تشتد الأزمة الاجتماعية وتخنق المواطنين في كل تفاصيل حياتهم اليومية مع تدهور كبير في المقدرة الشرائية وانقطاعات متواصلة لمواد استهلاكية أساسية..، كل ذلك مع تسجيل متواصل لانتشار مظاهر الفقر والحاجة وتزايد طوابير العاطلين عن العمل وتزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين في ما يشبه رحلات الفرار الجماعي التي تنتهي إما بالوصول إلى الشواطئ الإيطالية أو الغرق والموت في عرض البحر.
وإذا كانت هذه أبرز عناوين الوضع الاجتماعي المتردي والمرتبط بالأساس بوضع اقتصادي منهار، فان الرواية الرسمية بدت غير منسجمة في أغلبها مع الواقع ومنفصلة عنه..، فرئيس الجمهورية لا يهتم من خلال كل تصريحاته وتدخلاته وانجازاته بعد سنة من إعلان إجراءات 25 جويلية، كثيرا بالجانب الاقتصادي والاجتماعي، وما عدا قرار الشركات الأهلية التي يمكن أن تمتص نسب البطالة المرتفعة، فانه إلى اليوم لا تبدو هناك سياسية اجتماعية واقتصادية واضحة المعالم وبأهداف محددة ووفق جدول زمني محدد..
وتبقى البطالة أصل كل الشرور الاجتماعية وأصل كل الأزمات والمشاكل، ولكن اللافت هو التصريحات المتفائلة للحكومة والتي يجمع أغلب المختصين والخبراء أنها لا تبدو منطقية ومنسجمة مع الواقع، فمنذ أسابيع قليلة قال الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير التشغيل والتكوين المهني نصر الدين نصيبي، إن "نسبة البطالة تراجعت من 18.7% في أكتوبر الماضي إلى 16% مع بداية شهر أوت..، ولكن هذا التراجع المهم الذي أوردته الأرقام المعلنة من الحكومة لا يبدو محسوسا في الواقع، حيث لم يقع الإعلان عن انطلاق مشاريع استثمارية كبرى وذات طاقة تشغيلية كبيرة يمكن أن تقلّص في نسب البطالة بنقطتين بما يعني تشغيل آلاف العاطلين وهو ما لم يحصل على أرض الواقع وربما ذلك ما جعل هذه الأرقام التي أعلنتها الحكومة محل تشكيك.
بالإضافة إلى أن هناك تضاربا في الأرقام أحيانا، ففي آخر مرة أكد معهد الإحصاء إن نسبة البطالة في تونس تراجعت خلال الربع الثاني من السنة الحالية إلى 15.3% مقابل 16.1% خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية، حيث قدر عدد العاطلين من العمل إلى حدود نهاية جوان بـ626.1 ألف عاطل مقابل 653.2 ألف عاطل عن العمل في الربع الأول من السنة. كما يذكر المعهد أن نسبة البطالة لدى الذكور تراجعت بـ 0,2 نقطة خلال الربع الأول من السنة الحالية، لتبلغ 14,1 بالمائة في حين انخفضت بـ 0,4 بالمائة في صفوف الإناث لتبلغ 20,9 بالمائة.
وبالتالي حتى وإن انخفضت النسبة إلى 15 بالمائة فإنها تبقى نسبة مرتفعة وتتطلب حلولا عاجلة وهذه الحلول لن تكون أبدا في غياب مشاريع استثمارية كبرى قادرة على استيعاب آلاف العاطلين عن المختلف المجالات.
المؤسسات الصغرى والمتوسطة تنازع
لعبت المؤسسات الصغرى والمتوسطة في الاقتصاديات الناشئة والتي تعيش تطلعات نمو مهمة، دورا كبيرا في دعم الاقتصاديات الوطنية وفي استيعاب العاطلين وتوفير مواطن شغل ولكن المؤسسات الصغرى والمتوسطة تعيش منذ سنوات وضعا صعبا وعمقت جائحة كورونا أزماتها حيث قال مؤخرا رئيس الجامعة التونسية للحرفيين والمؤسسات الصغرى والمتوسطة زياد العمري، أن المؤسسات الصغرى والمتوسطة تمر بفترة حرجة بسبب التدهور المالي الذي أدى إلى دفع 465 ألف مؤسسة، أي ما يعادل نصفها، إلى حافة الإفلاس. كما أحيل 165 ألف عامل على البطالة وقد تراجع رقم المعاملات لهذه المؤسسات بنحو 80 في المائة وأغلقت 11 بالمائة منها نهائيا أي ما يعادل 78 ألف مؤسسة بالإضافة إلى ارتفاع المديونية الكبير الذي تعاني منه المؤسسات المتبقية..، ورغم هذه الوضعية الكارثية لم تضع وزارة الصناعة خطة إنقاذ واضحة لهذه المؤسسات حتى تحد من خسائر الاقتصاد الوطني وحتى تقلّص من حجم البطالة.
