إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

سالم لبيض لـ"الصباح": القانون الانتخابي مسقط.. وعلى الرئيس أن يدعو إلى انتخابات رئاسية سابقة لأوانها..

 

تونس – الصباح

أكد وزير التربية الأسبق سالم لبيض أن القانون الانتخابي الجديد مسقط على الحياة السياسية في تونس لأن صياغته تمت بخلفية انفرادية لم تراع الحقائق السوسيولوجية في تطور الحياة العامة، مضيفا في حواره لـ"الصباح" انه على الأحزاب ان تدعو الى تغيير هذا القانون الانتخابي والا ستهين نفسها بالمشاركة في العملية الانتخابية القادمة.

واعتبر لبيض ان العديد من الافراد الذين يدعمون رئيس الدولة يمارسون العمل الحزبي السري.

كما اعتبر ان الرئيس يلتقي المنظمات الوطنية من موقع الضرورة، كما ان السلطة غير قادرة على كشف حيثيات ملف التسفير لانها لا تتعامل معه بجدية.

أجرت الحوار: جهاد الكلبوسي

*في البداية، كيف تعلّق على القانون الانتخابي الجديد؟

القانون الانتخابي وكل النصوص القانونية والدستورية التي وضعت بعد 25 جويلية 2021 التي لم يشارك في وضعها أي كان من المعنيين بها سواء كان من عامة الشعب أو من الأجسام الوسيطة والنخب الفكرية (الأحزاب السياسية وجمعيات ومنظمات المجتمعين المدني والإعلامي-الاتصالي)، وهذا الأمر ينسحب على أسئلة الاستشارة الوطنية التي لقيت مقاطعة واسعة ولم يشارك فيها سوى 5 بالمائة، المرسوم 117 بوصفة نظاما مؤقتا للسلط العمومية مازال جاريا به العمل إلى اليوم، دستور 25 جويلية 2022 الذي صيغ بشكل فردي في مكان لا يعلمه إلا رئيس الجمهورية ولم يتم التداول في شأنه وفُرض على التونسيين فرضا غير مسبوق بواسطة استفتاء لم تراقبه جهة محايدة وتم إقراره رغم سطحيته وضعف بنائه وتناقضاته الداخلية وروح الأنا العالية جدا المعصومة من الخطأ المعفية من التقييم والمراقبة والمحاسبة التي حكمته، هذا دون الدخول في تفاصيل مراسيم أخرى مثل قوانين الصلح الجزائي، ومقاومة الاحتكار، والشركات الأهلية التي لم تخضع فقط لمنطق الشراكة واستشارة أهل الذكر في المجالات المذكورة من المختصين والخبراء وأهل المهنة وإنما تم نشرها في صيغ وصياغات طوباوية غير قابلة للتطبيق والممارسة ما سيجعلها قوانين مهجورة قبل إدخالها طور التجربة.

ولذلك جاء القانون الانتخابي مسقطا على الحياة السياسية في تونس وتمت صياغته بخلفية انفرادية لم تراع فيها الحقائق السوسيولوجية في تطور الحياة العامة.

*ما هي أبرز نقاط ضعف القانون الانتخابي؟

بعد تقييم وتدقيق ومقارنة في ما يتعلق بالتنقيحات التي أدخلت على القانون الانتخابي لسنة 2014، يمكن الجزم أن هذا المرسوم أو القانون في صيغته الجديدة يعد نصا متخلفا على مقتضيات المدنية بالمعنى الحضاري وعلى مقتضيات الحداثة السياسية، حاملا في طياته جرثومة الفساد السياسي.

تكمن مظاهر تخلف هذا القانون في انه يعود بنا الى الفرد بوصفه الحقيقة والجوهر في حد ذاته، والحال أن الدراسات التاريخية القديمة منذ أن وضع ابن خلدون مقدمته وحتى قبله بقرون أقرت أن الإنسان مدني بالضرورة ومدنيته تترجمها العلاقات الجماعية والاجتماعية التي لا يمكنه العيش دونها.

