أولا، المنظمة الشغيلة قدمت فعليا قراءتها لوثيقة الإصلاحات الحكومية وهي قراءة تتضمن جملة من المقترحات مثل "المنع الفوري لازدواجية العمل" و"إطلاق حوار من أجل اصلاح عميق للوظيفة العمومية وتحديثها" مع "الالتزام على مدى ثلاث سنوات بالحفاظ على تطور كتلة الأجور عند مستوى أقل من نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي ويساوي على الأقل نسبة التضخم محافظ على القدرة الشرائية وإعادة توزيع الموظفين العموميين ومنح استقلالية الميزانية لبعض الهياكل التي لم تعد تستمد دخلها من الميزانية العامة للدولة ومراجعة الإصلاح الضريبي"، وهنا من الواضحأن مقترحات المنظمة الشغيلة تتسم بالمعقولة كما تقدم فعليا حلولا في سياق الأزمة الراهنة ومقابل ذلك لا تبدو حكومة "نجلاء بودن" متحمسة للتفاعل مع تلك المقترحات، وهي حكومة مصرة على المضي على الالتزام بالبرنامج الذي اقترحته على صندوق النقد الدولي، ولا شك في راينا أنها– أي الحكومة- إذا لم تبادر الى التفاعل الإيجابي مع المطالب الاجتماعية للمنظمة الشغيلة ومع مقترحاتها لشكل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي فان ذلك لن يُفضي الا الى تعميق الأزمة أكثر بين الاتحاد وحكومة بودن وستكون هناك كلفة اجتماعية كبيرة جدابل وعلى كل الأصعدة ولعل أحداث دوار هيشر وتعليقات المواطنين اليومية في المقاهي وفي المحلات التجارية والتعليقات على الشبكات الاجتماعية توحي بالكثير الكثير...
ثانيا، هناك أزمة في البلاد لها أوجه سياسية كما لها أوجه اجتماعية واقتصادية ومالية بل أن الانقلاب نفسه قام على هدف تمرير الإصلاحات الاقتصادية ومن بينها تمرير الإجراءات المؤلمة الثلاث (رفع الدعم عن السلع الأساسية والوقود-تجميد الأجور في القطاعين الخاص والعام -بيع الكثير من المؤسسات الوطنية وخاصة تلك التي تعرف بعض الصعوبات)، والواضح أنه بعد أكثر من 13 شهرا على انقلاب 25-07 فإن الحقيقة على الأرض أن السلع الأساسية غير متوفرة وتكاد تكون مفقودةبينما الأسعار لم تعد تطاقكما لم تعد هناك أي إجراءات اجتماعية تحمي ضعاف الحال كما أن نسب البطالة والتضخم في ارتفاع غير مسبوقبينما يؤكد المختصين أن الاستثمار الأجنبي جد متعثر بل هو في حالة تراجع رغم النجاح النسبي لقمة تيكاد8 والتي اشترط اليابانيون موافقة البنك الدولي لتفعيل توصياتها ومقرراتها...
ثالثا حكومة بودن يعرف الجميع أنها تعدل جزئيا او كليا وفي كل الحالات هي اليوم أمام حتمية قانون مالية تعديلي كما ستجد نفسها أمام حتمية ثانية هي البحث عن موارد لميزانية 2023 خاصة بعد تغير الفرضيات التي بُني عليها ذلك القانون وخاصة في ظل التأخير المسجل في توقيع الاتفاق مع صندوق النقد هذا من جهة بينما من جهة ثانية لا يختلف اثنان أن السياق السياسي غير مشجع لمعالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية حيث لا تزال محاولات تغيير موازين القوى قائمة ومستمرة بهدف إعادة تشكيل المشهد السياسي -وهو مشهد هيمنت عليه صراعات الشرعية والمشروعية والتي تتعلق أساسا بإدارة المرحلة الاستثنائية وبالاستفتاء وبتوجه رئاسية الجمهورية الى صياغة قانون انتخابي دون نقاش واسع مع خصومها- ....