وفي الوقت الذي تعاني منه هذه المؤسسات من تدهور معاملاتها وتغرق في المديونية أصدر رئيس الجمهورية قيس سعيد في مارس الماضي مرسوما ينظم الشركات الأهلية التي يكون فيها المساهمون من سكان المنطقة وتتوفر فيهم صفة الناخب في الانتخابات البلدية.
وتم تصنيف هذه الشركات الأهلية ضمن خانة الشخصية المعنوية التي يتم إحداثها من طرف أهالي جهة أو منطقة معيّنة وتعمل على تأسيس العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات من خلال ممارسة جماعية للنشاط الاقتصادي، بحسب ما جاء في الفصل الثاني من المرسوم الرئاسي الخاص بتأسيس الشركات الأهلية، وهي تهدف إلى تحقيق التنمية ومن بين الامتيازات التي تتمتع بها هذه الشركات، إلى جانب الإعفاء الضريبي لمدة عشر سنوات التصرف في الأراضي واستغلالها لصالح المشاريع الفلاحية والإنتاج الغذائي.. ويرى الداعمون لفكرة الشركات الأهلية أن هذه الشركات خاصة في المجال الفلاحي يمكن أن تدعم هذا القطاع الحيوي وتعيد إلى الأراضي المهملة قيمتها وتوفر مواطن شغل لآلاف الشباب الراغب في الاستثمار بوجود تشجيع كامل من الدولة، ويرى أيضا بعض المختصين والخبراء في الاقتصاد أن هذه الشركات يمكن أن تسهم في خفض البطالة المرتفعة ولكن إلى اليوم وبعد أشهر من صدور المرسوم المنظم للشركات الأهلية فانه إلى لم يقع تنفيذ هذا المشروع على أرض الواقع.
لتبقى بذلك مشكلة البطالة مشكلة هزمت كل الأفكار التقليدية والمتعارف عليها، وبات الأمر يقتضي خطط عمل جديدة وأفكار مبتكرة وإلا فإننا نبقى ندور في حلق فارغة لا شيء فيها إلا البطالة والفقر وتدهور المقدرة الشرائية للتونسيين.
منية العرفاوي
تونس- الصباح
تشتد الأزمة الاجتماعية وتخنق المواطنين في كل تفاصيل حياتهم اليومية مع تدهور كبير في المقدرة الشرائية وانقطاعات متواصلة لمواد استهلاكية أساسية..، كل ذلك مع تسجيل متواصل لانتشار مظاهر الفقر والحاجة وتزايد طوابير العاطلين عن العمل وتزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين في ما يشبه رحلات الفرار الجماعي التي تنتهي إما بالوصول إلى الشواطئ الإيطالية أو الغرق والموت في عرض البحر.
وإذا كانت هذه أبرز عناوين الوضع الاجتماعي المتردي والمرتبط بالأساس بوضع اقتصادي منهار، فان الرواية الرسمية بدت غير منسجمة في أغلبها مع الواقع ومنفصلة عنه..، فرئيس الجمهورية لا يهتم من خلال كل تصريحاته وتدخلاته وانجازاته بعد سنة من إعلان إجراءات 25 جويلية، كثيرا بالجانب الاقتصادي والاجتماعي، وما عدا قرار الشركات الأهلية التي يمكن أن تمتص نسب البطالة المرتفعة، فانه إلى اليوم لا تبدو هناك سياسية اجتماعية واقتصادية واضحة المعالم وبأهداف محددة ووفق جدول زمني محدد..
وتبقى البطالة أصل كل الشرور الاجتماعية وأصل كل الأزمات والمشاكل، ولكن اللافت هو التصريحات المتفائلة للحكومة والتي يجمع أغلب المختصين والخبراء أنها لا تبدو منطقية ومنسجمة مع الواقع، فمنذ أسابيع قليلة قال الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير التشغيل والتكوين المهني نصر الدين نصيبي، إن "نسبة البطالة تراجعت من 18.7% في أكتوبر الماضي إلى 16% مع بداية شهر أوت..، ولكن هذا التراجع المهم الذي أوردته الأرقام المعلنة من الحكومة لا يبدو محسوسا في الواقع، حيث لم يقع الإعلان عن انطلاق مشاريع استثمارية كبرى وذات طاقة تشغيلية كبيرة يمكن أن تقلّص في نسب البطالة بنقطتين بما يعني تشغيل آلاف العاطلين وهو ما لم يحصل على أرض الواقع وربما ذلك ما جعل هذه الأرقام التي أعلنتها الحكومة محل تشكيك.