 *لكن كان متوقعا أن يقطع الرئيس من خلال هذا القانون مع فكرة الحزب؟

البشر عبر تاريخهم الطويل السياسي وغير السياسي أبدعوا أشكالا متعددة للتنظم السياسي والتسيير وإدارة شؤونهم العامة ومنها الأحزاب والتنظيمات السياسية الضاربة في القدم ولا تعود إلى القرن التاسع عشر كما يعتقد البعض فقد أثبتت الدراسات أن التنظيمات والجماعات المنظمة التي تستهدف الحكم كان يعجّ بها المجتمع العربي منذ مطلع القرن الثاني للهجرة وأغلبها أو جلها يشتغل في السرية ويلعب دور معارضة الحكام، إلا أن هذا القانون الانتخابي الجديد يعود بنا الى الفرد ويلغي فكرة الحزب، بل يدعو إلى الانتظام على أساس القرابة وروابط الدم لذلك سيحتمي الفرد مستقبلا بقبيلته أو عشيرته لتحقيق أهداف سياسية بدل استنجاده بالحزب، فهو لا يستطيع أن يقوم بحملة انتخابية لوحده ما سيضطرّه الى الاستنجاد بأقربائه لدعمه ونصرته على منافسيه وخصومه.

القانون الانتخابي الجديد يقصي المرأة، وفي نفس الوقت يستعملها وسيلة لجمع التزكيات، في انتخابات الأرضية فيها معدّة لفوز الرجل، فهو لم يتضمن أي ضمانات قانونية في مجتمع له ميول وسلطة أبوية بترياركالية وهيمنة ذكورية، فهو ينسف كل الحقوق السياسية التي تحصلت عليها المرأة التونسية بواسطة نضالات دامت أكثر من ستين سنة، وبذلك سيعيد هذا القانون الوضع السياسي للمرأة إلى النقطة صفر في مستوى التمثيلية الشعبية والبرلمانية.

   

*هناك مشكل منع التمويل العمومي، هل تعتقد أن هذا القانون سيفتح الباب مرة أخرى للفساد السياسي؟

من الناحية المالية يمنع القانون الانتخابي الجديد التمويل العمومي وهذه سابقة في التاريخ السياسي للدول، حيث انه لحماية العملية السياسة والانتخابية فان التشريعات في مختلف الدول تقرّ التمويل العمومي للمترشحين، لكن هذا القانون يستبدل ذلك بالتمويل الخاص فهو يقوم بخصخصة السياسة والانتخابات وكذلك المترشحين الذين سيجدون أنفسهم خاضعين للعرض والطلب مرتهنين لأصحاب المال والأعمال، لقد وضع هذا القانون السياسة والبرلمان تحت سلطة رأسمال بطريقة لم تعرفها في تونس تاريخها وسيتحول النواب خدما مطيعين لمصالح الخاصة لأصحاب النفوذ المالي أو أن رجال الأعمال سيستحيلون نوابا في البرلمان القادم. القانون الانتخابي جاء متميزا في تحويل السياسة إلى سوق بدلا من جعلها قيمة في حدّ ذاتها تقوم على مبدأ خدمة الآخرين.

 * هناك أحزاب أعلنت مقاطعتها الانتخابات التشريعية، هل أنت مع هذا الخيار؟

القانون الانتخابي يستبطن نزعة اتهامية تنمّ عن وجود عطب في التفكير والأصل هو أن تعمل الأحزاب السياسية في تونس على تغيير هذا القانون، وإلا ستكون قد أهانت نفسها إن هي قبلت المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة بالصيغة الحالية للقانون الانتخابي فهذا القانون ينفي عنها حقها في الوجود ولا يعترف بها ولا يذكرها إلا عرضا.

وأظن أن رئيس الدولة متأثر بمجالس تشريعية قديمة مثل المجلس الأكبر الوارد في دستور 1861 وأعيد إنتاجه في الفترة الاستعمارية سنة 1922 وهو عبارة عن مجلس لأصحاب الوجاهة وشيوخ الدين ورؤساء القبائل والعشائر الذين ترضى عنهم السلطات الفرنسية آنذاك.

