قبل شهرين ونصف تقريبا عن موعد الانتخابات التشريعية المقررة ليوم 17 ديسمبر المقبل، وبعد أيام قليلة من نشر المرسوم الانتخابي المنظم لشروط الترشح ونظام الاقتراع المعتمد، ما يزال أمام الهيئة المستقلة للانتخابات تحديات وإشكاليات كبيرة من أجل إنجاح هذا الموعد الانتخابي وتنزيل أحكام المريوم الانتخابي حيز التطبيق.
وتعتبر إشكالية التعامل مع شرط الحصول على 400 تزكية لكل مترشح للانتخابات من أكبر الإشكاليات التي قد تعيق لا فقط أداء الهيئة المركزية وفروعها الجهوية، بل أيضا بعض الهياكل الإدارية الأخرى المتداخلة في العملية الانتخابية مثل القضاء الإداري، وذلك بسبب ما ستطرحه النزاعات الانتخابية المتوقعة، وطريقة جمع التزكيات والتثبت في صحتها وإتمام الشروط الأخرى المتصلة بها مثل التعريف بالإمضاء للتزكيات التي تم جمعها، واحترام قاعدة التناصف بين الذكور والإناث، والتثبت من وجود الشباب ضمن قائمة المزكين، فضلا عن إشكاليات مرتبطة بموضوع المال السياسي، وأخرى متصلة بجرائم مخالفة الحملة الانتخابية..
كما ستطرح أمام هيئة الانتخابات إشكاليات متصلة بطريقة التعامل مع الأحزاب السياسية في صورة تقديم مرشحين لها للانتخابات التشريعية، في هذه الحالة عليها الحسم في أمر على غاية من الأهمية صمت عنها المرسوم الانتخابي، ويتعلق بكيفية تعريف المترشح بنفسه وهل يجوز له إصدار بيان انتخابي يحمل شعار حزبه أم لا..؟
ورغم انطلاق الفترة الانتخابية قبل أيام، والتي يحجر خلالها مجموعة من الأعمال والأفعال مثل منع الإشهار السياسي ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة او غير مباشرة بالانتخابات والدراسات والتعاليق الصحفية المتعلقة بها عبر مختلف وسائل الإعلام.. ما يزال أمام هيئة الانتخابات مهمة الحسم في موضوع شروط ومعايير مراقبة الحملة الانتخابية على وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أن المرسوم الانتخابي الجديد لم يتعرض إلى دور هيئة الاتصال السمعي البصري في مجال مراقبة الحملة الانتخابية عكس القانون الانتخابي السابق.
وفي هذه الحالة ينتظر أن تعمل هيئة الانتخابات على إصدار قرار ترتيبي، ربما بعد التنسيق مع "الهايكا"، لتوضيح دور الهيئتان في هذا المجال على غرار ما حصل خلال الفترة الانتخابية السابقة للاستفتاء..
يذكر أن رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، النوري اللجمي، كان قد أكد أن المرسوم الانتخابي لم يتعرض الى مسألة مراقبة الحملة الانتخابية من طرف وسائل الإعلام وطريقة عمل الهيئة، لكنه أوضح أنه ومع ذلك فإن الهيئة بصدد "مناقشة التغييرات الممكنة وفق المرسوم الجديد".
وأضاف اللجمي في تصريح سابق لـ"وات"، أن نظام الاقتراع قد تغيّر في المرسوم الانتخابي الجديد ومعه تتغير العديد من الأحكام والإجراءات، ومن المؤكد أن يؤثر ذلك على طريقة عمل الهيئة ومنهجيتها خلال الانتخابات مبينا أن مجلس الهيئة سيخوض في هذه المسائل خلال الأيام القادمة.
يذكر أنه تم نشر المرسوم الانتخابي عدد 55 المتعلق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء يوم 15 سبتمبر 2022 وهو ينص بالخصوص على اعتماد نظام الاقتراع على الأفراد في دورتين وعلى تقسيم الدوائر إلى 161 دائرة انتخابية بمقعد وحيد الى جانب التنصيص على مبدأ سحب الوكالة من النائب.