رابعا،الفرضيات كثيرة ومتعددة وهي اليوم كلها واردة سياسيا (تأخير الانتخابات/إنجازها – قانون انتخابي يتضمن عولا سياسيا لكثيرين/قانون جامع توافق) كما ان العلاقة بين "الاتحاد" والحكومة مفتوحة على كل الخيارات وخاصة بعد التعليق اثر الاستئناف الثاني للحوار والجلسات بين الطرفين وهناك عدم تماه بين مؤسسة الرئاسة ومربعات القصبة الإدارية والاستشارية وخاصة في ظل وجود وزراء يعتبرون أنفسهم أكبر من الحكومة نفسهاحيث لهم مطامح كثيرة ومتضاربة، كما ان التضارب على القانون الانتخابي والدعوات الصادرة عن الدول السبع الى الحوار والتوافق السياسي انتهى عمليا بجعل مؤسسة "الرئاسة"جد معزولة ذلك أن حزامها السياسي اليوم - بعد قفز البعض من مربع منظومة 25-07 – وبالتالي فهو حزام ضعيف ولا يمكن لها لاحقا أن تؤمن نسخته السابقة متى احتاجته فعليا وهي حاجة ماسة من جهة أخرى والهدف طبعا هو وعيها كمؤسسة جامعة للقوى الصلبة وللصلاحيات بخطورة الأزمة الاجتماعية والتي يجمع كثيرون أنها قد تتطور لتكون "انفجارا" (المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حذر منها بشكل جدي)، وكل ما سبق يعني أنه لا حل لتونس الا بمسارعة كل مكوناتها للبحث عن مخرج آمن لها من أزمتها وذلك غير ممكن موضوعيا طالما أن الجميع مستمر في مكانه ويرفض ان يتقدم خطوة نحو عقلنة العملية السياسية حتى يمكن فعليا في الأخير من تجنب "الانفجار" الاجتماعي - واي انفجار انه مكلف جدا من حيث الاثمان والعواقب والتداعيات لسنوات قادمة- ولا حل للتجنب الا في جمع كل الأطراف السياسية والاجتماعية على طاولة واحدة وهي فكرة كان الرئيس الحالي قد قدمها للرئيس المرزوقي سنة 2013...
(*) كاتب ومحلل سياسي
(انتهى)
بقلم:علي اللافي(*)
** "الانفجار" الاجتماعي أم نزع فتيل الأزمة؟
أولا، المنظمة الشغيلة قدمت فعليا قراءتها لوثيقة الإصلاحات الحكومية وهي قراءة تتضمن جملة من المقترحات مثل "المنع الفوري لازدواجية العمل" و"إطلاق حوار من أجل اصلاح عميق للوظيفة العمومية وتحديثها" مع "الالتزام على مدى ثلاث سنوات بالحفاظ على تطور كتلة الأجور عند مستوى أقل من نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي ويساوي على الأقل نسبة التضخم محافظ على القدرة الشرائية وإعادة توزيع الموظفين العموميين ومنح استقلالية الميزانية لبعض الهياكل التي لم تعد تستمد دخلها من الميزانية العامة للدولة ومراجعة الإصلاح الضريبي"، وهنا من الواضحأن مقترحات المنظمة الشغيلة تتسم بالمعقولة كما تقدم فعليا حلولا في سياق الأزمة الراهنة ومقابل ذلك لا تبدو حكومة "نجلاء بودن" متحمسة للتفاعل مع تلك المقترحات، وهي حكومة مصرة على المضي على الالتزام بالبرنامج الذي اقترحته على صندوق النقد الدولي، ولا شك في راينا أنها– أي الحكومة- إذا لم تبادر الى التفاعل الإيجابي مع المطالب الاجتماعية للمنظمة الشغيلة ومع مقترحاتها لشكل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي فان ذلك لن يُفضي الا الى تعميق الأزمة أكثر بين الاتحاد وحكومة بودن وستكون هناك كلفة اجتماعية كبيرة جدابل وعلى كل الأصعدة ولعل أحداث دوار هيشر وتعليقات المواطنين اليومية في المقاهي وفي المحلات التجارية والتعليقات على الشبكات الاجتماعية توحي بالكثير الكثير...