*حسب رأيك كيف سيكون المشهد البرلماني القادم؟

سيكون برلمانا صوريا خاليا من الكفاءات القانونية والسياسية وستقاطعه النخب في كافة المجالات لأن القانون الانتخابي وكذلك الدستور صيغا بطريقة إقصائية تمنع الكفاءات الوطنية من الترشح، ولن تكون له صفة تقريرية، فالنصوص القانونية ومختلف التشريعيات تأتي جاهزة مسبقا من رئاسة الجمهورية والبرلمان وظيفته المصادقة عليها أما إذا سقطت بعض القوانين فمصير المجلس التشريعي هو الحلّ.

بالنسبة للداعمين لرئيس الدولة فهم يمارسون نوعا من السرية الحزبية لأنهم يقومون بحملات انتخابية سرية مثل التنسيقيات التي قدمت مترشحين في بعض الجهات بشكل سري.

*قلت إنه على رئيس الدولة القيام بتعبئة داخلية، لو تفسر لنا ذلك؟

الأزمات وخاصة منها الاقتصادية لا تواجه إلا عبر التعبئة الداخلية والإجماع الوطني، لكن الرئيس له مقاربة مختلفة تقوم على الحكم الفردي المدعوم من عامة الناس، لكن هذا الدعم بدأ يتآكل فقد حظي قيس سعيد بما يشبه الإجماع سنة 2019 ثم انفضت من حوله أغلب النخب السياسية والمدنية واليوم يتخلى العامة عن دعم الرئيس لما حلّ بهم من ضيق وجوع في حياتهم اليومية.

*ما هو تقييمك لعمل الحكومة الحالية؟

رئيسة الحكومة الحالية كسبت شرعيتها بوصفها أول امرأة تتولى المنصب فقد استفادت من مقاربة النوع الاجتماعي وبعد سنة من تشكيل الحكومة تبيّن أن الجندرية في حدّ ذاتها ليست عنوان نجاح سياسي فالحكم له قوانين وقواعد ومعارف لم تتوفر في الحكومة الحالية. هي حكومة بدون برنامج تنفذ التزامات حكومات سابقة لا أكثر وتقدّم ولاءات الطاعة لصندوق النقد الدولي الحاكم الحقيقي وصاحب البرنامج الوحيد في تونس. وقد أبدت هذه الحكومة عجزا لا مثيل له في إدارة أزمة فقدان المواد وليس لها مخططات تنموية وتشغيلية ويدها طليقة لا تخضع لأي رقابة ولو أن مثل هذه الحكومة شُكّلت قبل 25 جويلية 2021 لتم إسقاطها بعد أشهر قليلة.

في العشر سنوات الفارطة رغم هيمنة حزب حركة النهضة على الحكم فإن جلّ الأطراف السياسية بمختلف مشاربها شاركت في العملية السياسية وكانت جزءا من الحكم وحتى رئيس الدولة نفسه هو جزء من هذه التجربة وأصبح رئيس دولة في ظل المناخ السياسي الذي حكم تونس طيلة الفترة الماضية.

*هل تعتقد أن الرئيس قد يتصالح مستقبلا مع فكرة الحزب ويمضي في مصالحة مع الأحزاب قبل الانتخابات التشريعية؟

الرئيس لن يعود الى الفكرة الحزبية التي يعتبرها فاسدة وكل مشروعه الذي تحدث عنه يقوم على التصدي لفكرة الحزب حتى انه بعد 25 جويلية 2021 صدرت بعض القرارات التي تمنع المتحزبين والمسيسين من تولي مناصب عليا في الدولة إلا من كان ضمن أوفياء الرئيس وتنسيقياته ومفسّريه.

كما انه من الأفضل ان يعلن الرئيس سعيد عن انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، فقد فاز بالرئاسة وفق شروط دستور 2014 والمطلوب اليوم أن يحكم وفق أحكام دستوره الجديد وهذا لا يتم إلا عبر تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها ويترشح من جديد وهذا الطبيعي لتأكيد مشروعيته وتأكيد شرعيته.

*كيف تقرأ موقف الاتحاد العام التونسي للشغل من الوضع العام للبلاد؟

الاتحاد العام التونسي للشغل ومختلف المنظمات الوطنية كلها أجسام وسطية وبالنسبة لرئيس الدولة، في المقابل فإن "فلسفة" الرئيس في الحكم خالية من المنظمات الوسيطة التي يجب أن تندثر ولم يعد هناك مكان للوساطة بين السلطة والشعب، فهذه العلاقة يجب ان تكون مباشرة دون وسائط ووسطاء، لكن هذا لا يلغي وجود وسائط سرية للرئيس وهي التنسيقيات.