ويتضمن المرسوم الانتخابي العديد من النقاط التي تفرض توضيحات على مستوى مراقبة الحملة الانتخابية خاصة بعد إلغاء التمويل العمومي للمترشحين والاكتفاء بالتمويل الذاتي وكذلك السماح للأحزاب بالمشاركة في هذه الانتخابات التي يقوم نظام الاقتراع فيها على الأفراد.
وفي إشارة إلى الإشكاليات التي قد يثيرها موضوع الطعون المتعلقة بالنزاعات الانتخابية مثل التزكيات، قال مندوب دولة عام بالمحكمة الإدارية، منير العربي، خلال ندوة نظمها مرصد شاهد مؤخرا حول "الانتخابات التشريعية في ضوء المرسومين 45 و55"، أن "هناك انطباع سلبي حول المرسوم الانتخابي"، واعتبر أن "الجانب النزاعي في المرسوم سيعقد كثيرا إجراءات التقاضي والطعون على مستوى الشكل وكذلك عند البت في أصل الطعون التي ستكون عديدة وفق توقعات الجميع".
ولفت القاضي إلى "صعوبة النظام الإجرائي للطعن الانتخابي"، في المرسوم عدد 55 مشيرا إلى وجود "عدم وضوح على مستوى الاختصاص القضائي في نزاع الترشحات للانتخابات التشريعية القادمة، على اعتبار أن هذا المرسوم أسند اختصاص النظر ابتدائيا للدوائر الجهوية للمحكمة الإدارية، لكنه أهمل اختصاص النظر في نزاعات الترشح في العاصمة التي تجمع ولايات تونس الكبرى ولم يحدد أي دائرة ابتدائية سيتم الطعن لديها في هذه الولايات".
وبيُن أن المرسوم أضاف اختصاصات جديدة، على غرار النزاع المتعلق بسحب الوكالة في الفرع المتعلق بالطعن في قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، مشيرا إلى مسألة أخرى متعلقة بإضافة مفهوم "المترشح"، لأن الانتخاب على الأفراد يوجب إعطاء الصفة في الطعن للمترشح.
وأوضح في هذا الصدد أن المرسوم 55 أدخل تنقيحات على القانون الأساسي للانتخابات، بتغيير المترشح، من رئيس القائمة أو ممثلها القانوني، إلى الفرد، مشيرا إلى "وجود ضغط للآجال بصفة كبيرة وحصرها في 19 يوما فقط، بالنسبة إلى نزاعات الترشح للانتخابات التشريعية القادمة وهي آجال قصيرة جدا ولا يمكن للمترشحين إعداد عرائضهم ومؤيداتهم، إلى جانب عدم التنصيص على إلزامهم بإنابة محام، مما يجعلهم عرضة لارتكاب الأخطاء وبالتالي رفض هذه القضايا شكلا".
وقال إن هذه المسائل "تُطرح كذلك في مسألة سد الشغور وسحب الوكالة، وهي إشكاليات إجرائية ولكن الأهم هو أن هذه العوائق ستجعل نظر القاضي الإداري في الأصل ضعيفا، كما أن أغلب الاعتراضات سترفض شكلا ولا يتجاوزها القاضي الانتخابي للنظر في الأصل، وحتى القضايا التي تحظى بالقبول، من ناحية الشكل، فان نظر القاضي فيها، في الأصل، سيكون صعبا وستكون مهمة القاضي الانتخابي، شبه مستحيلة، في علاقة بإصدار أحكام جيدة وعادلة، بعد استيفاء كل البيانات والمؤيدات".
واعتبر أن العرائض "ستكون مُشبعة ببعد سياسي، كبير جدا وأن القاضي الإداري يريد أن يكون بمنأى عن هذه السجالات السياسية وبالتالي فإنه يسعى إلى البقاء عند المسائل الشكلية فقط"، مضيفا أن ذلك "لن يساهم في تحقيق العدالة الانتخابية".
