد الآليات والقوانين والإجراءات الرادعة للتجاوزات، وتعدد الهياكل المتدخلة في منظومة السوق، إلا أن الوضع أصبح تقريبا خارجا عن سيطرة الدولة، فالأسعار تأخذ منحى تصاعديا، والقدرة الشرائية للتونسيين تنهار يوما بعد يوم، وأصبحت الحكومة أمام حتمية التدخل في أسرع وقت ممكن لتسخير كافة إمكانياتها القانونية واللوجستية والبشرية لإعادة ترشيد الأسعار والحد من عمليات الاحتكار وتعديل السوق.
وأمام هذه الوضعية الحرجة يجد البنك المركزي التونسي نفسه في مواجهة كبح الطلب المحلي لخفض التضخم، مع مواجهة شرسة من بعض القوى السياسية والاجتماعية في البلاد، والتي ترفض قرار الرفع في نسبة الفائدة المديرية مستقبلا، خصوصا وان تداعيات هذا القرار هذه المرة ستكون "كارثية" اجتماعيا في المقام الأول، واقتصاديا في المقام الثاني، فيما ينصح بعض الخبراء الى ضرورة وضع دراسة أعمق لتداعيات الرفع من نسبة الفائدة المديرية مستقبلا ، مشددين على ان الخيار الأفضل في الوقت الراهن محاربة المحتكرين والضغط على الأسعار حتى تعود الى مستوياتها الطبيعية، وهذه الحلول الميدانية اشد نجاعة من الحلول الإدارية.
سفيان المهداوي
* رفع نسبة الفائدة المديرية سيتسبب في انهيار القدرة الشرائية للتونسيين ويحد من نشاط المؤسسات
* مطالب بدراسة أعمق لتداعيات أي قرار محتمل للرفع من نسبة الفائدة المديرية مستقبلا
* المعالجة الميدانية للتضخم أفضل من المعالجة الإدارية في الوقت الراهن
* ارتفاع تكاليف النقل والمحروقات يعمق أزمة "التضخم" في تونس
تونس- الصباح
أعلن البنك المركزي، مساء الأربعاء الماضي، عن رفع نسبة الفائدة الرئيسية بـ25 نقطة أساسية لتصل إلى 7.25 في المائة، وذلك ضمن جهوده المتواصلة لكبح جماح التضخم الذي بلغ مستويات عالية جدا لم تشهدها تونس منذ عقود، خصوصا بعد أن أعلن المعهد الوطني للإحصاء أن نسبة التضخم بلغت موفى الشهر الماضي 9.1% ، الأمر الذي دفع بالبنك المركزي الى اتخاذ جملة من الإجراءات الاستباقية للحد من نزيف اخطر آفة على اقتصاد الدول.
وقال البنك في بيانه إن مجلس إدارته استعرض خلال اجتماعه الأخير التطورات الاقتصادية والمالية، وقرر الترفيع في نسبة الفائدة للبنك المركزي بـ25 نقطة أساسية لتبلغ 7.25 في المائة، كما قرر البنك "الترفيع في نسبتي الإيداع والقرض الهامشي لمدة 24 ساعة لتبلغ 6.25 في المائة و8.25 في المائة على التوالي، مع مواصلة توخي الحيطة في ما يخص التطورات القادمة لنسبة التضخم" ، كما قرر البنك المركزي أيضا "الترفيع في نسبة الفائدة على الادخار بـ25 نقطة أساسية لتبلغ 6.25 في المائة"، وكانت آخر زيادة في سعر الفائدة الرئيسية 75 نقطة أساس، وأقرها البنك المركزي في ماي الماضي، بعد أن لامس التضخم معدل 8%.