وحتى علاقته ببعض الأحزاب الداعمة له تتم بشكل سري ولاحظنا في أكثر من مرة كيف يلتقي الرئيس سعيد قيادات حزبية دون أن تعلن الرئاسة عن تلك اللقاءات أو تنشر الصور على صفحات الرئاسة على السوشل-ميديا، وكأن لقاءات الأحزاب مع الرئيس هي أنواع من الخطيئة ومجلبة للعار فالرئيس لم يظهر مع أي قيادي حزبي بصفة رسمية منذ 25 جويلية 2021.

أما بالنسبة للمنظمات الوطنية فسعيد يستقبلها من موقع الضرورة بعد طول جفاء وقطيعة.

*لماذا فتح ملف شبكات التسفير إلى بؤر القتال في هذا الوقت؟

أعتقد أن ملف التسفير لا يتم التعامل معه بشكل جدي من قبل الدولة التونسية مثله مثل ملف الاغتيالات السياسية ولو كان التعامل جديا لكانت الدولة فتحت الملف بطريقة سياسية وتم تجميع النادلة وضبط الأطراف المتورطة، وبعد ذلك يتم تحويل الأمر الى القضاء، لكن السلطة انطلقت من شكوى تقدمت بها نائبة سابقة تتمثل في توجيه تهمة لطرف سياسي وهي حركة النهضة وعدد من قياداتها، لذلك اعتقد أن السلطة الحالية تتعامل بشكل برغماتي مع هذا الملف الذي يقع تحريكه من حين الى آخر لإدارة أزمات اقتصادية وسياسية معينة وهنا تنتفي الجدية.

*هل تعتقد أن الدولة التونسية قادرة على كشف حقيقة شبكات التسفير ومن يقف وراءاها؟

السلطة غير قادرة على كشف حيثيات ملف التسفير لعدة أسباب من بينها أن الملف تتداخل فيه أكثر من 120 دولة تم استقطاب رعاياها من قبل داعش وهناك أدوار وبصمات أجهزة استخباراتية لدول عديدة.

وهناك تقرير هام جدا وضعته الأمم المتحدة سنة 2019 بعنوان "المقاتلون الإرهابيون الأجانب" كشف عن جملة من المعطيات الدقيقة حول قضية التسفير وهذا التقرير منشور في 92 صفحة على موقع الأمم المتحدة ويحتوي نفس الموقع أسماء إرهابيين كثر من تونس ومن غيرها ما قد يساعد في تتبع الملف.

كما أن قاعدة بيانات الانتربول الخاصة بتنظيم داعش سجلت 53 ألف اسم شملت معلومات تم تجميعها من مختلف ساحات القتال بسوريا والعراق وتعدّ تونس الدولة الأولى حيث يوجد أكثر من 6 آلاف تونسي في سوريا والعراق.

وفي نفس الإطار توجد دراسة صدرت عن معهد واشنطن حول المقاتلين التونسيين في سوريا تكشف عن وجود 27 ألف شخص تم منعهم من الذهاب الى سوريا.

والمقاتلون الذين عادوا من جبهات القتال في سوريا 927 شخصا حسب تقرير الأمم المتحدة والدراسة المنشورة على موقع واشنطن في 34 صفحة باللغة الإنقليزية مع ملخص بالعربية.

يفترض أن القرار الذي ذهب بموجبه المقاتلون التونسيون الى سوريا والعراق هو قرار دولة.

اعتقد أن الدولة التونسية وأجهزتها من خلال التعاون مع أجهزة الاستخبارات الدولية وجهاز الأنتربول ومن خلال تجميع المعطيات من العائدين من جبهات القتال يمكنها ان تكشف عن المسؤولين على التمويل والتعبئة والأطراف السياسية المورطة في هذه القضية فتقرير الأمم المتحدة يشير إلى أن عملية التجنيد الواحدة تتراوح بين 3000 و10000 دولار للفرد الواحد والدليل المالي هو من أفضل الأدلة في الكشف عن الحقيقة.