ثانيا، هناك أزمة في البلاد لها أوجه سياسية كما لها أوجه اجتماعية واقتصادية ومالية بل أن الانقلاب نفسه قام على هدف تمرير الإصلاحات الاقتصادية ومن بينها تمرير الإجراءات المؤلمة الثلاث (رفع الدعم عن السلع الأساسية والوقود-تجميد الأجور في القطاعين الخاص والعام -بيع الكثير من المؤسسات الوطنية وخاصة تلك التي تعرف بعض الصعوبات)، والواضح أنه بعد أكثر من 13 شهرا على انقلاب 25-07 فإن الحقيقة على الأرض أن السلع الأساسية غير متوفرة وتكاد تكون مفقودةبينما الأسعار لم تعد تطاقكما لم تعد هناك أي إجراءات اجتماعية تحمي ضعاف الحال كما أن نسب البطالة والتضخم في ارتفاع غير مسبوقبينما يؤكد المختصين أن الاستثمار الأجنبي جد متعثر بل هو في حالة تراجع رغم النجاح النسبي لقمة تيكاد8 والتي اشترط اليابانيون موافقة البنك الدولي لتفعيل توصياتها ومقرراتها...
ثالثا حكومة بودن يعرف الجميع أنها تعدل جزئيا او كليا وفي كل الحالات هي اليوم أمام حتمية قانون مالية تعديلي كما ستجد نفسها أمام حتمية ثانية هي البحث عن موارد لميزانية 2023 خاصة بعد تغير الفرضيات التي بُني عليها ذلك القانون وخاصة في ظل التأخير المسجل في توقيع الاتفاق مع صندوق النقد هذا من جهة بينما من جهة ثانية لا يختلف اثنان أن السياق السياسي غير مشجع لمعالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية حيث لا تزال محاولات تغيير موازين القوى قائمة ومستمرة بهدف إعادة تشكيل المشهد السياسي -وهو مشهد هيمنت عليه صراعات الشرعية والمشروعية والتي تتعلق أساسا بإدارة المرحلة الاستثنائية وبالاستفتاء وبتوجه رئاسية الجمهورية الى صياغة قانون انتخابي دون نقاش واسع مع خصومها- ....
رابعا،الفرضيات كثيرة ومتعددة وهي اليوم كلها واردة سياسيا (تأخير الانتخابات/إنجازها – قانون انتخابي يتضمن عولا سياسيا لكثيرين/قانون جامع توافق) كما ان العلاقة بين "الاتحاد" والحكومة مفتوحة على كل الخيارات وخاصة بعد التعليق اثر الاستئناف الثاني للحوار والجلسات بين الطرفين وهناك عدم تماه بين مؤسسة الرئاسة ومربعات القصبة الإدارية والاستشارية وخاصة في ظل وجود وزراء يعتبرون أنفسهم أكبر من الحكومة نفسهاحيث لهم مطامح كثيرة ومتضاربة، كما ان التضارب على القانون الانتخابي والدعوات الصادرة عن الدول السبع الى الحوار والتوافق السياسي انتهى عمليا بجعل مؤسسة "الرئاسة"جد معزولة ذلك أن حزامها السياسي اليوم - بعد قفز البعض من مربع منظومة 25-07 – وبالتالي فهو حزام ضعيف ولا يمكن لها لاحقا أن تؤمن نسخته السابقة متى احتاجته فعليا وهي حاجة ماسة من جهة أخرى والهدف طبعا هو وعيها كمؤسسة جامعة للقوى الصلبة وللصلاحيات بخطورة الأزمة الاجتماعية والتي يجمع كثيرون أنها قد تتطور لتكون "انفجارا" (المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حذر منها بشكل جدي)، وكل ما سبق يعني أنه لا حل لتونس الا بمسارعة كل مكوناتها للبحث عن مخرج آمن لها من أزمتها وذلك غير ممكن موضوعيا طالما أن الجميع مستمر في مكانه ويرفض ان يتقدم خطوة نحو عقلنة العملية السياسية حتى يمكن فعليا في الأخير من تجنب "الانفجار" الاجتماعي - واي انفجار انه مكلف جدا من حيث الاثمان والعواقب والتداعيات لسنوات قادمة- ولا حل للتجنب الا في جمع كل الأطراف السياسية والاجتماعية على طاولة واحدة وهي فكرة كان الرئيس الحالي قد قدمها للرئيس المرزوقي سنة 2013...