رفيق
تونس- الصباح
قبل شهرين ونصف تقريبا عن موعد الانتخابات التشريعية المقررة ليوم 17 ديسمبر المقبل، وبعد أيام قليلة من نشر المرسوم الانتخابي المنظم لشروط الترشح ونظام الاقتراع المعتمد، ما يزال أمام الهيئة المستقلة للانتخابات تحديات وإشكاليات كبيرة من أجل إنجاح هذا الموعد الانتخابي وتنزيل أحكام المريوم الانتخابي حيز التطبيق.
وتعتبر إشكالية التعامل مع شرط الحصول على 400 تزكية لكل مترشح للانتخابات من أكبر الإشكاليات التي قد تعيق لا فقط أداء الهيئة المركزية وفروعها الجهوية، بل أيضا بعض الهياكل الإدارية الأخرى المتداخلة في العملية الانتخابية مثل القضاء الإداري، وذلك بسبب ما ستطرحه النزاعات الانتخابية المتوقعة، وطريقة جمع التزكيات والتثبت في صحتها وإتمام الشروط الأخرى المتصلة بها مثل التعريف بالإمضاء للتزكيات التي تم جمعها، واحترام قاعدة التناصف بين الذكور والإناث، والتثبت من وجود الشباب ضمن قائمة المزكين، فضلا عن إشكاليات مرتبطة بموضوع المال السياسي، وأخرى متصلة بجرائم مخالفة الحملة الانتخابية..
كما ستطرح أمام هيئة الانتخابات إشكاليات متصلة بطريقة التعامل مع الأحزاب السياسية في صورة تقديم مرشحين لها للانتخابات التشريعية، في هذه الحالة عليها الحسم في أمر على غاية من الأهمية صمت عنها المرسوم الانتخابي، ويتعلق بكيفية تعريف المترشح بنفسه وهل يجوز له إصدار بيان انتخابي يحمل شعار حزبه أم لا..؟
ورغم انطلاق الفترة الانتخابية قبل أيام، والتي يحجر خلالها مجموعة من الأعمال والأفعال مثل منع الإشهار السياسي ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة او غير مباشرة بالانتخابات والدراسات والتعاليق الصحفية المتعلقة بها عبر مختلف وسائل الإعلام.. ما يزال أمام هيئة الانتخابات مهمة الحسم في موضوع شروط ومعايير مراقبة الحملة الانتخابية على وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أن المرسوم الانتخابي الجديد لم يتعرض إلى دور هيئة الاتصال السمعي البصري في مجال مراقبة الحملة الانتخابية عكس القانون الانتخابي السابق.
وفي هذه الحالة ينتظر أن تعمل هيئة الانتخابات على إصدار قرار ترتيبي، ربما بعد التنسيق مع "الهايكا"، لتوضيح دور الهيئتان في هذا المجال على غرار ما حصل خلال الفترة الانتخابية السابقة للاستفتاء..
يذكر أن رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، النوري اللجمي، كان قد أكد أن المرسوم الانتخابي لم يتعرض الى مسألة مراقبة الحملة الانتخابية من طرف وسائل الإعلام وطريقة عمل الهيئة، لكنه أوضح أنه ومع ذلك فإن الهيئة بصدد "مناقشة التغييرات الممكنة وفق المرسوم الجديد".
وأضاف اللجمي في تصريح سابق لـ"وات"، أن نظام الاقتراع قد تغيّر في المرسوم الانتخابي الجديد ومعه تتغير العديد من الأحكام والإجراءات، ومن المؤكد أن يؤثر ذلك على طريقة عمل الهيئة ومنهجيتها خلال الانتخابات مبينا أن مجلس الهيئة سيخوض في هذه المسائل خلال الأيام القادمة.
يذكر أنه تم نشر المرسوم الانتخابي عدد 55 المتعلق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء يوم 15 سبتمبر 2022 وهو ينص بالخصوص على اعتماد نظام الاقتراع على الأفراد في دورتين وعلى تقسيم الدوائر إلى 161 دائرة انتخابية بمقعد وحيد الى جانب التنصيص على مبدأ سحب الوكالة من النائب.