سالم لبيض لـ"الصباح": القانون الانتخابي مسقط.. وعلى الرئيس أن يدعو إلى انتخابات رئاسية سابقة لأوانها..

 

تونس – الصباح

أكد وزير التربية الأسبق سالم لبيض أن القانون الانتخابي الجديد مسقط على الحياة السياسية في تونس لأن صياغته تمت بخلفية انفرادية لم تراع الحقائق السوسيولوجية في تطور الحياة العامة، مضيفا في حواره لـ"الصباح" انه على الأحزاب ان تدعو الى تغيير هذا القانون الانتخابي والا ستهين نفسها بالمشاركة في العملية الانتخابية القادمة.

واعتبر لبيض ان العديد من الافراد الذين يدعمون رئيس الدولة يمارسون العمل الحزبي السري.

كما اعتبر ان الرئيس يلتقي المنظمات الوطنية من موقع الضرورة، كما ان السلطة غير قادرة على كشف حيثيات ملف التسفير لانها لا تتعامل معه بجدية.

أجرت الحوار: جهاد الكلبوسي

*في البداية، كيف تعلّق على القانون الانتخابي الجديد؟

القانون الانتخابي وكل النصوص القانونية والدستورية التي وضعت بعد 25 جويلية 2021 التي لم يشارك في وضعها أي كان من المعنيين بها سواء كان من عامة الشعب أو من الأجسام الوسيطة والنخب الفكرية (الأحزاب السياسية وجمعيات ومنظمات المجتمعين المدني والإعلامي-الاتصالي)، وهذا الأمر ينسحب على أسئلة الاستشارة الوطنية التي لقيت مقاطعة واسعة ولم يشارك فيها سوى 5 بالمائة، المرسوم 117 بوصفة نظاما مؤقتا للسلط العمومية مازال جاريا به العمل إلى اليوم، دستور 25 جويلية 2022 الذي صيغ بشكل فردي في مكان لا يعلمه إلا رئيس الجمهورية ولم يتم التداول في شأنه وفُرض على التونسيين فرضا غير مسبوق بواسطة استفتاء لم تراقبه جهة محايدة وتم إقراره رغم سطحيته وضعف بنائه وتناقضاته الداخلية وروح الأنا العالية جدا المعصومة من الخطأ المعفية من التقييم والمراقبة والمحاسبة التي حكمته، هذا دون الدخول في تفاصيل مراسيم أخرى مثل قوانين الصلح الجزائي، ومقاومة الاحتكار، والشركات الأهلية التي لم تخضع فقط لمنطق الشراكة واستشارة أهل الذكر في المجالات المذكورة من المختصين والخبراء وأهل المهنة وإنما تم نشرها في صيغ وصياغات طوباوية غير قابلة للتطبيق والممارسة ما سيجعلها قوانين مهجورة قبل إدخالها طور التجربة.

ولذلك جاء القانون الانتخابي مسقطا على الحياة السياسية في تونس وتمت صياغته بخلفية انفرادية لم تراع فيها الحقائق السوسيولوجية في تطور الحياة العامة.

*ما هي أبرز نقاط ضعف القانون الانتخابي؟

بعد تقييم وتدقيق ومقارنة في ما يتعلق بالتنقيحات التي أدخلت على القانون الانتخابي لسنة 2014، يمكن الجزم أن هذا المرسوم أو القانون في صيغته الجديدة يعد نصا متخلفا على مقتضيات المدنية بالمعنى الحضاري وعلى مقتضيات الحداثة السياسية، حاملا في طياته جرثومة الفساد السياسي.

تكمن مظاهر تخلف هذا القانون في انه يعود بنا الى الفرد بوصفه الحقيقة والجوهر في حد ذاته، والحال أن الدراسات التاريخية القديمة منذ أن وضع ابن خلدون مقدمته وحتى قبله بقرون أقرت أن الإنسان مدني بالضرورة ومدنيته تترجمها العلاقات الجماعية والاجتماعية التي لا يمكنه العيش دونها.

