بقلم:مصدّق الشّريف
منذ أسابيع وصلت إلى حد الشهور وكافة الشعب التونسي يعيش على وقع الأخبار والأنباء التي تأتيه حول المفاوضات الجارية بين الحكومة والإتحاد العام التونسي للشغل وكذلك اتحاد الصناعة والتجارة... هذه الاجتماعات التي تراوح تارة مكانها وتونس تارة أخرى كمقياس الحرارة لا تعرف الاستقرار، فهي تتباين تباينا كبيرا في وجهات النظر بين الحكومة والمنظمتين مرّة وتتقارب وجهات النظر في شأنها مرّة أخرى ثم تعود بين ساعة وأخرى إلى نقطة البداية. ومما زاد في تعقد الوصول إلى حلول ترضي كل الأطراف ما تعيشه بلادنا من غلاء أسعار وغياب شبه تام للمواد الغذائية الأساسية في السوق. وهو لعمري وضع لم تشهده البلاد حتى قبل اندلاع انتفاضة 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011.
وفي رأينا أنه مهما تكن النتائج التي ستسفر عنها المفاوضات والاجتماعات الماراثونية بين الشريكين الاجتماعيين والحكومة، والتي وصلت إلى ساعات متأخرة من الليل، إلى جانب تدخل رئيس الجمهورية على الخط، وبقطع النظر عن الزيادة في الأجور أيّا تكن، فالأمر لا يعدو أن يكون حلاّ ترقيعيّا وأن يمثل سياسة لذرّ الرماد على العيون. وسيظل الشعب التونسي بعماله بالساعد والفكر يعيش على مر السنوات القادمة تجربة "سيزيف" بين الصعود والنزول لا يعرف للراحة والطمأنينة سبيلا في وضعه المادي ولا في وضعه المعنوي.
إن شعبنا الذي بلغ به الصبر منتهاه من كثرة المعاناة اليومية التي يعيشها في سبيل تأمين قوت أبنائه ودوائهم وتعليمهم لا يريد ولا يرضى بهذا التمشي وبمثل هذه المفاوضات التي جربها فعانى من تبعاتها الويل على مر العقود. إن شعبنا لا يريد الزيادة في الأجور بعد الحصول على القروض بفوائض مجحفة سيدفعها هو وأبناؤه غالية لتسديد الأجور في كل شهر. إنه يريدها من ماله الذي نهبته عصابات السراق والمجرمين طيلة عقود وذلك باستعادتها إلى خزينة الدولة. إن شعبنا لا يريد كذلك الزيوت والسكر والحليب وغيرها من المواد الأساسية التي ستعمل الدولة على استيرادها. إنه يريدها من إنتاج بلاده ومحاصيلها وخيراتها، فهي موجودة وبكثرة تغطي كل مستحقاته وزيادة، ولكنها في أيادي الأباطرة والسماسرة والمتنفذين لا بالقول في الاقتصاد الموازي، بل المتنفذين، متى سمينا الأشياء بأسمائها، في الاقتصاد الاجرامي الذي لا يفتأ يأكل قوت الشعب ويتركه مهددا بالمجاعة ورهين احتكار السلع. إن شعبنا لا يريد الاستثمار في مشاريع فلاحية وصناعية وغيرها من أموال الصناديق النهابة التي تتحكم في مصيره وسيادة بلاده، بل يريده من ماله الخاص الذي يأتيه من أموال الضرائب والجباية إن قامت الدولة بدورها وتصدّت للفارين والهاربين من الخلاص وتسديد ما علق بهم من ديون. إن شعبنا يريد مياه بلاده التي كان من الطبيعي أن تكون مخزونة وفي متناوله كلما استحقها هذا إن وقعت العناية بالسدود ولم تهمل بطرق تبعث على الغبن والآلام الكثيرة.
إنّ الجماهير الشعبية التي علّقت آمالا على 25 جويلية 2021 لم يكن لديها في الحسبان أن حلّ مشاكلها والتخفيف من معاناتها سيكونان عبر الزيادات في الأجور أو الاقتراض من هنا وهناك الأمر الذي سيرهق البلاد أكثر فأكثر في الآجل والعاجل من السنوات. وحتى لا نكون شهود زور ومن الذين يغطون عين الشمس بالغربال ويزينون الأوضاع ويحاولون زركشة ما فسد وتعفن بضروب من الكذب والبهتان والحلول التلفيقية فإنه لابد أن تقوم ثورة جذرية على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية بدءا من الآن قبل أن يعيد الشعب خروجه إلى الشارع الكرة، ثم الكرة، ثم الكرة حتى يصل إلى التوجه السليم والقويم الذي يؤدي به إلى تحقيق النصر الحقيقي والذي لا تشوبه مغالطات وترضيات ظرفية لأنها ستكون كالزبد سرعان ما يذهب جفاء.