ومباشرة اثر قرر البنك المركزي، حذر خبراء الاقتصاد من تداعيات اللجوء الى رفع نسبة الفائدة المديرية من قبل البنك المركزي عقب اجتماع مجلس إدارته، خاصة وان قرار الرفع في نسبة الفائدة المديرية بمعدل 25 نقطة يؤشر لزيادات أخرى قد نشهدها موفى السنة الجارية، وسيؤثر ذلك بشكل لافت على المؤسسات والأفراد على حد سواء، وسيخلق حالة من الركود الاقتصادي طويل الأمد، حسب ما رصدته "الصباح" من أغلب خبراء الاقتصاد، الذين أكدوا مرارا، أن التضخم الذي تعيشه بلادنا، هو تضخم مستورد خلفته جائحة كورونا العالمية والحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة، ما جعل أسعار كافة المواد الأساسية ترتفع عالميا وتصل ارتداداتها الى بلادنا.
وتزامنا مع ارتفاع نسبة التضخم في البلاد الى 9.1% وفق آخر المعطيات الحديثة، شهد الدينار التونسي بدوره تراجعاً قياسياً أمام الدولار الأمريكي، وذلك بعد ان وافق البنك المركزي الأمريكي، الاحتياطي الفيدرالي، موفى الشهر الماضي، على رفع سعر الفائدة بمقدار 0.75 نقطة، لترتفع تكلفة الأموال المودعة قصيرة الأجل، علما وان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، قام برفع سعر الفائدة للمرة الخامسة منذ بداية العام والثالث على التوالي بمقدار 75 نقطة أساس، وهو ما رفع من تكلفة الواردات للبلاد، وهناك مخاوف جدية من استمرار تراجع الدينار التونسي، مجددا أمام الدولار، علما وان التراجع المسجل في أوت الماضي يعد سابقة تاريخية ، ورفع من منسوب الأزمة المالية والاقتصادية في البلاد، وتجاوز اليوم 3.3 دينار تونسي.
وأدى الغزو الروسي على أوكرانيا، الذي أعقب جائحة COVID-19 ، إلى ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة الأمريكية التي وصلت إلى 8.3٪ على أساس سنوي في أوت الماضي، كما رفعت البنوك المركزية لدول الخليج وأوروبا أيضًا أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس، وارتفع مؤشر الدولار بنسبة 0.2٪ إلى مستوى 111.72٪ ، وكان يتدحرج منذ بداية العام ليسجل تحسنا بنسبة 17٪ . وجدير بالذكر أن اليورو انخفض إلى 0.9807 أمام الدولار الأمريكي، وهو أعلى مستوى له في عشرين عاما وسط مخاوف من تدهور الوضع المعيشي في أوروبا جراء الصراع في أوكرانيا بعد حشد جنود الاحتياط الروس، وهو الأول منذ الحرب العالمية الثانية.
دراسة أعمق للقرار
وطالب خبراء الاقتصاد في تونس، بضرورة التريث قبل اتخاذ أي خطوة على مستوى نسبة الفائدة المديرية، مشددين على أن اللجوء الى رفعها مجددا، سيخلف هذه المرة مخاوف جدية، وصفها الخبير الاقتصادي آرام بلحاج في تصريحات إعلامية بمثابة العملية الانتحارية، معتبرا انه من الضروري القيام بدراسة أعمق لأي قرار يتعلق برفع نسبة الفائدة المديرية مستقبلا، خاصة وانه من شأن ذلك، أن يحد من القدرة الشرائية للتونسيين، وأيضا يحد من نشاط المؤسسات التونسية.
بدوره، حذر المدير العام المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم، في تصريح لـ"الصباح"، من فقدان السيطرة على التضخم في تونس بعد ارتفاعه من 8.2٪ خلال شهر جويلية الماضي الى 8.6٪ خلال شهر أوت الماضي ويصل الى مستوى 9.1% ، مشيرا الى أن تدخل البنك المركزي برفع نسبة الفائدة ليس كافيا للسيطرة على التضخم، وعلى جميع الأطراف في الدولة التدخل، ووضع حد لأخطر آفة تهدد الدول وهي"آفة التضخم".