 *لكن كان متوقعا أن يقطع الرئيس من خلال هذا القانون مع فكرة الحزب؟

البشر عبر تاريخهم الطويل السياسي وغير السياسي أبدعوا أشكالا متعددة للتنظم السياسي والتسيير وإدارة شؤونهم العامة ومنها الأحزاب والتنظيمات السياسية الضاربة في القدم ولا تعود إلى القرن التاسع عشر كما يعتقد البعض فقد أثبتت الدراسات أن التنظيمات والجماعات المنظمة التي تستهدف الحكم كان يعجّ بها المجتمع العربي منذ مطلع القرن الثاني للهجرة وأغلبها أو جلها يشتغل في السرية ويلعب دور معارضة الحكام، إلا أن هذا القانون الانتخابي الجديد يعود بنا الى الفرد ويلغي فكرة الحزب، بل يدعو إلى الانتظام على أساس القرابة وروابط الدم لذلك سيحتمي الفرد مستقبلا بقبيلته أو عشيرته لتحقيق أهداف سياسية بدل استنجاده بالحزب، فهو لا يستطيع أن يقوم بحملة انتخابية لوحده ما سيضطرّه الى الاستنجاد بأقربائه لدعمه ونصرته على منافسيه وخصومه.

القانون الانتخابي الجديد يقصي المرأة، وفي نفس الوقت يستعملها وسيلة لجمع التزكيات، في انتخابات الأرضية فيها معدّة لفوز الرجل، فهو لم يتضمن أي ضمانات قانونية في مجتمع له ميول وسلطة أبوية بترياركالية وهيمنة ذكورية، فهو ينسف كل الحقوق السياسية التي تحصلت عليها المرأة التونسية بواسطة نضالات دامت أكثر من ستين سنة، وبذلك سيعيد هذا القانون الوضع السياسي للمرأة إلى النقطة صفر في مستوى التمثيلية الشعبية والبرلمانية.

   

*هناك مشكل منع التمويل العمومي، هل تعتقد أن هذا القانون سيفتح الباب مرة أخرى للفساد السياسي؟

من الناحية المالية يمنع القانون الانتخابي الجديد التمويل العمومي وهذه سابقة في التاريخ السياسي للدول، حيث انه لحماية العملية السياسة والانتخابية فان التشريعات في مختلف الدول تقرّ التمويل العمومي للمترشحين، لكن هذا القانون يستبدل ذلك بالتمويل الخاص فهو يقوم بخصخصة السياسة والانتخابات وكذلك المترشحين الذين سيجدون أنفسهم خاضعين للعرض والطلب مرتهنين لأصحاب المال والأعمال، لقد وضع هذا القانون السياسة والبرلمان تحت سلطة رأسمال بطريقة لم تعرفها في تونس تاريخها وسيتحول النواب خدما مطيعين لمصالح الخاصة لأصحاب النفوذ المالي أو أن رجال الأعمال سيستحيلون نوابا في البرلمان القادم. القانون الانتخابي جاء متميزا في تحويل السياسة إلى سوق بدلا من جعلها قيمة في حدّ ذاتها تقوم على مبدأ خدمة الآخرين.

 * هناك أحزاب أعلنت مقاطعتها الانتخابات التشريعية، هل أنت مع هذا الخيار؟

القانون الانتخابي يستبطن نزعة اتهامية تنمّ عن وجود عطب في التفكير والأصل هو أن تعمل الأحزاب السياسية في تونس على تغيير هذا القانون، وإلا ستكون قد أهانت نفسها إن هي قبلت المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة بالصيغة الحالية للقانون الانتخابي فهذا القانون ينفي عنها حقها في الوجود ولا يعترف بها ولا يذكرها إلا عرضا.

وأظن أن رئيس الدولة متأثر بمجالس تشريعية قديمة مثل المجلس الأكبر الوارد في دستور 1861 وأعيد إنتاجه في الفترة الاستعمارية سنة 1922 وهو عبارة عن مجلس لأصحاب الوجاهة وشيوخ الدين ورؤساء القبائل والعشائر الذين ترضى عنهم السلطات الفرنسية آنذاك.