بالإضافة إلى أن هناك تضاربا في الأرقام أحيانا، ففي آخر مرة أكد معهد الإحصاء إن نسبة البطالة في تونس تراجعت خلال الربع الثاني من السنة الحالية إلى 15.3% مقابل 16.1% خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية، حيث قدر عدد العاطلين من العمل إلى حدود نهاية جوان بـ626.1 ألف عاطل مقابل 653.2 ألف عاطل عن العمل في الربع الأول من السنة. كما يذكر المعهد أن نسبة البطالة لدى الذكور تراجعت بـ 0,2 نقطة خلال الربع الأول من السنة الحالية، لتبلغ 14,1 بالمائة في حين انخفضت بـ 0,4 بالمائة في صفوف الإناث لتبلغ 20,9 بالمائة.
وبالتالي حتى وإن انخفضت النسبة إلى 15 بالمائة فإنها تبقى نسبة مرتفعة وتتطلب حلولا عاجلة وهذه الحلول لن تكون أبدا في غياب مشاريع استثمارية كبرى قادرة على استيعاب آلاف العاطلين عن المختلف المجالات.
المؤسسات الصغرى والمتوسطة تنازع
لعبت المؤسسات الصغرى والمتوسطة في الاقتصاديات الناشئة والتي تعيش تطلعات نمو مهمة، دورا كبيرا في دعم الاقتصاديات الوطنية وفي استيعاب العاطلين وتوفير مواطن شغل ولكن المؤسسات الصغرى والمتوسطة تعيش منذ سنوات وضعا صعبا وعمقت جائحة كورونا أزماتها حيث قال مؤخرا رئيس الجامعة التونسية للحرفيين والمؤسسات الصغرى والمتوسطة زياد العمري، أن المؤسسات الصغرى والمتوسطة تمر بفترة حرجة بسبب التدهور المالي الذي أدى إلى دفع 465 ألف مؤسسة، أي ما يعادل نصفها، إلى حافة الإفلاس. كما أحيل 165 ألف عامل على البطالة وقد تراجع رقم المعاملات لهذه المؤسسات بنحو 80 في المائة وأغلقت 11 بالمائة منها نهائيا أي ما يعادل 78 ألف مؤسسة بالإضافة إلى ارتفاع المديونية الكبير الذي تعاني منه المؤسسات المتبقية..، ورغم هذه الوضعية الكارثية لم تضع وزارة الصناعة خطة إنقاذ واضحة لهذه المؤسسات حتى تحد من خسائر الاقتصاد الوطني وحتى تقلّص من حجم البطالة.
وفي الوقت الذي تعاني منه هذه المؤسسات من تدهور معاملاتها وتغرق في المديونية أصدر رئيس الجمهورية قيس سعيد في مارس الماضي مرسوما ينظم الشركات الأهلية التي يكون فيها المساهمون من سكان المنطقة وتتوفر فيهم صفة الناخب في الانتخابات البلدية.
وتم تصنيف هذه الشركات الأهلية ضمن خانة الشخصية المعنوية التي يتم إحداثها من طرف أهالي جهة أو منطقة معيّنة وتعمل على تأسيس العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات من خلال ممارسة جماعية للنشاط الاقتصادي، بحسب ما جاء في الفصل الثاني من المرسوم الرئاسي الخاص بتأسيس الشركات الأهلية، وهي تهدف إلى تحقيق التنمية ومن بين الامتيازات التي تتمتع بها هذه الشركات، إلى جانب الإعفاء الضريبي لمدة عشر سنوات التصرف في الأراضي واستغلالها لصالح المشاريع الفلاحية والإنتاج الغذائي.. ويرى الداعمون لفكرة الشركات الأهلية أن هذه الشركات خاصة في المجال الفلاحي يمكن أن تدعم هذا القطاع الحيوي وتعيد إلى الأراضي المهملة قيمتها وتوفر مواطن شغل لآلاف الشباب الراغب في الاستثمار بوجود تشجيع كامل من الدولة، ويرى أيضا بعض المختصين والخبراء في الاقتصاد أن هذه الشركات يمكن أن تسهم في خفض البطالة المرتفعة ولكن إلى اليوم وبعد أشهر من صدور المرسوم المنظم للشركات الأهلية فانه إلى لم يقع تنفيذ هذا المشروع على أرض الواقع.
لتبقى بذلك مشكلة البطالة مشكلة هزمت كل الأفكار التقليدية والمتعارف عليها، وبات الأمر يقتضي خطط عمل جديدة وأفكار مبتكرة وإلا فإننا نبقى ندور في حلق فارغة لا شيء فيها إلا البطالة والفقر وتدهور المقدرة الشرائية للتونسيين.