وقال سويلم، انه من الضروري أن تتدخل كافة أجهزة الدولة لكبح جماح التضخم، عبر تحديد سعر البيع أولا، ومراقبة مسالك التوزيع، والعمل في مرحلة ثانية على رفع الدعم عن بعض المواد، التي تستنزف الاحتياطي النقدي للبلاد، مشددا على ضرورة تكاتف جميع الأطراف الفاعلة في الدولة لرسم سياسات عامة جديدة للحد من ارتفاع التضخم في المستقبل القريب.
سياسات البنك المركزي لا تكفي
وأكد المدير العام المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم، أن سياسات البنك المركزي التونسي لوحدها غير كافية للحد من ارتفاع التضخم، والذي خرج عن السيطرة في كافة دول العالم منذ جائحة كوفيد-19، وهناك عديد الدول بدأت تعاني من آفة التضخم، على غرار تركيا والتي نجد فيها نسبة مرتفعة من التضخم، انضمت إليها دول أوروبا منذ اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية، وأيضا الولايات المتحدة الأمريكية.
وأضاف سويلم، أن جميع هذه الدول خيرت بنوكها المركزية اللجوء الى رفع نسبة الفائدة المديرية، في خطوة منها لإعادة التوازن الى اقتصادها، إلا أن ذلك بدا غير كافيا، حيث تشهد هذه الدول اليوم ارتفاعا لافتا في نسب التضخم، الأمر الذي أثر على اقتصادها، وساهم في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية لديها الى أضعاف تكلفتها، لافتا الى ضرورة ان يعمل البنك المركزي بالتنسيق مع الحكومة على وضع حد لارتفاع التضخم في البلاد من خلال الضغط على الأسعار وفق آليات محددة.
ووفق معطيات حديثة نشرها المعهد الوطني للإحصاء (INS) في 6 أفريل 2022 ، فقد أشار الى تسجيل أرقام قياسية لأسعار المستهلك لشهر مارس 2022 ، لافتا الى أن التضخم واصل اتجاهه التصاعدي من خلال الزيادة على أساس سنوي إلى 7.2٪ بعد 7٪ في فيفري و 6.7٪ في جانفي الماضي. ووصل الى 8.6% في أوت الماضي، و9.1% موفى سبتمبر الماضي.
وتزامنا مع تسارع معدلات التضخم عند الاستهلاك، أضافت الحرب الروسية-الأوكرانية، أزمة جديدة، فمعظم أسعارِ المواد الخام التي تُستخدم في صناعةِ كلِ شيء من بناءِ المنازل لصناعةِ القهوة ارتفعت أسعارها بشكل جنوني، وباتت تهدد بأزمة عالمية جديدة اشد وقعا من الأزمة الصحية التي خلفتها جائحة كورونا منذ سنتين.
ركود اقتصادي وامتصاص الأجور
وتزامن ارتفاع التضخم عند الاستهلاك، مع ارتفاع حجم إعادة التمويل من 9.6 مليار دينار في 22 مارس 2022 إلى 11.4 مليار دينار في 4 افريل 2022 ، بزيادة تجاوزت 1.7 مليار دينار، ما رفع من حدة الضغوطات المالية على البنك المركزي، بالإضافة الى اكبر محفز جديد للتضخم وهو ارتفاع أسعار السلع في الأسواق الدولية، وخاصة النفط والحبوب، والتي زادت على التوالي منذ بداية العام لتبلغ نسبة 39.1٪ ، ومن المتوقع أن تظل أسعار النفط والغاز مرتفعة، بينما قد ترتفع أسعار المواد الغذائية أكثر، مع توقعات بتواصل تراجع الدينار التونسي أمام الدولار الأمريكي في أسواق الصرف العالمية، بالإضافة الى تنامي عجز الحساب الجاري الذي بلغ -10.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022، مقارنة مع -6.6 في المائة في عام 2021.