*حسب رأيك كيف سيكون المشهد البرلماني القادم؟

سيكون برلمانا صوريا خاليا من الكفاءات القانونية والسياسية وستقاطعه النخب في كافة المجالات لأن القانون الانتخابي وكذلك الدستور صيغا بطريقة إقصائية تمنع الكفاءات الوطنية من الترشح، ولن تكون له صفة تقريرية، فالنصوص القانونية ومختلف التشريعيات تأتي جاهزة مسبقا من رئاسة الجمهورية والبرلمان وظيفته المصادقة عليها أما إذا سقطت بعض القوانين فمصير المجلس التشريعي هو الحلّ.

بالنسبة للداعمين لرئيس الدولة فهم يمارسون نوعا من السرية الحزبية لأنهم يقومون بحملات انتخابية سرية مثل التنسيقيات التي قدمت مترشحين في بعض الجهات بشكل سري.

*قلت إنه على رئيس الدولة القيام بتعبئة داخلية، لو تفسر لنا ذلك؟

الأزمات وخاصة منها الاقتصادية لا تواجه إلا عبر التعبئة الداخلية والإجماع الوطني، لكن الرئيس له مقاربة مختلفة تقوم على الحكم الفردي المدعوم من عامة الناس، لكن هذا الدعم بدأ يتآكل فقد حظي قيس سعيد بما يشبه الإجماع سنة 2019 ثم انفضت من حوله أغلب النخب السياسية والمدنية واليوم يتخلى العامة عن دعم الرئيس لما حلّ بهم من ضيق وجوع في حياتهم اليومية.

*ما هو تقييمك لعمل الحكومة الحالية؟

رئيسة الحكومة الحالية كسبت شرعيتها بوصفها أول امرأة تتولى المنصب فقد استفادت من مقاربة النوع الاجتماعي وبعد سنة من تشكيل الحكومة تبيّن أن الجندرية في حدّ ذاتها ليست عنوان نجاح سياسي فالحكم له قوانين وقواعد ومعارف لم تتوفر في الحكومة الحالية. هي حكومة بدون برنامج تنفذ التزامات حكومات سابقة لا أكثر وتقدّم ولاءات الطاعة لصندوق النقد الدولي الحاكم الحقيقي وصاحب البرنامج الوحيد في تونس. وقد أبدت هذه الحكومة عجزا لا مثيل له في إدارة أزمة فقدان المواد وليس لها مخططات تنموية وتشغيلية ويدها طليقة لا تخضع لأي رقابة ولو أن مثل هذه الحكومة شُكّلت قبل 25 جويلية 2021 لتم إسقاطها بعد أشهر قليلة.

في العشر سنوات الفارطة رغم هيمنة حزب حركة النهضة على الحكم فإن جلّ الأطراف السياسية بمختلف مشاربها شاركت في العملية السياسية وكانت جزءا من الحكم وحتى رئيس الدولة نفسه هو جزء من هذه التجربة وأصبح رئيس دولة في ظل المناخ السياسي الذي حكم تونس طيلة الفترة الماضية.

*هل تعتقد أن الرئيس قد يتصالح مستقبلا مع فكرة الحزب ويمضي في مصالحة مع الأحزاب قبل الانتخابات التشريعية؟

الرئيس لن يعود الى الفكرة الحزبية التي يعتبرها فاسدة وكل مشروعه الذي تحدث عنه يقوم على التصدي لفكرة الحزب حتى انه بعد 25 جويلية 2021 صدرت بعض القرارات التي تمنع المتحزبين والمسيسين من تولي مناصب عليا في الدولة إلا من كان ضمن أوفياء الرئيس وتنسيقياته ومفسّريه.

كما انه من الأفضل ان يعلن الرئيس سعيد عن انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، فقد فاز بالرئاسة وفق شروط دستور 2014 والمطلوب اليوم أن يحكم وفق أحكام دستوره الجديد وهذا لا يتم إلا عبر تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها ويترشح من جديد وهذا الطبيعي لتأكيد مشروعيته وتأكيد شرعيته.

*كيف تقرأ موقف الاتحاد العام التونسي للشغل من الوضع العام للبلاد؟

الاتحاد العام التونسي للشغل ومختلف المنظمات الوطنية كلها أجسام وسطية وبالنسبة لرئيس الدولة، في المقابل فإن "فلسفة" الرئيس في الحكم خالية من المنظمات الوسيطة التي يجب أن تندثر ولم يعد هناك مكان للوساطة بين السلطة والشعب، فهذه العلاقة يجب ان تكون مباشرة دون وسائط ووسطاء، لكن هذا لا يلغي وجود وسائط سرية للرئيس وهي التنسيقيات.