ويتضمن المرسوم الانتخابي العديد من النقاط التي تفرض توضيحات على مستوى مراقبة الحملة الانتخابية خاصة بعد إلغاء التمويل العمومي للمترشحين والاكتفاء بالتمويل الذاتي وكذلك السماح للأحزاب بالمشاركة في هذه الانتخابات التي يقوم نظام الاقتراع فيها على الأفراد.
وفي إشارة إلى الإشكاليات التي قد يثيرها موضوع الطعون المتعلقة بالنزاعات الانتخابية مثل التزكيات، قال مندوب دولة عام بالمحكمة الإدارية، منير العربي، خلال ندوة نظمها مرصد شاهد مؤخرا حول "الانتخابات التشريعية في ضوء المرسومين 45 و55"، أن "هناك انطباع سلبي حول المرسوم الانتخابي"، واعتبر أن "الجانب النزاعي في المرسوم سيعقد كثيرا إجراءات التقاضي والطعون على مستوى الشكل وكذلك عند البت في أصل الطعون التي ستكون عديدة وفق توقعات الجميع".
ولفت القاضي إلى "صعوبة النظام الإجرائي للطعن الانتخابي"، في المرسوم عدد 55 مشيرا إلى وجود "عدم وضوح على مستوى الاختصاص القضائي في نزاع الترشحات للانتخابات التشريعية القادمة، على اعتبار أن هذا المرسوم أسند اختصاص النظر ابتدائيا للدوائر الجهوية للمحكمة الإدارية، لكنه أهمل اختصاص النظر في نزاعات الترشح في العاصمة التي تجمع ولايات تونس الكبرى ولم يحدد أي دائرة ابتدائية سيتم الطعن لديها في هذه الولايات".
وبيُن أن المرسوم أضاف اختصاصات جديدة، على غرار النزاع المتعلق بسحب الوكالة في الفرع المتعلق بالطعن في قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، مشيرا إلى مسألة أخرى متعلقة بإضافة مفهوم "المترشح"، لأن الانتخاب على الأفراد يوجب إعطاء الصفة في الطعن للمترشح.
وأوضح في هذا الصدد أن المرسوم 55 أدخل تنقيحات على القانون الأساسي للانتخابات، بتغيير المترشح، من رئيس القائمة أو ممثلها القانوني، إلى الفرد، مشيرا إلى "وجود ضغط للآجال بصفة كبيرة وحصرها في 19 يوما فقط، بالنسبة إلى نزاعات الترشح للانتخابات التشريعية القادمة وهي آجال قصيرة جدا ولا يمكن للمترشحين إعداد عرائضهم ومؤيداتهم، إلى جانب عدم التنصيص على إلزامهم بإنابة محام، مما يجعلهم عرضة لارتكاب الأخطاء وبالتالي رفض هذه القضايا شكلا".
وقال إن هذه المسائل "تُطرح كذلك في مسألة سد الشغور وسحب الوكالة، وهي إشكاليات إجرائية ولكن الأهم هو أن هذه العوائق ستجعل نظر القاضي الإداري في الأصل ضعيفا، كما أن أغلب الاعتراضات سترفض شكلا ولا يتجاوزها القاضي الانتخابي للنظر في الأصل، وحتى القضايا التي تحظى بالقبول، من ناحية الشكل، فان نظر القاضي فيها، في الأصل، سيكون صعبا وستكون مهمة القاضي الانتخابي، شبه مستحيلة، في علاقة بإصدار أحكام جيدة وعادلة، بعد استيفاء كل البيانات والمؤيدات".
واعتبر أن العرائض "ستكون مُشبعة ببعد سياسي، كبير جدا وأن القاضي الإداري يريد أن يكون بمنأى عن هذه السجالات السياسية وبالتالي فإنه يسعى إلى البقاء عند المسائل الشكلية فقط"، مضيفا أن ذلك "لن يساهم في تحقيق العدالة الانتخابية".