وتشير جل التوقعات الصادرة عن العديد من الخبراء الدوليين وجهات رسمية الى تواصل التضخم في الارتفاع بنهاية عام 2022، وستتجاوز وفق بعض الخبراء حاجز 10٪، وهو مايستدعي من البنك المركزي التونسي، التدخل للحفاظ على استقرار الأسعار ومحاربة التضخم، علما وانه قد قام في الآونة الأخيرة برفع سعر الفائدة الرئيسي الى 7% خلال شهر ماي الماضي، وهو قرار أثار موجة من السخط في الأوساط الاقتصادية، والتي اعتبرت ان الزيادة في نسبة الفائدة المديرية، ستمتص الزيادات في الأجور، مشددين على ان معالجة التضخم بقرار إداري بالرفع لن يعالج الأزمة وسيخلق حالة من الركود الاقتصادي وعدم اليقين ، ما سيؤثر على الاستثمارات مستقبلا، ويهدد النشاط الاقتصادي في البلاد.
النقل والمحروقات يعمقان الأزمة
وأرجع المعهد الوطني للإحصاء ارتفاع وتيرة التضخم "إلى تسارع نسق ارتفاع أسعار مجموعة التغذية والمشروبات لتسجل 13 في المائة في سبتمبر، بعد أن كانت 11.9 في المائة في أوت الماضي، وأسعار السكن والطاقة المنزلية بنسبة 6.4 في المائة في سبتمبر، بعد أن كانت 6.2 في المائة في أوت الماضي".
ولفت المعهد أن جزءا من التضخم الحاصل جاء "نتيجة للتعديل الأخير في أسعار النفط المنزلي وقوارير الغاز، كما ارتفعت أسعار النقل بنسبة 8.3 في المائة في سبتمبر، بعد أن كانت 8.1 في المائة في أوت الماضي بمفعول إدراج التعريفة الجديدة للمحروقات حيّز التطبيق".
وسجلت عديد المواد الاستهلاكية التي يحتاجها المواطن، ارتفاعا مشطا، وذلك بسبب الضعف الذي طال أجهزة الرقابة ومحاولات ردع تجاوزات المحتكرين، وزاد ذلك من معاناة المواطن تزامنا مع تفشي الحائحة الصحية، والتي أدت الى غلاء المعيشة.
ورغم توفر عديد الآليات والقوانين والإجراءات الرادعة للتجاوزات، وتعدد الهياكل المتدخلة في منظومة السوق، إلا أن الوضع أصبح تقريبا خارجا عن سيطرة الدولة، فالأسعار تأخذ منحى تصاعديا، والقدرة الشرائية للتونسيين تنهار يوما بعد يوم، وأصبحت الحكومة أمام حتمية التدخل في أسرع وقت ممكن لتسخير كافة إمكانياتها القانونية واللوجستية والبشرية لإعادة ترشيد الأسعار والحد من عمليات الاحتكار وتعديل السوق.
وأمام هذه الوضعية الحرجة يجد البنك المركزي التونسي نفسه في مواجهة كبح الطلب المحلي لخفض التضخم، مع مواجهة شرسة من بعض القوى السياسية والاجتماعية في البلاد، والتي ترفض قرار الرفع في نسبة الفائدة المديرية مستقبلا، خصوصا وان تداعيات هذا القرار هذه المرة ستكون "كارثية" اجتماعيا في المقام الأول، واقتصاديا في المقام الثاني، فيما ينصح بعض الخبراء الى ضرورة وضع دراسة أعمق لتداعيات الرفع من نسبة الفائدة المديرية مستقبلا ، مشددين على ان الخيار الأفضل في الوقت الراهن محاربة المحتكرين والضغط على الأسعار حتى تعود الى مستوياتها الطبيعية، وهذه الحلول الميدانية اشد نجاعة من الحلول الإدارية.