وحتى علاقته ببعض الأحزاب الداعمة له تتم بشكل سري ولاحظنا في أكثر من مرة كيف يلتقي الرئيس سعيد قيادات حزبية دون أن تعلن الرئاسة عن تلك اللقاءات أو تنشر الصور على صفحات الرئاسة على السوشل-ميديا، وكأن لقاءات الأحزاب مع الرئيس هي أنواع من الخطيئة ومجلبة للعار فالرئيس لم يظهر مع أي قيادي حزبي بصفة رسمية منذ 25 جويلية 2021.

أما بالنسبة للمنظمات الوطنية فسعيد يستقبلها من موقع الضرورة بعد طول جفاء وقطيعة.

*لماذا فتح ملف شبكات التسفير إلى بؤر القتال في هذا الوقت؟

أعتقد أن ملف التسفير لا يتم التعامل معه بشكل جدي من قبل الدولة التونسية مثله مثل ملف الاغتيالات السياسية ولو كان التعامل جديا لكانت الدولة فتحت الملف بطريقة سياسية وتم تجميع النادلة وضبط الأطراف المتورطة، وبعد ذلك يتم تحويل الأمر الى القضاء، لكن السلطة انطلقت من شكوى تقدمت بها نائبة سابقة تتمثل في توجيه تهمة لطرف سياسي وهي حركة النهضة وعدد من قياداتها، لذلك اعتقد أن السلطة الحالية تتعامل بشكل برغماتي مع هذا الملف الذي يقع تحريكه من حين الى آخر لإدارة أزمات اقتصادية وسياسية معينة وهنا تنتفي الجدية.

*هل تعتقد أن الدولة التونسية قادرة على كشف حقيقة شبكات التسفير ومن يقف وراءاها؟

السلطة غير قادرة على كشف حيثيات ملف التسفير لعدة أسباب من بينها أن الملف تتداخل فيه أكثر من 120 دولة تم استقطاب رعاياها من قبل داعش وهناك أدوار وبصمات أجهزة استخباراتية لدول عديدة.

وهناك تقرير هام جدا وضعته الأمم المتحدة سنة 2019 بعنوان "المقاتلون الإرهابيون الأجانب" كشف عن جملة من المعطيات الدقيقة حول قضية التسفير وهذا التقرير منشور في 92 صفحة على موقع الأمم المتحدة ويحتوي نفس الموقع أسماء إرهابيين كثر من تونس ومن غيرها ما قد يساعد في تتبع الملف.

كما أن قاعدة بيانات الانتربول الخاصة بتنظيم داعش سجلت 53 ألف اسم شملت معلومات تم تجميعها من مختلف ساحات القتال بسوريا والعراق وتعدّ تونس الدولة الأولى حيث يوجد أكثر من 6 آلاف تونسي في سوريا والعراق.

وفي نفس الإطار توجد دراسة صدرت عن معهد واشنطن حول المقاتلين التونسيين في سوريا تكشف عن وجود 27 ألف شخص تم منعهم من الذهاب الى سوريا.

والمقاتلون الذين عادوا من جبهات القتال في سوريا 927 شخصا حسب تقرير الأمم المتحدة والدراسة المنشورة على موقع واشنطن في 34 صفحة باللغة الإنقليزية مع ملخص بالعربية.

يفترض أن القرار الذي ذهب بموجبه المقاتلون التونسيون الى سوريا والعراق هو قرار دولة.

اعتقد أن الدولة التونسية وأجهزتها من خلال التعاون مع أجهزة الاستخبارات الدولية وجهاز الأنتربول ومن خلال تجميع المعطيات من العائدين من جبهات القتال يمكنها ان تكشف عن المسؤولين على التمويل والتعبئة والأطراف السياسية المورطة في هذه القضية فتقرير الأمم المتحدة يشير إلى أن عملية التجنيد الواحدة تتراوح بين 3000 و10000 دولار للفرد الواحد والدليل المالي هو من أفضل الأدلة في الكشف عن الحقيقة.